هكذا كُنَّا.. فمتى نعود؟!

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٣:١٨، ١١ يونيو ٢٠١١ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات) (حمى "هكذا كُنَّا.. فمتى نعود؟!" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد)))
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
هكذا كُنَّا.. فمتى نعود؟!
توفيق الواعي.jpg

بقلم: د. توفيق الواعي

هل نُراجع تراثنا لنرى كيف كُنَّا؟!، ونتحدث مع ذواتنا ونقول: متى نعود؟!.. ونقدم هذه الوثيقة إلى الأمة؛ لترى ما كان من شأننا.

من جورج الثاني ملك إنجلترا والسويد والنرويج إلى الخليفة ملك المسلمين في مملكة الأندلس صاحب العظمة هشام الثالث الجليل المقام.

بعد التعظيم والتوقير نُفيدكم أننا سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الصافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة، فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج من هذه الفضائل؛ لتكون بدايةً حسنةً في اقتفاء أثركم لنشر أنوار العلوم في بلادنا التي يُحيط بها الجهل من أركانها الأربعة، وضعنا ابنة شقيقنا الأميرة دوبانت على رأس بعثةٍ من بنات الأشراف الإنجليز؛ لتتشرف بلثم أهداب العرش والتماس العطف؛ لتكون مع زميلاتها موضع عناية عظمتكم، وقد زُودت الأميرة الصغيرة بهديةٍ متواضعةٍ لمقامكم الجليل.

أرجو التكرم بقبولها مع التعظيم والحب الخالص.

الإمضاء من خادمكم المطيع

جورج الثاني

أخي وأختي.. هذا تاريخنا وتلك أمجادنا، فليكن لنا دورٌ عمليُّ في إعادة العظمة والقوة لأمتنا؛ فإن أمتنا تستحق المجد والرفعة والمنعة بما لها من رسالةٍ قيِّمةٍ ومبادئ عظيمةٍ كشفت الليل الطويل الذي رزحت تحته الإنسانية طويلاً، وأقرت العدالة وأطلقت الحريات، وحررت الإنسان من عبودية الشهوات والأنفس، والحكام والملوك، وجعلت الناس في الحياة سواسيةً كأسنان المشط.

ونحب في هذا السياق أن ننقل حوارًا جليلاً دار بين نفرٍ من فرسان المسلمين وبين قواد كسرى وحاشيته؛ ليرى أولو الألباب مبلغ فقه الصحابة الفاتحين في فقه دينهم ورسالتهم، ومعرفتهم لأحوال الشعوب التي قدموا عليها، ونوع الحكم الذي قرروا إسقاطه، وليروا كذلك بأي ضمائر نقيةٍ وأسلحةٍ عفيفةٍ كان حَمَلة الإسلام يلقِّنون خصومهم الدروس بها؟.

لما نزل رستم قائد الفرس أرسل إلى سعد بن أبي وقاص: "ابعث لنا رجلاً نكلمه"، فأرسل إليهم ربعي بن عامر، فجاءه وقد جلس على سريرٍ من ذهبٍ، وأمامه بُسُطٌ ووسائدُ منسوجةٌ بالذهب، فأقبل ربعي على فرسه في خرقةٍ، ورمحه مشدودٌ بعصب، فلما انتهى إلى البساط وَطِئَه بفرسه، ثم نزل وربطها بوسادتين شقهما وجعل الحبل فيهما، ثم أخذ عباءة بعيره فاشتملها، فأشاروا إليه بوضع سلاحه وسيفه الذي كان ملفوفًا بخرقة، فقال: "لو أتيتكم فعلت ذلك بأمركم، وإنما دعوتموني".

ثم أقبل يتوكَّأ على رمحه، وقارَبَ خطوه حتى أفسد ما مرَّ عليه من بُسُطٍ، ثم دنا من رستم وجلس على الأرض، وركز رمحه على البساط، وقال: "إنا لا نقعد على زينتكم". فقال له رستم: "ما جاء بكم"؟

قال: "الله جاء بنا!!، وهو بعثنا لنخرج مَن شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسل رسوله- صلى الله عليه وسلم- بدينه إلى خلقه، فمن قَبِلَهُ قبلنا منه، ورجعنا عنه، وتركناه وأرضه، ومَن أبى قاتلناه حتى نُفْضِيَ على الجنة أو الظفر".

فقال رستم: "قد سمعنا قولكم، فهل لكم أن تؤخروا هذا الأمر حتى ننظر فيه؟". فقال: "نعم، وإنَّ مما سنَّ لنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ألا نُمكِّن الأعداء أكثر من ثلاثٍ، فانظروا في أمركم، واختر واحدةً من ثلاثٍ بعد الأجل: الإسلام وندعك في أرضك، أو الجزية فنقبل ونكف عنك، وإن احتجت إلينا نصرناك، أو المنابذة في اليوم الرابع، إلا أن تبدأ بنا، وأنا كفيلٌ بذلك عن أصحابي".

فقال رستم: "أسيِّدُهم أنت؟".

قال: "لا، ولكن المسلمين كالجسد الواحد، بعضهم من بعض، يجير أدناهم على أعلاهم". ثم انصرف، فخلا رستم بأصحابه، وقال: "أرأيتم كلامًا قط مثل كلام هذا؟!"، فأروه استخفافًا بشأنه، فقال رستم: "ويلكم، انظروا إلى الرأي والكلام والسيرة، والعرب تستخف باللباس وتصون الأحساب".

فلما كان اليوم الثاني من نزول رستم أرسل إلى سعد أن ابعث إلينا هذا الرجل، فأرسل إليه حذيفة بن محصن الغطفاني!، فلم يختلف عن ربعي في العمل.

فقال له رستم: "ما قعد بالأول عنا؟".

قال: "أميرنا يعدل بيننا في الشدة والرخاء، وهذه نوبتي".

فقال له رستم: "والمواعدة إلى متى؟".

قال: "إلى ثلاثٍ من أمس!!".

وفي اليوم الثالث أرسل إلى سعد أن ابعث إلينا رجلاً، فأرسل إليه المغيرة بن شعبة، فتوجَّه إليه وجلس معه على سريره، فأقبلت عليه الأعوان يجذبونه، فقال لهم: "قد كنا تبلغنا عنكم الأحلام، ولا أرى قومًا أسفه منكم، إنا معشرَ العرب لا يستبعد بعضنا بعضًا، إلا أن يكون محاربًا لصاحبه، فظننتُ أنكم تواسون قومكم كما نتواسى، وكان أحسن من الذي صنعتم أن تخبروني أن بعضكم أرباب بعض، وأن هذا الأمر لا يستقيم فيكم، وإني لم آتكم، ولكنكم دعوتموني اليوم فعلمت أنكم مغلوبون، وأن ملكًا لا يقوم على هذه السيرة ولا على هذه العقول". فقال السوقة: "صدق والله العربي".

وقالت الدهاقين الزعماء: "لقد رمى بكلامٍ لا تزال عبيدنا تنزع إليه، قاتل الله سابقينا؛ حيث كانوا يُصغِّرون أمر هذه الأمة".

ثم تكلَّم رستم بكلام عَظَّم فيه شأن الفُرْس، وصَغَّر فيه شأن العرب، وذكر ما كانوا عليه من سوء الحال، وضيق العيش، فقال المغيرة: "أمَّا الذي وصفتنا به من سوء الحال والضيق والاختلاف فنعرفه ولا ننكره، والدنيا دول، والشدة بعدها رخاءٌ، ولو شكرتم ما آتاكم به الله، لكنَّ شكركم قليلٌ على ما أُوتيتم، وقد أسلمكم ضعفُ الشكر إلى تغيُّر الحال".. ثم ختم كلامه بتذكيرهم بالتخيير بين الإسلام والجزية والمنابذة ثم رجع، فخلا رستم بأهل فارس وقال: "أين هؤلاء منكم؟! هؤلاء والله الرجال، صادقين كانوا أم كاذبين"!.

وبعد: لقد وعى الحكماء هذه المفاوضة التي تستبين منها وجهة نظر الإسلام في الوثنية السياسية التي مدَّت جذورها قرونًا في هذه البلاد المستعبدة!!، وقد أظهرت كيف تحوَّلت عقيدة التوحيد إلى سياجٍ يحفظ الحقوق العامة للإنسان، ويوطِّد أركان العدالة في المجتمع!.

واليوم نسأل أنفسنا: أين كنا، وكيف أصبحنا؟! وهل نحن اليوم نحمل رسالة التحرر والحضارة لنُخَلِّص الناس من القهر؟! أم نحن في حاجةٍ إلى مَن يخلصنا ويرحمنا؟!.

المصدر

قالب:روابط توفيق الواعى