وسيد قراره ( المادة 93 من الدستور ) أيضاً في حاجة إلى التعديل

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
وسيد قراره ( المادة 93 من الدستور ) أيضاً في حاجة إلى التعديل


بقلم:المستشار محمود رضا الخضيري


يجري هذه الأيام الحديث عن عزم السيد رئيس الجمهورية طلب إجراء تعديلات دستورية عملاً بحقه المقرر في المادة 189 من الدستور وذلك تنفيذاً لما وعد به سيادته في برنامجه الانتخابي ، وقد لاحظت أن الحديث يدور حول بعض المواد وليس من بينها المادة 93 من الدستور وهي الخاصة باختصاص مجلس الشعب بالفصل في صحة عضوية أعضائه والتي تنص على أن ( يختص المجلس بالفصل في صحة عضوية أعضائه . وتختص محكمة النقض بالتحقيق في صحة الطعون المقدمة إلى المجلس بعد إحالتها إليها من رئيسه ويجب إحالة الطعن إلى محكمة النقض خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ علم المجلس به ، ويجب الانتهاء من التحقيق خلال تسعين يوماً من تاريخ إحالته إلى محكمة النقض . وتعرض نتيجة التحقيق والرأي الذي انتهت إليه المحكمة على المجلس للفصل في صحة الطعن خلال ستين يوماً من تاريخ عرض نتيجة التحقيق على المجلس ، ولا تعتبر العضوية باطلة إلا بقرار يصدر بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس ) .

والحقيقة أن هذه الماد ة معيبة من عدة أوجه وتحتاج إلى تعديل جذري ، فهي معيبة من ناحية إعطاء مجلس الشعب الاختصاص بالفصل في صحة عضوية أعضائه ولا يحتج علينا في ذلك بأن هناك بعض المجالس التشريعية في بعض البلاد الأوروبية تفعل ذلك لأن هذا قد يكون لأسباب ترجع إليها غير متوافرة عندنا وبضمانات لا نقدر عليها ، بينما رأت كثير من الدساتير الحديثة أن تجعل ولاية الفصل في هذه الطعون للقضاء ، ذلك أن الطعن الانتخابي لا يعدو أن يكون خصومة قضائية بكل ما تحمل الكلمة من معنى ، يتنازع فيها شخصان أو أكثر حول سلامة الإجراءات ، ويقتضي استجلاء الحقيقة فيها تحقيقاً ويقع عبء إثبات المطاعن على من يدعيها . ومن ثم لا يقدر على الفصل فيها إلى الجهة المختصة بالفصل في الخصومات وهي السلطة القضائية ، إلا أن الدستور رأى خروجاً على مبدأ الفصل بين السلطات بغير مبرر إسناد هذا الاختصاص لمجلسي الشعب والشورى ( المادتان 93 ، 205 من الدستور ) وفي هذا إهدار للضمانات التي يكفلها اللجوء إلى القضاء وأول هذه الضمانات خبرة القاضي وحيدته وكفاءته للفصل في الخصومات ، حقيقة أنه يسبق ذلك تحقيق تجريه محكمة النقض وهذه بلا شك ضمانة لسلامة القرار الذي يصدر بعد ذلك استناداً إلى هذا التحقيق إلا أن عدم تسبب قرار المجلس الذي يصدر في صحة العضوية أو عدم صحتها وعدم جواز الطعن فيه إهدار لبعض ضمانات التقاضي كما أن عدم الحيدة خطر شديد يهدد نزاهة قرار مجلس الشعب في هذا الشأن إذ غالباً ما تعمد الأغلبية إلى عدم الأخذ برأي محكمة النقض إذا كان هذا الرأي في غير صالح أحد أعضائها في حين تسارع إلى الأخذ به في حالة ما إذا كان في غير صالح عضو من حزب الأقلية أو أحد المستقلين وهذا ما نشاهده ونلمسه جلياً عندنا في المجالس المتعاقبة وعندما وجه النقد للمجلس في هذا الشأن رد علينا القائمون عليه بأن المجلس حر حرية تامة في هذا الشأن وغير مقيد بما انتهت إليه تحقيقات محكمة النقض أعلى محكمة في مصر ولا بالرأي الذي أبدته في مذكرتها فيما اصطلح على تسميته بأن المجلس سيد قراره .

وما تختص محكمة النقض بتحقيقه وما يختص مجلس الشعب والشورى بالفصل فيه عندنا هي المنازعات التي تتعلق بصحة التصويت والفرز ، أما الإجراءات السابقة على ذلك فهي من اختصاص القضاء الإداري ، ولا أعرف مبدأ قانونياً سائغاً لهذه التفرقة ولماذا لا يكون الطعن في كل هذه الإجراءات من اختصاص جهة محايدة هي السلطة القضائية ممثلة في القضاء الإداري وليس محكمة النقض حتى يكون التقاضي فيها على درجتين وهذه ضمان لا يستهان بها .

