هانئ رسلان: التدخل العسكري في السودان مستبعد

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
هانئ رسلان: التدخل العسكري في السودان مستبعد

[11-08-2004]

حاوره: ياسر هادي

مقدمة

أكد هانئ رسلان- الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية- أن القرار الذي أصدره مجلس الأمن مؤخرًا بشأن السودان سبَّب صدمةً للحكومة السودانية التي وجدت نفسها مُضطَّرةً لنزع فتيل الأزمة في دارفور خلال30 يومًا.

وأضاف أن التدخل العسكري مستبعَد لأن أمريكا ستُواجِه صعوباتٍ كبيرةً إذا أقدمت على دخول السودان، مشيرًا إلى ضعف الدور المصري والعربي تجاه الأزمة؛ حيث كان يجب أن يبدأ مبكرًا، وقال في حواره لموقع (إخوان اون لاين) إن الحركة الشعبية لتحرير السودان لها دورٌ بارزٌ في إشعال أزمة دارفور، فضلاً عن الدور الذي لعبته الانتخابات الأمريكية في دعم إصرار أمريكا على إصدار قرار ضد السودان... فإلى تفاصيل الحوار


نص الحوار

  • كيف ترى قرار مجلس الأمن الأخير بشأن إمهال السودان لمدة شهر، لفرض السيطرة على المتمردين في دارفور؟
    • أهم ما في القرار أنه يضع السودان تحت الرقابة الدولية؛ حيث يقضي بأن يقدم (كوفي عنان) تقريرًا عن التقدم الذي أحرزته الحكومة في الأوضاع كل30 يومًا؛ مما يعني أن الحكومة السودانية ستكون تحت الضغط المستمر، والتهديد بفرض العقوبات، كما أن مقدمة القرار تؤكد أن ما يجري في دارفور يهدد السلام والأمن الدوليين، وبالتالي تقع السودان تحت بنود الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة؛
وهذا يعني إمكانية اتخاذ إجراءات بالتدخل العسكري فيما بعد، رغم أن متن القرار يربط كلمة التدابير التي سيتم اتخاذها ضد السودان بالمادة (41) من الميثاق التي تفرض عقوبات عسكرية، ونخلص من ذلك إلى أن كل أنواع العقوبات واردةٌ طبقًا للقرار، وطبقًا لتصريحات كولن باول التي أطلقها عبر تصويت مجلس الأمن.
  • وهل لذلك التعجل الأمريكي في إصدار القرار علاقة باقتراب موعد الانتخابات الأمريكية؟
    • بالطبع؛ فإن اقتراب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية له دور كبير في التعجيل بإصدار مثل هذا القرار؛ حيث يريد الحزب الديمقراطي والجماعات المرتبطة به حرمان إدارة بوش من استثمار ما تعتبره هذه الإدارة إنجازًا لها في تحقيق السلام في جنوب السودان، فتمَّ تصعيد أزمة دارفور بشكل هائل، حتى خطفت الأضواء من مشكلة الجنوب التي نسيها الجميع الآن؛ وذلك استنادًا إلى قاعدة ارتباط الديمقراطيين بالأقليات بشكل عام وبجماعة السود الأمريكيين التي تتعاطف تلقائيًّا مع قضايا السود بإفريقيا، وردًّا على ذلك قامت إدارة بوش بتصعيد موقفها بشكل حادٍّ لحرمان الديمقراطيين من استغلال الأزمة في دارفور لصالحهم انتخابيًّا.


التدخل الأمريكي في دارفور حقوق إنسان أم أهداف غير معلنة؟!!

  • ألا يُعتبر الاهتمام الأمريكي بدارفور تعبيرًا عن رغبة في فرض أجندة معينة على الحكومة السودانية؟
    • نعم؛ فالتصعيد الأمريكي هدفه الضغط على نظام الإنقاذ، وإجباره على التخلي عن كل شعاراته السابقة، بالإضافة إلى أن واشنطن تريد من خلال التصعيد إجبار الحكومة السودانية على قبول حل سياسي لأزمة دارفور، فيتجه نحو وضع كونفيدرالي مشابه لما حصل عليه الجنوب، وبذلك تبدأ عملية تجزئة شمال السودان بعد أن أصبحت علاقته بالجنوب واهيةً وهشَّةً للغاية.. الأمر الذي سوف ينتج عنه في النهاية منحُ وضعٍ مماثل لشرق السودان ربما في وقت لاحق بمنطقة شمال السودان، وبذلك يصبح الشمال 5 كيانات لا تربطها إلا علاقات متوترة.

