هذا منهج الله .. فهل من مذكر؟

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
هذا منهج الله .. فهل من مذكر؟


من ميراث الأستاذ جمعة أمين عليه رحمة الله


الأستاذ المربي جمعة أمين عبد العزيز

المشهد الذي نعيشه في هذه الأيام لا يحتاج إلى التأكيد على صحة المنهج السلمي الذي نؤمن به لأننا نرى واقعا على الأرض يترجم المعاني والمفاهيم إلى واقع مرئي، فترى رجالا صدقوا ما عاهدوا الله عليه لا يبالون بالأذى الذي يصيبهم بل تهون عليهم الحياة في سبيل العقيدة والمبدأ والسير في اتجاه تحقيق الأهداف المرجوة.

إن الطريق بمعالمه التي تزيد المسلم ثقة في ربه واطمئنانا في نصره الذي وعد (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).

يقول الإمام البنا:

(إن طريقكم هذا مرسومة خطواته موضوعة حدوده ... فلا تيأسوا فليس اليأس من أخلاق المسلمين، وحقائق اليوم أحلام الأمس، وأحلام اليوم حقائق الغد، ولا زال في الوقت متسع، ولا زالت عناصر السلامة قوية عظيمة في نفوس شعوبكم رغم طغيان مظاهر الفساد، والضعيف لا يظل ضعيفا طول حياته، والقوي لا تدوم قوته أبد الآبدين) (وتلك الأيام نداولها بين الناس) (وترجون من الله ما لا يرجون).

إن الدعوة الإسلامية لا تبنيها النصوص والنظم والهياكل فحسب، إنما يرفع قواعدها ويثبت أركانها المؤمنون بها، الداعون إليها، المضحون من أجلها، العاملون لتحقيق أهدافها، ذلك لأن الإسلام منهج حياة متكامل لم يترك أمرا من الأمور إلا ووضع له قواعد لإنزاله على أرض الواقع، فمنهج الله حين يطبق يطمئن النفس ويريح القلب ويثبت الأقدام على الطريق المستقيم؛

لأنه يوضح لك معالم الطريق منذ البداية، ويكشف مكنون النفوس الملتوية، فترى انحرافها وشذوذها منذ اللحظة الأولى التي يشرح الله فيها الصدور، ويبين لنا طبيعة المعركة مع المناهج الفاسدة والمشاريع التي لا هم لها إلا متاع الحياة الدنيا، فأول المعالم قوله سبحانه: (أَرَأَيْتَ الَّذِى يَنْهَى * عَبْدًا إذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إن كَانَ عَلَى الهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إن كَذَّبَ وتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى) (العلق: 9 - 14).

وأنت ترى مصداق ذلك في الذين ينهون عن المعروف ويأمرون بالمنكر ويحبون أن تشيع الفاحشة في المجتمع وهم الغافلون، والغفلة نتائجها وخيمة لا يشك في ذلك عاقل، وبجوار هؤلاء هناك صنف من الناس يناقشك بعقل وروية ولكنه يخشى الملأ من حوله، فيتردد في القبول والاقتناع، والتاريخ مليء بهذا الصنف من أصحاب الأخلاق الإنسانية كالصدق والأمانة ونصرة المظلوم، بل الشهامة والرجولة، وهؤلاء حتى لو اختلفنا معهم في الرأي ولم يتأثروا بما تعرضه عليهم

الامام حسن البنا

إلا أنهم عفيفو اللسان، فهؤلاء صنف نحترمهم، ونبحث عن نقاط الاتفاق التي تجمعنا معهم ولنقول لهم هيا "نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه"، فلا عداء بيننا وبينهم ولكن تعاون وتوافق لتحقيق الأهداف المشتركة بصرف النظر عن اختلاف الدين أو اللون أو الجنس، فعبد الله بن أريقط المشرك هو الذي كان دليلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء هجرته، والمطعم بن عدي وهو أيضا مشرك يومئذ هو الذي دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواره، وما أكثر مثل هذه المواقف، والتاريخ شاهد على ما نقول.

