“الواحات” نموذج صراعات الانقلابيين والانزلاق لحرب أهلية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
"الواحات" نموذج صراعات الانقلابيين والانزلاق لحرب أهلية


مجزرة الواحات بين الخيانة والفشل الأمنى.jpg

كتب: كريم محمد

(22 أكتوبر 2017)

مقدمة

يصعب جمع كل قطع لعبة "صحراء الواحات" في صورة واحدة مجمعة، ولكن قطع مثل تسريب فيديو أحمد موسي وشهادات الضباط التي تظهر الكفاءة القتالية والخبرة التي لدى المسلحين الذين قتلوا الشرطة، وكيف استدرجوا قوات النخبة من الشرطة (أمن الدولة والعمليات الخاصة) وأبادوهم، وظهور أحمد شفيق وسامي عنان للحديث عن "خيانة" وغياب قائد الانقلاب عن الصورة تماما وعدم عمل جنازة عسكرية مجمعة للقتلى رغم خطورة الواقعة، قد تظهر الجانب الأكبر من الصورة والمستقبل المنظور.

أمور مثل: حالة الشلل الإعلامي في تغطية الحادث من جانب الصحف والفضائيات (بعد تأميمها مخابراتيا) والانتظار 18 ساعة حتى صدور بيان من داخلية الانقلاب، وغياب قائد الانقلاب عن الصورة تماما وانعزاله بابتسامات في العلمين، وتجاهله المجزرة، وعدم عمل جنازة عسكرية كبرى مجمعة وعدم حضوره لأي جنازة، وعدم استغلاله المجزرة بالحديث عن الإرهاب كالمعتاد، كلها ألغاز ولكنها أيضا مؤشرات أرتباك أو شيء ما يحدث في قمة سلطة الانقلاب.

انهيار الشرطة الذي ظهر في التسريب الصوتي واستعطافهم المهاجمين الإبقاء على حياتهم، وهروب الضباط بلا اتصالات في الصحراء حتى العثور على بعضهم بعد 18 ساعة، ومحاولات إعلاميي الانقلاب (اديب وبكري وموسى وغيرهم) تبرير الفشل الأمني بأن الشرطة كانت تحارب ضابط صاعقة بالجيش (هشام عشماوي الداعشي ثم القاعدي) و4 ضباط شرطة مفصولين.. كلها مؤشرات ودلائل على انهيار شبيه بانهيار الشرطة في ثورة 25 يناير وكشف ضعفها وأنها نمر من ورق يستقوي على الأبرياء والعزل.

ويضم تنظيم "العشماوي" عددا من الضباط السابقين، منهم عماد الدين أحمد محمود عبد الحميد"، ويوسف سليمان محمد عبد الله محمد خليل.

حرب أهلية وصراعات انقلابية

الأكثر خطورة ان المعركة كشفت ضعف الشرطة واختراقها، سواء بتسليم الضباط للإرهابيين لقتلهم بإخبارية مضللة متعمدة، أو بتفاصيل المعركة التي ظهرت في تسريب موسي وكشفت الكفاءة القتالية للمهاجمين وقوة تسليحهم (آر. بي. جي وهاون وأسلحة آلية ومتفجرات).

فقد نفذ المسلحون خطة محكمة لإبادة القوة المهاجمة التي قيل إنها كانت 70 فردا قالت وكالات أنباء عالمية إنه قتل منهم 58 قبل أن تروي الداخلية رواية أخرى لا يصدقها أحد ويشكك فيها، سواء في استدراج القوة إلى منطقة جبلية منخفضة كانوا هم يعتلون قممها، أو في ضرب أول وآخر مدرعة وحصار القوة وإمطارها بكافة الأسلحة من الأعلى.

وهذا التطور في تسليح قوة –غير معروفة– مناهضة للانقلاب يطرح تساؤلات حول طبيعتها ومستقبل الصراع وهل يتحول إلى حرب أهلية؟ فشريط موسى كشف عن أن الجماعة المسلحة مكونة من شباب لا يتعدى سن 20 سنة وأن دوافعهم ثأرية من الضباط بدليل حرصهم على الجنود وإصابتهم فقط دون قتلهم.

أيضا القوة التي تم إبادتها أو إظهارها بمظهر من يستعطف الإرهابيين للإبقاء على حياتهم هي قوات "النخبة" بالشرطة – تشبه الصاعقة في الجيش – وهي قوات العمليات الخاصة، والأمن الوطني "الأعلى تسليحا وتدريبا" ما يعتبر ضربة معنوية خطيرة للشرطة، وهو ما يفسر غضب الداخلية وإصدارها بيانا تنفي فيه صحة التسريب على غرار ما فعله الجيش سابقا بنفي تسريب لضابط بعد هجوم على كتيبة في سيناء يطالب بإنقاذهم.

ويتصل بهذا الحديث عن "خيانة" التي يكاد يجمع عليها أغلب الإعلاميين والأجنحة المتصارعة بين الانقلابيين حتى إن مصطفى بكري، قال إن أحد الضباط الناجين من الهجوم أكد أن قوات الأمن "تعرضت للغدر، إذ تحركت القوات بناء على معلومات وردت إليها من أحد العناصر بوجود معسكر تدريب لعناصر متطرفة في تلك المنطقة إلا أن قوات الأمن فوجئت بأن هذا العنصر هو مرشد للإرهابيين وتعاون معهم حتى اللحظة الأخيرة".

فقد كتب أحمد شفيق المرشح الرئاسي الخاسر يقول:

"هل ظلمتهم الخيانة، أو ضعف التخطيط لهم، أو كل الأسباب مجتمعة؟"، وأضاف: ما حدث لم يكن مجرد اغتيال كمين منعزل، ولا هو مهاجمة بنك في مدينة حدودية ... ما دار كان عملية عسكرية كاملة الأركان".