ويتم الحفاظ على وحدة السودان في إطار شكلي يمنح للإدارة الأمريكية القدرة على إدارته من الخارج بسهولة تامة، وربما من خلال أحد الموظفين التابعين للخارجية الأمريكية؛ مما يؤدي في النهاية إلى تغليب الوجه الإفريقي للسودان على الوجه العربي، مع ربطه بمنطقة القرن الإفريقي وشرق إفريقيا، وإتاحة استغلاله اقتصاديًّا من جانب الشركات والمصالح الأمريكية، مع تطويق مصر من الجنوب، وبناء مناطق نفوذ لأمريكا على حساب النفوذ الفرنسي الذي تتمتع به عن طريق الحزام الفرانكفوني.


التدخل الأمريكي إنسانية أم تنصير؟!

التدخل الأمريكي إنسانية أم تنصير؟!
  • ولكن أمريكا ترفع شعار الإنسانية في توضيح أهدافها من التدخل في الشأن السوداني؟
    • بالتأكيد هذه دعاوى باطلة لا يصدقها أحد، والدليل أن إفريقيا توجد بها 13 حربًا أهلية لم تحظَ بأي نسبة من هذا الاهتمام، كما أن هناك غيابًا كاملاً للدولة في الصومال منذ سنوات طويلة، ولم تتحرك أمريكا في مواجهة الحروب الأهلية الشرسة في كل من الكونغو وليبريا، فضلاً عن الإبادة اليومية التي تحدث في فلسطين، والمآسي الإنسانية التي تسبب فيها الاحتلال الأمريكي للعراق، فتصديق دعاوى التدخل تحت شعار الإنسانية يُعتبر من باب السذاجة السياسية؛ لأن التصرفات الواقعية تكذِّب ذلك، وتوضح يقينًا أن أمريكا لا تهتم إلا بمصالحها أو مصالح إسرائيل (الكيان الصهيوني).
  • وهل تتوقع أن يتم تصعيد الأحداث في دارفور حتى يحدث تدخل عسكري دولي؟
    • لن تصل الأمور إلى درجة التدخل العسكري؛ حيث سيتم استثمار الضغوط الهائلة على السودان لإجبارها على قبول الحلول التي تمليها أمريكا، وإذا تم تحصيل ذلك من خلال الضغط السياسي فلن يكون هناك داعٍ للحل العسكري، خاصةً أن دارفور منطقة شاسعة تزيد مساحتها عن نصف مليون كيلو متر وحدودها مفتوحة، وإنزال قوات عسكرية فيها سيواجه صعوبات لعدة أسباب، أهمها أن السيطرة على المنطقة تحتاج إلى أعداد كبيرة من القوات، كما أن الحفاظ على تلك القوات في حالة فعالية قتالية سيكون صعبًا للغاية؛ لأنه يحتاج إمدادًا لوجستيًّا بالذخائر والتموين، واستبدال البنود، في الوقت التي لا توجد لأمريكا قواعد عسكرية قريبة لتوفير هذا الإمداد.

أضف إلى ذلك أن أمريكا إذا فكرت في التدخل عسكريًّا في دارفور ستواجَه بحرب عصابات واسعة النطاق، قد تجتذب أعدادًا كبيرةً من المقاتلين، كما أن الفلتان الأمني سيكون واسع النطاق؛ حيث إن مواجهة الجنجويد ستكون صعبةً؛ لأنهم جزءٌ من النسيج الاجتماعي الذي لا يمكن الوصول إليه.. الأمر الذي ستكتشف معه أمريكا أنها تطارد شبحًا ويتكرر ما يحدث حاليًا مع "أبو مصعب الزرقاوي" في العراق.

  • وما البديل للحل العسكري من جانب أمريكا؟
    • إذا لم يحدث التدخل العسكري فسيكون الوصول لحل سياسي هو السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة، ويفترض أن يتم ذلك عبر مفاوضات طويلة ستكون شبيهةً بالمفاوضات مع الجنوب، وخلال تلك المفاوضات سيتم إجبار الحكومة السودانية على قبول حلول سياسية لا ترضاها في الأوقات العادية، وسيكون ذلك في مصلحة المتمردين.
  • وما أهم مطالب هؤلاء المتمردين؟
    • يسعى المتمردون للحصول على عدد من المواقع السيادية داخل الحكومة، وإخلاء الإقليم من القوات الحكومية، والاحتفاظ بقوات خاصةٍ للحركتين اللتين تقودان التمرد بمعزل عن الحكومة، والحصول على نسبة من البترول.. باختصار السيطرة الاقتصادية والسياسية على الإقليم.


