هل أصبحت الماديات في مصر من الأعراض والحرية والكرامة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
هل أصبحت الماديات في مصر أهم من الأعراض والحرية والكرامة ؟



بقلم:القاضـي محمود رضا الخضيري


عندما شاهدت مظاهرات المحلة الكبرى وضخامتها وإصرارها علي تحقيق هدفها ، وعجز الشرطة عن التصدي لها لإحساسها بأن التصدي يمكن أن تكون له نتائج وخيمة علي الطرفين وقارنت ذلك بالمظاهرات الهزيلة التي خرجت من أجل الاحتجاج علي التعذيب والاعتقال وكبت الحريات وشراسة الشرطة في التصدي لها لإحساسها بضعفها وعدم استطاعه المتظاهرين الصمود أمام تجاوزاتها ، أحسست إحساساً شديداً بالخزي والمهانة ، أمن أجل بضع جنيهات شهرياً أو سنوياً تخرج كل هذه الجحافل من الناس مندفعة متحمسة لا تستطيع قوة الأمن المدججة بالسلاح التصدي لها والسيطرة عليها في حين لا يمكن جمع سوي بضع مئات إن لم يكن عشرات من أجل الاحتجاج علي ما يمس العرض والحرية والكرامة ، كنا نسمع عبارة شائعة علي لسان البسطاء من الناس تقول: ( عض قلبي ولا تعض رغيفي ) وكنت أتعجب لها وللمعاني غير الطيبة التي تدل عليها وأستنكرها ولكن ما أشاهده هذه الأيام يدل علي صدق هذا المثل الشعبي ، وهو ما يجعلني أتسـاءل عن فائدة الرغيف إذا كان القلب عليلاً ، إن القلب بمثابة المحرك بالنسبة للسيارة والرغيف هو بمثابة الوقود فهل تستطيع السيارة التحرك إذا كان المحرك تالفاً رغم تزويدها بالوقود ؟ ما فائدة رغيف العيش إذا لم يكن في إمكان الإنسان الاستفادة به مادام القلب عليلاً ؟ إن قلوبنا هذه الأيام عليلة من كثرة ما تعاني من مشاكل في كل حياتنا ، فإذا نظرت حولك في كل اتجاه لا تكاد تقع عينك إلا علي مشاكل من مختلف الأنواع ، سياسية واقتصادية وصحية واجتماعية وأخلاقية ، وكأن هناك مخزون منها منذ زمن بعيد تفجرت ينابيعه مرة واحدة فخرجت علينا تهاجمنا من كل صوب ، بحيث صرنا لا نملك لها دفعاً أو أن شئت الدقة لا نريد أن ندفعها وإذا حاولنا ذلك فبجهد قليل وإلي وقت قصير من غير محاولة اجتثاثها من جذورها والقضاء عليها ، بل سترها وإخفاءها ووضع المسكنات عليها.

حقاً إن المشاكل الاقتصادية قوية ظاهرة تكاد تخنقنا بقوة ، ولكن هل معني ذلك أنها تتغلب عندنا علي كل المشاكل ، بل نكاد نضحي من أجلها بمشاكلنا الأخرى ، حتى إذا أُجريت مفاضلة بين أن نهتم بالرخاء المادي ونتنازل عن بعض الحرية والكرامة مع غض الطرف عما يمكن أن يمس أعراضنا ، استجاب البعض وأخذ البعض الأخر فرصه للترجيح في أمر لا مجال فيه للتفكير .

عندما فكرت الحكومة ممثلة في وزارة العدل في أن تستقطب القضاة وأن تصرفهم عن المناداة باستقلالهم ونزاهة الانتخابات وتفضهم من حول ناديهم الذي يرفع هذه الشعارات ماذا فعلت ، لم تضع مشروعاً للاستقلال تنافس به مشروع النادي ولم تستنكر ما حدث في الانتخابات من تزوير وتمسك بتلابيب المزور من أبنائها لتحاسبهم ، بل اتجهت لإغرائهم بالماديات البحتة قروض بلا فوائد للجميع ، المحتاج منهم وغير المحتاج ، الغني والفقير ، الصغير والكبير ، وجعلت أتباعها يشيعون بين القضاة أن هذه القروض هي في الشكل فقط وأنه سيتم الإعفاء من سدادها مستقبلاً. وسواء صدق ذلك أم لم يصدق فإنه يدل علي خبث نية وغرض غير سوي. وتلاعب بالحاجة المادية لفئة الكل يعلم مدي خطورة التلاعب بها علي حقوق الناس وحرياتهم ، وزيادة المساهمة في نفقات الحج للقضاة ، وتحمل نفقات المصايف والوعد بزيادة المرتبات ، هل رأيتم ماذا تفعل الحكومة بسلطة من سلطات الدولة شعرت الحكومة أنها يمكن أن تسبب لها بعض المتاعب بمطالبتها بالاستقلال والحرية ونزاهة الانتخابات. محاولات لشق الصف إغراءات مادية تفوق طاقة البعض ، واستعداء أجهزة الإعلام عليها حتى تمنع وصول صوتها إلي الشعب صاحب الكلمة الأولي والأخيرة في كل ما يتعلق بالوطن.