وكرر الأمر نفسه رئيس الاركان السابق سامي عنان، الذي عزله الرئيس مرسي وبينه وبين السيسي خلافات كثيرة بقوله": "أبناؤنا ذهبوا ضحية الخيانة وسوء التخطيط".

وقبلهم ردد عمرو أديب:

"لازم يكون في ملعوب وسخ حصل في حادثة الواحات.. لازم يكون في خاين ولازم يتجاب.. ولو البلد دي كلها مش عارفه الحقيقة في واحد لازم يكون عارف الحقيقة ويتصرف".

صراع الجيش والشرطة

الحادثة أظهر جانبا آخر من الصراع بين الجيش والشرطة يتمثل في معلومات بأن عدم استعانة الشرطة بالجيش قبل التدخل في هذه المنطقة التي سبق أن تم ضرب الجيش فيها أيضا، كان هدفه إثبات قوة الشرطة بعدم تدخل الجيش، وكانت تعليقات الشرطة لاحقا بتأخر الدعم الجوي بل والفشل في إنقاذ ضباط تائهين في الصحراء قالوا إنهم لوّحوا لطائرات الجيش 3 مرات بلا جدوى حتى خلعوا ملابسهم ولوحوا بها وإنقاذهم بعد 18 ساعة، مؤشر على انتقادات شرطية للجيش.

وسبق أن تعرضت مجموعة من الجيش المصري في صحراء الواحات في 31 مايو الماضي لكمين من مجموعة مسلحة، أثناء عملية اقتحام لمعسكر لمسلحين، وقتل خلال الاقتحام 4 ضباط في انفجار عبوة ناسفة.

أيضا بالقرب من صحراء "الواحات" أيضا، تعرض كمين أمني تابع للجيش بمنطقة الفرافرة "على بعد 100كيلومتر من صحراء الواحات"، لهجوم في 19 يوليو 2014 قتل فيه 21 مجندا من قوة حرس الحدود، استخدمت فيه الأسلحة الخفيفة وأحزمة ناسفة وقنابل يدوية وآر بي جي، ووجهت اصابع الاتهام للضابط هشام عشماوي الذي وجهت له نفس اصابع الاتهام في حادث استهداف الشرطة الاخير.

وفي سبتمبر 2015 قصفت طائرات حربية مصرية فوج سياحي مكسيكي وقتلت 12 سائحا وطاقم مساعدة مصري، وبرر الجيش ذلك بأن الفوج لم يبلغ الجيش بأنهم نيته التوغل في منطقة محظورة تشهد نشاطا للمسلحين، ومنذ ذلك الحين لم تتوقف بلاغات الجيش بقصف سيارات دفع رباعي وقتل ارهابيين وتردد انباء عن أنهم مهربين لا ارهابيين.

وتكرر الخطأ نفسه بقصف القوات الجوية المصرية بالخطأ 3 عاملين في المنطقة بينهم مهندس بعدما قصفت سيارتهم في منطقة الواحات البحرية. والقصة هنا تبدو أشبه بصراع متجدد بين الشرطة والجيش واتهامات من ضباط الشرطة بتقاعس الجيش والقوات الجوية عن انقاذهم.

تساؤلات مهمة

ولو تم ربط هذا بصمت السيسي واحتفاله في العلمين ورفض إقامة جنازة عسكرية جماعية لضباط الشرطة على غرار ما يفعله الجيش في مثل هذه الحالات مع ضباطه وجنوده لتبين أن الأمر يتخطى محاولة التعتيم على الحرب التي وقعت في الواحات ويظهر التمييز بين الشرطة والجيش ما يزيد من الغضب بين ضباط الشرطة.

ولكن الأمر ليس قاصرا على صراع أو غضب أو تصارع بين الطرفين مستمر منذ قبل وبعد ثورة يناير وانقلاب 3 يوليو، بسبب تدخل كبار قادة الجيش السابقين في الصورة خاصة أحمد شفيق وسامي عنان، ووصفهم ما جرى بالخيانة أو التلويح لعدم كفاءة السيسي.

وهو ما يطرح تساؤلات حول تداعيات هذه الحادثة على المشهد السياسي في قمة سلطة الانقلاب: هل تؤثر الحادثة على ترشيح قائد الانقلاب لفترة اغتصاب ثانية للسلطة؟ (عمرو أديب ظل يستعطف المصريين في برنامجه بأن السيسي سيمشي في النهاية ولكن الآن ذهابه خطر يظهر انتصار الإرهابيين).

وهل هناك قبول لفكرة استبدال السيسي بين الجنرالات الحاليين والسابقين خصوصا في ظل رضاء المشير طنطاوي – الذي يظهر له تأثير من خلف الستار – عن تابعه الانقلابي السيسي الذي صحح له الأوضاع وانتقم لعزل الرئيس مرسي له؟ وماذا عن الأطراف الدولية التي لها كلمة فيمن يقود مصر وكان دورها في دعم الانقلاب حاسما ومؤثرا؟ خاصة تل أبيب الداعمة للسيسي ولكنها غضبت منه مؤخرا بعد استقباله قادة حماس، وواشنطن التي لا يمهما سوى رعاية الجيش مصالحها أيا كان من يقوده ومن يحكم.

الحادثة سيكون بها بلا شك أبعاد سياسية وعسكرية وأمنية وإعلامية كثيرة ولكن الخطورة في أن يتبعها "حملة تصفيات" لإثبات أن الشرطة لم تنهرْ وتطبيل إعلامي بأن من سيتم تصفيتهم إرهابيون، ما لم يطرأ تطور أكبر وينجح المتصارعون على سلطة الانقلاب في عزل السيسي.

المصدر