إخوان الأردن - لمحات في مسيرة الدعوة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
إخوان الأردن - لمحات في مسيرة الدعوة


الكاتب: إخوان الأردن

أنشئت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن عام 1945م، حيث كانت الجماعة في تلك الفترة تعيش مداً جماهيرياً، بسبب مواقفها وجهادها في قضية فلسطين والقضايا التحررية في العالم العربي، وكان التأسيس بمبادرة من الحاج عبد اللطيف أبو قورة، الذي اتصل بالمرشد العام حسن البنا رحمهما الله، وتعرف على الجماعة وكان عضواً في الهيئة التأسيسية في مصر.. ومن أهم أعمال الجماعة في هذه الفترة : إقامة الندوات والمحاضرات والاحتفالات الإسلامية والدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما ساهمت ممثلة بشخص قائدها الحاج عبد اللطيف أبو قورة، رحمه الله، في إنشاء الكلية العلمية الإسلامية في عمان، والمشاركة كذلك في رابطة العالم الإسلامي، والمؤتمر الإسلامي، ولجنة نصرة الجزائر، والمؤتمر الإسلامي لبيت المقدس، وغيرها وشارك الإخوان في حرب فلسطين عام 1948م بسرية أبو عبيدة عامر بن الجراح، وكان مقرها في قرية عين كارم، حيث كان قوامها 120 رجلاً وبقيادة الحاج عبد اللطيف أبو قورة، واستشهد عدد منهم، من بينهم الشهيد سالم المبسلط، والشهيد بشير سلطان.

19521967

اختير أواخر عام 1953 الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة مراقباً عاماً للجماعة، حيث تم إنشاء نظام أساسي، وإنشاء هيئة عامة في كل شعبة تنتخب هيئة إدارية، كما تم انضمام الجماعة في فلسطين إلى شقيقتها الأردن لتشكل جماعة واحدة، وقد اهتم الإخوان بمخيمات اللاجئين، حيث افتتحت بعض الشعب الجديدة وأنشأت بعض المدارس منها مدرسة البر بأبناء الشهداء في مخيم عقبة جبر.

وأصدر الإخوان في هذه الفترة مجلة الكفاح الإسلامي، التي كان يرأس تحريرها الأستاذ يوسف العظم، وتم إصدار أحد عشر عدداً منها، ثم أغلقت بقرار من الحكومة في حينها.

ودعوا إلى عقد مؤتمر إسلامي عالمي خاص ببيت المقدس، وعقد المؤتمر عام 1953م في القدس بمشاركة واسعة من علماء ومفكرين وقادة إسلاميين من مختلف أقطار العالم الإسلامي، وكان للإخوان مشاركة واسعة في مختلف هيئاته ولجانه المختلفة.

وفي عام 1945 أصدرت الجماعة بياناً حددت فيه سياستها بالخطوط العريضة التالية : إن الأردن جزء لا يتجزأ من العالم الإسلامي، وإن الحكم بشريعة الله هو مطلب الإخوان وغايتهم في هذه الدنيا، وإن قضية فلسطين قضية إسلامية ولا بد أن تحشد لها جميع الإمكانات المادية والمعنوية لتحريرها من اليهودية العالمية والصليبية الدولية.

وفي عام 1954 احتج الإخوان على وجود ضباط إنجليز في الجيش العربي، وطالبوا بترحيلهم، ونظموا المظاهرات المعادية للاستعمار، كما هاجموا حلف بغداد، واعتقل المراقب العام عام 1955، كما عارضوا مبدأ إيزن هاور عام 1957 المعروف بمبدأ ملء الفراغ في الشرق الأوسط، ونظموا مظاهرات احتجاجية على أثر استدعاء قوات بريطانية عام 1958 واعتقل المراقب العام مرة أخرى عام 1958 وكان عضواً في البرلمان.

