هل أنكر حسن البنا صلة قرابته وعلاقته بقريته شمشيرة؟
العداء المستحكم في قلوب كثير من العلمانيين والشيوعيين في بلادنا الإسلامية تدفعهم دائما إلى طمس الحقائق ومحاولة إلقاء هالة كبيرة على التهم والأباطيل التي يروجونها ضد كل ما هو إسلامي عامة وجماعة الإخوان المسلمين وتاريخ مؤسسها خاصة.
وزد على هؤلاء أتباع الأنظمة الحاكمة من الكتاب والصحفيين الذين يتعمدون تغيير الحقائق من أجل تسطير تاريخ مزيف عن الإسلاميين والمعارضيين للأنظمة الحاكمة، واتهامهم بأبشع التهم.
ومن هذه التهم التي روج لها مؤخرا الصحفي إبراهيم عيسى أن الإمام البنا لم يكن على يتواصل مع أخواله أو أعمامه في قرية شمشيرة، وادعى إن أصل عائلة حسن البنا كانت من قرية شمشيرة، ورغم ذلك فهذه القرية لم يزورها حسن البنا مرة واحدة، سواء واصلا للرحم أو داعيا، فحسن البنا الذى يفتخر أنه زار كل القرى المصرية تقريبا لم يقدم رغم ذلك على زيارة قريته.
كما لم يذكر أعمامه وأخواله على الإطلاق ولا أبناءهم ولا أحد من أقاربه ولم يذكر عن زيارته لهم، فلم يزورهم على الإطلاق أو يذهب ليعزى أو يذهب لفرح في قريته. (1)
حاول إبراهيم عيسى وغيره إثارة الشبهات حول مؤسس جماعة الإخوان المسلمين ولم يكلف نفسه سوى القراءة السريعة، ولو قرأ المذكرات جيدا سيجد أن الإمام البنا كثير من جوانبه الشخصية لم يتحدث عنها، لأنها من الفروض عليه والواجبات بحكم صلة الرحم، حتى أنه لم يذكر أى معلومة عن أهل أبيه أو أهل أمه.
ومن المعروف أن مذكرات الإمام البنا كانت خواطر يسطرها لبعض الأحداث والوقائع وهي أشبه ليوميات المرء، حتى أنه لم يذكر أى شيء عن ميلاده وبدأ مذكراته بمدرسة الرشاد وشيخها الجليل الشيخ محمد زهران. (2)
حيث يؤكد محمود عبدالحليم هذا المعني بقوله:
- ومما يدل علي أن جانب التسجيل لم ينل حظه في دعوة الإخوان المسلمين ظهور كتاب في هذه الأيام يضم مذكرات الدعوة والداعية ، للأستاذ الإمام حسن البنا رحمه الله ، فقد جاءت هذه المذكرات برهانًا قاطعًا علي إغفال هذه الناحية الهامة ، فلم يسجل في هذه المذكرات عشر معشار ما مر بصاحبها من أحداث ، ولم يكن – رضي الله عنه – عاجزا من تسجيلها وتحليلها ولكن هكذا شاءت الأقدار. (3)
ومن المعروف أن الأستاذ البنا ولد بالمحمودية عام 1906م بعدما انتقل إليها والده والدته عام 1904م فكان حسن إبنهما البكر.
وكان سبب ترك الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا لقريته شمشيرة وانتقاله إلى المحمودية أنه كان قد احترف مهنة تصليح الساعات على يدي أحد محترفي تصليحها برشيد ثم الإسكندرية، وحينما عاد لقريته الصغيرة لم تكن الساعات قد انتشرت بين أهل القرية الصغيرة، بالإضافة لرغبته في استكمال مسيرة العلم فانتقل لمكان رحب في المحمودية.
