وحدة العمل الإسلامى فى القطر الواحد

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
وحدة العمل الإسلامى فى القطر الواحد


بقلم : الأستاذ مصطفى مشهور

مقدمة حول جمع كلمة المسلمين

بسم الله الرحمن الرحيم

{ واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا } سورة آل عمران

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..... أما بعد ....

فإن جمع كلمة المسلمين وتوحيد صفوفهم أمنية غالية يتمناها كل مسلم غيور ، وواجب دينى يفرضه علينا إسلامنا وتحتمه الظروف القاسية التى يمر بها العالم الإسلامى اليوم .

إن الوحدة رمز القوة و الطريق الى النصر و التمكين ، و التفرق رمز الضعف و الطريق الى الفشل و الهزيمة .

وقد حرص أعداء الإسلام على بذر بذور الفرقة و الخلاف بين المسلمين ، وخاصة بين الحكام و الحيلولة دون وحدتهم و الواقع الحالى دليل واضح على ما نقول ، حيث ترى خلافات ومهاترات من خلال الصحف و الإذاعات وأبواق السلطة فى كثير من أقطارنا الإسلامية ، كما نرى صدامات وحروب متعددة ومستمرة والشعوب هى الضحية بما يزهق من أرواح وما ينفق من أموال ، ولقد تقاسم الشرق و الغرب بلادنا الإسلامية ، وساعد كل منهما على إشعال الفتنة و الحروب بينهم ، وفى ذلك ترويج لأسلحة الشرق و الغرب وفرصة لتجربتها فى شعوبنا المغلوبة على أمرها ، ولا نرى من الحكام من ينتبه الى هذا الخطر ويحمى شعبه من الدمار و الخراب ويدرك حقيقة مخطط الأعداء .

ومما أنجزه الأعداء غرس هذا الكيان الصهيونى كالسرطان فى جسد الأمة الإسلامية ، ثم عزل مصر مركز الثقل عن باقى الدول العربية باتفاقية كامب ديفيد ، حتى فقدت الدول العربية خيارها العسكرى مع العدو الصهيونى بدون مصر ، وظهر ذلك جلياً حينما غزا العدو الصهيونى دولة عربية ووصل الى عاصمتها وهى لبنان دون أن تتحرك دولة عربية واحدة لصد هذا العدوان .

وهذه الحرب بين العراق وإيران خير دليل على هذا التخطيط من أعداء الإسلام لتدمير أقوى دولتين إسلاميتين بعد مصر ليأمن الكيان الصهيونى ويرتع فى المنطقة كيفما شاء ، وهذه الحرب بين المغرب و الجزائر حول الصحراء ، ثم ما يحدث فى لبنان وأفغانستان و السودان وغيرها ولا ندرى ما يأتى به الغد ونسأل الله السلامة .

إن الشعوب الإسلامية جميعها غير راضية عن هذه الخلافات وهذه الحروب ، ثم إن هذه العاطفة الدينية متوفرة فى هذه الشعوب و التعاطف بينها موجود رغم كل ذلك ، و الدليل الواضح على ذلك ما أظهره الشعب المصرى فى مناسبات كثيرة عن رفضه للصلح و التطبيع مع العدو الصهيونى وتجاوب الشعوب العربية والإسلامية مع الشعب المصرى فى ذلك وخاصة ما أبداه من الرغبة فى التخلص من التبعية لأمريكا أو غيرها رغم سوء الأحوال الاقتصادية .

ومن المعلوم أن محاولات تحقيق الوحدة عن طريق القمم و الرؤساء باءت كلها بالفشل ولابد من تركيز الجهود لتحقيق الوحدة من القواعد ، وذلك بتحقيق الوحدة بين أفراد كل شعب فى أقطارنا الإسلامية ، ثم بين هذه الشعوب ، ثم تلزم الشعوب حكوماتها بضرورة الوحدة ونبذ الخلاف .

الوحدة داخل القطر الواحد

كان من تخطيط الأعداء لتمزيق شعوبنا توريد مبادىء وضعية وتكوين أحزاب لتلك المبادىء ليتوزع أبناء الشعب حولها فى تنافس للوصول الى كراسى الحكم ، ولتكون هذه المبادىء بديلاً للشريعة الإسلامية ، فإذا بالشيوعية والاشتراكية و القومية و الوطنية وغيرها من تلك المسميات تتكون لها أحزاب وترفع لها رايات وتصدر لها صحف ومجلات ، فى وقت تحارب فيه الحركات الإسلامية فى بلادنا العربية والإسلامية ولا يسمح لها بالوجود القانونى ويمنع نشاطها وتلغى صحفها ومجلاتها .

وبجانب الأحزاب نجد جماعات وتجمعات إسلامية كلا منها حددت لها أهدافاً ووسائل لتحقيق تلك الأهداف وبعض هذه التجمعات تسير متعاونة وبعضها تنشب بينها خلافات بدرجات متفاوتة .

وهكذا نجد جمهور الشعب المسلم موزعاً بين هذه الأحزاب السياسية و الجماعات أو الجمعيات الدينية وجانب من الشعب لم يشغل نفسه بشىء من ذلك كله وعكف على نفسه وعلى أمور معيشته وأسرته ، هذا هو الحقل الذى يجب علينا أن نبذل جهودنا لجمع كلمته تحت راية الإسلام وعلى طريق العمل الصحيح الجاد لتحقيق هدفنا العظيم وهو التمكين لدين الله وإقامة دولته وخلافته

و السبيل لجمع كلمة كل شعب مسلم ووحدته يعتمد أول ما يعتمد على إحياء العقيدة الإسلامية فى النفوس وبعث الإيمان فى القلوب وتعريف المسلمين بحقيقة دينهم وعظمته وشموله ، وأنه يغنينا عن كل تلك المبادىء الأرضية التى تثبت الأيام إفلاسها وفشلها فى إسعاد الناس لأنها من صنع البشر العاجز ، أما الإسلام فهو من صنع رب العالمين خالق البشر العليم الخبير بكل ما فيه خيرهم وصلاحهم ولا يجوز تأدباً مع الله مجرد مقارنته بأى من تلك المبادىء الأرضية .

والإيمان حينما يباشر قلوب الناس يدفعهم الى الحب والألفة بينهم ونبذ الخلاف و الفرقة فيستجيبون لداعى الوحدة بينهم طاعة وتقرباً الى الله الذى يقول لهم { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها } آل عمران الآية 103 .

ثم يقول { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات أولئك لهم عذاب عظيم } آل عمران الآية 105 .

هذا هو الطريق الذى سار عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ركز على ترسيخ عقيدة التوحيد فى النفوس وإظهار زيف الأصنام وبطلان عبادتهم من دون الله فتهيأت النفوس بعد ذلك للوحدة والأخوة والإيثار وقد ظهر ذلك واضحاً عندما آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار وكان ذلك خطوة رئيسية فى إعداد القاعدة المتماسكة التى يقوم عليها البناء فعلى العاملين فى حقل الدعوة الإسلامية بذل الجهد فى نشر الدعوة وبعث الإيمان وجمع الكلمة تحت راية الإسلام والأخذ بكل الأسباب و الوسائل المشروعة لتحقيق ذلك مع الصبر و المصابرة لأن التغيير المنشود لن يتحقق إلا من خلال سنة الله التى لا تتبدل { إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } الرعد الآية 11 . ويجب ألا يثبط من عزيمتهم ما يواجهونه من عوامل الإفساد الرسمية وغير الرسمية فى أجهزة الإعلام وغيرها ولا ما يقوم به أصحاب المبادىء الهدامة من تشويه للإسلام أو تشكيك فى العاملين الصادقين له ، فالباطل مهما انتفش فهو زهوق ، ولن يصمد أمام الحق وصدق الله العظيم { بل نقذف بالحق علىا الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق } الأنبياء الآية 18 . كما أن سنة الله غالبة { كذلك يضرب الله الحق و الباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض } الرعد الآية 17 .

وعلينا أن نفوت فرص الاستفزاز أو الإثارة ولكن نقابل ذلك بالحكمة و الهدوء و العمل الجاد الذى يؤدى فى النهاية الى استقطاب أكبر عدد من الناس تحت راية الإسلام بتخليهم عن غبرها من الرايات الأرضية التى خدعتهم ببريقها الزائف فينصرفون عن مواقع الفساد الى طاعة الله وبيوت الله لأداء الصلاة لله رب العالمين .

نظرة فاحصة

نرى فى أقطارنا الإسلامية جماعات وهيئات إسلامية تعمل فى حقل العمل الإسلامى ، ونرى كلاً منها وقد اختارت لنفسها إطاراً ومنهاجاً للعمل قد يختلف عن منهاج غيرها فى بعض الجوانب ، فنجد منهم من يركزون على أمور العقيدة ونقائها من الشوائب ، ومنهم من يهتمون بالعلم وتحقيق الأحاديث النبوية وتوثيقها ، وهناك من يهتمون ببناء المساجد واتباع السنة و التفقه فى الدين ، وغيرهم يهتمون بالدعوة الى الله والأمر بالمعروف و النهى عن المنكر و البر بالمسلمين دون التعرض للسياسة ، وهناك من يركزون على الجهاد ومواجهة الأعداء بالقوة ، كما نرى بعض الطرق الصوفية المتعددة ، وكذلك من يفاصلون غيرهم لتشككهم فى عقيدتهم وقد يحكمون على غيرهم بالكفر أو الفسق ، كما أن هناك من يعملون لإقامة دولة الإسلام وإعادة الخلافة وتطبيق شرع الله مع الاهتمام بالعقيدة و العبيادة و العلم و الدعوة الى الله و التفقه فى الدين و الجهاد فى سبيل الله .

هذا هو الواقع الموجود فى كثير من أقطارنا الإسلامية فما نظرتنا نحن الإخوان المسلمين نحو هذه الظاهرة ؟ وما واجبنا إزاء هذا الواقع ؟ وما هو الطريق الذى نسلكه لجمع كلمة المسلمين فى كل قطر .

هذه الظاهرة لها إيجابياتها ولها سلبياتها فهى تدل على اهتمام الأفراد المسلمين بأمور دينهم فقاموا وتجمعوا لسد الثغرات وتصحيح الخطأ ومواجهة التحديات التى يتعرض لهال الإسلام و المسلمون من أعداء الله ، وهذا أمر مطلوب خاصة عندما نرى أنظمة الحكم فى بعض أقطارنا لا تولى هذا الواجب الاهتمام اللائق به ، إن لم تكن تعمل ما يحقق هدف الأعداء فى كيدهم للإسلام و المسلمين

أما عن سلبيات هذه الظاهرة فتتمثل فى تشتت الجهود وعدم توحيدها لتحقيق أهداف محددة حسب أولوية الأهمية ، كما أن اهتمام بعض هذه التجمعات بجوانب من الإسلام دون غيرها لايؤهل أفراد تلك التجمعات للعمل العام الكلى الذى تمليه طبيعة المرحلة التى تعيشها الدعوة الإسلامية خاصة بعد سقوط دولة الإسلام و الخلافة الإسلامية ، ومن السلبيات أيضاً قيام بعض الشباب ممن لم يكتسبوا الخبرة و التجربة فى حقل الدعوة الإسلامية بتزعم بعض هذه التجمعات وتعريضها الى أخطاء ومخاطر ، وعدم استفادتها من الدروس و العبر التى اكتسبها من سبقوهم على طريق الدعوة .

أما عن واجبنا وموقفنا من هذه الجماعات و الهيئات فهو ما يمليه علينا ديننا من الحب و المودة و التناصح و التعاون على البر و التقوى وتفادى الخلاف و التنازع و العمل على الوحدة امتثالاً لقول الله تعالى :{ واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا } آل عمران الآية 103 وهذا الموقف هو ما عبر عنه الإمام الشهيد حسن البنا فى رسالة المؤتمر الخامس حيث يقول :( أحب كذلك أن أفصح لحضراتكم عن موقف الإخوان المسلمين من الهيئات الإسلامية فى مصر ، ذلك أن كثيراً من محبى الخير يتمنون أن تجتمع هذه الهيئات وتتوحد فى جمعية إسلامية ترمى عن قوس واحدة ، ذلك أمل كبير وأمنية عزيزة يتمناها كل محب للإصلاح فى هذا البلد والإخوان المسلمون يتمنون لها جميعاً النجاح ، ولم يفتهم أن يجعلوا من مناهجهم التقرب منها و العمل على جمعها وتوحيدها حول الفكرة العامة ) .

وعندما نحاول تشخيص الداء لنتعرف على الدواء نجد أن مجتمعاتنا الإسلامية قد أصيبت بكثير من العلل والأمراض فى عقيدتها وعبادتها وأخلاقها ومفاهيمها وعزائمها وتصوراتها وذلك نتيجة لأسباب كثيرة منها انصراف المسلمين الى الدنيا ومتاعها ، وتقصير العلماء فى أداء واجبهم نحو الشعوب ومحاسبة الحكام ونصحهم ، وكذلك نتيجة لاحتلال الأعداء لبلادنا الإسلامية وغزوهم لمجتمعاتنا بكل ألوان الفساد والانحلال بل والإلحاد ، كما أبعدوا الشريعة الإسلامية عن الحكم وسلطوا عملاءهم من الحكام لمحاربة الحركات الإسلامية و الدعاة الى الله كما تعرضت أقطارنا الإسلامية وما تزال الى حكم ديكتاتورى متسلط يركن الى الغرب أو الى الشرق وينفذ سياستهم فى تخريب الوطن والأفراد ومحاربة الداعين الى الله .

