إنقاذ الأمة لا يأتي من خارجها

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
إنقاذ الأمة لا يأتي من خارجها
د. الواعى.jpg

بقلم د. توفيق الواعي

إن عدم التفكير في طرق لإنقاذ الأمة اليوم من محنها جريمة قومية، والقعود عن دفع الأعداء، وتحريك الهمم للخروج من الأزمة المحيطة بها خيانة عظمى، والتهوين للمخاطر والحوادث التي تعصف بمجتمعاتنا كارثة يجب الحذر منها، واللعب على معاناة الناس وآلامهم جنون معروف العواقب محسوب النتائج يجب الابتعاد عنه، والأمة اليوم تحتاج إلى كل عقل وكل ساعد وكل عزم وهمة، كما تحتاج إلى الإخلاص والجد والفاعلية، وينقصها التفكير السليم، والتنظيم الدقيق، والإستراتيجية الواضحة، لرؤية الواقع ومعرفة الحاضر، واكتشاف المستقبل، تحتاج إلى تفعيل لدور الشباب تفعيلاً صحيحًا وحقيقيًّا وجديًّا بما يوافق طبيعة الدور الذي يجب أن يقوم به، فدور الشباب في أمة أو دولة متخلفة غيره في أمة رائدة، ودوره في أمة تحت النفوذ الأجنبي غيره في أمة حرة مؤثرة، ودور الشباب في أمة فقيرة الموارد أو المواهب غيره في أمة ثرية بالموارد والمواهب، ودوره في أمة تكنولوجية غيره في أمة أميِّة من دول العالم الثالث، ودوره في أمة استشرى فيها الطغيان الداخلي ولو كان باسم الحرية أو الشعارات المختلفة، أو ازدادت فيها وسائل الظلم باسم العدل وباسم الشعب، غيره في الأمة الدستورية، أو دولة المؤسسات، ودوره في دولة منتجة فاعلة غيره في دولة الديون والمساعدات والقروض، أي فأدوار الشباب في الأمم تختلف بالنسبة إلى اختلافها، وتتنوع بالنظر إلى تنوعها.

فالشباب في الأمم المهزومة صناعيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا غيره في أمة وطيدة الأركان، صحيحة البنيان في كل شأن وأمر، لا يسمح نظامها ولا دستورها ولا رعاياها بالتخلف أو بنمو الطغيان فيها أو العدوان على القيم والسيادة على أراضيها، كما أن دور الشباب في القرن الـ21 يختلف عن دوره في القرن الـ20، كل ذلك لا يُفهم فهمًا صحيحًا، ولا يُدرك إدراكًا فاعلاً إلا بنظر وبصيرة متخصصة ومخلصة ودؤوبة تعلم بجد، وتعمل بعزم، وتقود بكفاءة، كما أن دور التعليم وأساليبه ومناهجه تختلف كذلك في الأمم الناهضة والرائدة عنه في الأمم غير الناهضة أو المتخلفة، كما أن إستراتيجيات الأمم تختلف كذلك تبعًا لأحوالها، ويدخل فيها حسابات كثيرة، لا بد لها من معالجتها وتخطيها:

1- يدخل فيها حجم التمزق الواقع في الأمة اليوم من دول متناحرة، وأفكار متضاربة ومصالح متشابكة، وسلطات متنافرة، وواقعيات اجتماعية واقتصادية م

2- يدخل فيها أنواع الاستبداد المختلفة استبداد القوانين، استبداد العادات، استبداد السلطات، كل ذلك ناءت تحته الشخصية الشرقية المسلمة، وتضعضعت وانكبتت أفكارًا وشخصية وموهبة.

3- يدخل في ذلك المؤثرات الخارجية والضغوط العدائية والاستعمارية التي ألغت القرار القومي، وكرّست التبعية، وتناست المصالح، والأهداف والغايات، وقادت الأمة إلى السلبية والاتكالية رجاء أن يدافع الاستعمار عنا، وأن يحل مشاكلنا، وهذا خطأ ووهم يجب أن نتخلص منه، وأن يعيه كل عاقل، ونرى حتى الأعداء الذين يمتصون دماء الآخرين يعون ذلك.

فنرى (حاييم أورون) عضو الكنيست الإسرائيلي، وأحد مؤسسي حركة السلام يقول: (لكل الإسرائيليين الذين اعتقدوا أن الأمريكيين سيقومون بالعمل على حل المشكلة- يقصد الصراع بين اليهود والعرب- بدلاً منا، أقول لهم لقد أخطأتم الظن، وهكذا سيكون الأمر في المستقبل أيضًا، إن القوتين العظميين لن تعملا على حل المشكلة بدلاً عنا؛ لذلك يجب أن تصدر المبادرة عنا وليس عنهم).

ولا أريد أن أناقش هذا الأمر تفصيلاً؛ أمر التحديات التي تواجه الأمة اليوم والبرامج اللازمة لذلك، وإنما أحب أن أقول إن الحلول مهما كانت لا بد أن تنبع من الأمة، وأن تتعوَّد الأمة الاعتماد الحقيقي على النفس، وهذا ما قصده أبو الفرج الجوزي رضي الله عنه حينما قال: "ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه، ودرك وقته، فلا يُضيع لحظةً من غير فائدة، ويقدم الأفضل فالأفضل في القول والعمل".

