هكذا كانت تحكم مصر

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
هكذا كانت تحكم مصر


من كتاب شهداء وقتلة في ظل الطغيان للأستاذين عادل سليمان وعصام سليمان :

شمس بدران .. ملك التعذيب

بحكم عملي كصحفي ترددت كثيرا على المشير عبد الحكيم عامر قائد الجيش والنائب الأول لرئيس الجمهورية... وجلست لمرات عديدة في مكتب شمس بدران انتظر مقابلة تحددت للقاء المشير.. ولقد رأيت في هذه الجلسات القليلة العجب العجاب.. رأيت ساعي المكتب يدخل مرة ليعلن للعقيد شمس بدران قدوم اللواء «م. ن» قائد السلاح «س» للجيش .. ويمط العقيد مدير مكتب المشير «عامر» شفتيه وينطق على مهل وفي عدم أكتراث يصل إلى حد التأفف.

- جاي لوحده؟

- أيوه يا فندم.

- زي بعضه دخله.

ويفتح الباب وإذا بي أمام منظر غريب ... اللواء يعبر مدخل الباب في خطوات سريعة كأنها القفزات ويتخشب أمام مكتب «لعقيد...» ويشد نفسه وكأنه يمزقها ويرفع يده إلى أعلى جبهته بالتحية حتى تكاد من قوة تخشبها وتصلبها ترتعش...

اللواء «م.ن»: - تمام يا أفندم.

العقيد «شمس»:- ينظر للواء نظرات صارمة من فوق لتحت دون كلام...

اللواء: القوام يزداد تخشبا.. واليد المرفوعة بالتحية تزداد أرتعاشا.

العقيد «شمس»: - ذات النظرات الباردة بلا كلام.

اللواء «م.ن» - في ذات الموقف والبوظ «المتخشب»...وقد بدأت الصفرة تلون الوجه.. وحبات العرق تطفو على الجبين.

وأخيرا نطق العقيد «شمس» من بين أسنانه ببرود شديد يزيد من صرامة نغمة الصوت:- عايز حاجة؟

اللواء – في لهفة من لدغته أفعى –سيادتك يا أفندم اللي مستدعيني...

العقيد «شمس»: بذات النبرة الباردة الصلفة - «أية بتقول إيه»؟

اللواء: يقول سيادتك للي مستدعيني...

العقيد «شمس» وقد بدأت نبرته تتحول إلى السخرية بعض الشيء:

...أيه ... يا خويه.. مستدعيك... مستدعيك عن طريق مين؟

اللواء: «ونبرات صوته تكاد تستغيث» عن طريق القيادة.. عن طريق القيادة يا أفندم.. إشارة سريعة عاجلة النهاردة يا أفندم...

العقيد «شمس»: يزداد صوته برودة وصرامة –طيب أقعد ويشير بيده على كرسي في طرف الحجرة. اللواء – يتراجع بظهره لأنه لا يريد أن يعطي ظهره «للعقيد» صاحب الصوت الصارم البارد..ويكاد يتعثر في الكرسي .. يرتمي عليه بكل جسده.. حتى لكأنه قد بقي دهرا بأكمله واقفا.. أو حتى لكأنه قد بعث من جديد.

العقيد «شمس»: ينشغل بمداعبة مجموعة من الأوراق على مكتبه...

وتمر فترة صمت أختلس فيها النظرات إلي سيادة «اللواء» الجالس أمامي على الكرسي وكنت جالسا على يمين العقيد في كرسي من الجلد، فأرى الرجل يكاد يرتجف على كرسيه الخشبي، ونظره متعلق بين أنامل العقيد التي تعبت بالوريقات على مكتبه ووجهه الصارم لاه تماما عن النظر ناحية اللواء المسكين.. وتمر اللحظات كئيبة... خلتها تمر دهورا على اللواء المنكود الحظ.. إلى أن تتحرك يد العقيد وتضغط على زر أمامه وهنا أحس منظرا لن أنساه طوال حياتي... رن الجرس وفي ذات الوقت قفز اللواء من على كرسيه وكان عقربا قد لدغته، أو كأن هذه الضغطة من أصبع «العقيد البارد» على زر الجرس أمامه قد أطلقت صاروخا من تحت كرسي اللواء فنظر الصاروخ «المزعوم» واقفا على قدميه ونظر العقيد «شمس» ناحية اللواء «م.ن» في اشمئزاز وبرود، في حين دخل أحد حراس مكتب العقيد الإمبراطور، فسأله قائلا:

- العقيد: مين عندك تاني.

- الحارس: الفريق الدجوي يا أفندم...

- العقيد «في برود»: دخله...

الفريق المستأنس في خيمة سرك العقيد...!!

