هل كان حسن البنا ديكتاتورًا؟!

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٤:٥٩، ٢٧ أغسطس ٢٠١٠ بواسطة Abo nidal (نقاش | مساهمات) (حمى "هل كان حسن البنا ديكتاتورًا؟!" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد)))
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

تحرير هل كان حسن البنا ديكتاتورًا؟!

بقلم/ أ. د: جابر قميحة

من الافتراءات والأكاذيب التي ووجه بها مرشد الجماعة من أعدائه، وممن ينظرون إلىالأمور نظرة سطحية ويعالجونها دون استبطان وأناة قولهم بأن حسن البنا : 1906م-1949م اعتمد على الفردية والدكتاتورية في قيادة الجماعة، وتسيير أمورها، فيدَّعي أحد الباحثين أنَّ المرشد العام حسن البنا استأثر بإصدار القرارات رغم وجود عدة مستويات تنظيمية للجماعة كانت لها اختصاصات محددة- ولو من الناحية النظرية- في إدارة الجماعة وتوجيه سياستها؛ لأن المرشد العام كان الموجه لهذه المستويات، والمحدد لاختصاصاتها، علاوةً على تحكمه في اختيار أعضائها؛ حيث كان يتولى اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية بشكل نخبوي لا ديمقراطي! فقد كان للمرشد العام اليد الطولى في اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية التي كانت تنتخب أعضاء مكتب الإرشاد من بين أعضائها، والذين جاءوا ممن يعرفهم المرشد العام معرفةً شخصيةً، ويستطيع إقناعهم دونما عناء بإصدار قرارات الجماعة بالإجماع!

وصياغة حسن البنا لمثل هذا البنــاء التنظيمي كان انعكاسًا لاتجاه البنا منذ تأسيس الجماعة بالإسماعيلية إلى ربط الجماعة بشخصه، والإمساك بكل خيوطها، ويؤكد هذا خروج بعض أعضائها عليها، وهي لا تزال في الإسماعيلية بدعوى افتقادها لحرية الرأي، وعدم التزامها بنظام الشورى، بعد أن أصبح مجلس إدارتها وجمعيتها العمومية لا تخالف للمرشد العام أمرًا، وتطيعه طاعة عمياء!

وبعد أن نقلت الجماعة نشاطها إلى القاهرة، وازداد عدد أعضائها بازدياد شُعبها في أنحاء البلاد اتجه المرشد العام إلى تركيز السلطة بيده، حتى يتمكن من تحقيق الترابط للجماعة، وضمان انضباط أعضائها، وقد جاء هذا التركيز على حساب مبدأ الشورى- أحد المبادئ الأساسية للجماعة- الذي عطل العمل به بعد أن رأى أنه لا شورى في الدعوة التي يجب أن ينهض بها فرد واحد له أن يأمر، وعلى الجميع الطاعة، وأن الشورى فيها ليست مُلزمة، للمرشد أن يأخذ برأي مكتب الإرشاد، كما يجوز له مخالفته!!

وقبل تفنيد هذه المزاعم، ودفع الخلط الذي وقع فيه هذا الباحث أرى من اللازم أن أذكِّر القارئ بملمح من أهم ملامح الشهيد حسن البنا- رحمه الله- وهو "قوة الأسْر وشدة التأثير"، في مريديه وإخوانه، وإجماعهم على حبه والاستجابة له، وهو ملمح نفسي لم ينبع من فراغ، فقد كان الرجل ذكيًّا واعيًا، قوي الشخصية، عالمًا وخطيبًا متدفقًا يخاطب كل جمع بلغته، وينادي مريديه بأسمائهم، ويذكرهم بأحداث ووقائع وخصوصيات مضى عليها من الزمن سنوات مديدة، مما يشعر الإخوان بأنه يعيشهم واحدًا واحدًا، فبادلوه بذلك حبًا غامرًا عميقًا مبنيًا على الثقة الصادقة، وفي ذلك يقول الإمام الشهيد في "رسالة التعاليم": "والقائد جزء من الدعوة، ولا دعوة بغير قائد، وعلى قدر الثقة المتبادلة بين القائد والجنود تكون قوة نظام الجماعة، وإحكام خططها، ونجاحها في الوصول إلى غايتها وتغلبها على ما يعترضها من عقبات وصعاب "فأولى لهم طاعة وقول معروف".

