الحاج احمد البس …. من الليمان الى البرلمان

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الحاج أحمد البس ..من الليمان الى البرلمان

بقلم:المستشار عبدالله العقيل

مقدمة

سمعتُ عن الأخ الداعية الحاج أحمد البس، ثم التقيته أول وصولي إلى مصر سنة 1949م من خلال إخواني وزملائي أحمد العسال ويوسف القرضاوي ومحمد الصفطاوي ومحمد الدمرداش، الذين كانوا يشكلون مجموعة من طلبة الإخوان الأزهريين

ويقودون العمل الإسلامي ويتحركون في أوساط الطلبة ويزورون المدن والأقاليم والأرياف ينشرون دعوة الله، ويبشرون بحركة الإخوان المسلمين التي تعمل على إعادة الحياة الإسلامية إلى الواقع المصري، مترسمة خطى الدعوة الإسلامية الأولى التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم والتي لا صلاح للبشرية بدونها.

يقول الأستاذ جابر رزق في مقدمته لكتاب "الإخوان المسلمون في ريف مصر" لمؤلفه الأستاذ أحمد البس ما نصه:

"إن تاريخ جماعة الإخوان المسلمين هو في حقيقته تاريخ هذا الجيل الذي رافق الإمام الشهيد حسن البنا في إقامة هذا الصرح الشامخ، وواصل المسيرة مع الإمام الممتحن حسن الهضيبي، وصابر وثبت على الحق، حتى جاء فرج الله؛
فخرجوا من السجون والمعتقلات، مرفوعي الرؤوس، لم يحنوا رؤوسهم لطاغية أو لجبار، وواصلوا السير مع المرشد الثالث الأستاذ عمر التلمساني الذي استطاع على مدى الخمسة عشر عاما الأخيرة، أن يعيد للجماعة وجهها الوضاء ويدحض كل ما ألصق بها من تهم وافتراءات، وأصبحت جماعة الإخوان المسلمين واقعاً فعلياً في الساحة المصرية كأقوى قوة اجتماعية مؤثرة في المجتمع المصري" انتهى.

لقد كان الحاج أحمد البس نموذجاً رائعاً وقدوة حسنة للدعاة، في علمه وخلقه، ودينه وتقواه وسيرته ومعاملته، وكان التواضع والبساطة والكرم والبشاشة، من صفاته التي لا تفارقه، وهي قدر مشترك ينتظم معظم دعاة الإخوان المسلمين؛

وبخاصة الذين تربوا على يدي الإمام الشهيد حسن البنا ومرافقيه فترة من الزمن، فهذا الجيل له من الأخلاق العالية، والنفوس الكبيرة، والصلاح والتقوى، والصبر والثبات والعمل الدؤوب في الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله، نصيب كبير وجهد متواصل، وباع طويل، وعمل مُتقبل مشكور بإذن الله.

إن الأستاذ المربي والداعية الحليم الحاج أحمد البس كان له في نفوس الإخوان وبخاصة الشباب والطلاب منزلة ومكانة الأب والموجه والأخ والمعلم، حيث يحبونه غاية الحب، ويستجيبون لتوجيهاته التربوية دونما تردد، ويسيرون في ركاب الدعوة باندفاع وحماس؛

حيث يرون في أستاذهم القدوة الحسنة، فقد كانت الدعوة إلى الله هي همُّه بالليل والنهار، وقضايا الإسلام والمسلمين، هي شغله الشاغل، وقد وفقه الله لزوجة صالحة ومربية فاضلة كانت السند القوي، الذي يشد أزره، ويؤيد منهج الإخوان المسلمين، وكانت خدمتها لأبناء الدعوة لا تقل عن رعايتها لأولادها الذين وفق الله لتنشئتهم تنشأة صالحة، على مبادئ الإخوان المسلمين، فكانوا قرة عين للوالدين في البر والوفاء والصبر والثبات.

لقد ولد أستاذنا الحاج أحمد البس سنة 1915م ببلدة "القضابة" مركز "بسيون" في محافظة الغربية، وبعد إكماله الدراسة، عمل مدرساً في حقل التدريس ثم مدير مدرسة، ثم موجها بوزارة التعليم؛

وقد التحق بركب جماعة الإخوان المسلمين سنة 1939م، فعاش كل محن الجماعة، وقضى في سجون مصر سواء في العهد الأسود لإبراهيم عبدالهادي وآخر الأربعينيات أو في عهد طاغية العصر جمال عبدالناصر قرابة ربع قرن من الزمان كان فيها صابرا محتسبا آمنا مطمئنا، لم يهن ولم يضعف ولم يعط الدنية في دينه، وبقي على العهد حتى لقي ربه مأجورا إن شاء الله.

