أخي جاوز الظالمون المدى

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أخي جاوز الظالمون المدى
د. الواعى.jpg

بقلم: د. توفيق الواعي

ماذا أقول ونحن نشرب الظلم، ونتنفس البغي، وننام على أشواكه، ونكتوي بناره؟! ماذا أقول والظَّلَمة هم من أهلنا وولاتنا والموكلون بالمحافظة على مقدراتنا، ودمائنا وأرواحنا؟! ولكنهم خانوا الأمانة ونكثوا العهود وتمادَوا في الغي.

وراعي الشاة يحمي الذئب عنها فكيف إذا كان الرعاة لهم ذئابًا

ولكن الذئاب البغاة استمرءوا لحومنا، واستملحوا دماءنا، وباعونا لأعدائنا!!، ومحرقة غزة وما جرى من خيانة لأهلنا في غزة، وإعلان الحرب على القطاع شاهد عدل على تدبير الخداع بغطاء عربي، لتحقيق عنصر المفاجأة ليكسب اليهود المعركة، كما أنها برهان ساطع على الغدر، وقد دبَّر هذا كله بدم بارد، وبنفوس ماتت مشاعرها، من أناس من جلدتنا وينتسبون إلى العروبة والإسلام، ولكنهم- للأسف- قطعوا تلك الآصرة.

وقد منَّتهم اليهودية بالأماني الخُلَّب، وهيهات هيهات أن يأتيَ الشر بالخير!:

ولقد منتك نفسك بالكـذاب فما بعد القطيعة من عتاب

وكيف يصبح بعد الغدر ودٌّ وتسلـم نية بعد ارتيـاب؟!

وغزة الغالية تستحق كل التضحيات والدموع من الأمة العربية والإسلامية، ولكن سيل الدموع لا يجرف البغي، ولا يمحو الظلم الخارق والبغي العظيم، الذي يقع تحت سمع وبصر العالم، وإنما الذي يمحو الظلم ويغيِّر الموازين لصالح الحق الدم القاني الذي يبذله المجاهدون.

وللأوطان في دم كل حـر يـد سلفـت ودين مستحـق

ومن يسقي ويشرب بالمنايا إذا الأحرار لم يسقوا ويسقوا

ولا يبني الممالك كالضحايا ولا يدني الحقوق ولا يحق

ففي القتلى لأجيال حياة وفي الأسرى فدا لهم وعتق

وللحرية الحمراء بـاب بكـل يـد مضرجة يدق

فالحريات ليست هبات مجانية، ولا تتحقَّق بالخطب الرنانة ولا بالجمل المُنمَّقة، والمقالات في هجاء الباغي، ولكنها تتحقَّق بالرجولة والتضحيات والشجاعة في مقابلة الأهوال والمصاعب، وليسألْ كلٌّ منا نفسَه ماذا فعل لغزة، وماذا قدَّم لإخوانه فيها.

وللأسف.. لا تستطيع أن تحصيَ أسماء الذين خانوا غزة من الفلسطينيين الذين ربَّاهم الاستعمار على عينه، وهم اليوم الطابور الخامس الذي يحارب مع العدو اليهودي و الصهيوني ، وينتظر الجائزة على خيانته.

ولقد سمعنا وسمع العالم من يدعو سكان غزة إلى الصبر؛ لأن الشرعية ستعود إليه قريبًا وزمرته، ثم يقول: "إن موعدنا قريب جدًّا.. صبرًا آل ياسر؛ فإنكم لم تنتظروا كثيرًا"، وكان ينقصه أن يقول فإن موعدكم النار، ونستطيع بغير جهد إحصاء الخونة الذين تهوَّدوا ورضُوا بالخزي والعار، وباعوا كل شيء في سبيل حطام زائل وسراب خادع.. باعوا دماء الشهداء وأشلاء المجاهدين، واشترَوا الخِسَّة والندالة، وهؤلاء الخونة والعملاء- لأسف- ليسوا من عامة الناس، ولكنهم من القادة المتصدِّرين للصفوف وأصحاب الألقاب والنياشين.