شارك الإخوان في الانتخابات النيابية عام 1956، ونجح لهم أربعة مرشحين من ستة، ووقفوا ضد الفساد الذي كانت تمارسه الحكومة، ومنه إقامة حفل راقص على الجليد في عمان، وذلك عام 1960 حيث اعتقل عدد من أفراد الجماعة وعلى رأسهم المراقب العام الذي بقي في السجن مدة ستة أسهر.

كما شارك الإخوان في الانتخابات النيابية عام 1963، ونجح لهم اثنان وانشأوا مع مجموعة من الشخصيات الإسلامية والعامة جمعية المركز الإسلامي الخيرية التي أصبح لها فروع في مختلف مدن المملكة، وأنشأت المستشفى الإسلامي في عمان والعقبة وعدة مدارس ومعاهد.. وقد شهدت هذه الفترة انحساراً في المد الإسلامي، في مقابل المد اليساري والقومي.

1967 - 1989

بدأ المد الإسلامي بالتنامي والمد القومي واليساري بالانحسار بعد هزيمة عام 1967، وقد شارك الإخوان المسلمون في العمل الفدائي ضد الكيان الصهيوني من خلال حركة فتح، حيث أقاموا ثلاثة معسكرات، ونفذوا مجموعة من العمليات الناجحة ضد أهداف صهيونية، وقد عمل في هذه المعسكرات حوالي 180 مجاهداً متفرغاً إضافة إلى العديد من المتطوعين على فترات متقطعة، كما استشهد عدد من هؤلاء المجاهدين في هذه الفترة هم : صلاح حسن (مصر) مهدي الأدلبي (سوريا) رضوان كريشان (الأردن)، محمد سعيد باعباد (اليمن) ابراهيم عاشور (فلسطين) رضوان بلعا (سوريا) محمود برقاوي (الأردن) صلاح الدين المقدسي (فلسطين) زهير سعدو (سوريا) نصر العيسى (سوريا) سليم المومني (الأردن) يعقوب عيسى (سوريا) وفي عام 1970 وقف الإخوان موقفاً حاسماً من الفتنة ورفضوا أن يعينوا فريقاً ضد فريق وأكدوا أنهم إنما حملوا السلاح لمقاتلة أعداء الأمة المحتلين اليهود، وشهدت فترة السبعينيات مداً إسلامياً كبيراً، حيث تدفق الشباب على الجماعة التي ركزت في هذه المرحلة على التربية والدعوة، واتجهت نحو التوسع في العمل النقابي وشاركت في الانتخابات النيابية التكميلية عام 1984 إذ حصلت على مقعدين آخرين في المجلس فأصبح لها أربعة نواب، وشارك الإخوان في الانتخابات البلدية في اربد ومادبا وسحاب، وتقدم الإخوان في قيادة العمل الطلابي في الجامعات، كما عارض الإخوان معاهدة كامب ديفيد بين مصر والكيان الصهيوني، التي تؤدي إلى الاعتراف بالكيان الصهيوني، وتنهي الحرب معه وتضفي الشرعية على اغتصابه، كما تؤدي إلى إشعال الفتنة الطائفية في لبنان وحصار المقاومة الفلسطينية، وأكدوا على أن قضية فلسطين هي قضية عقيدة وقضية مقدسة لدى مسلمي العالم جميعاً، ونددت بالعدوان الصهيوني على لبنان وعلى المقاومة الفلسطينة وبالمذابح الإجرامية في مخيمات تل الزعتر وصبرا وشاتيلا.. وشهدت هذه الفترة توتراً في العلاقة مع النظام، حيث فصل عدد كبير من الإخوان الأساتذة في الجامعات وفي غيرها من المواقع الوظيفية وبقي الأمر كذلك حتى عام 1989، كما أيدت الجماعة ودعمت الانتفاضة المباركة في فلسطين.

