هل تؤمن النخـبة عندنـا حقـاً بالديمقراطـية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
هل تؤمن النخـبة عندنـا حقـاً بالديمقراطـية


الإيمان كما عرّفه الرسول الكريم ( صلى الله عليه وسلم ) هو ما وقر في القلب وصدّقه العمل ، أي أن يتفق القول فيه مع العمل بأن يؤمن الإنسان بالقدر خيره وشره حلوه ومره وأن يتفق عمله مع أوامر ونواهي الإسلام ولا يتناقض معها ، وهذا لا ينطبق على الإيمان بمعناه الديني فقط أي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، بل يشمل كل أنواع الإيمان ، الإيمان بالمبادئ والقيم والأخلاق ، ومن هذه المبادئ التي ينطبق عليها هذا الحديث الشريف الإيمان بالديمقراطية كنظام حكم ، وفيه ترضخ الأقلية لحكم الأغلبية مهما كان هذا الحكم مخالفاً لرأيها لأن هذا ما رأته أغلبية الشعب مادامت الأقلية لا تطعن في الوسيلة التي قالت الأغلبية رأيها عن طريقها بأي مطعن ، فإذا قالت الأقلية أنه إذا أتت نتيجة الانتخابات بفئة معينة إلى الحكم فإنها لن تسمع أو تطيع أو أنها ستقف منها موقف سلبياً فلا تتعاون معها فهذا يدل على أن الأقلية تريد ديمقراطية معينة ليست هي الديمقراطية المتعارف عليها أو أنها لا تؤمن بالديمقراطية كنظام للحكم تنصاع فيه الأقلية لرأي الأغلبية لأن قولها بالإيمان بالديمقراطية لا يصدقه عملها .


دارت برأسي كل هذه الأفكار وأنا أقرأ تصريحين لرجلين من كبار مفكرينا وأدبائنا في مصر من الصفوة التي تؤثر كثيراً في الرأي العام وعجبت كثيراً لقولهما أنه إذا وصلت فئة معينة إلى الحكم في مصر فإنهما سيغادرانها ومعنى هذا أنهما يريدان ديمقراطية خاصة تؤدي إلى اختيار فئة معينة وإلا فلا يعترفان بنتيجتها وبالتالي لا سمع ولا طاعة ، تماماً كما قالت أمريكا عندما أسفرت الديمقراطية في فلسطين عن اختيار الشعب الفلسطيني لحماس لحكم فلسطين ، قالت أنه ليس معنى أن نشجع الديمقراطية في بلاد الشرق الأوسط أن نتعاون مع الحكومات التي تسفر عنها هذه الديمقراطية رغم عدم طعنها على الانتخابات بأي مطعن بل تعترف ويعترف العالم كله أن هذه الانتخابات كانت من أنزه الانتخابات التي جرت في البلاد العربية بل والغربية أيضاً إلا أنها فرضت عليها الحصار والتجويع ومحاولة التركيع وتعاونت معها في ذلك كل البلاد العربية التي لا تعرف الديمقراطية وتأتي حكوماتها عن طريق الدكتاتورية التي تحاربها أمريكا ، فهل يمكن لنا أن نعرف الفرق بين طريقة تفكير بعض النخبة عندنا ورؤيتها للديمقراطية وإيمانها بها وطريقة تفكير أمريكا ؟

لا أعتقد أن هناك فرقاً لأن الطريقة واحدة والنتيجة متساوية وهي عدم الاعتراف بالحكومات التي تأتي عن طريق الديمقراطية إلا إذا كانت تؤمن بذات المبادئ التي تؤمن بها هذه النخبة ، وأنها لن تتعاون معها ، والفارق الوحيد في طريقة التعامل مع هذه الحكومة أن أمريكا بلد قوي يملك من القدرات ما يستطيع به أن يقهر إرادة أي حكومة تخالفه فهي تأخذ منها موقفاً إيجابياً في إعلان الحرب عليها ، أما بعض النخبة عندنا فلأنهم لا يستطيعون إعلان الحرب على الحكومة التي تسفر عنها الديمقراطية وتخالفهم في الرأي فإنهم يقفون منها موقفاً سلبياً بمقاطعتها والانسحاب من تحت سيطرتها وعدم التعاون معها .

الإيمان بالديمقراطية يستلزم التسليم بالنتيجة التي تسفر عنها ، ومراقبة الحكام الذين وصلوا إلى الحكم عن طريقها والتعاون معهم إذا أصابوا ونقدهم إذا أخطأوا ، لأن ذلك كله يصب في مصلحة الوطن الذي نعمل جميعاً على خدمته والرقي به وتقدمه ، أما أن نقاطع الحكومة التي لا نتفق معها في الرأي ولا نتعاون معها حتى إذا كان ذلك في صالح الشعب والوطن فهذا تفكير شخصي أبعد ما يكون عن المصلحة العامة .