فالواجب يملى علينا أن نعذر الكثير من عامة المسلمين لجهلهم ووقوعهم تحت تأثير هذه العوامل وأن نأخذ بأيديهم لنصحح لهم مفاهيمهم وتصوراتهم وما وقعوا فيه من أخطاء وانحرافات بدلاً من أن نفاصلهم أو نحكم عليهم بكفر أو شرك أو فسق ، وأن يتم ذلك فى جو من الحكمة و الموعظة الحسنة و العلاقة الطيبة ، وقد يظن البعض أن علاقتنا الطيبة ببعض هؤلاء تعنى إقرارنا لمخالفاتهم وموافقتنا عليها ولكنها الأسلوب الأجدى لمعاونتهم على التصحيح وتقبل النصح ، كما أننا نوطد أنفسنا على الصبر وتحمل الأذى من بعضهم ونحن ندعوهم ونصحح لهم أخطاءهم ، فلا نقابل الإساءة بمثلها ولا تدفعنا إساءتهم الى تركهم والإعراض عنهم وعدم الاستمرار فى دعوتهم ونصحهم امتثالاً لقول الله تعالى { ولا تستوى الحسنة ولا السيئة ادفع بالتى هى أحسن فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم } فصلت الآية 34 . ومن منطلق هذه الاية ومعناها كان الإمام الشهيد حسن البنا يوصينا فيقول لنا :( كونوا مع الناس كالشجر يرمونه بالحجر ويرد عليهم بالثمر ) .

إن جمهور الشعب هو حقل الدعوة الذى نعمل فيه لإصلاحه ولتخريج العناصر الطيبة منه التى تشعر بالواجب الذى يمليه عليها دينها وهو ضرورة العمل لإقامة دولة الإسلام وخلافته ، فإذا فجرنا هذا الحقل بالحكم على أفراده بكفر أو شرك أو غير ذلك فسيعرض عنا ولا يستجيب لما ندعوه إليه ، ولو نظر كل منا الى نفسه لوجد أنه كان من عامة هذا الشعب ثم منَّ الله عليه بمن أخذ بيده الى الطريق الصحيح و الفهم السليم فلنأخذ بأيدى غيرنا كما أخذ غيرنا بأيدينا .

الفرق واضح بين النصح و التجريح وبين النقد البناء و التشكيك أو النقد الهدام ولكل من ذلك أسلوبه وقنواته ودوافعه ، فالذى يريد الخير و الإصلاح يقدم النصح أو النقد مباشرة وفى القنوات الطبيعية ، أما من يريد الإضرار والإيذاء نجده يقدم التشكيك أو النقد فى صورة نصح ولكن بأسلوب التشهير و التجريح متجنباً القنوات الطبيعية المباشرة ، ويضع نفسه بذلك مع أعداء الإسلام فى خندق واحد بوعى أو بغير وعى .

ونحن لا نسىء الظن بمن يتطوعون بتجريحنا و التشكيك فى مسارنا ولكن نتواصى وإياهم أن نلتزم بآداب الإسلام وأخلاقه وخاصة التى حوتها سورة الحجرات ومنها قوله تعالى { ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا عهلى ما فعلتم نادمين } ومنها قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساءٌ من نساءٍ عسى أن يكنَّ خير منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فألولئك هم الظالمون } ومنها قوله تعالى { ياأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم } .

لهذ نؤكد توصية الإخوان بالتزام هذا المنهج الربانى والأدب القرآنى وأن نتخلق بخلق الحلم مع من يجهل علينا و العفو عمن يظلمنا من إخواننا المسلمين { و الكاظمين الغيظ و العافين عن الناس والله يحب المحسنين } ولنا فى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة .

ولعله من المفيد أن نتذاكر باختصار ماذكره الإمام الشهيد حسن البنا فى رسالة دعوتنا حين صنف مواقف المناس منا الى أربعة أصناف وهم : إما مؤمن آمن بدعوتنا وصدق بقولنا وأعجب بمبادئنا فهذا ندعوه أن يبادر بالانضمام إلينا والعمل معنا ... وإما متردد لم يستبن له وجه الحق ولم يتعرف فى قولنا معنى الإخلاص و الفائدة فهذا نوصيه أن يتصل بنا عن كثب ويقرأ عنا من بعيد أو من قريب فسيطمئن بعد ذلك لنا إن شاء الله .... وإما نفعى لايريد أن يبذل معونته إلا إذا عرف ما يعود عليه من فائدة وما يجره هذا البذل من مغنم فنقول له حنانيك ليس عندنا من جزاء إلا ثواب الله إن أخلصت و الجنة إن علم الله فيك خيراً ، أما نحن فمغمورون جاهاً فقراء مالاً ، شأننا التضحية بما معنا وبذل ما فى أيدينا ورجاؤنا رضوان الله وهو نعم المولى ونعم النصير .... وإما متحامل فهو شخص ساء فينا ظنه وأحاطت بنا شكوكه وريبه ، فهو لإيرانا إلا بالمنظار الأسود القاتم ولايتحدث عنا إلا بلسان المتحرج المتشكك ، ويأبى إلا أن يلج من غروره ويسدر فى سلوكه ويظل مع أوهامه فهذا ندعو الله لنا وله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه و الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه وأن يلهمنا وإياه الرشد ، ندعوه إن قبل الدعاء ونناديه إن أجاب النداء وندعو الله فيه وهو خير الرجاء ، ولقد أنزل الله على نبيه الكريم فى صنف من الناس :{ إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء } القصص الآية 56 ، وهذا سنظل نحبه ونرجو فيئه إلينا واقتناعه بدعوتنا وإنما شعارنا معه ما أرشدنا إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم من قبل :( اللهم اغفر لقومى فإنهم لايعلمون ) .

هذا ما وضحه لنا الإمام الشهيد حسن البنا منذ عشرات السنين وما نحن ملتزمون به ، لأن هذا ما يدعونا إليه الإسلام ، ولأن المسلم لايكره إنساناً لذاته ولكن يكره له عمله أو فكره إذا كان مخالفاً لشرع الله ويكون همّ المسلم دعوة ذلك الإنسان وليصحح فهمه وسلوكه ليستقيم على أمر الله ودين الله ، ونحن نعلم أن من بين من يتحاملون علينا أعداء الله ولدين الله لايريدون لهذا الدين أن ينتصر ويمكن له فى أر ض الله ، وموقف هؤلاء معروف وغير مستغرب منهم ، ولكن يعز علينا أن يكون التحامل من أبناء ديننا وهؤلاء سنصبر عليهم وننهج معهم الموقف الذى أوضحه لنا الإمام الشهيد فى المؤتمر السادس حيث قال :( أما موقفنا من الهيئات الإسلامية جميعها على اختلاف نزعاتها فموقف حب وإخاء وتعاون وولاء ، نحبها ونعاونها ، ونحاول جاهدين أن نقرب بين وجهات النظر ونوفق بين مختلف الفكر توفيقاً ينتصر به الحق فى ظل التعاون و الحب ، ولا يباعد بيننا وبينها رأى فقهى أو خلاف مذهبى ، فدين الله يسر ، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ، ولقد وفقنا الله الى خطة مثلى إذ نتحرى الحق فى أسلوب لين يستهوى القلوب وتطمئن إليه العقول ، ونعتقد أنه سيأتى اليوم الذى تزول فيه الأسماء والألقاب و الفوارق الشكلية و الحواجز النظرية وتحل محلها وحدة عملية تجمع صفوف الكتيبة المحمدية حيث لا يكون هناك إلا إخوان مسلمون للدين عاملون وفى سبيل الله مجاهدون { ومن يتول الله ورسوله فإن حزب الله هم الغالبون } المائدة الآية 55 .

يلاحظ أنه قال : حيث لايكون هناك إلا إخوان مسلمون ، ولم يقل إلا الإخوان المسلمون ، وذلك يعنى أنهم جميعاً ستجمعهم أخوة الإسلام دون فوارق أوحواجز .

الأهداف التى يجب أن نعمل لتحقيقها

وحدة العمل الإسلامى واجب شرعى وضرورة حركية فالله سبحانه وتعالى يدعونا الى الوحدة وينهانا عن التفرق { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا } ، { إنما المؤمنون إخوة } { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم } ثم إن التحديات التى تواجه المسلمين كثيرة وشرسة وتستوجب تضافر الجهود وتوحيد الصف للتصدى لهذه التحديات فالوحدة رمز القوة و الطريق الى النصر ، و التفرق رمز الضعف و الطريق الى الهزيمة لذلك فإن تحقيق الوحدة بين العاملين فى حقل الدعوة أمنية عزيزة يتمناها كل مسلم غيور وعليه أن يسهم فى تحقيقها وله من الله الأجر و المثوبة ، وأما من يحول دون تحقيق هذه الوحدة ويسهم فى وضع العقبات فى طريقها ، أو يسعى لإيجاد الفرقة بين العاملين للإسلام فإنه يعرض نفسه لغضب الله وعذابه ، ويضع نفسه فى مواقف الريب و التهم ، بل ويقف بذلك مع أعداء الله فى خندق واحد وهو يدرى أو لا يدرى .

وسأتناول بإذن الله وعونه فى هذه الرسالة دراسة تحليلية ودعوة منهجية لتحقيق هذه الوحدة سائلاً المولى عز وجل أن يشرح صدور العاملين فى حقل الدعوة وغيرهم لتحقيق هذا الواجب الدينى وبالله التوفيق .

فى تقديرى - و الله أعلم - أنه لكى تكون الدراسة جذرية وعميقة علينا أن نبحث عن الأسباب أو الأمور التى يحدث حولها الخلاف فى مجال العمل الإسلامى ، ثم نقيمها ونوضح طريق الاجتماع عليها وتوحيد الجهود حولها ، ليجتمع من يجتمع عن بينه ويبتعد من يبتعد عن بينة أيضاً .

فمن الأمور التى يمكن أن يحدث حولها الاختلاف عند العاملين للإسلام الأهداف التى تسعى لتحقيقها كل جماعة أو تجمع ، ومما يحدث فيه اختلاف أيضاً فهم الإسلام وما قد يحدث فيه من اجتزاء أو انحراف أو خطأ كذلك يحدث اختلاف حول طريق تحقيق الأهداف المطلوبة و الوسائل المناسبة لذلك ،

هذه أهم الأمور التى قد يحدث حولها اختلاف ، وقد يكون هناك أسباب جانبيه شخصية ، كحب الزعامة عند بعض القيادات ، أو غير ذلك من أمراض القلوب مما يحول دون توحيد الصفوف وجمع الكلمة وربما يقوم أعداء الإسلام باصطناع تجمعات تحت راية الإسلام تسعى لإيجاد الفرقة و التناحر بين الجماعات الإسلامية .

تعالوا نتناول هذه القضايا بالدراسة و التحليل على التوالى آملين أن نتبين وجه الحق فى كل منها كخطوة جادة على طريق الوحدة المنشودة .

ولنبدأ بقضية الأهداف التى يسعى العاملون للإسلام لتحقيقها والاختلاف حول تحديدها عند التجمعات المختلفة ، ولكى تكون الدراسة أكثر عمقاً وأقرب الى الموضوعية من اللازم التعرف على ظروف المجتمع وطبيعة المرحلة التى تمر بها الدعوة الإسلامية لتتضح الدوافع التى كانت وراء قيام هذه التجمعات وليساعد ذلك على تقييم هذه الأهداف وترتيب أهميتها .

وقد أشرت فى السابق الى تشخيص مختصر لما يتعرض له العالم الإسلامى من ظروف وعلل وأمراض وضعف وتفرق وهجمات شرسة من أعداء الله ومن غزو فكرى وانحلالى نتيجة أعداء الله لبلاد المسلمين ، وما تم من تآمر لإسقاط الدولة والخلافة وكذلك إبعاد الشريعة عن الحكم واستيراد مبادىء أرضية ثم خضوع معظم أقطارنا الإسلامية الى حكم ديكتاتورى تابع لشرق أو لغرب ينفذ أغراض الأعداء بأكثر مما يتمنون خاصة فى الكيد للإسلام و العاملين للإسلام ، ونضيف الى ذلك ما يتعرض له المسلمون فى أنحاء مختلفة من مذابح وتشريد وحملات التبشير وغرس لمبادىء الإلحاد فى الأجيال الناشئة فى بعض الأقطار الإسلامية ثم تلك الطامة بغرس الكيان الصهيونى فى قلب الأمة الإسلامية بأهدافه التوسعية من النيل الى الفرات ومحاولته هدم الأقصى لإقامة الهيكل الى غير ذلك من أساليب الفساد والإفساد و التسلط فى المنطقة .