وحتى عندما أرادت الحكومة استغلال الحاجات المادية للقضاة واستغلال المادة كسلاح للتأثير عليهم لم تسلك في ذلك مسلكاً إنسانياً وأخلاقياً بل سلكت مسالك تدل علي فساد الطبع وعدم الرغبة في فعل الخير ، فلو أن الحكومة أرادت فعل الخير فعلاً لبحثت عن أوجه إنفاق لأموال الشعب ومخصصات السلطة القضائية غير هذه الأوجه التـي لا فائدة ترجي من ورائها ، أليس أجدي من كل ما سبق علاج الحالات الحرجة من المرض والذي تفوق مصاريف علاجه طاقـة أي إنسان مثل حالات الفشل الكبدي والفشل الكلوي والأمراض المزمنة ؟، هل يعلم المسئولون بوزارة العدل أن هناك أكثر من مائتان وخمسون حالة فشل كبدي بين القضاة تحتاج كل حالة ما بين نصف وثلاثة أرباع المليون جنيه لعلاجها حسب المكان الذي يتم فيه العلاج. وقد توفي من بين القضاة المقيمين في الإسكندرية العام الماضي فقط ثلاث حالات فشل كبدي عجز أصحابها عن العلاج وهناك أكثر من عشرين حالة أخري تقاوم المرض ، ناهيك عن باقي فئات الشعب في باقي أنحاء مصر ، ومثل هذا وأكثر يقال عن الفشل الكلوي وباقي الأمراض المزمنة ، فماذا فعلت الوزارة من أجل هؤلاء ؟ لم تفعل شيئاً واتجهت إلي أوجه الاتفاق المظهرية التي تسعي من ورائها إلي التأثير علي إرادة القضاة.

لفت نظري وأنـا أطالـع صحيفة المصري اليوم الأربعـاء 13 ديسمبر عنوان يقول ( لجنة الحريات بنقابة المحامين تحاكم وزيري الثقافة والنقل شعبياً ) والحقيقة أن هذا الخبر بقدر ما سرني فاجأني وأصابني بالاستغراب ، فالكل يعلم أننا طالما طالبنا بمحاكمة شعبية لكل من لا تطاله يد العدالة بسبب موقعه الذي يتحصن فيه من المحاكمة الرسمية ولأول مرة يتم اتخاذ هذا الإجراء الذي بح صوتنا في المطالبة وهذا أمر جيد أن نبدأ هذه المحاكمة ولكن الغريب في الأمر أن نبدأ بأمور أقل أهمية من أمور أخري أري أنها جديرة بهذه المحاكمة وهي التعذيب والاعتقال وتزوير الانتخابات والأخيرة جاهزة تماماً وأرجو وألح في الرجاء أن تكون الجلسة التالية لهذه المحاكمة خاصة بمن ساهم في تزوير الانتخابات أياً كان موقعه لأن هؤلاء أخطر علينا من أي فئة أخري خاصة وأن هناك انتخابات علي الأبواب وهي تتكرر كثيراً في حياتنا لهذا وجب وضع حد لهذه الممارسات خاصة وأن الحكومة ترعاهم وتقف وراءهم وتشد من أزرهم وتكافأهم بالمناصب والانتدابات التي نحرص علي النص عليها في قانون السلطة القضائية فلا يرجي منها أن تتخذ ضدهم إجراء رادع يجعلهم عبره لغيرهم ممن تسول لهم أنفسهم العبث بإرادة الشعب.

هل نحاكم شعبياً من يدلي بتصريح غير مسئول لا يستحق ما نقضي فيه من وقت للقراءة ونترك من يعبث بإرادة الشعب ويتعدي علي حريته وحقه في الحياة وفي العيش الكريم ، هل نحاكم من حاول النيل من كرامة بعض نسائنا ونترك من حاول هتك أعراضهن بل وهتك عرض الأمة ذاتها بتزوير إرادتها والعبث بمقدراتها لقد تحديت وزير العدل أن يقوم بذلك وأنا أكرر التحدي لأني أعلم أن ذلك فوق طاقته فهم في حماية من هو أشد منه قوة وبطشاً بل أقول أنه إذا حاول ذلك فيمكن أن يبطش به هو شخصياً ولذلك فإني أري البديل لذلك هي المحاكمة الشعبية نفضح فيها هؤلاء الجناة الخونة وتعريهم أمام أسرهم والشعب كله وتجعلهم يعيشون مطأطئ الرؤوس نادمين علي أفعالهم الشائنة عبره لغيرهم ممن تسول لهم أنفسهم سلوك هذا الطريق القذر وليعلم الجميع أنه بغير هذا فإن الفاحشة ستشيع بيننا بحيث تصبح رائحتها لا تزكم الأنوف كما نري الآن في بعض كبار المسئولين في الدولة الذين لهم تاريخ غير مشرف ورغم ذلك فإنهم يحتلون أرفع المناصب في الدولة دون خجل أو مداراه بل ويتعالون على أبناء الوطن من الشرفاء .