والعيب الكبير الذي يحتوي عليه نص المادة 93 من الدستور هو الزج بمحكمة النقض في أتون هذه المعركة حتى ينالها من الرزاز المتطاير منها نصيب ، فقد أسندت إليهاالمادتان 93 ، 205 من الدستور التحقيق في صحة الطعون المقدمة إلى كل من مجلسي الشعب والشورى ، وعرض نتيجة هذا التحقيق والرأي الذي انتهت إليه المحكمة على المجلسين للفصل في هذه الطعون ، ولا تعتبر العضوية باطلة إلا بقرار يصدر بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس وهكذا أصبحت محكمة النقض في مصر مجرد محقق لمجلسي الشعب والشورى ، بل ويجوز طبقاً للائحة الداخلية لكل من المجلسين للجنة الشئون الدستورية والتشريعية التي يحال إليها الطعن بعد وروده من محكمة النقض وقبل عرضه على المجلسين إذ رأت نقصاً في التحقيق أن تعيده إلى محكمة النقض لاستيفاء التحقيق ، وهكذا أصبحت محكمة النقض قمة الهرم القضائي ، الموكول إليها احترام القانون وحسن تطبيقه وتأكيد سيادته مجرد ( جاويش ) لاستيفاء ما يراه المجلس محققاً لاستكمال بحث موضوع الطعن ، وبعد ذلك يعرض الطعن على المجلس ليتولى الفصل فيه بأغلبية الثلثين دون أن يبدي أسباباً سواء للقبول أو الرفض والتجارب السابقة في مجلسي الشعب والشورى تقول أن المجلس لم يأخذ برأي محكمة النقض إذا كان ماساً بأحد من أعضاء الأغلبية .

وقد دفع هذا الموقف المهين لمجلس الشعب من مذكرات محكمة النقض في الطعون التي تحال إليها وعدم تنفيذها بحجة أن الدستور لم يلزمها بذلك بعض رجال القانون إلى البحث عن مخرج لإلزام مجلس الشعب بتنفيذ رأي محكمة النقض في هذه الطعون إلى القول بأن هذا الرأي هو في الحقيقة حكم وإن سماه المشرع رأياً لأن محكمة النقض أو أي محكمة بحكم طبيعة وظيفتها لا تبدي رأياً وإنما تصدر حكماً وبذلك يكون رأي محكمة النقض في مذكرات الطعون هو في الحقيقة حكماً وأن ما يقوم به مجلس الشعب بعد ذلك هو الأداة التنفيذية لهذا الحكم إلا أن هذا الرأي رغم وجاهته وإتفاقه مع الأصول القانونية الصحيحة لم يؤخذ به لأنه يتصادم مع مصالح الأغلبية في مجلس الشعب ، خاصة إذا علمنا أن محكمة النقض تنتهي عقب كل انتخابات تشريعية إلى يطلان المئات من الطعون وإذا نفذت الحكومة هذه المذكرات فإنها بالتأكيد ستخسر أغلبيتها في مجلس الشعب .

هذا قليل من كثير يقال في هذا الشأن وقد أفاض زميلنا الفاضل المستشار / أحمد مكي - نائب رئيس محكمة النقض – في هذا الموضوع إفاضة كبيرة نشر الكثير منها في مجلة القضاة ولمن أراد المزيد أن يرجع إليها .

ننتهي من كل ذلك إلى ضرورة تعديل هذه المادة بجعل الاختصاص بنظر هذه الطعون للسلطة القضائية ممثلة في مجلس الدولة وهي الجهة التي يناط بها الاختصاص بالطعن في كافة الإجراءات التي تسبق عملية الاقتراع والفرز ولا بأس من أن تختص أيضاً بالطعون في عملية الاقتراع والفرز حتى نضمن أن تصدر منها أحكاماً بعيدة عن الهوى ومجردة من الغرض وهذا ما يقتضيه مبدأ الفصل بين السلطات الذي هو من أهم دعائم الديمقراطية .

وما أحب أن أضيفه في نهاية هذا الاقتراح هو أن الإصلاح لا يتوقف فقط على معرفة الطريق إليه ومعرفة ما هو الصحيح وغير الصحيح فهذه أمور لا تكاد يختلف عليها عقلاء ولا يماري فيها إلا سفيه ذي غرض سيء لأن الحرام بيّن والحلال بيّن ولا يمكن أن يحل الحرام إلا منحرف أو ذي غرض ولا يحرم الحلال إلا غبي أو أحمق ، ولكن يتوقف الإصلاح على النية والرغبة فيه ، وإذا لم توجد نية للإصلاح فلا فائدة من الحديث عما هو صحيح وما هو غير صحيح لأن النية معروفة سلفاً وهي أننا نعرف الصحيح ونعرف الطريق إليه ولكن لن نسلكه لأن نتيجة ذلك هو التغيير ونحن لا نرغب فيه لأنه سيطيح بنا ، هل يعقل مثلاً أننا ومنذ أكثر من خمسين عاماً نتحدث عن إصلاح التعليم في مصر ولا نستطيع الوصول إليه بل وتسوء الحالة التعليمية سنة بعد أخرى هل من الصعب إذا أردنا الإصلاح أن ننظر إلى حال غيرنا ممن كانوا في ظروفنا ثم تغيرت أحوالهم عندما وضعوا أيديهم وأقدامهم على الطريق الصحيح للإصلاح ونقتدي بهم ونستفيد من تجاربهم لا أعتقد أن ذلك صعباً ولكنها الرغبة في الإصلاح يا سادة .

هل تماري الحكومة في أن تزور الانتخابات خطأ فاحش لا يرتكبه إلا مجرم معتاد على الإجرام وكما قال شيخنا الجليل الشيخ القرضاوي كبيرة من الكبائر ، ولكنها ترتكبها جهاراً نهاراً وتقول عنها أنها مجرد تجاوزات ، مثالها في ذلك مثال الموظف الذي يتقاضى الرشوة ويسميها إكرامية ، هل تستطيع الحكومة أن تقلع عن تزوير الانتخابات ، إني أتحداها أن تفعل ذلك وأن ترفع يدها عن الانتخابات .

الإصلاح رغبة وإرادة وإذا لم تكن عندكم هذه الرغبة فهي عند الشعب متمكنة ولن يعدل عنها مهما كلفه ذلك من جهد وكدّ وتعب .