1989 - 1998

اتسعت مشاركة الجماعة السياسية والعامة في هذه الفترة، حيث كانت الأكثر حضوراً ونجاحاً بين القوى السياسية المختلفة، إذ حصلت في المجلس النيابي الحادي عشر على اثنين وعشرين مقعداً بالإضافة إلى رئاسة المجلس لثلاث دورات متتالية، كما شاركت بخمسة وزراء في عام 1991، وفي عام 1993 حصلت على سبعة عشر مقعداً، بعد إصدار قانون انتخابي جديد سمي بقانون الصوت الواحد، حيث أكد كثير من السياسيين والشخصيات الوطنية وحتى بعض المهتمين الأجانب بالشأن الأردني بأن هدف هذا القانون هو محاصرة الحركة الإسلامية وتقليل فرص نجاحها.

وتم في هذه الفترة إنشاء حزب جبهة العمل الإسلامي سنة 1992، وذلك بالتعاون مع شخصيات إسلامية عامة، كما شاركت الجماعة في الانتخابات البلدية لعام 1995 وفاز مؤيدوها وأنصارها في عدد من البلديات، وفي عام 1994 تم انتخاب مراقب عام جديد هو الأستاذ عبد المجيد ذنيبات، وعقدت في عام 1996 مؤتمراً داخلياً لتقويم مسيرة خمسين سنة.

ونتيجة لاستمرار التراجع في الممارسة الديمقراطية والتضييق على الحركة الإسلامية بعد توقيع معاهدة وادي عربة التي عارضتها الجماعة بشدة، رأت أنه لا بد من مراجعة المشاركة السياسية الرسمية ومنها المجلس النيابي، واحتجاجاً على هذه الحال، ولتحسين شروط المشاركة السياسية قررت الجماعة مقاطعة الانتخابات النيابية لعام 1997 وأصدرت بذلك بياناً ضافياً – اعتبر وثيقة تاريخية – توضح فيه رؤيتها للواقع العام وهذا نصه :

بسم الله الرحمن الرحيم
( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعمّا يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيراً ) [النساء58]
' هذا بيان للناس '

في عام 1989م انبعث الأمل الكبير بتحولات ديمقراطية تدفع الأردن المجتمع والدولة قدماً على مدارج النماء والازدهار، وتفاعلت جماعة الإخوان المسلمين مع المعطيات السياسية الجديدة بما توفر لديها من عزم صادق وإمكانات، تستكمل في ذلك برنامجها السياسي في مشروعها الشامل في بناء الوطن وخدمة المجتمع بمنهجية تتأسس على التوسط والاعتدال، والذي حققت من خلاله إنجازات مشهودة للمجتمع في المجال الخيري الاجتماعي والثقافي التربوي والصحي الخدمي، وفي مجال التوجيه والإرشاد عبر عقود من الزمن يشهد بها الواقع والأجيال، تفاعلت بإيجابية فائقة مع مقتضيات هذه التحولات ولزوميات المرحلة، فكانت المشاركة الواسعة في المجلس النيابي الحادي عشر، ثم في صياغة الميثاق الوطني مع بقية الاتجاهات الفكرية والقوى السياسية، وفي التشكيل الوزاري عام 1991م، والذي تم في ظروف محلية وإقليمية بالغة الصعوبة، وتعاملت مع واقع التعددية السياسية بقناعة وصدق وإيجابية، وعلى الرغم من حل مجلس النواب قبل انتهاء ولايته القانونية، وصدور قانون الصوت الواحد المؤقت عام 1993م القانون الذي استهدف الحركة الإسلامية تحجيماً ومحاصرة، كما أكدت شهادات الكثير من قادة الفكر والرأي والعمل العام، محلياً وعربياً وعالمياً، والذي اثخن في النسيج الاجتماعي تمزيقاً وتفكيكاً وشل قدرات القوى السياسية الشعبية في تطوير الحياة السياسية والاجتماعية، وفي إمكانية الوصول إلى تداول حقيقي للسلطة والتأثير في القرار السياسي والتشريعي وعلى الرغم من كل ما كان متوقعاً من سلبيات هذا القانون على المستوى الوطني وعلى صعيد الحركة الإسلامية شاركت الجماعة في انتخابات عام 1993م، وذلك تقديراً منها لحداثة التجربة وحاجتها لأجواء طبيعية، وفرص مواتية، وجهود صادقة، تتجذر من خلالها، وتنمو في ظلالها وتحافظ على تماسك الدولة والمجتمع، لأجل تحقيق الأردن المجتمع والجماعة النموذج الأكثر تقدماً وإشعاعاً حضارياً في المحيط العربي..