الديمقراطية تقتضي أن يتنافس الجميع في سبيل إرضاء الشعب والتقرب إليه عن طريق تحقيق التقدم والرخاء والحرية والديمقراطية ومن يستطيع تقديم المزيد منها يختاره الشعب في المرة القادمة وهكذا يتحقق التقدم ويرتقي الشعب صاحب السلطة والأمر والنهي الذي يجلس متربعاً والحكومات والأحزاب من حوله تتنافس في سبيل خدمته وإرضائه والتقرب إليه ومن يريد أن يصل إلى الحكم عليه أن يقدم المزيد لا أن يبتعد وينزوي في الظلام احتجاجاً على وصول من يخالفه الرأي إلى سدة الحكم فيموت كمداً وينساه الناس .

وفي اعتقادي أن قول بعض النخبة بأنهم لن يتعاونوا مع حكومة فئة معينة إذا وصلت للحكم ليس معناه عدم إيمان هذه النخبة بالديمقراطية أو حباً في الدكتاتورية ورغبة فيها ولكن لأننا من طول ما حرمنا من الديمقراطية فقد نسينا طعمها وكيفية التعامل معها وتصورنا أن الديمقراطية هي وصول فئة معينة نؤمن بها ولا نؤمن بغيرها إلى الحكم وإلا فإن البلد ستفسد وتصبح فوضى أو سجن كبير لن نستطيع العيش فيه رغم أننا لم نجرب حكم هذه الفئة ولا نعرف إن كانت ستحول البلاد إلى سجن أم واحة للديمقراطية والحرية والرخاء لأن العبرة ليست بالكلمات التي تقال أو بالشعارات التي ترفع بل بالأعمال التي تؤدى والمشاريع التي تقام والإنتاج الذي يغمر البلاد والحرية التي تسود .

والأمر العجيب أن هذه النخبة لا ترضى عن الأوضاع الراهنة وتهاجم الحكومة الحالية وتنتقد الأوضاع السائدة وهي في هذا محقة ولكن لا ترضى بالبديل إذا كان من فئة معينة بل تريد بديلاً من نوع معين ترضى عنه وتعتقد أن في وجوده الحل لمشاكل البلد ، والخوف من هذا الشعور الغير محايد أنه لا يضع مصلحة البلد العليا في المقام الأول أن من يضع هذه المصلحة في اعتباره الأول يقبل أن يتعاون مع أي حكومة تسفر عنها الانتخابات الحرة النزيهة ويراقبها فإن أحسنت فقد قامت بواجبها وإن أساءت نقدها ووقف أمامها وحاول إسقاطها أما من يقول أنه يرغب في حكومة ذات اتجاه معين فإن الخوف منه نابع من أنه إذا وصلت هذه الفئة إلى سدة الحكم تعاون معها وشجعها أساءت أم أحسنت وفي ذلك الشر كل الشر وهو بذلك يقع في المحظور الذي يعيبه على الأوضاع التي نحن فيها والتي يؤيدها النفعيون وأصحاب المصالح مهما أساءت أو تسببت في تدهور أحوال البلاد لأنهم يستفيدون منها بل ويستفيدون من تدهور أوضاع الشعب لأنهم يتاجرون بمصالحه ويكونون الثروات من آلامه وجراحه والأولى بالنخبة عندنا لكي تظهر إيمانها الحق بالديمقراطية أن تقول إنه إذا وصلت فئة معينة إلى الحكم في مصر فإن ذلك معناه إننا فشلنا في أن نقدم أنفسنا والأفكار التي نؤمن بها أو يؤمن بها الحزب الذي نؤيده إلى الناس وأن نقنعهم بمبادئه وإن خصومنا كانوا أكثر نشاطاً وإقناعاً للناس بمبادئهم وأفكارهم وأكثر منا تقرباً إليهم ولهذا فقد وصلوا إلى الحكم وأننا سنبحث في المستقبل الأسباب التي أدت إلى فشلنا في السعي للحكم وسنكسب الجولة القادمة بتقديم المزيد من الخدمات والمصالح التي يستفيد منها الشعب أكثر وهكذا تتنافس الأحزاب والقوى الوطنية في إرضاء الشعب والعمل على تقدمه ، وأعتقد أن هذا سر تقدم البلاد التي تتمتع بالديمقراطية أن الكل يتنافس في سبيل مصلحة الوطن والكل يعمل على رقيه وتقدمه والكل يتعاون من أجل تحقيق الرخاء والحرية .

الأحزاب تخوض المعارك الانتخابية بكل قوة وتتنافس في سبيل إرضاء الشعب ومن يصل إلى الحكم يسارع إلى تنفيذ برنامجه الانتخابي لتحقيق التقدم والرقي والرخاء للشعب لأنه يعلم أن ذلك سبيله الوحيد للبقاء في الحكم في الانتخابات القادمة أما الحزب الذي يفشل في الوصول إلى الحكم فإن أول ما يقوم به هو تغيير قيادته لأن القيادة هي العقل المفكر للحزب والفشل معناه أن هذا العقل أضعف من أن يقود حزباً إلى النجاح وبعد تغيير القيادة يبحث أسباب الفشل ويعمل على تلافيها ثم يبحث عن أساليب النجاح حتى يكتب له التوفيق في المرة القادمة .

لك الله يا مصر وسامح الله بعض النخبة .