رئاسة الجمعيـة التربويـة

وقد تولى رئاسة الجمعية التربوية الإسلامية بعد تقاعده وهي جمعية أقامها الإخوان المسلمون بمصر للاهتمام بشؤون التربية والتعليم في مدارس الإخوان على مستوى الجمهورية، كما كان من نواب الإخوان في البرلمان في انتخابات 1987م؛

حيث اكتسح خصومه في الدائرة الانتخابية، وفاز بفارق كبير بالأصوات على مرشحي السلطة، وكانت مواقفه وإخوانه النواب في المجلس، تمثل نبض الشعب المصري، وصوت الإسلام المدوِّي، وكلمة الحق المجلجلة، في وجه الظلم والطغيان

وتطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية، ورفع المعاناة عن الشعب، وتربية النشء وفق منهج الإسلام، والتصدي لأعداء الدين في الداخل والخارج من اليهود والصليبيين والعملاء والمأجورين والملاحدة والشيوعيين والفسقة والعلمانيين.

ولقد كانت فترة اللقاءات مع أستاذنا أحمد البسّ تتكرر في القاهرة والأقاليم، وتشرَّفت بزيارته في بلدته ودخلت بيته وأكلت من طعامه وتوثقت الصلة به وبتلامذته وأبنائه، كما التقيته بعد خروجه من سجن الطاغية عبد الناصر في مصر بمكتب المرشد العام عمر التلمساني ثم محمد حامد أبو النصر بدار الدعوة وكذا التقيته في السعودية عدة مرات؛

وكان آخرها حين شرّفني بمكة المكرمة بمنزلي مع ابنه الدكتور عبد الحميد، والأخ الدكتور أحمد العسال، وكانت أحاديث وذكريات ودروس وتوجيهات وطرائف ومِلح، وقد أهداني كتابه القيم "الإخوان المسلمون في ريف مصر" الذي تحدث فيه عن تاريخ انتسابه للإخوان المسلمين سنة 1939م؛

حيث يقول:

"في يوم من أيام عام 1939م خرجت من منزلنا بالقضابة سائراً مع صديق لي هو عبد المجيد الخلالي، فقابلنا الأستاذ محمد إسماعيل حتاتة، الذي أعطانا إعلانا صادراً عن جماعة الإخوان المسلمين (فرع طنطا)
ثم قدم المهندس عبد السلام فهمي، والأستاذ محمود العجمي من الإخوان المسلمين وخطب كل منهما في مسجد من مساجد "القضابة"، وقد التقينا بهما، وسألناهما عن الفرق بين الإخوان المسلمين والشبان المسلمين؛
وما المقصود بدعوة الإخوان المسلمين، وحين شرح الله صدورنا اتخذنا مقرنا في البيت في حجرات الضيوف كشعبة من شعب الإخوان المسلمين وزارنا فيها الأستاذ عبد الرحمن الساعاتي ثم انتقلنا إلى مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم؛
حيث اشتركت مع زميلي عبد المجيد في البناء مع العمال، فكانت في الصباح لطلبة تحفيظ القرآن الكريم، وفي المساء لاجتماعات الإخوان المسلمين، وقد زارنا الإمام الشهيد حسن البنا، حيث صلى بالناس العشاء والتراويح، وسألهم كم عدد ركعات التراويح يصلون؟
فقالوا عشرين، فصلى بهم عشرين، مع أنه يصلي بالمركز العام بالقاهرة ثماني ركعات ، وقد سارت الأمور في القضابة، إلى أن صدر قرار من إخوان طنطا أن أنتقل إلى شعبة "بسيون" للإشراف عليها وكانت تضم حوالي عشرين قرية؛
وبقيت فيها من سنة 1939م إلى سنة 1954م حيث أنشأنا مستوصفا وفرقة للجوالة ساهمت في مكافحة الكوليرا سنة 1947م ومسجدا للصلوات الخمس والجمعة وداراً للسيدات ومدارس الجمعة للأطفال والناشئة ومدرسة ليلية للبنين ولجنة للمصالحات، وفض المنازعات بين الناس، ولجنة الحفلات والندوات، ولجنة تعاونية زراعية وتجارية ونادي للشباب ومآدب الإفطار في رمضان… إلخ".