إلا أن الإعاقات والتشوهات التي أحدثها هذا القانون في العملية الشورية والديمقراطية تعمقت مع مرور الوقت، وقد تجلى ذلك في فرز مجلس نيابي لا يمثل الضمير الشعبي العام، ولا الشرائح الاجتماعية المختلفة، وتديره الحكومة وتمرر من خلاله كل التشريعات والقوانين والقرارات التي تريد.

وبعد أن تبين كل هذا.. وبعد كل الرفض الذي واجهه هذا القانون من مختلف الاتجاهات والفعاليات الاجتماعية والشعبية، فقد تم تحويله إلى قانون دائم للانتخابات من خلال مجلس الصوت الواحد، الأمر الذي عبر عن استخفاف كبير بكل القوى الشعبية ومؤسسات المجتمع المدني والفعاليات السياسية.

الحالة الراهنة.. تراجع مستمر

إذا كانت فترة مجلس النواب الحادي عشر بين عامي 89-93 قد شهدت نهوضاً ديمقراطياً تجلى في إصدار جملة من القوانين تؤسس لحياة سياسية أكثر تقدماً مثل قانون الأحزاب، وقانون المطبوعات والنشر لعام 1992م، وقانون محكمة أمن الدولة، وقانون البلديات، وإلغاء قانون الأحكام العرفية، وتعزيز الأمل بمستقبل مشرق من خلال المتابعة الجادة لقضايا الفساد ومحاولة إصدار قانون (من أين لك هذا) وفي التوحد في الموقف الرسمي والشعبي أزاء العدوان الصليبي الصهيوني على العراق وما تلاه في تلك الفترة، وفي أروع صورة عربية إسلامية، إلا أن الفترة اللاحقة بين عامي 93-97 قد شهدت تراجعاً كبيراً وتدهوراً خطيراً في مختلف المجالات ومنها :

1- في مجال العمل النيابي والتشريعي:

فقد شهدت هذه المرحلة أكبر المعالم الدالة على تدهور الديمقراطية ابتداءً بإجراء انتخابات نيابية على أساس قانون الصوت الواحد المرفوض شعبياً ومن قبل قطاع رسمي كبير، والتدخل الحكومي في نتائج هذه الانتخابات في عدة دوائر ضد الحركة الإسلامية خاصة، ولصالح بعض مرشحي الحكومة.. وقد عززت الحكومات المتعاقبة قبضتها على المجلس من خلال المحاصرة لنواب المعارضة وفي مقدمتهم نواب الحركة الإسلامية بتحديد عددهم أولاً بتزوير الانتخابات، ثم في الحيلولة دون نجاحهم بتقديم خدمات للمواطنين في دوائرهم كبقية النواب، ومن خلال توجيه عدد كبير من النواب الآخرين، بتحقيق كثير من المصالح والمكاسب الشخصية، حيث ساعدت على ذلك تركيبة مجلس الصوت الواحد، وعملت الحكومات، وبطرق عدة لحصر جهود النواب في المسائل الخدمية، الذي مكنها من تمرير كل القضايا التشريعية والسياسية التي تريد والتحكم بالمجلس لامتلاكها كل الإمكانات والتسهيلات في مجال الخدمات العامة، حيث أخذت توزعها حسب تجاوب النواب معها ورضاها عن أدائهم، كما حالت دون صدور قانون نقابة المعلمين، وقانون اتحاد طلبة الأردن،وماطلت في إصدار قانون من أين لك هذا، وعدلت في قانون محكمة أمن الدولة، وأصدرت حزمة من التشريعات والقوانين التي تسهل للعدو الصهيوني الدخول للوطن وأن يعيث فيه فساداً، وفي تنفيذ مشروعه التوسعي العدواني، وفي قانون معاهدة وادي عربة، وإلغاء قانون حظر بيع العقارات للعدو اليهودي، وقانون الشركات وقانون تشجيع الاستثمار الذي يسمح لراس المال الأجنبي ومنه الصهيوني في شراء حصص الدولة في أكبر المؤسسات الاقتصادية التي تمثل عصب الاقتصاد الأردني، كشركة البوتاس، والفوسفات، والإسمنت، وتم إقرار قانون الصوت الواحد حتى بعد أن اتضحت آثاره السلبية وفعاليته في إفساد الحياة النيابية والسياسية، واجتاحت الردة الديمقراطية اتجاهاً آخراً، في إصدار قانون المطبوعات والنشر المؤقت الذي مثل مجزرة لديمقراطية الصحافة وحرية الكلمة، فشكل بذلك مع قانون الصوت الواحد تقويضاً لركنين أساسيين من أركان الديمقراطية.

