يا الله: نشكو إليك صمت قومنا!!

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
يا الله: نشكو إليك صمت قومنا!!
توفيق الواعي.jpg

بقلم/ د. توفيق الواعي

عزيزٌ على الحرِّ أن يرى أمته تفرط في رجالها الأحرار وتبدد طاقاتهم، وهي أشد الحاجة إليهم لمواجهة أعدائها وبناء نهضتها، والذود عن بيضتها، أما وقد بلغ السيل الزبى، وانقلب الليل نهارًا والنهار ليلاً في العيون، والضلال هداية، والهداية ضلالاً في البصائر، والخطأ صوابًا، والصواب خطأً في العقول، والعدالة ظلمًا، والظلم عدالةً في الأفهام، والدفاع عن الحق إجرامًا وإرهابًا، والإرهاب والاغتصاب مباحًا مشروعًا، فالإنسان لا يملك- بعد أن يملك جهده ويخلص نيته- إلا أن يرفع كفيه إلى الله شاكيًا، ويرنو ببصره إلى السماء داعيًا، ويوجه وجهه إلى الرحمن مستنصرًا، وهذا ما فعله الشيخ "أحمد ياسين" الغاضب الحزين على حال أمته، إذ يقول: "أو ما ترون أيها العرب كم بلغ بكم الحال؟ إنني أنا الشيخ العجوز لا أرفع قلمًا ولا سلاحًا بيدي الميتتين! لست خطيبًا جهوريًا أرجُّ المكان بصوتي! ولا أتحرك صوب حاجة خاصة أو عامة إلا عندما يحركني الآخرون لها!! أنا ذو الشيبة البيضاء والعمر الأخير! أنا من هدَّته الأمراض وعصفت به ابتلاءات الزمان! كل ما عندي أنني أردت أن يكتب أمثالي- ممن يحملون في ظواهر ما يبدو على أجسادهم- كل ما جعله العرب في أنفسهم من ضعف وعجز.

أحقًا هكذا أنتم أيها العرب صامتون عاجزون أو أموات هالكون؟!.

ألم تعد تنتفض قلوبكم لمرأى المأساة الوجيعة التي تحلُّ بنا! فلا قوم يتظاهرون غضبًا لله وأعراض الأمة، ولا قوم يحملون على أعداء الله الذين شنوا حربًا دولية علينا وحولونا من مناضلين شرفاء مظلومين إلى قتلة مجرمين إرهابيين، وتعاهدوا على تدميرنا والقضاء علينا!!

ألا تستحي هذه الأمة من نفسها وهي تُطعَن في طليعة الشرف لديها! ألا تستحي دول هذه الأمة وهي تغض الطرف عن المجرمين الصهاينة والحلفاء الدوليين دون أن يعطفوا علينا بنظرة تمسَح عنا دمعتنا وتَربِت على أكتفانا!!

ألا تغضب منظمات الأمة وقواها وأحزابها وهيئاتها وأشخاصها لله غضبةً حقَّةً، فيخرجوا جميعًا في حشود هاتفة ليقولوا: يا الله، اجبر كسرنا، وارحم ضعفنا، وانصر عبادك المؤمنين! أوما تملكون هذا؟! أن تدعوا لنا!!

قريبًا ستسمعون عن مقاتل عظيمة بيننا؛ لأننا لن نكون حينها إلا واقفين مكتوبًا على جبيننا أننا متنا واقفين، مقبلين غير مدبرين، ومات معنا أطفالنا ونساؤنا وشيوخنا وشبابنا!! جعلنا منهم وقودًا لهذه الأمة الساكنة البليدة!! لا تنتظروا منا أن نستسلم أو أن نرفع الراية البيضاء؛ لأننا تعلمنا أننا سنموت أيضًا إن فعلنا ذلك فاتركونا نمُت بشرف المجاهد!!