فهي إذن طاعة مبصرة لا طاعة عمياء، طاعة اقتناع لا طاعة إجبار وإذعان، والقيادة الإخوانية حينما كانت توجه وتخطط كانت تتدرع- ما يقول الإمام البنا- ما لها من "حق الوالد بالرابطة القلبية، والأستاذ بالإفادة العلمية، والشيخ بالتربية الروحية، والقائد بحكم السياسة العامة للدعوة".

والمرشد البنا-رحمه الله- كان مثلاً للقيادة في صورتها النموذجية، وهي القيادة التي تجمع بين "الشخصية القوية، والخبرة الواسعة بالتاريخ والحياة والمجتمع، والمعرفة بنفسية الأمة، والخبرة بإمكاناتها وطاقاتها، والاضطلاع بالقضايا الكبرى التي تغير مسيرة الأمـة، وتخطو بها خطوات واسعة نحو التقدم والمجد والرفاهية".

وهذا النوع من القيادة القوية المؤثرة الآسرة يسميه بعضهم "القيادة الكاريزمية"، فلا عجبَ إذن أن يجنح الإخوان- بمجالسهم ولجانهم في اتخاذ قراراتهم- إلى رؤية الإمام الشهيد، وخصوصًا في السنوات الأولى من عمر الدعوة، وهي استجابة ومسايرة طبيعية لرجل رصد عمره كله للجهاد، والعمل الدائب لإعلاء كلمة الله، وهذا التوافق، أو هذا الانسجام بين رؤية القائد ورؤية الجنود والمريدين هو ما فهمه الكاتب- الذي عرضنا له- فهمًا مغلوطًا، وفسَّره بأنه "استئثار المرشد العام للإخوان بإصدار القرارات، وتركيز السلطة بيده"، وبناءً على هذه الرؤية المغلوطة يقول هذا الكاتب: "فإن دور الأعضاء يجب أن ينحسر "كذا" في الثقة بالقائد والإخلاص والسمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره؛ لأن القائد تسلم الراية من رسول الله، وليس لأحد أن يُحاسبه أو يراقبه".

والكاتب هنا يلجأ إلى طريقة تتعارض مع أبسط قواعد المنهج العلمي وهي: اقتطاع النصوص من سياقها بصورة تخدم هدفه، مع عزل النص عن الجو العام الذي هيمن عليه: فمسألة "السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره".. ساقها الإمام الشهيد "سمة" من سمات "العناصر الصالحة لحمل أعباء الجهاد" وهي مرحلة من مراحل دعوة الإخوان سمَّاها "مرحلة التكوين" وهي مرحلة تأتي وسطًا بين "مرحلة التعريف" و"مرحلة التنفيذ"، ويذكر أنَّ نظام الدعوة في مرحلة التكوين هذه: صوفي بحت من الناحية الروحية، عسكري بحت من الناحية العلمية، وشعار هاتين الناحيتين دائمًا "أمر وطاعة" من غير تردد ولا مراجعة، ولا شك ولا حرج، وتمثل الكتائب الإخوانية هذه المرحلة من حياة الدعوة، وتمثلها رسالة المنهج سابقًا، وهذه الرسالة. والرسالة التي يُشير إليها الإمام البنا هي رسالة "التعاليم"، وهذه الرسالة بخاصة- كما قال الإمام البنا في تصديرها- موجهة إلى: الإخوان المجاهدين من الإخوان المسلمين الذين آمنوا بسمو دعوتهم، وقدسية فكرتهم، وعزموا صادقين على أن يعيشوا بها، أو يموتوا في سبيلها، إلى هؤلاء الإخوان فقط: أوجه هذه الكلمات، وهي ليست دروسًا تحفظ، ولكنها تعليمات تنفذ.. أما غير هؤلاء.. فلهم دروس ومواعظ وكتب ومقالات....فالحديث إذن موجَّه إلى فئة من الإخوان هم الذين أُعِدّوا ويعدون إعدادًا عسكريًّا للجهاد، ومن البدهيات أن "السمع والطاعة" أهم قواعد الحياة العسكرية على مستوى العالم كله.