فى هذا الجو وتلك الظروف قامت جماعات وتجمعات إسلامية لتحقيق أهداف أو أغراض مختلفة كما ذكرنا ذلك سابقاً ، كثير منها لتحقيق أهداف جزئية ومحلية ، وبعض الجماعات قامت لتحقيق أهداف كلية وعالمية ، وذكرنا أن هذه الأهداف الجزئية مطلوبة ومفيدة ولكن ونحن نبحث فى جد و صدق حول جمع الكلمة وتوحيد الصف ، نتساءل ونقول هل الأهداف الجزئية التى تبنيها بعض الجماعات يكفى تحقيقها لإصلاح أحوال المسلمين على الساحة العالمية ؟ ، وتحمى أرواحهم وأعراضهم وتحول دون تشريدهم واستضعافهم ؟ وإيقاف ما يتعرضون له من حرب وكيد ؟

إن رسولنا صلى الله عليه وسلم شبه حالنا الذى نحن عليه الآن وتداعى الأمم علينا بالعدوان و تداعى الأكلة الى قصعتها ، ولما سئل هل ذلك عن قلة حينئذٍ قال لا بل أنتم يومئذٍ كثير ولكن غثاء كغثاء السيل وذكر المرض الذى وراء هذه الغثائية وهو الوَهن الذى شرحه بأنه حب الدنيا وكراهية الموت .

تعالوا نتساءل كيف ومتى ترتدع الأيدى عن أن تمتد الى القصعة ؟ هل انشغال المسلمين بتلك الأهداف الجزئية يكفى ويحقق ذلك ؟ هل الاكتفاء بالعقيدة أو بالعبادة و العلم وغير ذلك من جوانب العمل كفيل بنيل المسلمين عزتهم ومكانتهم وإيقاف الكيد و الحرب من الأعداء ؟ أم لابد من هدف كلى يعيد للمسلمين دولتهم وخلافتهم وتكون لهم شوكتهم التى تردع الأعداء ، وتحمى أوطانهم وتسترد ما اغتصب من أرض الإسلام وعلى رأسها فلسطين و المسجد الأقصى وتمكن لدين الله فى الأرض وتفتح آفاقاً جديدة للإسلام فى أرض الله وبين خلق الله ؟

هذا هو الهدف الأكبر الذى تمليه علينا طبيعة المرحلة التى تمر بها الدعوة الإسلامية بعد سقوط الدولة والخلافة بتآمر الأعداء هذا هو الهدف الذى يجب أن تتضافر جهود كل العاملين الصادقين فى حقل الدعوة الإسلامية لتحقيقه .

وهو الهدف الذى حدده الإمام الشهيد حسن البنا منذ أكثر من ستين عاماً وأنشأ جماعة الإخوان المسلمين لتحقيقه ، ووضع لها الأسس التى تقوم عليها و الوسائل التى تأخذ بها ورسم لها الطريق مستنبطاً إياه من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا تزال الجماعة تسير على الطريق المرسومة لتحقيق هذا الهدف الأكبر بتوفيق من الله وعونه .

والإخوان - و الحمد لله - لايدعون العصمة ولا يتعالون على غيرهم ولا يرفضون أى نصيحة أو توصية من غيرهم ، ويقبلون أى حوار يبتغى به وجه الله سبحانه حول هذا الهدف الذى اجتمعوا عليه فإذا كان عند البعض هدف أفضل وأكمل منه فليدلونا عليه وسيجدوننا مستجيبين حين تثبت أفضليته وأحقيته ، إذ لايتصور لقوم كالإخوان يدعون ويعملون لنصرة دين الله ، ويتحملون ويصبرون على مالاقوه من محن كما هو معلوم ، ويقدمون قوافل من الشهداء ويكون كل ذلك لتحقيق هدف غير سليم أو مخالف لجوهر الدين أو مغاير لطبيعة المرحلة ؟

وأقول أيضاً إن دعوة الإخوان معلومة ومعروضة على الساحة العالمية منذ ستين عاماً وقد حازت ثقة الجماعات الإسلامية الصادقة على الساحة ، ويتم التعاون معها فى مجالات العمل الإسلامى النافع فى قضايا العالم الإسلامى ، و الدعوة تكسب كل يوم أنصاراً جدداً لتحقيق هذا الهدف الكبير وهو إقامة الدولة الإسلامية العالمية و الخلافة الإسلامية الراشدة رغم كيد الأعداء وتشكيك المشككين الذين يحسبونه مستحيلاً بعيداً ونراه قريباً .

الإخوان لايشجبون التجمعات التى تقوم بتحقيق أهداف جزئية ، ولا ننتقص من قدرهم وفائدة ما يقومون به ، ولكن نريد منهم أن يكون تحقيق هذه الأهداف الجزئية جزءاً من الخطة العامة لتحقيق الهدف الأكبر وهو التمكين لدين الله فى الأرض ، وهذا يوجب التعاون و التنسيق بين الجميع ، ونبذ الخلاف وعدم التجريح أو التشكيك بين التجمعات بعضها البعض ويكفى ما نلاقيه من الأعداء من حرب وتشكيك ويكفى ما نلاقيه من الأعداء متحدين متعاونين وأن نأخذ بالقاعدة الذهبية التى رددها الإمام الشهيد وهى أن نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه .

هكذا نرى أن الهدف الأولى بالاجتماع عليه وتضافر الجهود لتحقيقه و الذى تمليه على المسلمين طبيعة المرحلة التى تمر بها الدعوة الإسلامية فى عصرنا هذا هو إقامة الدولة الإسلامية العالمية وعلى رأسها الخلافة الإسلامية وفى تحقيقه النجاة و التخلص من العلل والأمراض و المعاناة التى يتعرض لها العالم الإسلامى ، وفى القعود عن تحقيقه إثم كبير وتعريض المسلمين للفتنة .

ولا يعنى اهتمامنا وانشغالنا بتحقيق هذا الهدف إهمال الأهداف الجزئية التى قامت من أجلها جماعات وتجمعات إسلامية ، ولكن يكون التنسيق و التعاون وكما سبق وذكرنا أن يكون تحقيق الأهداف الجزئية ضمن الخطة العامة لتحقيق الهدف الأكبر ، ومن أجل ذلك حرص الإمام الشهيد حسن البنا على أن تتضمن دعوة الإخوان هذه الأهداف الجزئية بأشمل وأكمل صورة وباعتدال دون مغالاة أو تفريط ، فقد شملت دعوة الإخوان الاهتمام بسلامة العقيدة وصحة العبادة ومتانة الأخلاق وثقافة الفكر وقوة البدن ونشر الدعوة و التربية و الجوانب الاقتصادية والاجتماعية و السياسية و الجهادية وكل مجالات الإصلاح التى يقرها الإسلام .

ضرورة ترتيب الأولويات

نواصل دراستنا وتحليلنا لأسباب الاختلاف بين الجماعات أو التجمعات الإسلامية التى تعمل فى حقل الدعوة لنتوصل الى الطريق السليم لتحقيق الوحدة و التعاون بينها

فقد ذكرنا أنه مما يختلف عليه الأهداف التى قامت لتحقيقها تلك الجماعات و التجمعات ، وأوضحنا أن هناك أهدافاً جزئية وهدفاً كلياً أكبر يَجُبُّ هذه الأهداف الجزئية وهو إقامة الدولة الإسلامية العالمية وعلى رأسيها الخلافة الإسلامية أو بتعبير آخر التمكين لدين الله فى الأرض ، وقلنا إن المصلحة تقتضى أن يكون تحقيق الأهداف الجزئية متمماً للخطة العامة الكلية فى تنسيق وتعاون بين العاملين دون تضاد أو تشكيك أو تجريح .

ونبحث هنا سبباً آخر مما يحدث حوله الخلاف أو الاختلاف وهو فهم الإسلام ، والأصل أن نعود جميعاً بفهمنا للإسلام الى الفهم الصحيح الكامل الذى جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وطبقه هو ومن خلفه من الخلفاء الراشدين دون اجتزاء أو انحراف أو خطأ ، خاصة وكما أوضحنا أن الهدف الأكبر الذى يجب أن نجتمع عليه هو التمكين لدين الله فى الأرض وهذا ما تمليه علينا طبيعة المرحلة بعد سقوط الدولة و الخلافة ، فلا يتصور أن تقدم الجهود و التضحيات بالأنفس والأموال للتمكين للدين بفهم ناقص للإسلام أو فهم فيه اجتزاء أو انحراف أو خطأ .

ومعلوم أن هناك أصولاً فى الدين وهناك أيضاً فروع ، و الواجب الإلتزام بالأصول وعدم الحيدة عنها ودون مغالاة أو تفريط ، أما فروع الدين فيمكن أن يكون حولها اختلاف لأسباب متعددة ذكرها الإمام الشهيد فى رسالة دعوتنا حيث قال :( نحن نعتقد أن الخلاف فى فروع الدين أمر لابد منه ضرورة ولا يمكن أن نتحد فى هذه الفروع والآراء و المذاهب لأسباب عدة :

منها اختلاف العقول فى قوة الاستنباط أو ضعفه وإدراك الدلائل و الجهل بها و الغوص على أعماق المعانى ، وارتباط الحقائق بعضها ببعض و الدين آيات وأحاديث ونصوص يفسرها العقل و الرأى فى حدود اللغة وقوانينها ، و الناس فى ذلك جد متفاوتين فلابد من خلاف .

ومنها سعة العلم وضيقه ، وأن هذا بلغه ما لم يبلغ ذاك والآخر شأنه كذلك ، وقد قال مالك لأبى جعفر : إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا فى الأمصار وعند كل قوم علم فإذا حملتهم على ر أى واحد تكون فتنة .

ومنها اختلاف البيئات حتى أن التطبيق ليختلف باختلاف كل بيئة ، وإنك لترى الإمام الشافعى رضى الله عنه يفتى بالقديم فى العراق ويفتى بالجديد فى مصر وهو فى كليهما آخذ بما استبان له واتضح عنده لايعدو أن يتحرى الحق فى كليهما .

ومنها اختلاف الاطمئنان القلبى الى الرواية عند التلقين لها ، فبينا نجد هذا الراوى ثقة عند هذا الإمام تطمئن إلايه نفسك وتطيب بالأخذ عنه ، تراه مجروحاً عند غيره لما علم عن حاله .

ومنها اختلاف تقدير الدلالات فهذا يعتبر عمل الناس مقدماً على خبر الآحاد مثلاً وذاك لا يقول معه بهذا وهكذا .

ثم يقول رضى الله عنه : كل هذه الأسباب جعلتنا نعتقد أن الإجماع على أمر واحد فى فروع الدين مطلب مستحيل ، بل هو يتنافى مع طبيعة الدين ، وإنما يريد الله لهذا الدين أن يبقى ويخلد ويساير العصور ويماشى الأزمان ، وهو لهذا سهل مرن هين لين لاجمود فيه ولا تشديد ، نعتقد هذا فنلتمس العذر كل العذر لمن يخالفوننا فى بعض الفرعيات ونرى أن هذا الخلاف لايكون أبداً حائلاً دون ارتباط القلوب وتبادل الحب و التعاون على الخير وأن يشملنا وإياهم معنى الإسلام السابغ بأفضل حدوده وأوسع مشتملاته ألسنا مسلمين وهم كذلك ؟ وألسنا نحب أن ننزل على حكم اطمئنان نفوسنا وهم يحبون ذلك ؟ وألسنا مطالبين بأن نحب لإخواننا ما نحب لأنفسنا ؟ ففيم الخلاف إذاً ؟ ولماذا لايكون رأينا مجالاً للنظر عندهم كرأيهم عندنا ؟ ولماذا لا نتفاهم فى جو الصفاء و الحب إذا كان هناك ما يدعو الى التفاهم ؟ .

وإذا كان الخلاف قد وقع فى أشهر المسائل الفرعية وأضحها كالأذان الذى ينادى به خمس مرات فى اليوم الواحد ووردت به نصوص وآثار فما بالك من دقائق المسائل التى مرجعها الى الرأى والاستنباط .

وثم أمر آخر جدير بالنظر ، أن الناس كانوا إذا اختلفوا رجعوا الى الخليفة وشرطه الإمامة فيقضى بينهم ويرفع حكمه الخلاف ، أما الآن فأين الخليفة ؟ وإذا كان الأمر كذلك فأولى بالمسلمين أن يبحثوا عن القاضى ثم يعرضوا قضيتهم عليه ، فإن اختلافهم من غير مرجع لايردهم إلا الى خلاف آخر . يعلم الإخوان المسلمون كل هذه الحيثيات فهم لهذا أوسع الناس صدراً مع مخالفيهم ، ويرون أن مع كل قوم علماً ، وفى كل دعوة حقاً وباطلاً ، فهم يتحرون الحق ويأخذون به ، ويحاولون فى هوادة ورفق إقناع المخالفين بوجهة نظرهم ، فإذا اقتنعوا فذاك ، وإن لم يقتنعوا فإخوان فى الدين نسأل الله لنا ولهم الهداية .

ذلك منهاج الإخوان المسلمين أمام مخالفيهم فى المسائل الفرعية فى دين الله ، يمكن أن نجمله فى أن الإخوان يجيزون الخلاف ويكرهون التعصب للرأى ، ويحاولون الوصول الى الحق ، ويحملون الناس على ذلك بألطف وسائل الحب )

هذا ما أوضحه الإمام الشهيد حول قضية الخلاف فى الفهم فى فروع الدين ، وتخطياً لذلك فى سبيل التعاون و تضافر الجهود كانت عبارته المعروفة ( نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه ) ، ومن عجيب ما سمعت فهم أحد من يهاجمون الإخوان ويشككون فيهم بغير سبب قوله إن هذه العبارة مكيافيلية أى أنها تفيد أن الغاية تبرر الوسيلة ، فقد فهم - غفر الله لنا وله - أن يعذر بعضنا بعضاً فيما خالفنا فيه وليس فيما اختلفنا فيه وشتان بين الفهمين .