إن شئتم كونوا معنا بما تستطيعون، فثأرنا يتقلده كل واحد منكم في عنقه، ولكم أيضًا أن تشاهدوا موتنا وتترحَّموا علينا، وعزاؤنا أن الله سيقتص من كل من فرَّط في أمانته التي أُعطيها، ونرجوكم ألا تكونوا علينا، بالله عليكم لا تكونوا علينا، يا قادة أمتنا، ويا شعوب أمتنا...

اللهم نشكو إليك.. نشكو إليك.. نشكو إليك.. نشكو إليك ضعف قوتنا، وقلة حيلتنا، وهواننا على الناس، أنت رب المستضعفين وأنت ربنا.. إلى من تكلنا؟؟.. إلى بعيد يتجهمنا؟؟.. أم إلى عدو ملكته أمرنا؟؟ اللهم نشكو إليك دماءً سُفكت، وأعراضًا هُتكت، وحرمات انتهكت، وأطفالاً يُتِّمت، ونساءً رُملت، وأمهات ثَكلت، وبيوتًا خُربت، ومزارع أتلفت، نشكو إليك تشتت شملنا، وتشرذم جمعنا، وتفرق سبلنا، ودوام الخلف بيننا، نشكو إليك ضعف قوتنا وعجز الأمة من حولنا وغلبة أعدائنا".

نعم: إنها البطولة المستنصرة بالله- سبحانه وتعالى- تقف وحدها في الميدان، وتؤكد رغم كل هذا العجز العربي الماحق للأمة أنها على درب الشهادة سائرة، لا يخيفها تهديد أو وعيد.

أيها البطل: إن قدَرك وقدَرنا أن نعيش في أمة تحتاج إلى اليقظة، حتى لا تجري عليها سنن الكُسالى في الأرض المباركة.. إن تاريخ القدس يذكر دائمًا أن قدَر الكسالى كان أليمًا وفاجع العواقب، وقدَر الرجال كان عظيمًا ووضَّاء المُحَيَّا، فحين وهنت الأمة وضُيِّعت تنادت القوى الصليبية لاحتلال القدس من الفاطميين بقيادة "بطرس الناسك"، ووقعت القدس تحت الاحتلال بعد حصار40 يومًا، وكان ذلك في 23 شعبان492هـ: 1099م وقتل الصليبيون من المسلمين العُزَّل70 ألفًا، واستمرَّ القتل في المسلمين فترةً من الزمن، ثم توالت الحملات الصليبية فكانت الحملة الثانية سنة 1147هـ، والثالثة 1189م والرابعة 1202م والخامسة 1218م والسادسة 1228م والسابعة 1248م والثامنة 1270م.

ولم يوقف هذا المد المتواصل للصليبيين إلا البطلُ "صلاح الدين الأيوبي" الذي حرَّر المسجد الأقصى الذي دنَّسه الصليبيون وحوَّلوه "إسطبلاً" للخيول، وكان ذلك التحرير يوم الجمعة 27 رجب 583 هـ- يوم الإسراء والمعراج-، وطهر المسجد الأقصى بعد تدنيس استمر 88 عامًا تحت الاحتلال الصليبي.

فقد علم "صلاح الدين" أن أمته تحتاج إلى يقظة وجد وتضحية فلم يبخل عليها هو وجيله الذي رباه للفتح بقوت أولادهم وعصارة دمائهم، وثمن ضروراتهم، وأنهم حين حملوا هذا العبء عرفوا جيدًا أنه لا يرضى بأقل من الدم والمال فخرجوا عن ذلك كله لله، وفقهوا قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ (التوبة:111)، عرفوا كيف يعيشون العيشة الكريمة، أو يموتون الموتة العظيمة، ولأن يموت المسلم واقفًا مرفوع الرأس أمام الباطل أفضل وأشرف من أن يموت جاثيًا تحت قدميه.

المصدر

قالب:روابط توفيق الواعى