ومن توفيق الله له في السجن أنه كان يحفظ القرآن الكريم كله وهو في سن العاشرة، وقد نسيه، وحين دخل السجن استعاد حفظه كاملاً في أربعين يوماً، وواصل قراءته كل عام سبعين مرة، وظل كذلك بعد خروجه من السجن، بحيث كان يقرأ القرآن الكريم كل عام خمسين أو ستين مرة حتى لقي ربه سنة 1992م عسى الله أن يجعل تلاوته للقرآن ذخرا له في السماء.

في داخل الزنزانـة

يروي الأستاذ الحاج أحمد البس عن بعض أحوالهم في السجون فيقول:

"رُميتُ في زنزانة إلى العشاء، ثم دُعيت للتحقيق على يد الضابط "أحمد صالح داود" وأجلسوني تحت قدميه، وأمرتُ بخلع ملابسي جميعاً، وطرحت أرضا على بطني، وانهال الضربُ على كل أجزاء جسمي، ثم أتوا بالعروسة الخشب وربطوني بها ونقشوا ظهري بالكرابيج؛
وكانوا يمرون علينا بالأسياخ المحماة ويلمسون أجسامنا حتى تبرد الأسياخ، فيأتون بغيرها حتى صرنا لا نحس بالحرارة، ولكن نسمع صوتها وهي تلمس الظهر أو الكتف أو الإلية، واستمر هذا التعذيب طوال الليل، وفي يوم من الأيام دعونا إلى الخروج من الزنازين إلى ساحة العنبر ثم الصعود مرة أخرى وبسرعة؛
وهكذا صعود ونزول سريع، مع الضرب بالكرابيج، وكان الجزء الأعلى من جسمي مكشوفا، لعدم قدرتي على لبس شيء عليه، لأنه يلتصق بالجروح، وفي مرة ونحن نصعد السلم ظن أحد الإخوان أني ألبس ملابسي، فأمسك بظهري ليستعين على الصعود؛
فقطع جلدي من رقبتي إلى أسفل بأصابعه وقد كان ذلك سهلاً لوجود القيح أسفل الجلد في جميع ظهري فانكشفت عظامي، فأخذني أحد الإخوان الأطباء المسجونين معنا، وأمرني بالنوم على بطني، وأخـــذ يرد جلد ظهري إلى مكانه؛
وقال لي الأخ الطبيب لقد أنقذك الله من الموت لأنني حين أرجعــت الجلد إلى مكانه قذفت القيح من تحته، ولو بقي هذا القيح يوماً آخر لوصل إلى صدرك ومت، وإن ما فعله الأخ الممسك بظهرك، كان رحمــة من الله بك.
وحين رحلت من السجن الحربي إلى ليمان طرة وجدت قرابة المائتين من الإخوان من بينهم منير الدلة وسيد قطب ومحمد يوسف هواش وحسن أيوب وحسن دوح وصالح أبو رقيق وكمال خليفة وغيرهم من الرجال الصابرين.
وفي يوم 1-6-1957م فوجئنا بحشد من الجنود والضباط، وبكميات من الذخيرة والأسلحة، والعصي والسياط، وكان ذلك عقب إحدى الزيارات حيث أدخل الإخوان الزنازين عصر الأمس وأخرجوا صباح هذا اليوم وقيدونا بالسلاسل الحديدية، التي تتسع كل واحدة منها لعشرين أو ثلاثين أخا؛
وبدؤوا بالسلسلة الأولى التي ضمت عبد الحميد الخطابي وأحمد البس وعبد الرزاق أمان، وهكذا تم سلسلة خمسة عشر أخاً، ثم توقف مجيء الإخوان من الزنازين، لأنهم أدركوا أن هذا الأمر لتصفيتهم جميعاً، حين خروجهم للجبل مسلسلين؛
فما كان من إدارة السجن وعلى رأسها السيد والي إلا إصدار الأوامر بإطلاق النار على الإخوان وهم داخل الزنازين واستمر إطلاق النار قرابة الساعة، وكانت الحصيلة 21 قتيلاً، و 22 جريحاً، وخشي المنفذون أن يكون أي تحقيق من النيابة فأخذوا يوسِّعون مكان الطلقة بالسكاكين، ليوهموا المحققين بأن الأمر معركة بالسكاكين بين الإخوان أنفسهم؛
وفي اليوم التالي خرج 21 نعشاً ليلاً تحت الحراسة المشددة للدفن، وجاء صلاح الدسوقي ليهنئ قائد السجن السيد والي وزملاءه عبداللطيف رشدي والنصراني متى وأحمد صالح داود وعبدالعال سلومة وغيرهم، وقال أحد الضباط إن المذبحة بأمر السيد الرئيس جمال عبد الناصر، لأن الإخوان بالأردن أفسدوا الانقلاب الذي دبَّره ضد الملك حسين، فانتقم من الإخوان المسجونين بمصر مقابل ذلك.
ثم نُقلت إلى سجن القناطر لأكثر من عام وإلى سجن الواحات الخارجة والمحاريق حوالي الخمس سنوات ثم إلى سجن أسيوط وسجن القاهرة قرابة العامين، ثم إلى سجن قنا حوالي الست سنوات….".

وهكذا قضى الداعية الصابر فترة زادت على ربع قرن، متنقلاً بين سجون الطغاة، من سجن إلى سجن، ومن عذاب إلى عذاب، ولكنه عذاب الدنيا، وابتلاء الله لعباده المؤمنين، ليميز الخبيث من الطيب، وتلك سنة الله في عباده المؤمنين: "الم. أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُفتنون" (العنكبوت: 1،2).

يقول أستاذنا البسّ:

"شاء الله أن أدخل السجن، بسبب انتمائي لجماعة الإخوان المسلمين بعد عشر سنوات من زواجي، وخرجت بعد قضاء هذه المدة الطويلة، بعيدا عنها وعن أولادنا، فوجدت زوجتي أزكى ما تكون زوجة، والأولاد أحسن ما يكونون خلقا وعلما وأدبا، وقد أراد الله أن تكون محنتي مصحوبة بالعزة والكرامة، فإيمان هذه الزوجة أن تجوع وتمرض وتسافر وتحزن وتتألم وتسهر وتمشي وتكدح وحدها وسط هذه المحنـة الطويلة العريضة العميقة، بعيدا عن أسماع الناس وأبصارهم".

ويقول عن أستاذه حسن البنا:

"كان مسلما يمشي على الأرض رأى منه الإخوان كيف يفسر الإسلام، ويطبِّقه على نفسه، في الأكل والشرب والغضب والرضا، حتى أن الإخوان استفادوا من سلوكه العملي أكثر من سلوكه الخطابي وإن كان الاثنان لا يقلان عن بعضهما، حسن البنا شخصية لم أر مثلها ولعله ممن أشير إليهم أن الله تعالى يبعث على رأس كل قرن من يجدد للأمة أمر دينها"

وقال عن أستاذه حسن الهضيبي:

"رجل عظيم، ومسلم منظم، وقائد حكيم، فُرضت عليه القيادة وهو كبير السن، مريض الجسم، لقد صمد الرجل صمود الأبطال، وضرب المثل المشرف الجميل، وسار بالدعوة يدفعها إلى الأمام، يزور البلاد ويواجه المشكلات ويتعرض للأزمات والدعوة منطلقة من يديه وبمساعدة الإخوة الخلصاء وقبل هذا بتوفيق الله تعالى إلى بلوغ مناها من تجميع وتكوين وتركيز وإصرار؛
وفي سنة 1954م تم القبض على ثمانية عشر ألفاً من الإخوان إرضاء للصهيونية العالمية والشيوعية الدولية والرأسمالية الغربية، وحكم بالإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة وغير المؤبدة، على ألف منهم وحجز الباقي في السجون والمعتقلات سنين طويلة.
وفي سنة 1965م قبض على خمسة وأربعين ألفاً من الإخوان المسلمين وحكم بالإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة والأشغال على نصف ألف منهم وحجز الباقي في المعتقلات والسجون سنين طويلة، وأبيد منهم العشرات بل المئات بالتعذيب والضرب بالنار، وقد واجه الأستاذ حسن الهضيبي كل ذلك بصبر واحتساب إلى أن لقي الله عز وجل".

ومن أقوال أستاذنا المربي الكبير أحمد البس:

العبرة دائما بالنتائج لا بالمقدمات، فكثيرا ما تبدأ الأمور بارتياح وسرور وتنتهي بحزن وألم والعكس بالعكس ومن الأمثلة في الأمور المهمة غزوة بدر الكبرى التي ابتدأت بأن المؤمنين أذلة وأن فريقا من المؤمنين لها كارهون وقد ذهبوا للمعركة كأنما يساقون إلى الموت ولا يودون ذات الشوكة، ويجأرون بالاستغاثة ويغشاهم النعاس، وينزل عليهم المطر، ويزحف عليهم العدو، ولكن النتيجة بعد ذلك النصر المبين، فيقتلون من أعدائهم سبعين ويأسرون مثلهم "ليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا".
رحم الله أستاذنا الداعية المربي وجمعنا الله وإياه في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

المصدر