العقوبات ستجبر الحكومة السودانية على الاستجابة للمتمردين

  • وهل ستوافق الحكومة على هذه المطالب؟
    • رغم أن المتمردين رفعوا سقف مطالبهم إلا أن الحكومة تدرك أنها مستهدفة، وهي تحت سيف العقوبات، ستكون مضطَّرةً لقبول تلك المطالب، وعلى جانب آخر ليس من مصلحة أمريكا استبعاد تلك الحكومة؛ لأنها هي التي وقَّعت اتفاقيات الجنوب، وهي الوحيدة التي تستطيع تطبيقها.
  • ولماذا لم يَقُم الاتحاد الإفريقي بدور فاعل في حل أزمة دارفور؟
    • لم يُمنح الاتحاد الإفريقي الوقت الكافي لبذل الجهود الممكنة، فضلاً عن أن مسلَّحي دارفور لا يرحِّبون بقوة المراقبة الإفريقية، بل ذكروا أنهم يريدون رقابةً دوليةً من أمريكا وغرب أوروبا، باعتبارها الرقابة الناجعة من وجهة نظرهم، ورغم أن قرار مجلس الأمن يشير إلى أن الاتحاد الإفريقي يجب أن يلعب دورًا قياديًّا إلا أن هذا الدور سيبقى شكليًّا تحت سيطرة أمريكا بتنفيذ إرادتهم.
  • وهل أرضى القرارُ المتمردين؟
    • هؤلاء المسلحون كانوا يتوقعون صدور قرار أكثر قوةً؛ حيث لم يستخدم القرار تعبير الإبادة الجماعية، إلا أنه أشار إلى الجنجويد بالاسم في حين لم يُشِر إلى الميليشيات الأخرى إلا في إطار صياغة عامة، كما أنهم كانوا يأملون في فرض عقوبات مباشرة على الحكومة، والآن هم يقومون بفتح جبهة أخرى في شرق السودان بعد أن وقَّعوا اتفاقًا مع جبهتَي (الأسود الحرة، ومؤتمر البجا) برعاية إريتريا؛ وذلك بهدف فتح جبهة جديدة لتشتيت الجهد العسكري والإغاثي للحكومة السودانية، في محاولة لتعويقها عن الوفاء بالمتطلبات الدولية التي التزمت بها طبقًا للاتفاق مع كوفي عنان وقرار مجلس الأمن.
  • وبماذا تفسر الارتباك الذي استقبلت به الحكومةُ السودانيةُ قرارَ مجلس الأمن؟
    • بالطبع مثل هذا القرار صدمة للحكومة السودانية، أدت إلى حالة من الارتباك في مواقفها؛ حيث رفضت القرار في البداية ثم عادت لقبوله مع التحفُّظ على الفترة الزمنية، وبدأت الحكومة حملةً دبلوماسيةً تحاول أن تروِّج له لتفادي العقوبات؛ وحتى تستطيع أن تحصل على تقرير يفيد أنها تبذل جهودًا قدر طاقاتها حتى ولو لم تكن كافية.
  • وهل هناك دور لمتمردي الجنوب في دعم الأزمة في دارفور؟
    • الأجندة السياسية لمسلَّحي دارفور هي نفس أجندة متمردي الجنوب، و"جارنج" سبق له أن ساهم في التحريض لافتعال هذه الأزمة؛ حيث كان اشتعال الوضع في دارفور يمثل هدفًا إستراتيجيًّا له لتوسيع مسرح العمليات؛ بهدف تشتيت القوات الحكومية، والآن بعد أن تم توقيع اتفاق السلام في الجنوب فإن دارفور تمثل جزءًا من أهدافه لجمع تحالف سياسي يقوم على خطاب (وحدة المهمَّشين).


الدور المصري والعربي في السودان جاء متأخرًا

  • وكيف ترى الدور المصري تجاه أزمة دارفور؟
    • أعتقد أن الدور المصري يُؤدَّى بشكل معقول طبقًا لما هو متاح لمصر من إمكانات؛ حيث بدأ التحرك على المستوى الإغاثي والدبلوماسي، وهذا اهتمام جيد ولكنه متأخِّرٌ، وما زال محدودًا؛ حيث كان يقتضي التواجد العربي والمصري المبكِّر في دارفور درءًا للمخاطر التي بدأت تُهدد بها هذه الأزمة؛ مما يروِّج له الإعلام الغربي من حيث الانقسامات الإثنية بين العرب والأفارقة، وبين الإسلام العربي وبين الإسلام الأسود.
  • هناك بعض الأصوات التي تطالب بضرورة إرسال قوات مصرية لحفظ السلام في دارفور.. فما تعليقك؟
    • ليس من مصلحة مصر إرسال قوات منفردة؛ لأن التدخل المصري المنفرد قد يُفهم على خلفية تاريخية بشكل ليس في صالح مصر أو قضية دارفور، ولكن يجب أن يكون ذلك بالمشاركة مع القوة الإفريقية؛ حيث يجب أن تساهِم مصر في تشكيل فريق المراقبين والقوة التي تم إقرارها لحمايتهم.

المصدر