بل إنَّ الإمام الشهيد كان يغرس في نفوس الإخوان روح الشورى والأخذ برأي الجماعة من مطلع بداية الدعوة في الإسماعيلية فلم يقطع أمرًا مهمًا دون استشارة وأخذ برأي الأغلبية، ومن المواقف التي تدل على ذلك: 1 - حينما رأى الإمام البنا أن يرشح عالمًا جليلاً هو "الشيخ علي الجداوي نائبًا عنه، وهو من أفضل الإخوان خُلقًا ودينًا، حسن التلاوة لكتاب الله، جيد المشاركة في البحث، دائم الدرس والقراءة، ومن أقرب الناس إلى قلوب الإخوان، وأحبهم إليهم"، وكان من الممكن أن يصدر الإمام البنا قرارًا بتعيينه بناءً على هذه المسوغات، ولكنه دعا إلى اجتماع شامل، وعرض على المجتمعين رأيه في ترشيح الشيخ علي نائبًا "فوافقوا عليه بالإجماع في فرحٍ شاملٍ، وسرورٍ عجيبٍ بهذا الاخـــتيار. 2- كان هناك أربعة فسدت طويتهم، فادعوا أنَّ هذا "الاختيار" لم يكن قانونيًا لعدم اكتمال الجمعية العمومية، ومفاجأة المجتمعين بهذا الترشيح، وحتى لا تكون فتنة دعا الإمام البنا إلى الاجتماع من جديد "واجتمع الإخوان، وظهرت نتيجة الانتخاب، فإذا هي إجماع رائع- عدا أصوات هؤلاء الأربعة- على اختيار الشيخ علي. 3 - وهناك موقف للمرشد البنا قد يراه بعضهم فيه منفردًا مستبدًا برأيه، خارجًا على الإجماع، ولكن لننظر إلى هذا الموقف نظرة متأنية: اتخذ الإخوان قرارًا بترشيح المرشد العام عن دائرة الإسماعيلية في الانتخابات التي أعلنت حكومة الوفد إجراءها سنة 1942م، وبعد بضعة أيام تلقى المرشد دعوة بمقابلة رئيس الوزراء مصطفى النحاس، وتمت المقابلة، وطلب منه النحاس أن يتنازل عن الترشيح لمصلحة مصر، ومصلحة الجماعة بسبب ضغوط الإنجليز عليه، وإلا فهو مضطر إلى حل الجماعة ونفي زعمائها خارج مصر تحقيقًا لرغبة الإنجليز، الذين كانوا يمرون بظروف عصيبة جدًا في حربهم مع الألمان، والإنجليز- كما قال النحاس للمرشد- "يقدرون على كل شيء، وفي استطاعتهم أن يدمروا البلد في ساعتين"، وعرض المرشد الأمر على هيئة مكتب الإرشاد فلم توافق الأغلبية على التنازل، ولكنه رأى الخير في التنازل لا خوفًا من النفي، ولكن حرصًا على مصلحة الجماعة وحمايةً لها من الحل من ناحية، ومن ناحية أخرى: حرصًا على مصلحة مصر، وهنا وافق مجلس الإرشاد على تنازل الإمام البنا، وأثبتت الأيام بُعد نظره:

 أ - فنجاحه كان مشكوكًا فيه؛ لأن الحكومة والإنجليز كانوا سيحاربونه بكل الوسائل.

ب- وتركت الحكومة الإخوان- مقابل هذا التنازل- ينطلقون من باب مفتوح لبث دعوتهم في أنحاء القطر، فازداد عدد الشُّعب بشكل ملحوظ. جـ- وكذلك استجاب رئيس الحكومة- مقابل ذلك- لعدد من الطلبات التي تقدم بها الإخوان: مثل إحياء الأعياد الإسلامية، وإلغاء البغاء، وإصدار قانون بوجوب استعمال اللغة العربية في تعامل جميع الشركات والمؤسسات، وفي مراسلاتها.


وبعد هذا العرض نُذكِّر القارئ بالحقائق الآتية: 1- رأي الإمام البنا- بناءً على ما اقتنع به من مسوغات- أن يسحب ترشيحه لنيابة الإسماعيلية، ولكن غالبية أعضاء مجلس الإرشاد رأت نقيض ذلك، ثم أجاز المكتب رأي المرشد بعد أن شرح وجهة نظره، ومن ثم يسقط الزعم بأنَّ المرشد استبد برأيه، وخرج على الإجماع.