وقد حرص الإمام الشهيد حسن البنا ألا يجمع الإخوان فى الأمور الفرعية على رأى واحد وإلا تحولنا الى فرقة أو طائفة أو مذهب معين ، من وافقنا انضم إلينا ومن خالفنا ابتعد عنا ، ولكن لتسع الجماعة ما يسع الإسلام من اختلاف فى الأمور الفرعية من آراء طالما أن الرأى لايتعارض مع أصل ولا يخرج صاحبه من الإسلام ، وإن كنا نتواصى بأن نأخذ بالرأى الأرجح والأقوى دليلاً ما أمكن .

ومن أجل أهمية وحدة الفهم للعاملين فى حقل الدعوة الإسلامية جعله الإمام البنا الركن الأول من أركان البيعة العشرة ووضع له أصولاً عشرين كإطار لهذا الفهم يحميه من الاجتزاء أو الانحراف أو الخطأ ، وتثبت الأيام أحقية هذه الأصول العشرين كأساس لتوحيد فهم العاملين للإسلام ، ومع ذلك نحن لا ندعى العصمة للإمام البنا فمن وجد فى أى أصل من هذه الأصول مخالفة صريحة للإسلام فلا مانع من مناقشة ذلك بالدليل الواضح دون تعصب ولا تجريح .

وكان من حكمة الإمام البنا أن جعل الفهم ركناً من أركان البيعة ليتوحد فهم الإخوان جميعاً على هذا الفهم و الحيلولة دون ظهور مدارس فكرية مختلفة فى صفوف الجماعة من شأنها أن تمزق الوحدة وتشتت الجهود ، لأن كل إنسان يعمل من منطلق مااقتنع به من فهم ، فالوفاء بالبيعة يقتضى الإلتزام بهذا الفهم ، ويصبح كل أخ حارساً أميناً على هذا الفهم من أى انحراف أو تغيير وفاء لبيعته مع الله .

ومن هذا المنطلق كان التصدى لفكر التكفير حين ظهر داخل الأسوار ومفاصلة الأستاذ حسن الهضيبي رحمه الله لمن يصرون على اعتناق هذا الفكر وكان لبحثه المعروف باسم ( دعاة لا قضاة ) الأثر الكبير فى عدول الكثيرين عن هذا الفكر .

و الملاحظ أن بعض الجماعات أو التجمعات الإسلامية ركزت على جوانب من الإسلام وتعمقت فى فهمها وربما وصلت الى درجة من التشدد أو المغالاة فى الوقت الذى لم تعط هذا الاهتمام الى جوانب أخرى فماذا يضيرنا جميعاً مادمنا صادقين وجادين فى العمل لتحقيق الخير للإسلام و المسلمين و التمكين لهذا الدين فى الأرض وليسترد المسلمون مكانتهم وعزتهم وسيادتهم أن نأخذ بهذا الفهم الشامل الصحيح للإسلام بتكامل واعتدال دون اجتزاء ولا تشدد ولا مغالاة ، ونحسن عرضه وجمع الناس عليه بعد أن حاول الأعداء وأعوانهم تشويه صورته ليرتبوا على ذلك عدم صلاحيته لهذا الزمان .

ندعوا الصادقين المخلصين الى تجاوز الخلاف فى الفهم فى الفرعيات ليتم التعاون الكامل لتحقيق الهدف العظيم الذى أوضحناه سابقاً وهو إقامة الدولة الإسلامية العالمية أو التمكين لدين الله فى الأرض وبالله التوفيق و العون .

الأسلوب الصحيح فى العمل

قلنا سابقاً أنه يمكن أن يكون اختلاف الغاية أو الهدف الذى يعمل كل تجمع أو جماعة على تحقيقه سبباً فى تعدد الجماعات فى القطر الواحد ، كما تعرضنا الى سبب آخر وراء تعدد الجماعات وهو الاختلاف فى الفهم للإسلام خاصة فى الفرعيات وذكرنا فى كلا الحالين الطريق الى توحيد الجهود وجمع الكلمة بأن نجتمع على الهدف الكلى الأكبر الذى تمليه طبيعة المرحلة ويوجبه الإسلام وهو إقامة الدولة الإسلامية وعلى رأسها الخلافة الإسلامية وضرورة الاجتماع على الفهم الصحيح الشامل السليم النقى للإسلام ، وأن نلتزم بقاعدة التعاون فيما اتنفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه ، وعدم الخلاف أو التجريح بين العاملين فى حقل الدعوة الإسلامية وضرورة توحيد الجهود و الصفوف لمواجهة التحديات الشرسة من أعداء الإسلام .

ونشير هنا الى سبب آخر من الأسباب التى يمكن أن يحدث بسببه اختلاف بين العاملين فى حقل الدعوة بعد الاجتماع على الهدف الأكبر وعلى الفهم الصحيح السليم ، ألا وهو أسلوب العمل و المنهج الذى يتبع لتحقيق هذا الهدف الكلى وهو إقامة دولة الإسلام حيث نرى من يعتمدون أسلوب التربية روحياً وثقافياً وبدنياً للأفراد وإعداد القاعدة الصلبة التى يقوم عليها هذا البناء الضخم ، ويعتبرون أن هذه القاعدة هى أهم وأشق مرحلة فى البناء ، وأنه لايجوز التهاون فى إعدادها وفى قوتها وصلابتها ، وهناك من يغلبون الأساليب السياسية على التربية ويهتمون بالكم دون الكيف ، ويحرصون على كسب أكبر عدد ممكن من الأفراد دون التركيز على إعدادهم وتربيتهم ولعلهم يرون أن هذا الطريق أسرع للوصول الى الحكم ، وقد يقول أصحاب هذا الاتجاه يمكن أن نقوم بالتربية بإمكانيات أكبر بعد الوصول الى الحكم .

وهناك أيضاً من يعتمدون أسلوب القوة فى التغييؤ كالانقلابات العسكرية أو ما يشابهها ويعتبرون هذا الأسلوب أقرب الأساليب للتغيير من غيره .

وهناك من يعتقدون أن أصل الفساد والاختلاف هو ما أصاب عقيدة التوحيد من شوائب أبعدت كثيراً من المسلمين عن الأصل الذى قام عليه الإسلام ولابد من التركيز على أمور العقيدة فتكون هى الشغل الشاغل عندهم وقليلاً ما يخرجون عن دائرته .

ومما لا شك فيه أن الاختلاف حول منهج العمل لتحقيق الهدف الكلى بين الجماعات يحدث بلبلة عند الشباب ويتيح الفرصة للشيطان لإحداث الفرقة والاحتكاك و التشكيك و التجريح وربما التصادم بين أفراد الجماعات المختلفة أو على الأقل تشتت الجهود وعدم تضافرها .

و الواجب الإسلامى يفرض على قيادات هذه الجماعات أو التجمعات أن تستشعر مسئوليتها أمام الله عن كل الذين تجمعوا وراءهم وعن طاقاتهم وأوقاتهم وكل ما يبذلونه فى حقل العمل للإسلام بأن يكون كل ذلك فى الطريق الصحيح الذى يحقق الخير للإسلام ومستقبل الإسلام . فاختيار الطريق الذى تبذل فيه هذه الطاقات والأرواح أمر فى غاية الأهمية و الخطورة ، فالمسئولية أمام الله عظيمة لأى قائد أو مسئول عن جماعة يدفع بأتباعه ليبذلوا طاقاتهم وأرواحهم فى طريق فيه خطأ أو انحراف يضر بالإسلام وبالعمل للإسلام ، أو فيه إثم كقتل أنفس بغير حق أو غير ذلك من أمور يدفع إليها حماس غير مبصر .

إن أسلوب العمل و الطريق لتحقيق الهدف يمكن أن يكون مجالاً للاجتهاد ووجهات النظر المختلفة و التى قد تتعارض مع بعضها أو يعطل بعضها البعض الآخر ، فالأولى أن يحدث حوار هادىء وموضوعى بين هؤلاء ليتم الاتفاق على الطريق الأمثل والأرجح لتحقيق الهدف المنشود الذى تمليه طبيعة المرحلة ، على أن يكون إخلاص الوجه لله وتخلية النفوس من الأهواء الأساس الذى يقوم عليه الحوار .

وإذا تعرضنا لهذا الموضوع ببعض التفاصيل نجد أن المنطق و العقل يملى علينا أن نتعرف على الطريق الذى سلكه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته لإقامة دولة الإسلام الأولى ، وبعد ذلك علينا أن نترسم هذا الطريق ولا نحيد عنه ، فليس بيننا من هو أعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يختار طريقاً غير طريقه .

ومن المفيد أن نوضح أن هناك بعض التشابه فى الظروف التى تعيشها الدعوة الإسلامية و الدعاة الى الله اليوم وما كان عليه الحال فى فترة الدعوة الأولى ، ليس من حيث تكامل التشريع من عدمه لا فقد اكتمل الإسلام و الحمد لله ، ولكن من حيث الحركة بالدعوة وقرب الناس من الدعوة أو بعدهم عنها ، فلا شك أن الإسلام عاد غريباً كما بدأ ، فنجد الذين يفهمون الفهم الصحيح الكامل للإسلام يقومون بتكاليف العمل التى يوجبها الإسلام قلة من هذه الكثرة الكبيرة ، ونجدهم يتعرضون للتضييق والإعنات والإيذاء من أعداء الإسلام وعملائهم ممن يتسمون بأسماء المسلمين ، واعداء الإسلام فى الشرق و الغرب يكيدون للإسلام و المسلمين بكل ألوان الحرب والكيد ، وليس للمسلمين دولة ولا شوكة تحميهم من هذه الحرب الشرسة التى يتعرضون لها من أعداء الإسلام .

وبسبب هذا التشابه وجب علينا أن نسلك طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم حرص أول ما حرص على نقاء عقيدة التوحيد وتخليصها من أى شائبة شرك لأنها الأساس الذى يقوم عليه بناء شخصية الفرد المسلم الذى سيقوم بعد ذلك بباقى مراحل البناء من الأسرة فالمجتمع فالحكومة فالدولة ، اهتم الرسول صلى الله عليه وسلم بالتربية وإعداد رجال العقيدة وجند الدعوة ، وآيات القرآن كانت تتنزل فى تلك الفترة للتركيز على قضية الإيمان بالله و اليوم الآخر ونقاء عقيدة التوحيد .

ثم كان التوجيه الى التخلى عن العادات الجاهلية و التحلى بالأخلاق الإسلامية الفاضلة ، وكان التواصى بالصبر مع التواصى بالحق مع إعداد النفوس للمعركة بين الحق و الباطل وظهر ذلك فى بيعتى العقبة حينما طلب منهم أن يتعهدوا بحمايته إذا لحق بهم فى المدينة .

ونلاحظ أن المسلمين فى تلك الفترة كانوا يتعرضون للإيذاء و التعذيب و القتل ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يوصيهم بالصبر ويبشرهم بالجنة وبالنصر ، ولم يطلب منهم أن يردوا على هذا الإيذاء بالقوة ، وكان من الممكن أن يأمرهم بقتل أبى جهل مثلاً أو بتحطيم الأصنام التى تعبد من دون الله من باب إزالة المنكر ، ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر بشىء من ذلك ، لأنه لو حدث شىء من ذلك ستثور ثائرة المشركين ولا تهدأ ثائرتهم إلا بالقضاء على هذه الدعوة وأفرادها وهى لم تزل ضعيفة محدودة العدد ، ولن ينتهى الشرك ولا المنكر بمثل هذه الأفعال المحدودة الجزئية .

هكذا كان منهج الرسول صلى الله عليه وسلم فى تلك الفترة ، إعداد الركائز القوية التى سيقوم عليها البناء ، رباهم على مائدة القرآن وفى مدرسته صلى الله عليه وسلم فى دار الأرقم بن أبى الأرقم ، كما تعرض صلى الله عليه وسلم لتوجيه الله له بقيام الليل ليحوز على الزاد الذى يعينه على حمل الأمانة الثقيلة { ياأيها المزل قم الليل إلا قليلاً * نصفه أو انقص منه قليلاً * أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا * إنا سنلقى عليك قولاً ثقيلاً } هذا هو الإعداد الضرورى لمواجهة تكاليف العمل ومشاق الطريق واستمر صلى الله عليه وسلم وصحابته فى نشر دعوة الله وتبليغها للناس رغم كل الضغوط والإيذاء ، وهذا سيدنا مصعب بن عمير يذهب الى المدينة ولا يألوا جهداً حتى دخل الإسلام معظم بيوت المدينة بأسلوب الدعوة الفردية .

وبعد أن هاجر المسلمون الى المدينة ثم هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم هو و الصديق رضى الله عنه كان أول اهتمامه بناء المسجد الذى يعتبر المؤسسة الأساسية فى بناء الرجال وتكوين القاعدة الإسلامية القوية .

ثم كانت الخطوة الأساسية التالية وهى رباط العقيدة والأخوة فى الله فآخى بين المهاجرين والأنصار وسجل القرآن الكريم صورة هذا الإخاء فى قوله تعالى { والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون فى صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } وكان صلى الله عليه وسلم يحث على التدريب على الرماية و السباحة وركوب الخيل استجابة لأمر الله تعالى { وأعداو لهم ما استطعتم من قوة } ثم أراد الله سبحانه أن تكون ذات الشوكة فى بدر وتكون الحرب بعد ما كان القصد العير وليس النفير ، ورفعت راية الجهاد بعد أن تكونت للمسلمين قاعدة قوية الإيمان متحابة متماسكة وتنزل عليها نصر الله كما نزل قوله تعالى { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير } .

بهذا العرض المختصر نرى أن الأسس التى قام عليها التغيير لإقامة دولة الإسلام الأولى هى قوة العقيدة والإيمان ثم قوة الوحدة والأخوة ثم قوة الساعد و السلاح وبهذا الترتيب .

إن أى نقص أو تراخ فى تحقيق هذه القوى الثلاث أو أى منها ينعكس سلباً على قوة البناء وصلابته واستقراره ، فقوة العقيدة والإيمان هى الأساس المتين و الدافع القوى الذى يجب توافره فى الركائز التى سيقوم عليها البناء ، وقوة الوحدة والأخوة هى التى تربط الأفراد ليكونوا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً فلا يجد العدو بينهم ثغرة ينفذ منها وحتى إذا وقفوا فى الجهاد كانوا مطابقين لقول الله تعالى { إن الله يحب الذين يقاتلون فى سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص } .

كما أن أى خلل فى ترتيب هذه القوى لاتؤمن نتائجه ، ولا يطمأن الى قيام البناء وإذا قام لايطمأن الى ثباته واستقراره .

كما أن التآخى و التحاب لايمكن أن يتحقق بالصورة المرجوة المتينة دون أن يسبقه الإيمان الصادق الذى يدفع الى هذا الحب وتلك الأخوة وهذا الإيثار .

كذلك فإن استعمال قوة الساعد و السلاح قبل تحقيق الوحدة والأخوة يمكن أن يؤدى الخلاف بينهم الى أن يضرب بعضهم بعضاً بهذا السلاح ويؤدى ذلك الى فنائهم وضياعهم .

وإذا لم تتحقق قوة العقيدة والإيمان كان الأمر كما لوكان يمثل جماعة تعمل لمبدأ أرضى لا لعقيدة سماوية صادقة ، فلا يرجى من ورائها خير .

هكذا نرى سلامة الطريق الذى سلكه رسول الله صلى الله عليه وسلم والذى أوصل بفضل الله وعونه الى تحقيق الهدف وقيام دولة الإسلام وهو الطريق الذى يجب علينا التزامه بكل دقة ودون مخالفة .

تصحيح المسار لدى البعض

بعد أن أوضحنا المنهاج الذى سلكه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بناء الدولة الإسلامية الأولى و المتمثل فى إ يجاد القاعدة الإسلامية المتينة التى يقوم عليها البناء ، وأنه ركز صلى الله عليه وسلم على أسس ثلاثة هى قوة العقيدة والإيمان ثم قوة الوحدة والأخوة ثم قوة الساعد و السلاح بهذا الترتيب ، وأوضحنا أنه صلى الله عليه وسلم ربى المسلمين الأول على هذه القوى الثلاث ، فتخرج فى مدرسته رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه وقامت على أكتافهم الدولة الإسلامية الأولى وتطهرت بهم جزيرة العرب من الشرك والأصنام وفتحت الفرس وأجلى اليهود وتبدد الظلام وعم النور .

نعود بعد ذلك الى مناقشة بعض أساليب ومناهج العمل التى اختارتها بعض الجماعات ترجيحاً منها أنها الأسلوب الأمثل .

فمثلاً الذين يغلبون العمل فى المجال السياسى على العمل فى المجال التربوى ، ويهتمون بالعدد و الكم أكثر من اهتمامهم بالمستوى و النوعية ، ويعجبهم اتساع القاعدة أكثر من صلابتها ومتانتها ، نقول إن مثل هذا الأسلوب ربما يحقق مكسباً ظاهرياً وقد يوصل الى الحكم فى وقت أقل ولكن لهذا الأسلوب مخاطره ، فالقاعدة تكون هشة غير متينة و النوعيات التى سيقوم على التنفيذ و التمكين تكو غير أصيلة لأنها لم تحظ بقسط التربية والإعداد الواجب ، وهكذا يتعرض البناء الى الانهيار وعدم الصمود أمام الضغوط التى يتعرض لها من أعداء الإسلام وعملائهم كما أن القائمين على التطبيق قد يسيئون التطبيق نتيجة ترخصهم أو تغيرهم وهم على كراسى الحكم بسبب عدم إعدادهم وتربيتهم ، فأمانات الحكم ثقيلة ولا يقوى عليها إلا من تجرد ومحِّص وأعدَّ إعداداً قوياً بحيث لا يفتنه كرسى الحكم فيطغى أو ينحرف عن الإلتزام بالإسلام الصحيح ويسىء التطبيق ، وبحيث لا يضعف أمام قوى الباطل ولا يتنازل فى أى موقف عما يمليه عليه الإسلام .

خير للبناء أن يقوم متينا من أول لبنة فى البناء ولو أخذ وقتاً أكثر من أن يعلو هشاً فى وقت قصير ثم ينهار بعد ذلك ولا يصمد ونبدأ من جديد .

ومن سلبيات هذا المنهج الذى يغلب المجال السياسى على المجال التربوى ما يظهر فى القاعدة الشعبية أيضاً فإنها لن تحظى فى ظل هذا المنهج بالإعداد اللازم لتهيئتها لتقبل شرع الله كنظام للحكم مما يشكل عقبة عند التطبيق ، ومثل هذه القاعدة الهشة يمكن أن تتأثر بدعاية أى حزب من الأحزاب صاحبة المبادىء الأرضية واجتذابها له بالمال أو غير ذلك من الأساليب ، فلا يكسبها التيار الإسلامىالى جانبه فى انتخابات قادمة خاصة إذا ظهرت سلبيات عند تطبيق الإسلاميين فى الحكم نتيجة النقص فى التربية .

إن مقياس قوة أى تجمع لا يكون بعدد من يعطونه أصواتهم فى انتخابات عامة ولكن بعدد من هم مستعدون للتضحية و الصمود معه فى مواقف الشدة ومواجهة الأعداء ، مثل هذه النوعية تساند الحركة وتحميها من الانحراف .

ولايعنى ذلك أن الذين يغلبون جانب التربية أنهم يهملون المجال السياسى ويتركونه فسيحاً لأصحاب المبادىء الأخرى ولكن يقتحمونه بخطوات محسوبة وفى توازن حكيم بحيث لا ينال من التربية التى هى الأصل الذى يقوم عليه البناء .

كما لا يتصور أحد أن الذين يغلبون التربية أنهم سيحولون جماهير الشعب الى هذه النوعية الجيدة القوية فهذا أمر مستحيل أو يطول به الأمد دون اكتمال ولكن لابد من إعداد ركائز البناء التى يقوم عليها من هذه النوعية بمثابة القاعدة الخرسانية والأعمدة الخرسانية كأساس متين يعلو فوقه البناء مستقراً وتكون جماهير الشعب بمثابة اللبنات التى تملأ الفراغ بين تلك الأعمدة الصلبة .

ننتقل بعد ذلك الى مناقشة أصحاب أسلوب استعمال القوة فى التغيير دون الاهتمام بالتربية أو إعداد القاعدة الصلبة التى يقوم عليها البناء ويصمد ويستقر ، فنقول إن طبيعة الأمور تقول إن البناء لايبدأ من أعلى كأن يتم التغيير بالقوة على طريقة الانقلابات العسكرية دون تكون القاعدة التى يقوم عليها البناء ، إذ لابد من بدأ البناء من أسفل أى من القاعدة ثم يعلو تدريجياً لابد من القاعدة المكونة من الفرد والأسرة و المجتمع بحيث يؤمنون جميعاً بأحقية شريعة الله فى الحكم ويصرون عليها ويصمدون مع المطالبين بها ويرفضون غيرها من الشرائع .

ثم إن التغيير الذى يتم بطريق الانقلابات العسكرية دون تكون القاعدة يمكن أن يتعرض لانقلاب مضاد من قوى أخرى ، وتهتف الجماهير فى القاعدة الشعبية للانقلاب الجديد لأنها لمن تعدّ إعداد اً كافياً من قبل .

وكما أوضحنا سابقاً أن اللجوء الى استعمال قوة الساعد و السلاح قبل تحقيق قوة العقيدة والإيمان وقوة الوحدة والأخوة يمكن أن يؤدى الى تطاحن من يحملون السلاح بين بعضهم البعض لأى خلاف يحدث بينهم لعدم توفر الوحدة القوية والإيمان القوى ، وقد لمسنا على الساحة صوراً من ذلك ، فتوفر الإيمان يحجز قوة السلاح من أن تستعمل فيما لا يقره الشرع من استباحة الدماء و الحرمات ، وقوة الوحدة تحمى من أن يستعمل السلاح بين أفراد التجمع بعضهم البعض .

نحن الذين خبرنا طريق الدعوة لا ننكر حماس الشباب واستعداده للجهاد و البذل و التضحية فى سبيل الله وحب الاستشهاد ، ولسنا ممن يريدون كبت هذا الحماس أو إماتته فى نفوس الشباب ، ولكننا نريد حماساً مبصراً منضبطاً يمكن التحكم فيه ، ولا نريده حماساً أهوج مندفعاً يورط فى أعمال متهورة غير مسئولة تضر ولا تنفع .

نحن لا نتهم نوايا أحد من الذين يعملون فى حقل الدعوة الإسلامية مهما اختلفوا معنا فى أسلوب العمل ورغم إساءتهم لنا أحياناً ، ولكننا نوصى بالنظرة العميقة الممتدة زمنياً ونحذر من النظرة السطحية الوقتية أو اللحظية ، فالقضية ضخمة ولها أبعاد كثيرة وآثار ممتدة بعيدة ، ولا يصلح معها الاندفاع والارتجال أو ردود الأفعال ، كما لا يصلح معها أيضاً الضعف والاستكانة أو البطء و التراخى .

إننا نضن بأرواح الشباب وطاقاتهم أن تهدر فى غير الطريق الصحيح المؤثر و الذى يحقق التقدم و البناء السليم .

كثيراً ما يخطىء بعض الشباب ويظن أن من سبقوهم على طريق الدعوة وتقدم بهم العمر قد أصابهم الضعف وأبعدوا الجهاد من وسائلهم بسبب مالاقوه من محن شديدة وضعف صحتهم لتقدم السن الى غير ذلك من تصورات خاطئة لا أصل لها ، ولا أكون مغالياً إذا قلت إنى ألمس الكثيرين من جيلنا يتدفقون حماساً وحباً للشهادة بما لا يتوفر فى بعض الشباب ، ولكن حماسنا هذا تضبطه الحكمة و التجربة التى اكتسبناها على طريق الدعوة واستفدناه من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلوب تحركه بالدعوة ، إذ سن رجل الدعوة لايقاس بعدد السنين ولكن بروحه وقلبه ، فإذا شاب شعر رأسه ولحيته فلا يشيب قلبه ، ويعبر عن ذلك فى بيتين من الشعر الصافى النجفى رحمه الله :

سنى بروحى لابِعَدِّ سنينى

فلأسخرن غداً من التسعين

عمرى الى السبعين يركض مسرعاً

و الروح ثابتة على العشرين

ولعلى أتمثل هذين البيتين فيما عدا الفقرة الثانية من البيت الأول

نحن ندعو الى امتزاج حكمة الشيوخ بحماس الشباب لتجتمع الحكمة مع القوة فى اعتدال وتوازن واستمرارية ، نحن لا نؤمن بالطفرة أو الفورات القصيرة الأمد ثم تنطفىء بعد قليل ، لقد علمتنا التجارب أن الحماس الشديد ليس فى غالب الأحيان دليلاً على قوة إيمان صاحبه ولكن كثيراً ما يدل على أن نفسه قصير ويظن أنه بحماسه سيختصر الطريق ثم يرتاح ، وهذا يتنافى مع طبيعة المهمة التى نتصدى لها و التى تحتاج الى وقت طويل ونفس طويل وصبر ومصابرة واحتمال وثبات مع الاستمرار فى تقديم البذل و التضحية .

قد يقول أصحاب الرأى بالتغيير بالقوة أننا نرى انقلابات عسكرية تتم على الساحة ويستقر أصحابها فى الحكم سنوات يمكنون من خلالها لمبادئهم فى شعوبهم فلم لا نكون مثلهم ؟ فأقول لو أمعنتم النظر لوجدتم أن معظم هذه الانقلابات إن لم تكن جميعها من تدبير ومساندة قوى خارجية من شرق أو غرب لتؤدى دوراً لتلك القوى ، ونحن نؤمن أن القوة التى يستند إليها العاملون فى حقل الدعوة هى قوة الله موهب القوى ولكن الله يأمرنا أن نأخذ بالأسباب الصحيحة وذلك بعد أن نعد أولاً : القاعدة الإسلامية القوية التى يقوم عليها البناء كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل .

إن الذين يعملون فى أى مجال من المجالات كالطب أو الزراعة أو الصناعة لايبدأ كل منهم من الصفر ولكنهم يستفيدون من خبرة وتجارب من قبلهم ويبنون عليها ولا يبخسون من سبقوهم جهودهم وخبراتهم ، فمن باب أولى فى مجال العمل فى حقل الدعوة الإسلامية تكون الاستفادة من الخبرات و التجارب السابقة أوجب ونضيف الى ذلك مايدعو إليه الإسلام من اجتماع الكلمة وتوحيد الجهود وعدم التفرق و التشرذم امتثالاً لقوله تعالى { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا } وقوله تعالى { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاأب عظيم } .