رفعت ستارة خيمة سيرك «العقيد الإمبراطور» عن منظر جديد غريب، وعجيب، وغير مألوف في ذات الوقت، ولكن يبدون أن كل ما هو مألوف في هذه الغرفة لا يهم إطلاقا أن يكون مستهجنا, وغير مقبول، وغير مألوف في أي مكان من العالم، وعلى أي مستوى!! حتى لو كان التعامل في الغابة بين الحيوانات... حيث لا يمكن لكائن حتى لو كان من نوع «الشامبنزي» الراقي –أن يستوقف أسدا على هذه الصورة الكريهة حتى لو كان هذا الأسد عجوزا كركوبا... وبلا أنياب.. وبلا مخالب.. وبلا لبدة .. بل أنه لا يمكن لأي «شامبنزي» أن تستوقف «لبؤة» الأسد على هذه الصورة الزرية.. وهذه هي صورة الفريق الدجوي في مكتب شمس بدران كما حدث في مكتب العقيد «الغول».

رفعت الستارة ودخل الفريق المخيف «الدجوي» .. لم يمكن مخيفا ولا مستأسدا في تلك المرة التي رأيته فيها، كان كالأسود «المستأنسة» تحت قبة خيمة السيرك القومي، يأمره العقيد بتخطي أطواق النار، فيقفز داخلها في رشاقة صادعا بالأمر مطأطئ الرأس في هوان...

في البداية كان الفريق «الدجوي» منفوشا كالديك الرومي، وقفز في خطوات حتى صار واقفا أمام مكتب العقيد «شمس» وشد جسمه كله ورفع يده إلى مفترق جبهته بالتحية.

الفريق: تمام يا أفندم، وكرر، تمام يا سيادة العقيد...

العقيد «شمس» بعد نظرة طويلة باردة: تمام يا خوية.. أمال «الأيافة» مش تمام ليه.. أمال لو مكنتش فريق كنت عملت إيه...؟

وخيل إلي أن الفريق قد ارتكب شيئا «إذا» دلت على ذلك العينان الناريتان المصوبتان إلى «الفريق» من العقيد... ولكن «العقيد» سرعان ما وضح نفسه.

العقيد: تبقى فريق يا أخي وتدخل على بالكرفتة مفكوكة.. أمال خليتو إيه للضباط الصغيرين.. وللا للعساكر.

وانهالت كلمات «الفريق» الرومي: أسفا واعتذار, وكأنه قد ارتكبت بالفعل جرما كبيرا وضربت معاه لخمه، يا ترى ينزل أيده اليمين، ويصلح الكرافتة..؟ أو يصلح الكرافتة بأيده الشمال.. ورفع شماله ليصلح الكرافتة.. ويبدو أنها لم تسعفه.. فأعاد اعتذاره وأنزل «اليمين» التي كانت «ترتجف» بالتعظيم لتساعد اليسرى في إصلاح الكرافتة... لكي تتم «القيافة».

وكدت أضحك... بل كدت «أقهقه» رغم معرفتي أن فعلة بلهاء كهذه قد تكون الحياة ثمنا لها... وضاع خاطر الضحك.. أو القهقهة من خاطري عند المشهد التالي من المنظر الكوميدي للفريق «الدجوي» أو الفريق الرومي ..!!

أحكم «الفريق» رباط عنقه... فتمت بذلك «القيافة» المطلوبة للعقيد «شمس» .. ثم أسرع الفريق يرفع يمناه بتصلب مرتعش بالتحية ثانية, وصاح بصوت يصم الآذان:

الفريق: الدجوي: تمام الإيافة يا أفندم.

وأفتر ثغر «العقيد» شمس عن ابتسامة كالثلج أيضا وهمس في كبرياء الملوك.

العقيد «الإمبراطور شمس بدران»: أهو كده دلوقتي فريق بحق وحقيق يا دجوي...

وكانت ابتسامة الإمبراطور «العقيد شمس» قد جعلت الطمأنينة تتسلل إلى نفس «الفريق الرومي» .. فقال: الفريق الدجوي: إن شاء الله نأخذ فريق أول أمتى يا أفندم.

العقيد: «شمس» وبتكشيرة وشخط: أما راجل طماع يا أخي أنت لست «بلغت» رتبة فريق لما تطلب فريق أول اختشي يا راجل يا عجوز....

لما تبقى تعمل «بفريق» نديلك فريق أول...!!

-الفريق «الدجوي» وهو ما يزال في موجة «الانبساط» وكأن التكشيرة والشخطة لم تؤت مفعولها بعد في نفسه:

- ما هو لازم ندلع عليكم يا أفندم... أمال إذا ما أدلعناش عليكم ندلع على مين..؟

- العقيد البارد «شمس» في صرامة وقسوة : تتدلع ... هو العسكرية فيها دلع ..!! انتباه يا راجل عيب على سنك.

ويبدو أن الفريق كان قد نسي نفسه في موجة النشوة وهو يطالب برتبة فريق أول فتهاون في شد قوامه الشد المطلوب.

- الفريق الدجوي «في رعب»: آسف آسف يا أفندم.. ما أقصدش والله.. ما أقصد.