وفي عصور التقهقر والرغبة في النهضة، وفي زمن الغطرسة الأجنبية على الأمة، وفي زمن الهجمة الثقافية الشرسة على شعوبنا، وفي الزمن الذي يفكر فيه العالم بتحويل الكواكب إلى بيئات مناسبة للحياة البشرية، ينبغي أن ندرك المعنى الذي ردَّده ابن تيمية رضي الله عنه، حين قال: إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات، ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات، والآن لم يقتصر الوضع على هذا، فتدرَّج إلى هجمة عسكرية يخوضها البعض أصالةً عن نفسه ووكالةً عن قوى معينة تريد ذلك، وتسعى إليه، وتدبر له.

إذن فالهجوم على الأمة والذي يشنُّه أعداؤها، سواء بواسطتهم أم بالوكالة، يتخذ أشكالاً متعددة من المقاومة الأيديولوجية إلى المقاومة الثقافية إلى المقاومة القتالية، وهذا تعتبره الثقافة الغربية للأسف حقًّا مشروعًا لحماية مصالحها، ولدوام السيطرة على الأمم الضعيفة التي تسميها هزءًا بالصديقة.

كل هذا وهناك عدوٌّ مغتصب يريد أن ينقضَّ على الأمة، وهو إسرائيل، ينقضَّ على الأمة عسكريًّا واقتصاديًّا بكل شيء، بالقنابل النووية، بالطائرات الحربية، بالصواريخ، وبكل آلات القتال الحديثة التي استعدت بها، وبينت عدوانها، وأعدَّت جندها من زمن، يوضح هذا الأستاذ (جوداس ماجنيس) رئيس الجامعة العبرية في القدس منذ 1926 م فيقول: إن برنامج بلتيمور لعام 1942 م، الذي قضى بإنشاء دولة يهودية في فلسطين (سيؤدي إلى حرب ضد العرب)، وعند إلقائه لبيانه عند افتتاح هذه الجامعة العبرية في عام 1946 م والتي رأسها منذ 20 عامًا، قال: "إن الصوت اليهودي الجديد يتكلم عبر فوَّهة البنادق، وهذه هي التوراة الجديدة لأرض إسرائيل، لقد تكبَّل العالم بقيود جنون القوة المادية، وليحفظنا الرب من اقتياد اليهود وشعب إسرائيل إلى هذا الجنون، إنها يهودية ملحدة تلك التي طغت على جزء كبير من الشتات القوي، وكنا نعتقد زمن الصهيونية الرومانتيكية أن صهيون ينبغي افتداؤه بالاستقامة والنزاهة، ويتحمَّل جميع يهود أمريكا هذه الغلطة وهذا التحول، حتى من لم يوافق على تصرفات الإدارة الملحدة، ولكنهم ظلوا قاعدين مكتوفي الأيدي، إن تخدير المعنى الأخلاقي يؤدي إلى الضمور والهزال".

إن إنقاذ الأمة من هذه الكوارث غير الطبيعية يقتضي رجوعًا إلى الذات، ويحتاج إلى صحوة ترد الأمة، ويقظة تأخذ بيدها، وتدافع أولاً: عن المواقع الحضارية للأمة، وثانيًا: مقاومة الضغوط الهجومية المتلاحقة لحالة الاختراق الغربي، رغم لجوئها أحيانًا إلى العدة المنهجية والثقافية التي يمتلكها الخصم، ورغم استعانته اليوم بإعلام غازٍ وكوادر مدربة ومؤهلة لإتقان فعل الاختراق الحضاري والثقافي في شتى الأقطار الإسلامية، ولعل مالك بن نبي لم يخطئ الحقيقة حين دعا إلى صحوة وإلى إفاقة ثقافية إسلامية وسماها (مانعة الصواعق)، ولهذا لن تظل قيودًا أبد الدهر، ويجب أن لا نيأس من العلاج بل سنصبر على آلامه، ولا ينبغي أن يقوم به إلا نحن، ولا ينبغي أن نحتقر جهود كل مخلص، وإن من واجبنا أن نواصل الإصلاح حتى النصر، وإذا لم يقم في بلادنا جهد المخلصين، وعمل المتخصصين، وكفاح المؤمنين فعلى الدنيا العفاء، وعلى الأمة السلام، فواجب كل منا أن يتقدم ليحمل ولا يحتقر نفسه، أو يمنع جهده، أو يحجز عزمه، وكم من أمم قد تعرضت لحوادث الزمن بما هدَّد كيانها، وصدَّع بنيانها، وأمكَن الداء منها فبدت هزيلة ضعيفة، ونال منها عدوها، وتنافس الطامعون عليها، فقام أبناؤها، وتولَّى المخلصون فيها إنقاذها، وكشف الغمة عنها.

فأول خطوات الإنقاذ الثقة التي تقهر اليأس، والخبير الذي يعرف الداء، والنطَّاس الذي يتولى العلاج، والصبر الذي يحقق الغاية حتى يتم الشفاء، ويذهب الداء، وأظننا سنفعل ذلك إن شاء الله.

المصدر


قالب:روابط توفيق الواعى

قالب:روابط توفيق الواعى