والسبب الثاني الذي ذكره عباس السيسي، أن الشيخ عبدالرحمن البنا جد الإمام حسن البنا كان له ولدان "محمد وأحمد" وكان يمتلك عدد من الأفدنة، حيث ساعده ابنه محمد لكنه رغب أن يكون أن يكمل أحد أبنائه التعليم فكان أحمد الصغير لأنه أمه رأت في المنام أنه سيكون له شأن عظيم وسط العلماء – كما يذكر جمال البنا في مذكراته – ولذا ألحق أحمد بالتعليم وتفرغ محمد للعمل في الحقل مع والده
لكن بعدما تزوج الشيخ أحمد عام 1903م، بحث عن مكان أرحب للعمل في الخطابة وتصليح الساعات فأوعز أحد إخوانه بأن المحمودية رحبه فزارها الشيخ وأعجب بها وقرر الانتقال إليها بعدما استأذن أبويه، وظل بها حتى وفاة والديه عام 1924م وانتقال ابنه البكر حسن إلى القاهرة وتعرضه لحادث قرر مع زوجته حمل أولادهم والنزوح إلى القاهرة للعيش بها وكان ذلك يوم الثلاثاء 3 صفر 1343هـ الموافق 17 أغسطس 1924م. (4)
أيضا لو كلف إبراهيم عيسى نفسه – وغيره - بعض الشيء في البحث هيجد أن الأستاذ البنا كان يزور أقرباءه دائما، حيث جاء في إحدى خطابات حسن البنا لوالده والتي يتضح منها أن والده أرسله إلى قرية العطف عام 1926م – قرية ضمن قرى الروك الصلاحي بالمحمودية مصر - وكلفه ببعض التكليفات ومنها التواصل مع خالته في قرية مرقص بالبحيرة حيث بلد زوجها، وأمضى حسن البنا فترة مكوثه في العطف بين زيارة أقرباءه بقرية شمشيرة وسنديون بلد أخوال والدته آل سيد أحمد.
يقول جمال البنا:
- عثرنا بين أوراق الوالد على صورة خطاب ابنه مؤرخ في 2 جمادى 1352ه الموافق 23 أغسطس 1933م ليقضيها "وانت بالمحمودية لاهميتها ولفرصة وجودك بها" وهي لا تختلف عما كان يقوم به عامي 1926 و1927م وهي أمور خاصة بعوايد البيت.
وبعد أن أنهى التكليفات أرسل لوالده خطاب جاء فيه:
- سيدى الوالد الجليل: السلام عليكم ورحمه الله وبركاته (وبعد) وصلت العطف بسلامة الله بعد أن صليت الجمعة بدمنهور وتغديت مع الشيخ شريف بمنزلهم، وكل جميع أهل العطف يهدونكم أزكى السلام وقد تقابلنا جم غفير.
- ربما سافرت غدا (الأحد) إلى شميشيرة للمهمة أما اليوم فإنى منتظر خالتى بالمحمودية. السمن لم يجهز بعد مع أن مليجى مخبر بالأمر من يومها ولا أدرى ماذا ترون وسأشترى سمن شرف غدا إن شاء الله ودمتم 26 يناير 1926م. (5)
ويضيف جمال البنا عن طبيعة باقي الخطابات وعددها 7 خطابات والتي اشتملت شئون شخصية وعلاقات عائلية، وهو ما يفند ما ساقه إبراهيم عيسى من أباطيل وأراجيف وكذب متعمد دل على جهله
حيث يقول جمال البنا:
- أما بقية الخطابات فكلها شئون عائلية خاصة مثل مقابلة خالاته في شمشيرة ومرقص، وأبناء خال أمه في سنديون وعملية شراء السمن (الأقه بريال) واستخلاص الديون من مستأجري البيت وأرض الوالد في شمشيرة. (6)
وفي إحدى الخطابات جاء فيه:
- عدت إلى سنديون حيث قابلت الشيخ سيد أحمد وقضيت أول ليلة حتى الفجر لكثرة الزوار، ولم اتمكن من السفر بسبب كثرة الوافدين من أهلنا لرؤيتنا وتحتفي بأحد أفراد أسرتها النابهة وأن تحنجزه ثلاثة أيام كاملة. ويبدو أن أخر خطاب له في العطف وبلد أقربائه كان يوم 27 يناير 1927م لأنه سافر بعدها إلى الإسماعيلية. (7)
وبهذه الوثائق التي نضعها بين يدي القارئ والتي تعري كذب وأراجيف إبراهيم عيسى ومن على شاكلته، لمجرد أنه فقط يسعى لحشو حلقات بأى معلومات تشغل الرأى العام وتثير زوبعة من الشبهات حول مؤسس جماعة الإخوان المسلمين والحركة الإسلامية كلها بل الإسلام في مجمله.
المراجع
- إبراهيم عيسى: برنامج أصل الجماعة، 15 سبتمبر 2020م
- حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2001، صـ11.
- محمد عبدالحليم: الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، دار الدعوة للنشر والتوزيع، الإسكندرية، 2000م، صـ3.
- جمال البنا: خطابات حسن البنا الشاب إلى أبيه، دار الفكر الإسلامي، القاهرة، 1990م، صـ 42.
- المرجع السابق: صـ 97.
- المرجع السابق: صـ98.
- المرجع السابق: صـ99.