2- في مجال الحريات العامة واليمقراطية والأحزاب:

شهدت هذه الفترة توسعاً في الاعتقالات التعسفية وخاصة بين أبناء الجماعة والمتعاطفين مع حركة المقاومة الإسلامية حماس، دون مبرر، حيث تعرض بعضهم إلى ألوان من التعذيب النفسي والجسدي لم يسبق له مثيل في هذا البلد وجرى اعتقال عدد كبير من المواطنين إثر رفع أسعار الخبز، وتم ملاحقة العديدين بتهمة إطالة اللسان، ومحاكمتهم وإصدار أحكام قاسية بحقهم، علاوة على منع الأغلبية العظمى من أنشطة وفعاليات الأحزاب السلمية التي تعبر من خلالها عن موقفها ووجهة نظرها، ولإيصالها إلى قطاعات المواطنين، وتم التعامل مع أحزاب المعارضة وكأنها أحزاب غير مشروعة، وعملت من خلال عدة ممارسات وإجراءات في إبقائها تعيش حالة من الترقب والتوجس، خشية من التدهور المتوقع للديمقراطية، والتضييق المضطرد على الحريات العامة، بدلاً من تفعيل دورها في المحافظة على المسيرة الشورية الديمقراطية وترقيتها وفي تحقيق التنمية الوطنية الشاملة أو السلام والأمن المجتمعي، مما يهدد عملياً تقويض الركن الثالث للديمقراطية والمتمثل بالتعددية السياسية والمؤسسة الحزبية، ولم ينج من هذا التضييق مؤسسات وأنشطة العمل الاجتماعي التطوعي، والتي كونها المواطنون بمبادراتهم الذاتية، وقدموا من خلالها خدمات كبيرة تعتبر جزءاً من عملهم التطوعي والراقي في مجال التنمية الاجتماعية، وفي ظل أحوال يتضخم فيها الفقر والبطالة، وقد كان للإسلاميين السبق والجهد الأوفر في ذلك، وهو فعل رائد لا ينكره منصف في هذا المجتمع، يضاف إلى ذلك تدخل الأجهزة الأمنية في النقل التعسفي لأعداد من الموظفين،وفي ترقيتهم أو في حرمان بعضهم من حقوقهم الوظيفية أو البعثات التعليمية لهم أو لأبنائهم.

3- في مجال الإدارة ومحاربة الفساد:

لقد أُقِرَّ بوجود الفساد الإداري والمالي وعلى أعلى المستويات، وأُعلن عن تشكيل لجان أو دوائر للتطوير الإداري أو المتابعة والتفتيش، إلا أن الفساد الإداري والاعتداء على المال العام ازداد استشراءً.. إن التمكين لمجلسٍ نيابيٍ منتخب بقانون عادل وبانتخابات حرة وبمنهجية سليمة، هو الضمانة الحقيقية لمحاربة الفساد الإداري والمالي، حيث لا يتم الإصلاح بغير منهج مصلح أو رجال أكفياء صالحين.. وما دامت أساليب الإدارة باقية على حالها وأسس انتقاء كبار رجال الدولة وموظفيها على نفس الأسس، فلا يُتوقع تغيير إيجابي.

4- في المجال السياسي:

لقد كانت وما زالت معاهدة وادي عربة وملحقاتها، تشكل أشد الأخطار على الأردن الدولة والمجتمع، وجوداً وبقاءً، هوية وانتماءً، دوراً وسيادةً، استقلالاً ومنعةً، وما انفكت التطبيقات العملية، والخطوات التنفيذية تؤكد هذه الرؤية يوماً بعد يوم، كما تؤكد سرابية وعود ما سمي بالسلام، حتى أصبح المواطن أكثر رفضاً لها من أي وقت مضى، وأعمق إحساساً بالخطر والخوف من المستقبل، كما أن السياسات الحكومية المتصلة بموضوع اللاجئين وما ورد حوله من نصوص في اتفاقية وادي عربة يشكل علامة استفهام مريبة، وكل ذلك يصدق رؤية المعارضة السياسية ويؤيد موقفها من هذه القضية، وفي الوقت الذي شهد اضطراباً في علاقات الأردن العربية تعززت علاقاته مع الكيان الصهيوني الذي تعامل مع الأطراف الموقعة معه على اتفاقيات، على قاعدة ( وقع ونفذ ثم طالب ) وباساليب ابتزازية مهينة، كما أن دخول الأردن في حلف صهيوني أمريكي أطلسي ليقوم بأي دور يمليه هذا التحالف ضد أي من الأشقاء العرب، أو غيرهم هو أمر مرفوض، إذ أن دخول دولة بحجم وقدرات الأردن في مثل هكذا تحالف، يعني دوراً وظيفياً ضد مصلحة الوطن والأمة، عقيدة وانتماءً، ومصالح وسيادة، وجوداً ومستقبلاً وآمالاً.

وعلى الصعيد الداخلي، فإن الممارسة السياسية، تمعن في تهميش دور مجلس النواب، وكل أحزاب المعارضة ومؤسسات المجتمع المدني، في الوقت الذي تتبنى فيه الحكومة حزباً سياساً وتقدم إمكانات الدولة لخدمته ودعمه.. إن النتائج المؤكدة لهذا السلوك هو تشكيل حكومة الحزب الواحد، والإبقاء على تمثيل رمزي للأحزاب الأخرى للإيهام بوجود حياة حزبية وديمقراطية.

5- في المجال الاقتصادي:

لم يسلم هذا المجال من التراجع الكبير.. فقد ترسخت قناعة المواطن خديعة ثمرات السلام في مجال الاقتصاد والازدهار، إذ اتسعت مساحات الفقر وارتفعت نسبة البطالة وحدة الأسعار وتكاليف المعيشة بشكل فاحش، وأصبح مطلوب من المواطن أن يتحمل كل تكاليف معيشته المتضخمة بنفسه في ظل تخلي الدولة عن دورها تجاهه ودون تحسين يذكر في دخله.. كما ألغيت القوانين التي تحظر بيع العقارات للأعداء اليهود، وصدرت القوانين والقرارات التي تسهل تملكهم للمؤسسات الاقتصادية جزئياً أو كلياً، وفتحت الأسواق أمام منتجاتهم وإقامة مصانع منافسة للصناعة الوطنية، التي بدأت تعاني في الإنتاج والتسويق والمنافسة، وفي ظل قانون الاستثمار الجديد، تزداد التخوفات من إمكانية تكوين أنوية لمستعمرات يتم تسمينها مع الزمن.. والآثار المترتبة على توقيع اتفاقيات تحرير التجارة الدولية، والشراكة الأوروبية وهيمنة الشركات متعددة الجنسيات ليست أقل خطورة حيث يتحول اقتصادنا المحدود الضعيف الذي لا يقوى على المنافسة من الإنتاج إلى الخدمات، وفي مثل هذه الأحوال بتحول الشعب إلى مجرد عمالة رخيصة في غالبيته، ويتم التركيز على السياحة، التي ستسهم بصورة مروعة في إفساد المجتمع والأخلاق العامة تحت عنوان صناعة السياحة بمئات الفنادق، وصالات الرقص، والنوادي الليلية وغيرها.

6- في مجال القضاء:

لم تفلت السلطة القضائية من تغول السلطة التنفيذية، حيث توالت الاستقالات لأصحاب الخبرة والكفاءة والمشهود لهم بالنزاهة، من القضاء في السنوات الأخيرة، الذي زاد في خلخلة السلطة القضائية وقلق المواطن، حيث يستبعد بناء نموذج شوري وديمقراطية، في غياب قضاء موثوق مطمئن.

7- في المجال الثقافي والإعلامي:

ما زال الهبوط مستمراً في البرامج الإعلامية، وخاصة التلفزيون منها، وارتبطت الخطوة الواسعة في الانحدار بتوقيع معاهدة وادي عربة، حيث تفسد هذه البرامج الذوق والأخلاق العربية الإسلامية في المجتمع وتعمل على إضعاف هوية الأجيال، كما يجري صياغة المناهج التعليمية بما يتفق وعمليات التطبيع الثـقافي مع العدو الصهيوني، وهناك إضعاف متعمد وحقيقي للتوجيه والإرشاد الديني الإسلامي من خلال تفريغ المساجد من العلماء الأكفياء، والخطباء القديرين، وفي مجال التربية.. وحيث أن المعلم وهو العنصر الأهم في العملية التربوية، مستنفذ بتدبير أمور عيشه، وتقهقر مكانته الاجتماعية، في ظل غياب مؤسسة اجتماعية ترعى شؤونه وتحمي حقوقه، فإن التربية أيضاً في تقهقر مستمر وليس أدل على ذلك من ازدهار التعليم الخاص على حساب التعليم الرسمي.. إنه وفي زمن التطور المذهل في وسائل الاتصال والإعلام، عبر الأقمار الصناعية، والقنوات الفضائية، ووسائل الاتصال الالكترونية لن تجدي كل أساليب الحصار أو القمع والمنع، والحل في تحصين الأجيال على أساس الهوية العربية الإسلامية، والتعاون مع كل المخلصين أفراداً وجماعات للنهوض بالمجتمع تربوياً وثـقافياً، وما زالت الجماعة تقدم جهودها الممكنة في هذا المجال وعلى استعداد للمزيد إذا توفرت الفرص.

خـلاصـــة:-

فإنه لا بد من إطلاق طاقات المجتمع ومساهمة كل الأفراد والهيئات الشعبية، ووقف ملاحقة مؤسسات المجتمع المدني من نقابات وأحزاب وجمعيات وفعاليات تحت غطاء المهننة بهدف السيطرة أو تجفيف المنابع، إذ المطلوب جهود متعاضدة شعبياً ورسمياً، وعلى أساس منهج مدروس ومتفق عليه للنهوض بالمجتمع والدولة، ففي الوقت الذي يتجه فيه العالم للتمكين لأكبر قدر ممكن من المشاركة الشعبية في إدارة الدولة وبناء المجتمع وتحصينه، تتجه الحكومة في بلدنا لمحاصرة الجهد الشعبي ومسخ مشاركته وشل قدراته، وكأن العالم ما زال في بدايات هذا القرن الذي يوشك على الانتهاء، وليس على أعتاب القرن الواحد والعشرين.

المـــوقــف

إن كل ما ذكر وغيره وفي مختلف المجالات يؤكد أن ما يجري هو إعادة صياغة كاملة للمجتمع والدولة على نحو لا يحقق العدل والاستقرار والحرية، وكل ذلك يتم بعيداً عن المشاركة الحقيقية للمواطن في صنع القرارات ورسم التوجهات والسياسات، وإن القراءة الواعية والمتأنية لمجمل الواقع ومسيرة الحياة السياسية، ترسخ القناعة بأن التقهقر في الحريات وفي الشورى والديمقراطية وفي فاعلية مؤسسات المجتمع المدني سيستمر وإن الدور النيابي سيتضائل أكثر لتغدو المعارضة مجرد رمز في مؤسسة البرلمان والهيكل السياسي، لا تؤثر في أي قرار أو تشريع.

إن الإخوان المسلمين وهم يدركون دقة المعادلات المحلية والإقليمية والدولية ويستشعرون عمق المسؤولية تجاه قضايا الوطن والأمة وخاصة في هذه المرحلة الدقيقة، ليرون أن قرارهم مقاطعة الانتخابات النيابية القادمة لعام 1997م قد جاء خطوة ضرورية لترسيخ الديمقراطية وحماية الوطن، مثلما كان قرارهم بالمشاركة النيابية في المراحل الماضية سعياً لتحقيق الهدف نفسه والغاية ذاتها.. وقد جاء هذا القرار بعد حوارات ومدارساتٍ معمقة ومسؤولة في جميع المستويات التنظيمية.. وإذا كانت الجماعة قد تريثـت في اتخاذ مثل هذا القرار في محطات سياسية هامة سابقة، فلأجل إعطاء الفرص للإصلاح، وأملاً في تفعيل دورها في المجلس النيابي وتحقيق إنجازات مهمة للتصدي لاتفاقيات الصلح مع اليهود، وما نجم عنها من استحقاقات وتطبيع.. وأملاً في وقف التدهور الديمقراطي.. إلا أن تراكمات الأحداث والضغوط قد توالت نتيجة التقهقر المستمر في مختلف المجالات التي دفعت الجماعة للتوقف وإعادة النظر.

إن قرار مقاطعة الانتخابات النيابية القادمة انتخاباً وترشيحاً، ليس انعزالاً سياسياً ولا تخلياً عن العمل العام، أو منهج الجماعة في الانفتاح والعمل السلمي، ولكنه مراجعة للعملية السياسية في بلدنا وموقعـنا فيها، ومحاولة للتصدي للتردي الديمقراطي، وحماية ما تبقى أو استرجاع ما سلب منها.

ومن ثم فإنه من واجب الحركة الإسلامية التي لم تزايد يوماً على المصلحة الوطنية، ولم تعرف الانتهازية السياسية، أن تغار على الوطن والأمة وحرياتها وحقوقها وأن تتخذ في ذلك من المواقف ما تقدره هي بكامل إرادتها.

وإن الجماعة ترى أن المدخل لتصويب الأوضاع الخاطئة القائمة يمكن أن يبدأ عبر جملة من الخطوات يأتي في مقدمتها :

1- إجراء إصلاحات دستورية ترسخ الفصل بين السلطات وتعطي المؤسسة التشريعية حقها ودورها الكامل في التشريع والمراقبة والمحاسبة.
2- إلغاء قانون الصوت الواحد واستبداله بقانون حضاري يحقق النزاهة والعدل، حتى يتسنى للمواطنين فرز النواب الذين يمثلونهم بصدق.
3- إلغاء قانون المطبوعات والنشر المؤقت، حفاظاً على حرية الكلمة، وديمقراطية الصحافة والإعلام.
4- وقف كافة الإجراءات التعسفية بحق الأحزاب وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني، وإتاحة المجال أمام فعاليات المعارضة السلمية.
5- العمل الجاد على معالجة الأوضاع الاقتصادية المختلفة ومقاومة جميع أشكال الفساد وأدواته، والامتناع عن تنفيذ إملاءات صندوق النقد الدولي وسياسات النظام العالمي الجديد.
6- إطلاق الحريات، ووقف الاعتداءات والتجاوزات عليها، وبما يسهم في تعزيز المشاركة الشعبية في صنع القرار والتوجهات التي تؤثر على حاضر الشعب ومستقبله.
7- وقف التطبيع مع العدو الصهيوني، وإغلاق الأبواب أمام اختراقاته.

إن جماعة الإخوان المسلمين ستبقى كما عهدها الجميع، وفيّة لمصالح وطنها وأمتها، تسهم في بنائه ورفعته، وتبذل كل ما تستطيع في سبيل ذلك.

) إن إريد إلا الإصلاح ما ستطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ( [ هود88 ]

المصدر