نداء.. ورجاء
08-06-2009
بقلم: فضيلة الشيخ محمد عبد الله الخطيب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. وبعد؛
ففي الوقت الذي ضُربت فيه غزة الباسلة المؤمنة من عصابات اليهود، ثم تحوَّل العدوان إلى المقدس وبيت المقدس والقدس بإكمال المخطط المرسوم عندهم لتدمير الأماكن المقدسة في هذا الوقت كان المفروض والحتم أن يتلاقى الجميع في داخل فلسطين، وأن ينسوا ما بينهم من صراعات وخلافات، وأن يجتمعوا على صدِّ العدو والوقوف في وجهه؛ لكن الذي فوجئنا به هو قيام فصيل بالهجوم على الفصيل المرابط في الدفاع عن أمنه؛ وهو المقاومة؛ بدعوى الشرعية، ومحاولة العدوان على الذين رهنوا أنفسهم وأموالهم وأولادهم وحياتهم كلها بالذود عن الوطن ولمواجهة العدو المحتل الغاشم الذي لا ترده إلا القوة.
وكان الواجب أيضًا أن تتحد بين الجميع الغاية والهدف، وهذا ما يقول به المنطق والعقل والمصلحة العليا للوطن المهدد، والمطلوب في مثل هذه الظروف أن يتحرك من هنا ومن هناك العقلاء من الطرفين؛ لتقريب وجهات النظر ولإيقاف هذه المجازر والدماء التي تسيل بغير هدف ولا غاية؛ بل تعمق الخلاف وتزيد في اتساع الهوة بين أبناء الأمة الواحدة، وهذا كله ينصبُّ في مصلحة الصهيونية الباغية.
كان المنظور أيضًا من رجالات العالم الإسلامي أن يسارعوا بالتدخل لتقديم النصح حرصًا على هذه الأمة التي تتمزق جهارًا نهارًا أمام الجميع؛ لكن للآن لم يحدث تقارب لا من الداخل، ولم يحدث محاولات بالقدر الكافي من الخارج لدفع الفتنة، ورأب الصدع، والتذكير بالمصير الرهيب الذي ينتظر الجميع.
وفي هذا الوقت بالذات ظهر على قناة (الأقصى) أحد المتحدثين يدعو إلى تكفير البعض وإخراجه من الإسلام، وهذه الدعوة لا مجالَ لها الآن ولا مكانَ لها؛ بل المجال الحقيقي الدعوة إلى التعايش والتفاهم والتقارب واليقظة وإقامة الجسور بين جميع المسلمين ومقاطعة اليهود الصهاينة، والبعد عن فتنتهم، وإجرامهم، وتلاقي جميع المسلمين في فلسطين على كلمةٍ سواء.
إن وحدة الأمة مهما كانت الجراح ومهما كانت المآسي.. حتى إذا بلغت القلوب الحناجر لا ينبغى أبدًا أن تهمل، فهى فريضة على الجانبين لا أن يُلقَى الزيت على النار ليتم ما يريده الأعداء وما يدبرونه.
خطورة التكفير
الاحتياط في هذا الأمر والبعد عنه هو رأي جميع العلماء والفقهاء. يقول الشيخ القرضاوي في بيان خطورة هذا الأمر:
1- أنه لا يحل لزوجته البقاء معه، ويجب أن يُفرَّق بينها وبينه.
2- أن أولاده لا يجوز أن يبقوا تحت سلطانه؛ لأنه لا يؤتمَن عليهم، ويُخشَى أن يؤثر عليهم بكفره.
3- أنه فَقَدَ حق الولاية والنصرة على المجتمع الإسلامي بعد أن مرق منه وخرج عليه بالكفر الصريح بمثل هذه الفتوى.
4- أنه إذا مات لا تُجرى عليه أحكام المسلمين.
وهذه الأحكام الخطيرة التي تجري على الألسنة في بعض الأحيان يجب البعد عنها، ويجب عدم الانشغال بها؛ خاصةً إذا كانت سترضي العدو وتفرق الصفوف، وتزيد الهوة، وتمزق الوحدة.
ولا ننكر أن ما يجري على الأرض المباركة؛ فلسطين الحبيبة، وعلى بيت المقدس، وعلى المقدسات شيء من وراء العقول، وسكوت المسلمين على هذا الأمر، وقعود حكامهم عن الدفاع عن هذه البقعة الطاهرة من أشد الأشياء وأفظعها، ولقد بلغت القلوب الحناجر وزُلزل المسلمون زلزالاً شديدًا وهم يرون بأعينهم ما ينزل بأغلى بقعة عندهم وأعز مكان لديهم بعد مكة والمدينة؛ لكن السيطرة على المشاعر مطلوبة دائمًا.
ولا يظن أحد أن مَن يسيء إلى هذه المقدسات أو يسيء إلى الذين وهبوا أنفسهم وما يملكون لنصرتها سيفلتون من عقاب الله، وأن دماء الشهداء هي التي تنزلق فيها أقدام الظالمين فتهوي بهم إلى القاع.
وقديمًا وقف مؤمن آل ياسين يدعو قومه إلى الله ويذكرهم بطاعته قائلاً: ﴿إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ﴾ (يس: من الآية 25)، وعندها انتهت حياته على أيديهم وبرز في البرزخ وهو يقول: ﴿قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)﴾ (يس)، وفي لحظةٍ طاف طائف على هؤلاء الذين قتلوا مؤمنًا واحدًا يدعوهم إلى الله، فأبادهم الله جميعًا في لحظة، قال تعالى فيهم: ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28) إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29) يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30)﴾ (يس).
والله عز وجل ينتقم لأوليائه فكل قطرة دم سقطت من شهيدٍ على أرض فلسطين سينتقم الله لها أشد انتقام، كما انتقم لمؤمن آل ياسين، إن الحق تبارك وتعالى يقول: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148)﴾ (آل عمران).
أيها الأبرار قفوا جميعًا أمام الله وعلى بابه، واطرقوه بإخلاص وجد وصدق؛ فإن الحق تبارك وتعالى لا يرد سائلاً والنصر من عند الله، والفرج من عند الله ﴿قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ﴾ (النساء: من الآية 78)،
والله أكبر ولله الحمد.