ويتساءل الجميع: ماذا يريد هؤلاء من تركيع الإرادة الفلسطينية؟! ماذا يريدون من بعثرة الأشلاء وسفك الدماء البريئة وتيتيم الأطفال وإكثار الأرامل؟! ماذا يريدون من دمارٍ ما ترك بيتًا أو مبنى إلا دكَّه على رءوس أصحابه حتى ارتفع عدد ضحايا المجزرة الصهيونية المتواصلة ليومين اثنين فقط إلى أكثر من 300 شهيد وحوالي ألف جريح؛ بينهم ما لا يقل عن 180 في حالة الخطر الشديد؟!؛ ولهذا يقول المشاهدون للمأساة: امتلأت ثلاجات الموتى في مستشفى الشفاء التي لا تتسع لأكثر من 30 جثة وسط اندفاع عشرات المسعفين والمدنيين وهم يحملون جثثًا وأشلاءً وشهداء في ممرات المستشفى الذي أضحت رائحة الموتى المكدَّسين تفوح منها في كل أرجائه، وعمَّت الفوضى قسم الاستقبال في المستشفى مع وصول عشرات سيارات الإسعاف والمركبات المدنية تُقِلُّ شهداء وجرحى، ويدعوا المسعفون المواطنين عبر مكبِّرات الصوت ليتعرَّفوا على جثث أقاربهم ونقلهم فورًا لدفنهم؛ كي يتسنَّى إيداع عشرات الجثث التي ترد إلى المستشفى والمُكدَّسة في الطرقات في ثلاجات الموتى.

يقول أحد المراقبين للمذبحة: "شاهدت في المستشفى الجثث الملقاة على الأرض وعلى جنبات الطريق بكثرةٍ مذهلةٍ، ورأيت الكثيرين؛ كلٌّ يندفع نحوها يبحث عن ابنٍ أو أخٍ أو أبٍ أو أمٍّ، وسط العويل والصياح، والكل في لهفة وصياح وهياج، كأننا في يوم الحشر أو يوم القيامة، فقلت: "أين أصحاب الضمائر وأصحاب المعالي والفخامة لينظروا إلى هذه المشاهد التي تذيب القلوب؟!".

لمثل هذا يذوب القلب من كمد إن كان في القلب إيمان وإسلام

إننا في أوقات مفجعة ومزلزلة، ورغم ذلك لم يهتز لها قلب مسئول، هل تحجَّر كبده؟! أو ذهب عقله؟!

ماذا ينتظر العرب؟! لم تشهد غزة منذ احتلالها عام 1967 م مجازر سريعة ومتوالية أفظع من تلك التي تتعرض لها اليوم؛ إذ يباد فيها الصغير والكبير وكل من تحرك على أرضها من بشر بفعل الطائرات الحربية الصهيونية التي تقصف بأطنان من القنابل والمتفجرات كل شيء في غزة ؛ من أماكن سكنية مكتظة، ومن مستشفيات ودُور العبادة؛ فالأطفال والرجال والنساء يتحوَّلون في غزة بفعل انهيار المباني وتطاير أجزاء كبيرة منها إلى ركام بشري، وبقايا أجساد يتوالى سقوطها تحت الأنقاض، وسط عجز الجميع عن فعل شيء أمام هذا الهول، ورغم تعدد مشاهد الكارثة المروعة لم تتوقف طائرات الموت الصهيونية عن نشر الدمار في كل أرجاء القطاع.

سائلوا الليل عنهم والنهار كيف باتت نساؤهم العذارى

كيف أمسى رضيعهم فقد أُمًّا وكيف اصطلى مع القوم نارا

كيف طاح العجوز تحت جدار يتداعى وأسقف تتجارى

أخرجتهم من تلك الديار عراة حذر الموت يطلبون الفرارا

أيها الرافلون في حلل الوشي يجـرون الذيول افتخارا

إن فوق العـراء قوم جياع يتـوارون ذلة وانكسارا

وسمعنا فـي غزة صياحًـا مـلأ البر ضجةً والبحارا

نقول: مهلاً آل صهيون وخونتكم.. لستم أسودًا، وإنما أنتم فئران لن ينفعكم الدمار والخراب، وبإذن الله ستشربون من الكأس نفسها مع كئوس أخرى، ولن تغنيَ عنكم آلتكم الحربية ولا خونة العرب شيئًا.. ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾ (الشعراء: من الآية 227).

المصدر


قالب:روابط توفيق الواعى