أما الصنف الجاحد الكذوب الذي يختلق المواقف، ويسند لك ما لم تقله، ويفتري على الله الكذب، فهؤلاء لا يجب عليك أن تسيغ السمع لهم، أو أن تضيع وقتك في الرد عليهم، فهم يقصدون شغلك وصرفك عن عظائم الأمور إلى سفسافها (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاَقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ).

فحين يكون الأمر جدا لا هزل فيه، فمن الطبيعي أن تستفيد بوقتك لفعل الخيرات وتضم جهدك إلى جهد أخيك ليعمق الجدار ويكتمل البناء، فلا تضره سهام المناوئين، ولا أفعال المفترين؛ لأنه حصن حصين يحتمي به المؤمنون والذين وعدهم المولى بنصره وتأييد في الدنيا قبل الآخرة: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ)، ولا تبالوا بالذين يرون الحق باطلا والباطل حقا: (فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)، وهذا التصور من صميم منهجنا الذي يجب الالتزام به.

فلا تتعجب مما تسمع أو ترى أو تقرأ، فهذه سُنة الله في خلقه، فلقد سجّل لنا القرآن هذه الحقائق لهؤلاء: (وَإذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِى الأَرْضِ قَالُوا إنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إنَّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ وَلَكِن لا يَشْعُرُونَ) فما بالك بصنف من البشر قال الله فيهم: (ومِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى الحَيَاةِ الدُّنْيَا ويُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِى قَلْبِهِ وهُوَ أَلَدُّ الخِصَامِ * وإذَا تَوَلَّى سَعَى فِى الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا ويُهْلِكَ الحَرْثَ والنَّسْلَ واللَّهُ لا يُحِبُّ الفَسَادَ * وإذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ العِزَّةُ بِالإثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ولَبِئْسَ المِهَادُ * ومِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ واللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) (البقرة: 204 - 207).

والأمل الكبير في أن نقدم النموذج الفَذ الرباني الذي يفتح الله به قلوب العباد قبل البلاد، فتهوى إلينا وإلى نموذجنا البلاد الأخرى التي ترانا نقيم العدل والإحسان، خاصة العالم الغربي الذي يعيش اليوم مرحلة خواء كامل بعد أن فرغته حضارته المادية من الروح، فإذا ما رأوا النموذج العملي لدولة مدنية عصرية تطمئن نفوسهم لهذا المشروع الذي شوهته الآلة الإعلامية عمدا، فيرون كذبها ويقولون صدق الله، فيؤمنون ويعملون، والله نسأل أن يكون ذلك قريبا.

إن المعاناة التي يعاني منها أصحاب المبادئ والقيم وهم يعلمون سنن الله في كونه التي لا تتبدل ولا تتغير وهي أن الأيام دول فيوم لنا ويوم علينا ويوم نُساء ويوم نُسر، فدوام الحال من المحال، فلا القوي يبقى قويا مدى الأيام ولا الضعيف يبقى ضعيفا مهما تقلب الليل والنهار، ولكن مع الإيمان بهذه السنن إلا أن العاقبة للمتقين، ومهما أصاب المسلمين من بلاء وشدة فإن النصر حليفهم وهذا وعد الله ولن يخلف الله وعده.

إن هذه المعاناة جزء من المنهج التربوي واللازمة التي تكررت على طريق النبوات والدعوات على امتداد التاريخ والتي تبدأ بتحمل الإيذاء سخرية واستهزاءً وتعذيبا وتنكيلا، وافتراءات كاذبة وادعاءات لا أخلاقية حتى تصل إلى إخراجهم من أوطانهم كما يحدث اليوم في سائر بلاد المسلمين.

هذا هو المنهج الحق لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .. إنه بناء الرجال والنساء بهذه التربية صبرا ومثابرة وثقة في نصر الله وهو مستمد من العقيدة الواقعية التي تعتبر من حاجات الإنسان، وهي وطنه، وهي مطالبه، وهي آماله وأشواقه، إنها مطابقة له تماما متناسقه معه دائما يجد فيها أنس روحه وتحقيق طموحه، وسعادة قلبه، ونظام عبادته ومعاملاته، وقوانين مجتمعه، حتى تصبح صلاته ونسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين.