وحى رمضان .. آية الإعجاز

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٠٦:٣٦، ٤ يوليو ٢٠١٢ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
وحى رمضان .. آية الإعجاز

بقلم / الإمام الشهيد حسن البنا

(وَإِن كُنْتُمْ فِى رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللهِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِى وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) [البقرة: 23-24].

(أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللهِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وَأَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ) [هود: 13-14].

(قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) [الإسراء: 88].

لك فى تعريف آية الإعجاز فى هذا الكتاب المعجز حقًا سبيلان، سبيل الذين قرءوا تاريخ هذه الأمة العربية التى نزل بين ظهرانيها، وهى أكثر ما تكون شاعرًا وخطيبًا وفصيحًا وبليغًا، وقد بلغت فى تهذيب لغتها واستقامة ألسنتها الشأو البعيد، وأخذت منه بالحظ الوافر؛ فعجزت أتم العجز عن الإتيان بمثله، أو بمثل الجزء اليسير منه؛ بل السورة الواحدة من سوره، برغم التحدى البالغ، والإحراج المتكرر، والمطالبة الملحة بأن يجيئوا بشىء من هذا، ثم لهم بعد ذلك ما يريدون؛ فلم يكن إلا الاعتراف بالعجز، والإقرار بالحجة والإذعان الكامل لهذا السلطان الربانى العجيب، والإيمان بعد ذلك بما جاء به هذا القرآن إيمانًا أنساهم كل ما سواه، وخرج بهم عن كل ما ألفوا، وجعل منهم خير أمة أخرجت للناس.

وانظر كيف أقر الوليد بن المغيرة -وهو خصم القرآن الألد- على نفسه وقومه بأنه ليس من كلام البشر، وبأنه لا طاقة لأحد أن يجاريه أو يماريه، اجتمعت قريش عند حضور الموسم تتدبر أمرها، وتصور موقفها من النبى الجديد والكتاب الذى جاء به، فقال لهم الوليد: "إن وفود العرب ترد، فأجمعوا فيه رأيًا لا يكذب بعضكم بعضًا، فقالوا: نقول كاهن، قال: والله ما هو بكاهن ولا بزمزمته ولا سجعه، قالوا: مجنون، قال: ما هو بمجنون ولا بخنقه ولا وسوسته، قالوا: نقول شاعر، قال: ما هو بشاعر، قد عرفنا الشعر كله؛ رجزه ومزجه، وقريضه ومبسوطه ومقبوضه، قالوا: فنقول ساحر، قال: ما هو بساحر ولا نفثه ولا عقده، قالوا: فما نقول؟ قال: ما أنتم بقائلين من هذا شيئًا إلا وأنا أعرف أنه لا يصدق، وإن أقرب القول: إنه ساحر، وإنه سحر يفرق به بين المرء وابنه، والمرء وأخيه، والمرء وزوجته، والمرء وعشيرته"؛ فتفرقوا على ذلك، وجلسوا على السبل يحذرون الناس ذكره البيهقى فى شعب الإيمان.

وهكذا كان موقف العرب من هذا الكتاب؛ مذعنون آمنوا بالحق، وكافرون أقروا بالعجز، ولا شىء إلا هذا وهم أقطاب البيان وأئمة أهل الفصاحة فى هذا اللسان، فإذا أنت سلكت هذه السبيل، ودخلت إلى آية الإعجاز من هذا الباب؛ فقد وصلت من أقرب الطرق وأيسر المذاهب.

ولك أن تسلك سبيل النظار والباحثين؛ فتنظر إلى هذا الأسلوب العجيب والتركيب الغريب، وتوازن بينه وبين غيره، وتقارن بينه وبين سواه؛ لترى أين كلام الناس من كلام الله؟ وأين قدرة المخلوق من الخالق؟ وحسبك أن تستمع إلى قارئ حسن الصوت يسمعك أشعار الشعراء أو خطب بعض المصاقع المفوهين من المتقدمين أو المتأخرين، ثم يقرأ عليك بعد ذلك بعض سور القرآن، وتخيرها كيف شئت، وانظر تأثير كل من الكلامين فى نفسك بعد اختلاف وقعهما فى سمعك؛ لتعلم آية الإعجاز فى هذا الأسلوب الذى لا يمكن أن يكون إلا عن وحى إلهى وصنع ربانى.

ثم تنظر بعد ذلك على ما اشتمل عليه الكتاب الكريم من قواعد العقائد والعبادات ،ونظم الأمم والمجتمعات، وأحكام الأسر والبيوتات، والأخبار والمغيبات، وضروب العلوم والمعارف مما يعجز عن استيعابه الجمهرة العظيمة من الفلاسفة والمصلحين والعلماء الكونيين؛ فكيف وقد جاء به أمى لم يدخل مدرسة، ولم يتلق العلم عن أستاذ، ولم يجلس بين يدى المربين أو المؤدبين، وإنما أدبه ربه فأحسن تأديبه، وعلمه فأحكم تعليمه (وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) [النساء: 113].

لترى الإعجاز فى المعنى كما هو فى اللفظ، وفى المقاصد والغايات كما هو فى الأسلوب والعبارات.

تزين معانيه ألفاظه

وألفاظه زائنات المعانى

أيها المسلمون الصائمون القائمون..

إن هذا الكتاب المعجز خاطب الفطرة الإنسانية فى الأمة العربية، فاستقامت له، فقادها بزمام إلى الوحدة بعد الفرقة، وإلى القوة بعد الضعف، وإلى السيادة بعد الذلة، وما زال هذا الكتاب كيوم نزل غضًا طريًا، ومعجزًا أبيًا، وقائدًا إلى الرشاد، وداعيًا إلى الخير، وروحًا من أمر الله، يحيى القلوب الميتة، وينهض الهمم الخامدة؛ فما أحوجكم إليه الآن وأنتم على مفترق طرائق الحياة؛ فاستفيدوا له، وخذوا عنه، واستمسكوا به (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) [الأعراف: 170].

المصدر : جريدة الإخوان المسلمين اليومية – السنة الأولى – العدد 80 – صـ3 – 8رمضان 1365هـ / 5أغسطس 1946م.