الطريق الصحيح لإزالة المنكر

تناولنا فيما سبق اختلاف بعض التجمعات أو الجماعات الإسلامية حول أسلوب العمل لتحقيق التغيير وإقامة دولة الإسلام ، وتعرضنا لتفنيد الرأى أو الاتجاه الذى يغلب الأسلوب السياسى على الأسلوب التربوى وأوضحنا خطأه وخطره ومخالفته لمنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما تعرضنا للاتجاه الذى يرى استعمال القوة أو العنف كأسلوب للتغيير وأوضحنا كذلك خطأه وخطره ومغايرته لمنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورددنا على ادعاء أصحاب هذا الاتجاه أن من سبقوهم على طريق الدعوة وتقدمت بهم السن قد ضعفوا واستكانوا وقلنا إننا بفضل الله أكثر منهم رغبة فى الجهاد وحب الاستشهاد ونمارسته ونسانده فى مواقعه الصحيحة على الساحة الإسلامية و الحمد لله .

إن ما يوجد فى بعض الأقطار من فساد وانحلال وتشجيع أولى الأمر لهذا الفساد والانحلال أو على الأقل حمايته فى الوقت الذى يعادون فيه الدعاة الى الله ويؤذونهم ويعذبونهم أو يقتلونهم ، لاشك أن هذه الصور مما تثير بعض الشباب المتحمس وتدفعه الى محاولة مقاومة هذا الفساد و التصدى له بالقوة ، ولكننا رغم إنكارنا لكل صور الفساد والانحلال وإعنات الدعاة الى الله لا نرى أن أسلوب التخلص من هذه الصور يكون بالقوة وتحطيم الحانات أو المسارح وما شابهها من مراكز الفساد ، وقد حدث فى الأربعينات من هذا القرن تحطيم لبعض الحانات على يد أفراد من حزب مصر الفتاة ولم يغير ذلك من الأمر شيئاً وربما كانت مثل هذه الأعمال الجزئية سبباً فى العمل على حماية هذه الأماكن من قبل النظام الحاكم وتعويضهم عما يخرب عندهم .

ولن أنسى ما حدث لأماكن اللهو فى شارع الهرم عام 1977 من تخريب ثم أعيد تشييده وإصلاحه على حساب الحكومة وعند افتتاحه من جديد نشر فى الجرائد قائلاً :( أرادوه تخريباً وتدميراً وأراده الله إصلاحاً وتعميراً ) .

إن صور المنكر المتعددة من خمر وميسر وربا ولهو وفجور وغير ذلك كلها ثمار لشجرة خبيثة شجرة العلمانية و المادية التى غزت بلادنا وضربت جذورها فى مجتمعاتنا فأثمرت هذه الثمار الخبيثة وأبعدت الشريعة عن الحكم فأفرخت وترعرعت .

فإزالة بعض هذه الثمار الخبيثة بالقوة و التدمير لن يحقق تطهير المجتمع منها لأن الشجرة الخبيثة لازالت قائمة تثمر غيرها ، ولكن لابد من تطهير العقول و النفوس أولاً من هذه الكلمة الخبيثة ( العلمانية وفصل الدين عن الدولة و المادية والإلحاد وغير ذلك ) وإحلال الكلمة الطيبة محلها كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله وأن الإسلام دين ودولة وأن شريعة الله أحق بالاتباع وأننا كشعب مسلم لايرضى بغير شريعة الله بديلاً ومنهاجاً ، حينما يتحقق ذلك تجتث الشجرة الخبيثة بكل ثمارها الخبيثة وتحل محلها الشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها فى السماء تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها وما أجمل عبارة الأستاذ حسن الهضيبى رحمه الله حينما قال ( أقيموا دولة الإسلام فى قلوبكم تقم على أرضكم ) .

إن إزالة بعض هذه الآثار الخبيثة قد يحد بعض الشىء من انتشارها ولكن لن يقضى عليها كلية ، لابد من تغيير بنية المجتمع وتصحيح المفاهيم و التصورات لتطابق تعاليم الإسلام وحينما تصلح التربة لاتسمح للشجرة الخبيثة بالنمو و البقاء .

ودليلنا على هذا التصور من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سبق أن أشرنا إليه أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يلجأ قبل تكوين القاعدة الإسلامية الصالحة المتينة الى إزالة المنكر بالقوة أومحاولة قتل أئمة الكفر كوسيلة لتغيير الواقع أو الرد على الإيذاء و التعذيب ، حتى إن تحطيم الأصنام لم يتم إلا فى السنة الثامنة للهجرة بعد التمكين لدعوة الله بفتح مكة ، وفى السنة السابعة طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم و المسلمون حول الكعبة والأصنام كلها قائمة حولها و المشركون أخلو لهم مكة حتى يتم طوافهم ومع ذلك لم يفكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فى انتهاز الفرصة ويأمر المسلمين بتحطيم الأصنام لأن دولة المسلمين لازالت ناشئة ولا زالت الأصنام شوكة فى الجزيرة ، ولكن بعد فتح مكة قويت شوكة المسلمين وضعفت شوكة المشركين فارتفع صوت الحق { وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً } وحطمت الأصنام وعلا صوت بلال بالأذان من فوق الكعبة الله أكبر..... الله أكبر ثم تطهرت الجزيرة بعد ذلك من الشرك والأصنام .

ولعله من المفيد هنا أن ننقل بعض عبارات الإمام الشهيد حول القوة واستعمالها فى المؤتمر الخامس يقول :( أما القوة فشعار الإسلام فى كل نظمه وتشريعاته فالقرآن الكريم ينادى فى وضوح وجلاء { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم } و النبى صلى الله عليه وسلم يقول :( المؤمن القوى خير من المؤمن الضعيف ) بل إن القوة شعار الإسلام حتى فى الدعاء وهو مظهر الخشوع و المسكنة ، واسمع ما كان يدعو به رسول الله صلى الله عليه وسلم :( اللهم إنى أعوذ بكم من الهم و الحزن وأعوذ بك من العجز و الكسل وأعوذ بك من الجبن و البخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال ) .

ثم يقول :( فماذا تريد من إنسان يتبع هذا الدين إلا أن يكون قوياً فى كل شىء شعاره القوة فى كل شىء ؟ فالإخوان المسلمون لابد أن يكونوا أقوياء ولابد أن يعملوا فى قوة ، ولكن الإخوان المسلمين أعمق فكراً وأبعد نظراً من أن تستهويهم سطحية الأعمال و الفكر فلا يغوصوا الى أعماقها ولا يزنوا نتائجها وما يقصد منها وما يراد بها ، فهم يعلمون أن أول درجة من درجات القوة قوة العقيدة والإيمان ويلى ذلك قوة الوحدة والارتباط ثم بعدهما قوة الساعد و السلاح ، ولا يصح أن توصف جماعة بالقوة حتى تتوفر لها هذه المعانى جميعاً ، وأنها إذا استخدمت قوة الساعد و السلاح وهى مفككة الأوصال مضطربة النظام أو ضعيفة العقيدة خامدة الإيمان فسيكون مصيرها الفناء و الهلاك )

ثم يقول :( هذه نظرة ونظرة أخرى هل أوصى الإسلام - و القوة شعاره - باستخدام القوة فى كل الظروف والأحوال ؟ أم حدد لذلك حدوداً واشترط شروطاً ووجه القوة توجيهاً محدداً ؟ ) .

ويتعرض للثورة فيقول :( و الثورة أعنف مظاهر القوة فنظر الإخوان إليها أدق وأعمق .... ثم يواصل بعد ذلك فيقول وأما الثورة فلا يفكر الإخوان المسلمون فيها ولا يعتمدون عليها ولا يؤمنون بنفعها ونتائجها .... ثم يحذر ويصارح حكومة مصر بأن الحال إذا دامت على هذا المنوال ولم يفكر أولوا الأمر فى إصلاح عاجل وعلاج سريع لهذه المشاكل فسيؤدى ذلك حتماً الى ثورة ليست من عمل الإخوان المسلمين ولا من دعوتهم ولكن من ضغط الظروف ومقتضيات الأحوال وإهمال مرافق الإصلاح ) .

هكذا نرى استبعاد الإمام البنا أسلوب الثورة كوسيلة للتغيير ، كما لايقر التهور والاندفاع واستعمال القوة فى كل الظروف والأحوال ويتعرض الإخوان بسب ذلك الى الاتهام بالضعف و الوهن و البطء الممل فى عصر السرعة ، وإن لم نشارك فى تلك الأعمال التى تتسم بالعنف فى أمور جزئية لاتحدث تغييراً نتهم بالقعود و التخاذل و الخور فى العزم و المداهنة وغير ذلك من الاتهامات الباطلة وحول هذا الاتهام يرد عليه الإمام البنا بقوله :( ويأخذ بعض الناس عليكم أنكم هادئون لا ثائرون ، مبطئون فى عصر السرعة ويحملون ذلك منكم على خور فى العزم وضعف فى الهمة ومداجاة ومواربة ، فذكِّروا هؤلاء بقول القائل :( رب عجلة تهب ريثاً وأن الله تبارك وتعالى حين علَّم نبيه صلى الله عليه وسلم سبيل الدعوة إليه قال :0{ ادع الى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة } ولم يقل له بالسرعة و الجفوة و الغلظة . ذلك أمر الله أنزله إليكم . وأفهموهم أن الإخوان إذا علموا أن السرعة ستهب لهم النجاح 99 % وأن الحكمة ستهب لهم النجاح 100 % فهم يؤثرون البطء الحكيم لإحراز النجاح الكامل .

ذلك اجتهادهم وهذا رأيهم ، فإذا جاءت السرعة التى يعلم بها الإخوان أن البطء و الهدوء سيقف تقدمهم أو يأخذ من انتصارهم فسيعلمون حينئذٍ كيف يذودون عن دعوتهم وكيف تكون الموتة الكريمة فى سبيل الغاية العظيمة { فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لايوقنون } .

إنكم دعاة تربية وإنما عماد انتصاركم إفهام هذا الشعب وإقناعه وإيقاظ شعوره من كل نواحيه على قواعد الإسلام وتعاليم الإسلام ومبادىء الإسلام ، وهذه غاية لا تدرك فى أيام ولا تنال بأعوام قليلة ولكنه الجهاد الدائب و العمل المتواصل ومقارعة جيوش الجهالة والأمية و الفقر والأحقاد والأضغان وخفة الأحلام وتقطيع الأرحام وتنظيف رواسب قرون عدة سرى الفساد فيها فى كل مكان .

أفترون أو يرى الناس أن هذا أمر يسير ؟ بل إن غايتكم أوسع من هذا فإنكم تريدون من هذا الشعب أمة نموذجية لتنسج على منوالها الأمم الشرقية جميعاً ، وتريدون من هذه الأمم وحدة إسلامية تأخذ بيد الإنسانية جميعاً الى تعاليم الإسلام .

هذه حدود مهمتكم التى يراها الناس بعيدة وترونها أنتم الإسلام الذى فرضه الله على عباده قريباً أم بعيداً { فإن تولوا فقل آذنتكم على سواء وإن أدرى أقريب أم بعيد ما توعدون } وذلكم هو الشعاع الذى أشرق على قلوبكم من شمس قوله تعالى { وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً } .

التعرف على الطريق والتزاماته

أوضحنا أن الهدف الكلى الذى تمليه طبيعة المرحلة التى تمر بها الدعوة الإسلامية فى عصرنا هذا هو إقامة الدولة الإسلامية العالمية التى تمكن لدين الله فى أرض الله و التى تحمى أرض المسلمين وأرواحهم وأعراضهم من عدوان الأعداء ، لكى تبلغ دعوة الله للناس كافة وذكرنا أن هذا الهدف العظيم واجب علىكل مسلم ومسلمة وأنه لايمكن أن يتحقق فردياً ، ولكن لابد من تضافر الجهود و التعاون الكامل بين العاملين فى حقل الدعوة الإسلامية ، وأن يتم ذلك بناء على دراسة وتخطيط وتنسيق وتكامل بعيداً عن الارتجال أو ردود الأفعال .

هذا ما انتبه إليه الإمام الشهيد حسن البنا - رحمه الله - فاتصل بزعماء وعلماء مسلمين للتشاور معهم فلم يجد عندهم ما يشفى صدره ، ففكر واستلهم الله الرشد فهداه الله الى إنشاء جماعة الإخوان المسلمين لتحقيق هذا الواجب وهذا الهدف العظيم ووجد أن ليس هناك طريق غير هذا الطريق الذى سلكه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته فى إقامة الدولة الإسلامية الأولى وهو التركيز على قضية الإيمان وإعداد الركائز القوية من الأفراد المسلمين رجال العقيدة وجند الدعوة ، ثم التركيز على قضية الحب والأخوة و الوحدة وتحقيق القاعدة المسلمة القوية المتينة المتماسكة وإعدادهم لحمل راية الجهاد للدفاع عن دعوة الحق من عدوان الأعداء وفى يقينى لو أن الإمام البنا فى ذلك الوقت وجد جماعة قائمة تسعى لتحقيق هذا الهدف وتسلك هذا الطريق الصحيح لما تأخر عن العمل معها وضم جهده الى جهدها جمعاً للكلمة وتوحيداً للجهود وتفادياً للتشتت وتوزع الجهود .