2- ومع أن هذا الانسحاب كان صدمة لمشاعر جماهير الإخوان، فقد حقق من الفوائد الكثير والكثير، وتفادى أضرارًا جسيمة كانت ستلحق بالأمة والإخوان على أيدي الإنجليز.

3- والقوة الاستعمارية- وقد كانت تمر بأحرج المواقف في الحرب- كانت ستستخدم كل ضغوطها وإمكاناتها، ومعها الحكومة المصرية لإسقاط المرشد، كما حدث في الدائرة نفسها فيما بعد سنة 1944م، ولم يثبت في مسيرة الدعوة أن الإمام البنا قد خرج على إجماع، أو انفرد برأي، بل كانت الآراء تتخذ وتنفذ بالأغلبية المطلقة "أي بما يزيد على عدد النصف ولو بصوت واحد".

وفي 2 من شوال سنة 1364هـ الموافق 8 من سبتمبر 1945م وافقت الجمعية العمومية للإخوان على قانون النظام الأساسي للإخوان، وأصبح نافذًا من هذا التاريخ، وأمام تطورات الدعوة واتساع ميادين نشاطها، وأمام التجارب التي مرَّت بها الجماعة رأى المرشد العام للإخوان أن يقترح على الهيئة التأسيسية المنعقدة في المحرم 1367هـ إدخال بعض التعديلات، فوافقت الهيئة على مبدأ التعديل، وأقرَّت تأليف لجنة من المرشد وثلاثة آخرين لإجراء هذا التعديل طبقًا للتوجيهات والرغبات التي أبدتها الهيئة.

وقد اجتمعت اللجنة عدة اجتماعات، وانتهت بهذا المشروع الذي عُرض على الهيئة التأسيسية بجلسة يوم الخميس 27 من جمادى الآخرة 1367هـ الموافق 6 من مايو 1948م، حيث قرئ القراءة الأولى، وأجريت بعض الرغبات والتعديلات، وأرجأت الهيئة اعتماده حتى ينظر للمرة الثانية في جلسة الهيئة التي حدد لها يوم الجمعة 12 من رجب 1367هـ الموافق 21 من مايو سنة 1948م، وفي هذا الاجتماع أُعيدت قراءة التعديل، وأقرته الهيئة بالإجماع، وصار نافذًا منذ هذا التاريخ طبقًا للمادة 64، ومما سبق نرى أن اقتراح المرشد العام بتعديل بعض مواد القانون الأساسي للجماعة لم يأخذ طريقه، ولم ينفذ إلا من خلال الهيئة التأسيسية بعد دراسة بل دراسات وافية استغرقت عدة أشهر، وقانون النظام الأساسي للجماعة لم يمنح المرشد أي سلطات استثنائية، وتنص المادة 16 على أن "المرشد العام إذا أخل بواجبات منصبه، أو فقد الأهلية اللازمة لهذا المنصب فعليه أن يتخلى عنه، كما أنَّ للهيئة التأسيسية أن تقرر إعفاءه في اجتماع يحضره أربعة أخماس الأعضاء، ويجب أن يكون هذا الإعفاء بموافقة ثلاثة أرباع الحاضرين".

وبعد هذه المسيرة نخرج بانطباع صادق خلاصته أن منظومة الأكاذيب والافتراءات تدور كلها في فلك واحد، والجديد منها هو في واقعه "قديم مجدد" يعرض في ثوب عصري مبهرج منفوش، مما يدل على إفلاس أعداء الدعوة الإسلامية فلا عجب أن يخسروا- في حساب التاريخ- كل جولة، وإن أخذهم الغرور لنجاح مظهري مؤقت في بعض الأحيان.


من المراجع: 1- د0أحمد الشربيني: الأحزاب المصرية من سنة 1922م- سنة 1953م.

2- مجموعة الرسائل: الإمام حسن البنا.

3- محمد علي الغتيت: الزعيم00العبقرية والزعامة السياسية.

4- تقرير الحالة السياسية في مصر- مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام.

5- مذكرات الدعوة والداعية: الإمام حسن البنا.

6- محمد فريد عبد الخالق: الإخوان المسلمون في ميزان الحق.

7- عباس السيسي: في قافلة الإخوان ج 1.

8- عبد الرءوف شلبي: الشيخ حسن البنا ومدرسة الإخوان المسلمين.

9 - قانون النظام الأساسي للإخوان المسلمين.