العقيد «شمس» يخرج من درج مكتبه مظروفا أصفر مختوما بالشمع الأحمر ويناوله في خفاء للفريق المرتجف قائلا:

- خذ الأحكام دي نفذها بكرة فورا.. متصدق عليها من الرئيس متفتحش الظرف إلا قدام المحكمة. - الفريق الدجوي «مرتجفا» حاضر يا أفندم.

- العقيد «شمس»: يا الله انصراف... انصراف يا فريق.

وانتهى المنظر الثاني المضحك المبكى في ذات الوقت تحت خيمة سرك العقيد شمس بدران، مدير مكتب المشير عبد الحكيم عامر. أو الصاغ عبد الحكيم عامر.. وكنت أجلس عن يمينه وقد ابتلعني كرس الجلد الوثير، بينما في المواجهة وفي طرف غرفة العقيد الرهيب قليلا اللواء «م.ن» على طرف «اليته» على كرسي الخشب وهو ينظر للعقيد الإمبراطور في رعب ...! وأخذت اختلس النظر إلى «اللواء» المسكين وخيل إلي أنه «مغمي عليه» أو أنه فعل شيئا «طفوليا» على نفسه... !! كان العرق يتصبب منه... ومضت لحظة صمت كأنها دهر.. وأخذ العقيد فيها يعبث بأطراف الأوراق أمامه بشكل ملحوظ.. .. وكأنه يريد أن يقول «اللواء» ...انظر، هذه الأوراق تخصك إنها تقرير عنك.. لكن لا يريد له الراحة..يريد له لحظات الرعب التي يعيشها..وكأنه يريد أن يقتله بالرعب، وانتهت لحظة «الدهر» بهرج ومرج خارج مكتب العقيد «شمس» ودخل من يقول: وصل «المشير»... يقصد الصاغ عبد الحكيم عامر.

وخرج العقيد «الصارم» ليعود قائلا لي: اتفضل سيادة المشير عايزك.

وتركت خيمة سيرك مكتب العقيد شمس بدران ورأسى يغلى بالذي رأيت،.. .ومنظر الفريق «الدجوي» المضحك لا يفارق مخيلتي ...

ولذا لم يكن بغريب أن يهزم جيش يقوده «العقيد شمس بدران ومشيره» «الصاغ» عبد الحكيم عامر على الصورة التي حدثت في الخامس من يونيو 1976، وفي أقل من نصف ساعة كما أقر الرئيس السادات في خطاب أخير له بعد أحداث 18، 19 يناير 1977.

تلك صورة من قريب كما رأيتها لسفاح مصر المبرز والذي أصدرت محكمة جنايات القاهرة الدائرة السادسة يوم 7 إبريل 1977 برئاسة المستشار صلاح عبد المجيد، وعضوية المستشارين على جمال الدين العيسوي، ومحمد صلاح الشريف أمرا بالقبض عليه لكي يحاكم بتهمة تعذيب عدد من الإخوان المسلمين حتى الموت... الوقوف على ساق واحدة..!!

كذلك فقد صدر ضد شمس بدران هذا سبعة قرارات اتهام في قضايا تعذيب مواطنين مصريين آخرين، وكان آخرها هو قرار الاتهام الذي أعلنه المحامي العام هاشم قراعة رئيس مكتب تحقيقات التعذيب يوم 30/ 3/ 1977 في القضية رقم (15) الخاصة بتعذيب (19 موظفا بشركة أسكو) ... حيث كان شمس بدران يأمر بجمع هؤلاء الناس وحملهم على الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها... ويأمر بتعذيبهم بأبشع الوسائل ويهددهم بهتك العرض وبتر الأطراف... وفقا الأعين والقتل ... والوقوف على قدم واحدة عدة ساعات آخر قائمة التعذيب المروعة التي نزلت بكل من أوقعه قدره على هذا الجلاد العريق في الإجرام.

طبيب السجن الحربي يشهد:

العقيد طبيب محمد حامد عبد الهادي حمادة طبيب السجن الحربي يقف أمام محكمة الجنايات ليؤكد ما شهد به أمام وكلاء نيابة مكتب تحقيقات قضايا التعذيب.. فيقول: كنت أعالج المصابين من نزلاء السجن الحربي من إصابات بأجسادهم نتيجة ضرب الكرابيج، أو العصي وقال أنه لا يذكر أسماء من عالجهم لكثرتهم...!! وأنه كان يستدعي لنقل المصابين إلى مستشفى السجن من مكتب شمس بدران شخصيا.. وأن تعليمات شمس بدران المباشرة كانت تمزيق كل أوراق العلاج بعد شفاء المصابين من المعتقلين بالسجن.. وألا يدرج في الدفاتر ما يصرف لهم من دواء...!!

هكذا كانت تجري الأمور في باستيل مصر الحربي.. حيث انتزعت كرامة آلاف المصريين..!! وقتل أي إحساس بالانتماء للإنسان...!


إقرأ أيضاً

كتب متعلقة

ملفات ومقالات متعلقة

.

.