ونحن نطالب كل مسلم عامة وكل شاب خاصة أن يتعرف على معنى انتمائه للإسلام وأن يعلم تماماً ما يمليه عليه إسلامه من ضرورة العمل لتحقيق هذا الواجب الذى تمليه طبيعة المرحلة وهو إقامة الدولة و الخلافة ، كما يعلم يقيناً أنه لايمكن أن يتحقق بالعمل الفردى ولكن لابد من العمل الجماعى المنظم المدروس ، وأن يعلم كذلك أن الطريق لتحقيق هذا الهدف ليس مفروشاً بالورود ولكن فيه عقبات وأشواك ، وأنه يتطلب منه جهداً وجهاداً وتضحيات ، وليجعل عمله فى هذا الطريق هو قضيته المصيرية ، فليحسن اختيار الطريق ولا يندفع وراء انبهار بشعارات ، أو مجرد مجاملة لصداقات ، بل عليه أن يتبين ويتثبت الى سلامة الطريق قبل السير فيه ، ومن أهم ما يلزم التثبت منه هو الاجتماع على تحقيق واجب إقامة الدولة والخلافة وليس مجرد أهداف جزئية محدودة ، ثم يلزم الاطمئنان الى الفهم السليم الشامل النقى للإسلام كما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيداً عن أى اجتزاء أو انحراف أو خطأ ، كذلك الاطمئنان الى قضية الاهتمام بالتربية وبعث الإيمان القوى فى النفوس وتحقيق النموذج القدوة للفرد المسلم و البيت المسلم و المجتمع المسلم والاهتمام بالحب والأخوة ثم بعث روح الجهاد و البذل و التضحية .

وقد سبق أن فندنا خطأ الطريق الذى يغلِّب الأسلوب السياسى على التربية و التكوين الدقيق للأفراد والأسر و المجتمع ، كما فندنا خطأ الأسلوب المتعجل المندفع الذى يعتمد أسلوب القوة فى التغيير دون الاهتمام بقضيتى الإيمان و الوحدة ، وذكرنا كلاماً للإمام البنا حول القوة و الثورة وحول السرعة والتريث وغيرر ذلك من القضايا التى هى مثار خلاف عند بعض الجماعات التى تعمل فى حقل الدعوة .

ومن واجبنا أن نحذر الشباب من بعض المزالق التى تؤدى الى التمزق والتشتت أو البلبلة و التردد .

فعلى كل شاب بعد أن يحسن اختيار الطريق ويتعرف على معالمه وأن يعد نفسه لمواصلة السير عليه دون قعود أمام عقبة ودون انحراف فى منعطف ويساعده على ذلك الإيمان القوى المتجدد و الرؤية الواضحة للطريق ومعالمه و الرابطة القوية بإخوانه على الطريق ليذكروه إذا نسى ويعاونوه إذا ذكر ، فلا يتعرض الى قعود أو انحراف ( فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ) .

وحول هذا المعنى نجد الإمام الشهيد يوجه حديثه الى الشباب فيقول :( أيها الشباب على هذه القاعدة الثابتة والى هذه التعاليم السامية ندعوكم جميعاً ، فإن آمنتم بفكرتنا واتبعتم خطواتنا وسلكتم معنا سبيل الإسلام الحنيف وتجردتم من كل فكرة سوى ذلك ووقفتم لعقيدتكم كل جهودكم فهو الخير لكم فى الدنيا والآخرة وسيحقق الله بكم إن شاء ما حقق بأسلافكم فى العصر الأول وسيجد كل عامل صادق منكم فى ميدان الإسلام ما يرضى همته ويستغرق نشاطه إذا كان من الصادقين .

وإن أبيتم إلا التذبذب والاضطراب و التردد بين الدعوات الحائرة و المناهج الفاشلة فإن كتيبة الله ستسير غير عابئة بقلة ولا بكثرة { وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم } .

وفى رسالة الإخوان المسلمين تحت راية القرآن يقول رضى الله عنه :( فمن تبعنا الآن فقد فاز بالسبق ومن تقاعد عنا من المخلصين اليوم فسيلحق بنا غداً ، وللسابق عليه الفضل ، ومن رغب عن دعوتنا زهادة فيها أو سخرية بها أو استنكاراً لها أو يائساً من انتصارها فستثبت له الأيام عظيم خطئه ، وسيقفذف الله بحقنا على باطله فيدمغه فإذا هو زاهق .

فإلينا إلينا أيها المؤمنون العاملون و المجاهدون المخلصون فهنا الطريق السوى و الصراط المستقيم ولا توزعوا القوى و الجهود { وأن هذا صراطى مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السب فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون } .

وعلى كل شاب أن يخلص نيته لله رب العالمين وأن يخلى قلبه من كل هوى أو مطمع دنيوى وأن يطهر قلبه من أمراض القلوب الفتاكة كالغرور والكبر و الرياء وحب الزعامة وحب الظهور وحب الجاه و السلطان وغير ذلك .

وعليه أن يعقد النية و العزم الصادق على نصرة دين الله بكل ما أوتى من قدرات ونعم أنعم الله عليه بها .

وعلى كل شاب أن يكون متفتحاً غير منغلق ويتعرف على ما حوله من أفكار وآراء ويعلم الصواب من الخطأ مسترشداً بأهل الذكر الذين يطمئن إليهم ويثق فى ورعهم وتقواهم .

وعلى كل شاب أن يتسم بالروية و التعقل وألا يدفعه الحماس الى تصرفات هوجاء فالأمانات ثقيلة و الطريق طويل ويحتاج الى نفس الطويل و الى الصبر و المصابرة فلا غلو ولا تشدد ولا اندفاع ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول لنا :( إن الدين متين فأوغل فيه برفق فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى ) وعلى كل شاب أن يكون عنصر تجميع لا عنصر تفريق وألا يتأثر بالتشكيك وما يثيره الأعداء من شبهات وافتراءات فالله تعالى يقول { ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين } .

خاصة وأن أعداء الإسلام قد أزعجتهم هذه الصحوة الإسلامية التى عمت كثيراً من أجزاء الوطن الإسلامى فهم يعملون على القضاء عليها وعلى إحداث فرقة بين فصائلها ونجد الأعداء رغم اختلافهم يتفقون حينما يكون الهدف ضرب الحركات الإسلامية فواجب على كل العاملين فى حقل الدعوة الإسلامية أن يواجهوا هذه التحديات وهم متحدون لا متفرقون .

توجيهات ونصائح

لعله من المفيد بعد ما سبق من شرح وتوضيح للأسباب التى تكمن وراء تعدد الجماعات وحرصاً على تحقيق الوحدة بينها ، أن نجمل بعض التوصيات النافعة التى تدعو العاملين فى حقل الدعوة الى الأخذ بها كوسيلة معينة لتضافر الجهود ووحدة العمل .

ندعو العاملين الصادقين الى تفهم طبيعة المرحلة التى تمر بها الدعوة الإسلامية فى عصرنا هذا وما توجبه هذه المرحلة على المسلمين من واجبات ، أولها وأهمها تحقيق الهدف الكلى وهو إقامة دولة الإسلام وخلافته وتكريس الجهود لتحقيقه بدلاً من تشتتها حول أهداف جزئية لا تصمد للبقاء فى غياب الدولة الإسلامية .

كما ندعو العاملين الصادقين الى الإلتزام بالفهم الصحيح الشامل النقى للإسلام كما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى يساعد على جمع كلمة المسلمين وتوحيد وجهتهم وتضافر جهودهم بدلاً من أن يتوزعوا الى فرق وطوائف نتيجة بعدهم عن الفهم الصحيح .

وندعوهم أيضاً الى سلوك الطريق الصحيح للسير بالدعوة فى اعتدال وتدرج مع التزام الدعوة الى الله بالحكمة و الموعظة الحسنة والاهتمام بإعداد الفرد المسلم القدوة و البيت المسلم القدوة و المجتمع المسلم القدوة وكسب الرأى العام لصالح الدعوة الإسلامية والاقتناع بأن الإسلام وحده هو الحل .

كما ندعو الشباب المسلم أن يعرف معنى انتمائه للإسلام وأن يقوم بمتطلبات هذا الانتماء وأن يتحرى الإخلاص فى عمله ، وأن يكون ولاءه فى عمله لله ولدعوة الله وأن يتفادى التعلق بالأشخاص فإن الحى لاتؤمن عواقبه .

كما نوصى شبابنا المسلم بالاستفادة من تجارب من سبقوهم ليواصلوا السير على بينة ووضوح مسترشدين بحكمة الشيوخ لأن المهمة عظيمة والأمانة ثقيلة وتحتاج الى صبر ومصابرة ونفس طويل مع تجنب الاندفاع و التهور .

ونوصيهم أن يتجنبوا كل ما من شأنه إحداث فرقة أو تنازع بين العاملين فى حقل الدعوة أو بينهم وبين غيرهم من المسلمين ، فعليهم أن يتجنبوا الحكم على غيرهم بكفر أو فسق أو غير ذلك ولكن عليهم أن يأخذوا بأيديهم لإصلاح ما يقعون فيه من خطأ أو تقصير وأن يعاملوا غير المسلمين بالبر و القسط كما أمر الله .

كما نوصى العاملين فى حقل الدعوة ألا يجعلوا من الاختلاف حول الأمور الفرعية سبباً فى التنازع و التباعد وعدم التعاون ولكن لنأخذ جميعاً بهذه القاعدة الذهبية ( نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه ) .

كما ننبه العاملين فى حقل الدعوة الى سنة الله فى الدعوات وهى المحن والابتلاءات وننظر إليها على أنها منح فى صورة محن ، فنجنى إيجابياتها فى تمحيص وصلابة ، ونتفادى السلبيات التى يهدف الأعداء الى تحقيقها من وراء المحن من ضعف وتمزق وتفرق .

ومن أهم ما نوصى به العاملين فى حقل الدعوة الإيمان و الحب و العمل والإلتزام بشرع الله فى كل صغيرة وكبيرة فى حياتهم العامة و الخاصة ، وأن يكون كل منهم قدوة حسنة لغيره وأن يحقق الإسلام فى محيطه .

وفى هذا الإطار من المعانى السامية و القيم العالية يمد الإخوان أيديهم لكل عامل صادق راغب فى الإسهام فى إقامة صرح الدولة الإسلامية ويفسحون صدورهم لكل نصيحة أو نقد بناء يبتغى به صاحبه خير الدعوة وخير العمل الإسلامى ويتحملون الأذى ممن يحاولون النيل منهم و التشكيك فى مسارهم ونحاول برفق ولين تفنيد الاتهامات الباطلة .

وقد سبق للإمام الشهيد أن تصدى لبعض هذه التشكيكات وفندها بأسلوب هادىء ومنطقى وفى الوقت نفسه محذراً من خطأ أسلوب الاتهام الباطل وما يترتب عليه من إثم ، فنجده فى رسالة المؤتمر السادس يقول :( نحب أن نقول كلمة صريحة لأولئك الذين لازالوا يظنون أن الإخوان يعملون لحساب شخص أو جماعة : اتقوا الله أيها الناس ولا تقولوا ما لاتعلمون واذكروا قول الله تعالى { والذين يؤذون المؤمنين بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً } وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:0 وإن أبغضكم الىَّ وأبعدكم منى مجلساً يوم القيامة المشاءون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الملتمسون للبرآء العيب ) وليعلموا تماماً أن اليوم الذى يكون فيه الإخوان مطية لغيرهم أو أداة لمنهاج لا يتصل بمنهاجهم لم يخلق بعد ) .

كما نجده رضى الله عنه يقول فى رسالة الى الشباب :( أيها الشباب : يخطىء من يظن أن جماعة الإخوان المسلمين ( جماعة دراويش ) قد حصروا أنفسهم فى دائرة ضيقة من العبادات الإسلامية كل همهم صلاة وصوم وذكر وتسبيح ، فالمسلمون الأول لم يعرفوا الإسلام بهذه الصورة ولم يؤمنوا به على هذا النحو ، ولكنهم آمنوا به عقيدة وعبادة ووطناً وجنسية وخلقاً ومادة وثقافة وقانوناً وسماحة وقوة ، اعتقدوه نظاماً كاملاً يفرض نفسه على كل مظاهر الحياة وينظم أمر الدنيا كما ينظم أمر الآخرة ... ثم يقول : وإن الإخوان ليعلمون أن خير وصف لخير جماعة هو وصف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ( رهبان بالليل وفرسان بالنهار ) وكذلك يحاولون أن يكونوا والله المستعان ) .

ونجده رضوان الله عليه فى مذكرات الدعوة و الداعية يوضح طبيعة دعوة الإخوان وموقفها من الدعوات الأخرى فيقول :

أولاً : طبيعة دعوتنا :

لكل دعوة خصائص وخصائص دعوة الإخوان فيما أعتقد أمور نحقق بعضها ونغفل عن البعض الآخر ، وحبذا لو لاحظنا الجميع حتى يكون النجاح تاماً و التوفيق كاملاً إن شاء الله ،من هذه الخصائص : الإيجابية للبناء فدعوتنا تبنى ولا تهدم وتأخذ بالإيجاب دائماً فعلينا أنفسنا قبل كل شىء ، ومن خصائصها مطابقة العمل للقول فعلينا أن ندرس قانوننا وفيه الكفاية ونقتدى بما يقول ، ومن خصائصها الربانية فعلينا أن نديم صلتنا بالله ما استطعنا الى ذلك سبيلاً بدوام الذكر و الدعاء المأثور - وفى رسالة المأثورات غناء - ومن خصائصها التجمع فعلينا أن نجتمع دائماً وأن نتشوق الى اللقاء وأن نشعر بحقوق الأخوة ، ومن خصائصها الاحتمال و الكفاح فلنَرُض أنفسنا على ذلك ولتتسع صدورنا لكل شىء هذه مجملات تفصيلها تعلمونه جميعاً ويجمعها جميعاً البناء و العمل فاعملوا .

ثانياً : موقفلنا من الدعوات الأخرى :

موقفنا من الدعوات فى هذا البلد دينية واجتماعية واقتصادية - بناء على طبيعة دعوتنا - موقف واحد على ما أعتقد : نتمنى لها جميعاً الخير وندعو لها بالتوفيق ، وإن خير طريق نسلكها ألا يشغلنا الإلتفات الى غيرنا من الإلتفات الى أنفسنا ، إننا فى حاجة الى عدة والى تعبئة وإن أمتنا و الميادين الخالية فيها محتاجة الى جنود والى جهاد و الوقت لا يتسع لنتطلع الى غيرنا ونشتغل به ، كل فى ميدانه والله مع المحسنين حتى يفتح الله بيننا وبين قومنا بالحق .

وستسمعون أن هيئة من الهيئات تتحدث عنكم فإن كان الحديث خيراً فاشكروا لها فى أنفسكم ولا يخدعنكم ذلك عن حقيقتكم ، وإن كانوا غير ذلك فالتمسوا لها المعاذير وانتظروا حتى يكشف الزمن الحقائق ولا تقابلوا هذا الذنب بذنب مثله ، ولا يشغلنكم الرد عليه عن الجد فيما أخذتم أنفسكم بسبيله ، وستسمعون أن هيئة تتهمكم بالاتصال بهيئات أخرى تكرهها أو تصادمها فلا تهتموا بذلك ولا تحاولوا أن تنفوه أو تثبتوه فإن على من اتهم أن يثبت و البينة على من ادعى .

ويوضح ذلك بأن من يهتم إما جاد يريد أن يتثبت فسيهديه تثبته الى معرفة حقيقة الدعوة ، وإن كان يريد أن يتسلى بالاتهام و الغيبة فلن يضركم أمره فدعوه وما شاء وسلوا الله تعالى لنا وله الهداية و النصرة .

ثم يقول :( وستسمعون أن قوماً يريدون أن يتصلوا بكم وأن تتصلوا بهم من أهل العمل إما صادقين أو غير صادقين ، فأحب أن أقول لكم هنا بكل وضوح إن دعوتكم هذه أسمى دعوة عرفتها الإنسانية ، وإنكم ورثة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه على قرآن ربه وأمناؤه على شريعته ، وعصابته التى وقفت كل شىء على إحياء الإسلام فى وقت تصرفت فيه الأهواء و الشهوات وضعفت عن هذا العبء الكواهل ، وإذا كنتتم كذلك فدعوتكم أحق أن يأتيها الناس ولا تأتى هى أحداً وتستغنى عن غيرها إذ هى جماع كل خير وما عداها لا يسلم من النقص ، إذاً فأقبلوا على شأنكم ولا تساوموا على منهاجكم واعرضوه على الناس فى عز وقوة فمن مد لكم يده على أساسه فأهلاً ومرحباً فى وضح الصبح وفلق الفجر وضوء النهار أخ لكم يعمل معكم ويؤمن إيمانكم وينفذ تعاليمكم ، ومن أبى ذلك فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه .

وحدة العمل واجب شرعى

إن وحدة العمل الإسلامى عموماً أمنية عزيزة وواجب شرعى ، وضرورة تفرضها طبيعة المرحلة التى تمر بها الدعوة الإسلامية التى بدأ المسلمون فيها يصحون من غفوة وينهضون من كبوة ويلتقون على ضرورة العمل على إقامة دولة الإسلام وخلافته من جديد ، وقد ظن أعداء الإسلام بعد غزوهم لبلاد المسلمين بكل ألوان الغزو وبعد إسقاطهم الدولة والخلافة وبعد غرسهم هذا الكيان الصهيونى فى قلب الوطن الإسلامى ظنوا أنهم قد قضوا على الدعوة الإسلامية ولن تقوم لها قائمة .

ولكن يأبى الله ذلك ورسوله و المؤمنون ، فكانت الحركات الإسلامية المعاصرة فى مصر و الهند وغيرها وفى مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين و التى امتدت حتى غطت الساحة الإسلامية بل العالمية و الجماعة الإسلامية فى الهند وباكستان وبنجلاديش وجماعات إسلامية فى أقطار أخرى ، فإذا بنا نجد الحياة تدب من جدبد فى جسد الأمة الإسلامية ونجد هذه الصحوة الإسلامية ونلمس روح الجهاد و التخلص من سلطان أعداء الإسلام فى بقاع مختلفة من أرض الإسلام .

كل هذه الظروف تحتم على العاملين الصادقين فى حقل الدعوة الإسلامية عالمياً وداخل كل قطر توحيد الجهود وتضافرها لإعادة بناء الدولة و الخلافة على أساس متين وفهم سليم ومنهج صحيح .

وقد اثبتت الأيام و التجارب توفيق الله للإمام الشهيد حسن البنا عند إنشائه لجماعة الإخوان المسلمين فى تحديد الهدف و الفهم و المنهج وطريق السير ، وقد حرص رضوان الله عليه التزام طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الحركة بالدعوة بأن ركز على قضية الإيمان و العقيدة السليمة وبناء الفرد المسلم المؤمن المجاهد .

فاهتم بنشر الدعوة وتوضيح الفهم الصحيح للإسلام كمنهاج شامل للحياة وكذلك اهتم بقضية الحب والأخوة تلك الرابطة القوية التى لابد منها فى صفوف العاملين المجاهدين ، وترسم رضى الله عنه منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يوصى الإخوان بالصبر و التحمل و الثبات ويعلمهم أن طريق الدعوة شاق وطويل وملىء بالأشواك و المحن والابتلاءات ، ويوضح لهم كيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوصى المؤمنين الأول وهم يعذبون بالصبر ويبشرهم بالنصر و بالجنة ولم يطلب منهم رد عدوان المشركين بالقوة ولكن بعد أن قامت الدولة بالمدينة بدأ رد العدوان وشارك صلى الله عليه وسلم بنفسه فى معظم الغزوات .

وبالتزام الإخوان لهذه السياسة الحكيمة وباهتمامهم بالتربية وبالحب وبالأخوة وبالصبر و الثبات شاء الله لهم عندما تعرضوا للمحن والابتلاءات أن يخرجوا منها أصلب عوداً وأشد تماسكاً وأكثر حرصاً على تحقيق الهدف الذى قامت من أجله جماعتهم ، وها هى تواصل سيرها وتمتد فروعها وتتعمق جذورها ويشتد ساقها وتستعصى على الأعداء أن يقتلعوها وفى هذا المعنى يقول الشهيد سيد قطب - رحمه الله - وحينما سلط الطغاة الأقزام الحديد و النار على الإخوان كان الوقت قد فات ، وكان البناء الذى أسسه حسن البنا قد استطال على الهدم ، وتعمق على الاجتثاث ، كان قد استحال فكرة لايهدمها الحديد و النار ... واستعلت عبقرية البنَّاء على الطغاة الأقزام فذهب الطغيان وبقى الإخوان ) .

ثم نجده رحمه الله فى موضع آخر يقول :( المرة تلو المرة ينتاب بعض أفراد الجماعة نزوات وفى كل مرة يسقط أصحاب هذه النزوات كما تسقط الورقة الجافة من الشجرة الضخمة أو تذهب عنهم تلك النزوات ، وقد يمسك الأعداء بفرع من فروع هذه الشجرة ويحسبون أنه باجتذابه سيقتلعون الشجرة فإذا جذبوا ذلك الفرع إليهم خرج فى أيديهم جافاً يابساً كالحطبة الجافة لا ماء فيها ولا ورق ولا ثمار ) .

الخاتمة

أيها الإخوان المسلمون

وفى ختام هذه السلسلة حول وحدة العمل الإسلامى أوصى الإخوان بالتزام الموقف الذى حدده لنا الإمام الشهيد بالنسبة لغيرنا من الجماعات و الهيئات الإسلامية ، وهو موقف الحب والإخاء و التعاون و الولاء ، نحبهم ونعاونهم ، ونحاول جاهدين أن نقرب بين وجهات النظر ونوفق بين مختلف الفكر توفيقاً ينتصر به الحق ، وندعوهم فى أسلوب لين يستهوى القلوب وتطمئن إليه العقول ونتجنب تجريح الأشخاص و الهيئات ونصبر على أى أذى ينالنا ممن ندعوهم الى الله ولا نقابل السيئة بالسيئة { وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور } .

وليطمئن الإخوان أن المستقبل لهذا الدين وأن نصر الله آت رغم طول ليل الظلم و الظلام ولكننا نخضع فى سيرنا لسنن الله التى لا تتبدل { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء و الضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول و الذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب } .

علينا فقط أن نأخذ بالأسباب ، وأن نبذل كل ما نستطيع من جهد وعمل وإنفاق ، وأن نسلك فى ذلك الطريق الصحيح ثم قبل ذلك وبعده أن نخلص النية لله ، ولسنا بعد ذلك مسئولين عن النتائج .

ويطيب لى أن أختم هذه السلسلة بكلمات خالدة للإمام الشهيد متصلة بالمعانى التى تناولناها .

يقول رضى الله عنه فى رسالة الإخوان المسلمون تحت راية القرآن :( أيها الإخوان المسلمون .... أيها الناس أجمعون ... فى هذا الصخب الداوى من صدى الحوادث الكثيرة المريرة ، التى تلدها الليالى الحبالى ، فى هذا الزمان وفى هذا التيار المتدفق الفياض من الدعوات التى تهتف بها أرجاء الكون وتسرى بها أمواج الأثير فى أنحاء المعمورة مجهزة بكل ما يغرى ويخدع من الآمال و الوعود والمظاهر نتقدم بدعوتنا نحن الإخوان المسلمين ... هادئة ولكنها أقوى من الزوابع العاصفة ... متواضعة ولكنها أعز من الشم الرواسى ... محدودة ولكنها أوسع من حدود هذه الأقطار الأرضية جميعاً ... خالية من المظاهر الزائفة و البهرج الكاذب ... ولكنها محفوفة بجلال الحق وروعة الوحى ورعاية الله ... مجردة من المطامع و الغايات الشخصية و المنافع الفردية ولكنها تورث المؤمنين بها و الصادقين فى العمل لها السيادة فى الدنيا و الجنة فى الآخرة ) .

وفى رسالة المؤتمر الخامس يوجه الحديث الى المتحمسين من الإخوان فيقول :( أيها الإخوان المسلمون وبخاصة المتحمسون المتعجلون منكم ، اسمعوها منى كلمة عالية داوية من فوق هذا المنبر فى مؤتمركم هذا الجامع : إن طريقكم هذا مرسومة خطواته موضوعة حدوده ... ولست مخالفاً هذه الحدود التى اقتنعت كل الاقتناع بأنها أسلم طريق للوصول ..., أجل قد تكون طويلة ولكن ليس هناك غيرها إنما تظهر الرجولة بالصبر و المثابرة و الجد و العمل الدائب ، فمن أراد منكم أن يستعجل ثمرة قبل نضجها أو يقتطف زهرة قبل أوانها فلست معه فى ذلك بحال ، وخير له أن ينصرف عن هذه الدعوة الى غيرها من الدعوات ، ومن صبر معى حتى تنمو البذرة وتنبت الشجرة وتصلح الثمرة ويحين القطاف فأجره فى ذلك على الله ، ولن يفوتنا وإياه أجر المحسنين ... إما النصر و السيادة وإما الشهادة و السعادة .

أيها الإخوان المسلمون :

ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول ، وأنيروا أشعة العقول بلهب العواطف ، وألزموا الخيال صدق الحقيقة و الواقع ، واكتشفوا الحقائق فى أضواء الخيال الزاهية البراقة ، ولا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة ولا تصادموا نواميس الكون فإنها غلابة ولكن غالبوها واستخدموها وحولوا تيارها واستعينوا ببعضها على بعض وترقبوا ساعة النصر وما هى منكم ببعيد ) .

أيها الإخوان المسلمون :

إنكم تبتغون وجه الله وتحصيل مثوبته ورضوانه وذلك مكفول لكم ما دمتم مخلصين ولم يكلفكم الله نتائج الأعمال ولكن كلفكم صدق التوجه وحسن الاستعداد ، ونحن بعد ذلك إما مخطئون فلنا أجر العاملين المجتهدين ، وإما مصيبون فلنا أجر الفائزين المصيبين ، على أن التجارب فى الماضى و الحاضر قد اثبتت أنه لاخير إلا فى طريقكم ، ولا إنتاج إلا مع خطتكم ولا صواب إلا فيما تعملون ، فلا تقامروا بجهودكم ولا تغامروا بشعار نجاحكم واعملوا والله معكم ولن يتركم أعمالكم و الفوز للعاملين { وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم } .