ناصر الحزيمي - أيام مع حهيمان كنت مع الجماعة السلفية المحتسبة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
ناصر الحزيمي
أيام مع جهيمان

كنت مع"الجماعة السلفية المحتسبة

عبد العزيز الخضر

مقدمة

ذكرى حادثة الحرم قسمت التاريخ في ذاكرة السعوديين إلى ما قبل وما بعد (1/ 1/ 1400هـ)فاختلفت رؤية كل قضية في المجتمع بعد هذا التاريخ الذي تحوّل معه السياق الاجتماعي كليا وأحدث انقلابا في المفاهيم والتصورات ما زالت آثاره باقية بعد أكثر من ثلاثة عقود .

لقد كانت الصدمة التي استقبلها المجتمع تفوق قدراته ووعيه وهو في خطواته الأولي في التنمية نحو الحداثة لتشكيل المملكة العربية السعودية الجديدة كدولة عصرية بعد الثورة النفطية وتحول هذا الحدث أحيانا إلى كابوس غامض في ذهن بعض النخب الاجتماعية والسياسية أثر في حركة التاريخ المحلي في ما بعد .

خلال أحداث الحرم المكي قرأنا حجم الصدمة في عيون كبار السن وارتباك الإعلام ومذيع نشرة الأخبار وتأملنا قلق المجتمع في وجوه الآباء والأمهات والمعلّمين وهم لا يستطيعون التفاعل مع أسئلة الأطفال البريئة في تلك الأيام قبل أن تكبر معهم أسئلتهم.

أحسّ الجميع بقلق من نوع آخر عند الكبار والصغار على المقدسّات : الكعبة قبلة المسلمين والحرم المكي ومشاعر الخوف على الاستقرار وأمن الوطن والمستقبل المجتمع في بدايات تذوقه نعمة التمدّن وارتفاع مستوى المعيشة .

ترقّب العالم كله بقلق أحداث الأيام الأولي من القرن الهجري الجديد قبل أن تنكشف الأمور وتعود الحياة إلى طبيعتها سريعا كثير من وسائل الإعلام العالمية تخبطت في نقل الأخبار وظهرت الكثير من التحليلات في المحيط العربي بعيدة عن تصور طبيعة ما حدث .

فتضخمت بعض الأوهام والمغالطات التي كشفت ضحالة الخطاب الثوري العربي السائد حينها ووعيه المحكوم بالأمنيات ضد ما يسمّيه بالدول الرجعية أكثر من التعامل بعقلانية مع حقائق الواقع .

كان الحدث – بعيدا عن القراءات السياسية – يمثل صدمة نفسية للإنسان المسلم في أى مكان عندما تمسّ قدسية أطهر بقعة في وجدانه باستعمال مبادئ وشعارات إسلامية ! فالحدث لم يدخل التاريخ فقط وإنما استقر بخصوصيته وغرابته في مخيّلة الكثير من أبناء الجيل الذي عاصر الحدث صغيرا أو كبيرا وظلّت هالة الغموض والأسئلة المعلّقة أكبر من الصدمة ذاتها !

منذ ذلك الوقت توالت خارج حدود المملكة مقالات وكتابات ودراسات تناولت هذا الحدث بناء على رؤى وأدبيات سادت حول الحركات الإسلامية في العالم العربي لم تجب هذه الكتابات عن كثير من الأسئلة حول الحدث .

وفشلت في تفسير خصوصيته في بعض الأوجه مقارنة بسياق تطور فكر الحركات الإسلامية المعاصرة ومشروعاتها السياسية ومن لديه اطلاع على هذه الكتابات سيجد أن أهم عوامل إخفاقها في إدراك خصوصية وغرابة الحادثة هو غياب بعض التفاصيل حول جوانب إنسانية وخصائص شخصية لدى بعض الذين قادوا هذه العملية فقدمت قراءات لا تخلوا من تناقضات واستنتاجات سياسية واجتماعية غير دقيقة عن السعودية .

كان الصمت أحد أفضل الخيارات المعقولة حينها لامتصاص هذه الصدمة وترميم مشاعر المجتمع بأسرع وقت وإغلاق ملف الحدث كمحاولة لتقليل الأضرار بأقل قدر ممكن لكن ذاكرة الكثير من أبناء ذلك الجيل احتفظت بمشاهد الألم وأسئلة ما بعد الصدمة : ماذا حدث وكيف ولماذا ؟

بعد أكثر من عقدين عادت الإشارة إلى هذه الحادثة محليا بين فترة وأخرى في كتابات ما بعد أيلول / سبتمبر في الخطاب الإعلامي والصحفي لكن الخطاب الثقافي السعودي يعاني فراغات مبكرة في الوعي بالظاهرة الإسلامية وتطورها الفكرى .

أيام مع جهيمان يأتي هذا الكتاب للأستاذ ناصر الحزيمي ليحدث نقلة في الوعي بحقيقة ما حدث ويقدم مشاهدات حية عن سيرة وتطورات هذا الفكر في السبعينيات ليس بوصفه ناقلا من مصدر ما وإنما بوصفه .

معايشا لهذه التطورات وإلى أين انتهت لقد تمكن بأسلوب جذاب ولغة سهلة وغير متكلفة من كشف الكثير من الملامح الداخلية للجماعة السلفية المحتسبة وتحولاتها منذ بداياتها في منتصف الستينيات تبدو قيمة هذا الكتاب في أنه كشف جوانب وطبائع شخصية عند جهيمان وجماعته .

حيث تمكّن من تقريب سلوكيات وتفكير ومهارات هذه الشخصية للقارئ كما عايشها لتجيب على تساؤلات كثيرة وتزيل حالة من الغموض استمرت طويلا حول الحدث وشخصياته وقد جاءت سطور الكتاب بأسلوب يخلو من التعسّف بالألفاظ والتهويل بالتحليلات فنقل القارئ إلى سيرة ووقائع الأحداث بتسلسل زمني من خلال المعايشة الشخصية .

يأتي هذا الكتاب كخطوة ريادية في تقديم مذكرات شخصية حول أحداث مهمة في مجتمعنا السعودي وكوثيقة تاريخية تفوق أهمية دراسات وكتب ومقالات لأنها جعلت القارئ أمام المادة الخام لقصة ما حدث وبعض التفاصيل التي يصعب على أىّ باحث استنتاجها من دون معايشة .

إن وجود بعض الإشكاليات المتداخلة في طبيعة الحدث تربك الوعي بتفسيره وتزيد من صعوبة فهمه عند الكثيرين حتى وفرت الجهات الرسمية المعلومات الحقيقية أمام المجتمع .

يبدو كتاب أيام من جهيمان كفيلم وثائقي قادر على ملء الفراغات حول بعض الإشكاليات والأسئلة التي ظلت عالقة فسهولة العرض والسرد المباشر أدي إلى تماسك الحكاية في كثير من تفاصيلها فمن لديه قراءات مسبقة وخلفية تاريخية جيدة عن الحادثة سيدرك قيمة وصدقيه ما يقدمه هذا الكتاب .

عرض الكتاب مشاهد ثمينة حول مظاهر وملامح بدايات الصحوة الإسلامية في الخليج والسعودية . ومن خلال التحاقه بحلق العلم الشرعي في الحرم المكي ومدن أخرى قدم للباحثين إشارات مهمة عن لقاءات بعض الشخصيات من الجماعات الإسلامية والمذاهب الأخرى مع الفكر السلفي المحلي في السعودية

وقد جاءت وفق سياقات معقولة من دون تهويلات ومبالغات لقد وردت أسماء شخصيات مهمة في الحركات الإسلامية والفكر السلفي المعاصر ووصفت بعض البدايات في مسيرة الصحوة التسجيلات الإسلامية وتاريخ بداياتها وبعض الكتب المتداولة وأنواع النشاط الدعوى والاهتمامات العلمية وبعض الانقسامات التي حدثت بين تيارات إسلامية وسلفية وأسبابها .

بيئة الحرم المكي وطبيعة الدروس المتوافرة حينها والأنظمة التي تحكمها ونوعية الرقابة وبروز دور لبعض الشخصيات غير المشهورة الآن في محيط الإسلاميين وعرض لبعض الفروقات في أسلوب المعيشة بين جماعة وأخرى أو الجماعة نفسها عندما يتغير المكان كالسلفية في الكويت والسعودية وإشارات لبعض المشكلات الفقهية التي واجهها الفكر السلفي التقليدي حول بعض المستجدات .

تمكن المؤلف من وصف الظروف الحياتية التي مرّ بها شخصيا وسيرة جهيمان وتطوراته الشخصية ومستواه العلمي ووعيه الشرعي والموقف النفسي حول بعض القضايا والقيم الاجتماعية ودور المكان والبيئة في بناء شخصيته وهو وصف معتدل يعالج الكثير من التناقضات التي وقع بها بعض الباحثين في تناول رسائله الحقيقية أو المنسوبة إليه ومشروعه ودوره الحقيقي ورؤية الحاكمية في فكر جهيمان .

من أهم الإشكاليات التي يعالجها الكتاب والتي كان لها دور كبير في ظهور تصورات شرعية خاطئة عند جهيمان وجماعته : قضية الرؤى والأحلام وحضورها لديهم وكيف أدّت إلى انحراف التطبيق وتصديق فكرة ظهور المهدي وطلب مبايعته وفي الملحق تضمّن الكتاب حوارات صحفية مميزة تعرض الكثير من التساؤلات التي ستفيد الباحثين في تطورات الفكر في عالمنا العربي .

كتب المذكرات والسير الحقيقية لشخصيات معروفة في أى مجال لها نكهة خاصة وقيمة علمية وتاريخية تفوق أحيانا في أهميتها الكثير من الأبحاث والدراسات الأكاديمية في صناعة الوعي والاستفادة من دروس الماضي مجتمعنا السعودي لم يترسخ فيه بعد هذا النمط من التأليف والكتابة لهذا تبدو الكاتب ناصر الحزيمي ذات قيمة ريادية في خلق مثل هذه الثقافة محليا وهو يقدم لنا كتابه النادر في مجاله أيام مع جهيمان .

بدايات4/9/2010م

لعل من المهم قبل أن أبدأ حديثي عن تجربتي في الانضمام إلى "الجماعة السلفية المحتسبة" وعلاقتي بحركي ومنظر هذه الجماعة جهيمان بن محمد بن سيف الضان العتيبي أن أقدم إلماحة سريعة أو مقدّمة تمهيدية لهذه العلاقة .

تعرّفت إلى الجماعات الإسلامية عن قرب سنة 1974 تقريبا في الزبير لا كمنتم إليها وإنما كمتدين على يدها وأنا أعتقد أن تلك الفترة هي البداية الحقيقية للصحوة ولموجة التدين السياسي التي عمّت جميع أنحاء الشرق الإسلامي مع بدايات انحسار القوى التقدمية (اليسار عموما).

وانحسار المدّ القومي كجاذب براق للجماهير أما الخطاب العلماني أو الليبرالي فلم يكن بالخطاب المنافس على المستوى التنظيمي أو الجماهيري فأسعار البترول طفرت إلى أرقام خيالية بعد حرب تشرين الأول / أكتوبر 1973 وبالتالي طفر معها الخطاب اليميني بشكل عام .

وبرز التمويل الداعم لكل ما هو ضد الكتلة الشيوعية أو القومية العربية التي تبنت غالبا الخط الاشتراكي وساد الصمت الرسمي حيال ممارسات الجماعات الدينية المسيسة وإن كانت خارجة عن المألوف ووجدت في أجواء الحرب الباردة خير معين على إعادة أجواء خطاب الإسلام السياسي وكانت الموضة المنتشرة في تلك الأيام أشرطة الشيخ عبد الحميد كشك فعرفت منها ما أصاب الإخوان المسلمين في مصر من معاناة في الحقبة الناصرية .

كما تشكلت عندي اقتناع بأن الإسلام له أعداء كثر يريدون به شرّا وعلى رأسهم من يدّعون الإسلام ولا يعملون به ولا يحكمونه في شؤونهم العامة ولا الخاصة فتعرفت إلى كتاب معالم في الطريق لسيد قطب ولم أحبه لعدم فهمي له وقتها وفقه السنة لسيد سابق قسم العبادات ثم تعرّفت إلى صفة صلاة النبي لمحمد ناصر الدين الألباني وقيل لى وقتها إنه سلفيّ يلتزم بصحّة الحديث ولأنني لم أكن أسالأ عن شئ حتى لا أوصم بالجهل لم أفهم من قولهم : "سلفي" إلا بشكل سطحي .

ذهبت إلى الكويت سنة 1976 م وهناك تعرفت إلى الجماعة السلفية ورموزها مثل عبد الله السبت وعبد الرحمن عبد الخالق وعبد الرحمن عبد الصمد وكنت أذهب إلى مخيّمهم بشكل دائم وأحضر ديوانياتهم ففهمت السلفية من خلال السماع غالبا فرفضت التمذهب ونفرت من المذاهب الأربعة ومن أقوال العلماء وفقههم بمباركة غير معلنة من هذه الجماعة كما فهمت معني التوحيد عند هذه الجماعة وتبنيت مواقف هذه الجماعة من الجماعات الأخرى .

مثل الإخوان المسلمين وجماعة التبليغ وهما أكبر الجماعات الموجودة في الكويت من غير التيار السلفي كما سمعت بوجود حزب التحرير الإسلامي إلا أنني لم ألتق بأحد منهم والحقيقة أنني قد سمعت مبكرا في الزبير عن جماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير أن الجماعة السلفية في الكويت في ذلك الزمن كانت كتلة واحدة لم تتعرّض بعد للإنشقاقات .

كانت فتية وكان أبناؤها يتحسسون من السياسة عموما وقد لا أكون مبالغا إذا قلت إن عموم عناصرهم لا يملكون الوعي السياسي ما عدا الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق وبشكل نسبي ومن خلال العقلية السلفية هذه المسألة – أعني السياسية – سيكون لها دور في انشقاق ستمر به الجماعة في وقت لاحق سيقسمها إلى قسمين : (سرورية وجامية).

وتعرّفت في الكويت إلى شخص سيكون له دور في تأسيس الجماعة السلفية في الرياض أعني محمد الحيدري واتفقت معه على اللقاء في الرياض وفعلا ذهبت إلى الرياض بعد ستة شهور من مكوثي في الكويت وسكنت في عزبة يقيم فيها مجموعة من معارفي و(بلدياتي)في الزبير وهو بيت مبني من الطين والحجر صغير جدا عند دوّار أم سليم أما نحن ففينا من يعمل وفينا من يدرس في معهد إعداد المعلمين كان عددنا سبعة موزّعين على ثلاث غرف أبعاد كل منها 2×3 أمتار واحدة منها فوق السطح .

وعملت في الرياض بمجرّد وصولي إليها في محل لبيع خامات التمديدات الكهربائية براتب قدره ريال وكنت أقرأ كثيرا في كتب السنة : وقرأت في مصطلح الحديث واقتنيت بعض الكتب لمحمد ناصر الدين الألباني خصوصا وقرأت كتاب التوحيد لمحمد بن عبد الوهاب .

واحتككت ببعض الشباب الذين عرفت فيما بعد أنهم من الإخوان المسلمين كان الإخوان المسلمون في الرياض موزّعين على فئتين : فئة رئيسة معترف بها من قبل التنظيم الدول للإخوان المسلمين تتميّز بالتنظيم والمشروع الرؤيوى والتركيز أكثر على كتابات سيد قطب ولا يرى أتباعها البيعة لولّي الأمر ويطلق عليها البعض : الإخوان المسلمون – الجناح القطبي أو"القطبيّون"والفئة الثانية"جماعة دار العلم".

وهم مجموعة من الإخوان المسلمين محدودي التنظيم والعدد يتبنّون كتابات حسن البنا غالبا ويرون البيعة لولي الأمر وكان يطلق عليهم :"البناّويون"نسبة إلى حسن البنا كما كان هناك نشاط ملموس لجماعة التبليغ ويتمركزون في المناطق الأكثر شعبية وكان لهم مسجد في إسكيرينة ولهذا كان يطلق عليهم البعض"جماعة إسكيرينة".

ومنحاهم في الدعوة وعظّي تربوي ذو توجه صوفي سلمي وكان يوجد في الرياض مجموعات متفرقة في المساجد ليس لها أى توجه عموما غير التجمع على الالتزام الديني وأداء الفروض وهي أشبه ما تكون بفرق الحوارى أو مراكز الأحياء الثقافية فكل مسجد فيه غرفة ولا بدّ وأن تجد فيها غالبا مكتبة وشبابا ملتفّين حول إمام المسجد في هذه المكتبة .

فكانت هذه الأماكن خير بؤر التجنيد لصالح الإخوان المسلمين أو جماعة التبليغ وليس بالضرورة أن تكون هذه المكتبات منتمية إلى إحدى هذه الجماعات فقد تكون مجموعة ليس لها أى سبب بأى جماعة ولا تمثل إلا قائدها الذي هو غالبا إمام المسجد وقد تعرفت إلى إحدى هذه المجموعات وذهبت معهم في رحلات خلوية وسافرت معهم في رمضان من العام نفسه 1976 ولأول مرة في حياتي لأداء العمرة .

وبالصدفة المحضة جلست في حلقة فيها شيخ يحاجج بالكتاب والسنة وحوله مجموعة من الطلبة يسألونه ويرد عليهم بكل ثقة وروية وتردد في الحلقة اسم الألباني .

وبعد ذلك سألت عن اسمه فقيل لى إنه الشيخ على المزروعي وإنه مدرس في دار الحديث بالمدينة المنورة .

لعل هذا اللقاء هو الذي شكل التحول الفكري والحركي لدي بعد ذلك !.. وأتممنا العمرة وعدنا في صبيحة العيد إلى الرياض عن طريق البر وأنا على اقتناع أنه يجب أن أطلب العلم في دار الحديث بالمدينة المنورة على يد الشيخ على المزروعي وهكذا قدمت استقالتي في أواسط ذى القعدة من المحل الذي كنت أعمل فيه ولملمت"عفشي" وتوجهت إلى المدينة المنورة جوا في صباح باكر ..

ووصلت إلى دار الحديث وكلمت الشيخ على المزروعي وبذل جهده من أجل دخولي معهد دار الحديث فلم يتيسر ذلك لإنتهاء فترة التسجيل فكتب لى على المزروعي خطابا إلى أمير الإخوان في مكة عايض بن دريميح وأوصاني أن أسأل عنه أ و عن عبد الله الحربي وركبت سيارة أجرة متوجّهة إلى مكة في الوقت نفسه .

في عام 1977 م افتتح أول محلّ للتسجيلات الإسلامية على مستوى المملكة وذلك في الرياض في عمائر الدغيثر المطلة على شارع البطحاء وكان عبارة عن فتحة صغيرة جدا تبلغ أبعادها 2×4 أمتار وكان محل تسجيلات إسلامية وحيدا بين مجموعة من محلات الأغاني وكان حدثا مهما بين الإسلاميين حتى إن بعض المشايخ زاروا هذا المحل .

وباركوا لصاحبه هذه الخطوة وأبدوا استعدادهم لدعمها وعرضوا خدماتهم على صاحب التسجيلات ..

في تلك الفترة لا يستغرب أن تسمع صخب الأغاني المنبعثة من محلات تسجيلات الأغاني قبل افتتاح محل التسجيلات الإسلامية (تسجيلات اليمامة) أما بعد أن افتتح محل تسجيلات اليمامة .

فقد كان من الصعب جدا أن يسمع صوت مغن واحد لأن صاحب محل التسجيلات الإسلامية يعترض عليه وكان يكفي أن ينطلق صوت القرآن الكريم من محل التسجيلات الإسلامية حتى يسكت جميع أصوات (الأغاني) ومن يعترض على ذلك من محال تسجيل الأغاني برفع صوت مغن يتهم بالتشويش على القرآن الكريم وعدم احترام القرآن الكريم !.

وهكذا فتح محل صغير للتسجيلات الإسلامية غيرت جميع محال التسجيلات الخاصة بالأغاني نشاطها أو غيرت أماكنها .

في تلك الفترة لم يكن يوجد في الرياض إلا مكتبة تجارية واحدة متخصّصة بالكتاب الإسلامي وخصوصا كتب الإخوان المسلمين هي (مكتبة الحرمين)في عمائر الدغيثر نفسها المطلة على شارع البطحاء نعم يوجد مكتبات تجارية أخرى إلا أن (مكتبة الحرمين)أكثر انتقائية لكتب الإخوان المسلمين خصوصا والكتب الحركية على وجه العموم والكتب السلفية المحايدة في تلك الفترة بعيدا عن كتب السجال والردود .

إذ إنني لم أجد عندهم من كتب الألباني إلا مختصر صحيح مسلم للمنذري والذي علّق عليه الألباني وصفة صلاة النبي والزواج الإسلامي السعيد أمّا الكتاب الذي أثار ردود العلماء حجاب المرأة المسلمة ولباسها في الصلاة فغير متوافر غالبا .

إلا أن بعض الردود عليه موجودة مثل ردّ الشيخ عبد القادر حبيب السندى والشيخ الأنصاري وغالبا وقتها كانت توزع مجانا هذا الكتاب حجاب المرأة المسلمة الذي رجّح فيه الشيخ جواز كشف المرأة وجهها وكفّيها وأنهما ليسا بعورة خلافا لما هو سائد بين علماء المذهب الحنبلي خصوصا .

وعدت هذه الفتوى من قبل الشيخ نقطة سوداء في مسيرته العلمية بين علماء نجد عموما يضاف إلى ذلك دعوة الشيخ إلى عدم التمذهب بأحد المذاهب الأربعة المتبوعة (المذهب الحنفي والمذهب المالكي والمذهب الشافعي والمذهب الحنبلي) والأخذ من الكتاب (القرآن)والسنة الصحيحة مباشرة هذه الأمور سيكون لها تبعات أخرى في ما بعد .

خصوصا وأن (الجماعة السلفية المحتسبة)غالت جدا في مفهوم الأخذ بالكتاب والسنة وإلى درجة أنها أهملت إجرائيات الفهم لهذين الأصلين مثل اللغة وأصول الفقه بل شاع بين بعضهم ذمها لأن الصحابة لم يكن عندهم هذه العلوم وذم كل ما يمت إلى الرأي أو القياس أو الاستحسان بصلة و ناهيك بالمصالح المرسلة وفقه النوازل وهذه أشياء سابقة لأوان ذكرها هنا .

في تلك الفترة لم يكن لرجال الحسبة كل هذا التسلط الذي نشهده هذه الأيام فقد كانوا كبارا في السن تتحكم في انفعالاتهم الحكمة والموعظة الحسنة ولم ينظر إليهم المجتمع باعتبارهم جسما غريبا عنه بل كانوا ضمن نسيجه وكانوا يسمون :"النواب".

وكان دورهم الغالب هو التذكير بوقت الصلاة كان النائب الأخ الأكبر للجميع ووالدا مسموع الكلمة ولم يكن على خصام مع مجتمعه بل كان يسدد ويقارب بالتي هي أحسن بعكس نواب هذه الأيام الذين أصبحوا ينظرون إلى مجتمعاتهم نظرة الريبة والشك فأصبحت الريبة من كل شئ هي الأصل وأصبح تتبع عورات الناس الذي نهينا عنه هو المسلك السائد بينهم فصنعوا فجوة مشينة بينهم وبين مجتمعهم وكرّسوا صورة لرجل الحسبة شبيهة بصورة رجال محاكم التفتيش في أوروبا وأجوائها .

من الأمور التي تميزّت بها تلك الفترة حدّة الصراع على العناصر المتدينة حديثا وخصوصا طلاب المدارس ففي كل مدرسة تقريبا تياران أو ثلاثة (التيار القطبي وتيار حسن البنا وكلاهما إخوان مسلمون وتيار جماعة التبليغ).

وكان هناك وراء الكواليس جدال دائم حول استقطاب شخص ما إلى جانب أحد هذه التيارات قد يصل أحيانا إلى المشادّات الكلامية ولم أسمع أن هناك عنفا جسديا مورس ضد شخص حركي يملك القدرة على استقطاب شباب العنصر الأخرى في الرياض .

لكنني سمعت من مصادر متعددة أن مثل هذا الفعل قد مورس في الكويت يقال إن أحد شباب الإخوان المسلمين دعا أحد الحركيين إلى منزله وحينما استقبله ورحّب به دخل الشاب الإخواني إلى داخل البيت عاد بعد برهة وقد لبس ملابس"الكاراتيه"وطبق جميع ما تعلمه في جمعية الإصلاح الاجتماعي من فنون القتال والاشتباك علما أن الشاب السلفي كان هزيل الجسم وكانت فضيحة ما بعدها فضيحة وتدخل كبار الجماعتين لتلافي تبعاتها وفض السامر من دون أن يبحث في مثل هذه الممارسات ومؤشراتها المستقبلية .

في مكة

وصلت إلى مكة مع صلاة الظهر وسألت في معهد الحرم عن عايض بن دريميح أو عبد الله الحربي ووصلت إلى عبد الله الحربي وتعارفنا وقال لى : لعلنا نجد عايضا في بيت الإخوان في حوض البقر وهو أول بيت للإخوان في مكة .

وذهبنا إليه هناك وكان البيت عبارة عن أرض مسورة بالبلوك فيه غرفتان متواضعتان مسقوفتان بالخشب والبلاكاش والبناء بمجمله عشوائي فلا أساسات تذكر للغرف ولا استقامة للسور أما الأرضية فغير ممهّدة وقد تركت بنتوآتها الصخرية ولا يوجد فيه حمام ومن أراد قضاء حاجته يذهب إلى حمامات المسجد القريب من البيت وكذا من أراد الاغتسال البيت فقير بكل معني الكلمة وأظن أنه كان زريبة للحيوانات وذلك لوجود مخلفاتها فيه .

وانتظرت عايضا حتى جاء بعد برهة وأعطيته الرسالة التي كتبها على المزروعي فقال لى إن المعهد سيستأنف الدراسة فيها بعد الحجّ وأنا سأكلم لك مدير المعهد الشيخ صالح المقوشي وفعلا تركت أمر المعهد والتسجيل فيه لعايض واندمجت في حياة الإخوان ولازمت عبد الله الحربي – الرجل الأول من حيث الحركة في فرع مكة .

فهو الذي يجمع الإخوان ويذهب بهم للدعوة في ضواحي مكة وهو الذي يقودهم لطلب العلم على المشايخ تعرفت وقتها إلى سلطان اللحياني وأخيه منصور الذي كان وقتها ينتمي إلى جماعة التبليغ وابن عمّهم عبد اللطيف اللحياني وسويلم السلمي ومرزوق الهذلي حسين الغامدى وسالم الحازمي ونور الدين ابن شيخنا بديع الدين بن إحسان الله شاه الراشدي هذه أغلب أسماء الإخوان في مكة في الوقت الذي وصلت إليهم فيه ولا يتعدى سن أكبرهم الخامسة والعشرين ما عدا عايض بن دريميح فسنه وقتها كان فوق الأربعين وذكر لى أنه بدأ بتعليم نفسه كبيرا .

وكان بدويا يرعي الإبل إلى سن الثلاثين ثم انتقل إلى مكة بعد أن علم نفسه القراءة والكتابة في البادية فدخل معهد الحرم لعدم اشتراطهم الشهادة الابتدائية وإنما يجرى لك مقابلة شخصية يحدد من خلالها المستوى العلمي والتحصيلي غير النظامي فمعهد الحرم شكل مطور من دراسة الأروقة وبالفعل فدروسه تتم في أروقة الحرم على الأرض .

وقتها كنا في موسم الحج وكنت منبهرا جدا بهذا المكان الجديد على : حجاج من جميع الأجناس ومن جميع بقاع الأرض وحركة لا تفتر في الأربع والعشرين ساعة ومعتمرون فقضيت جل وقتي في الحرم واستطاع عايض بن دريميح أن يحصل للإخوان على إحدى الخلوات في الحرم فكانت خير معين لى في المبيت هناك ما عدا ليالي كنا نمنع من المبيت فيها بسبب توقع قدوم سيل ينحدر من شعاب مكة .

ويأتي هادرا إلى مركز انحدار الأرض في الحرم لذلك أقيم له تصريف تحت الحرم وكان أحيانا يدخل القبو فكانوا في الحرم ينبهون الناس لقدوم السيل من أجل أخذ الحيطة والحذر وخصوصا القاطنين في الخلوات ثم أخبرني عبد الله الحربي أن الإخوان في المدينة المنورة سوف يحجون وأننا يجب أن نستعد لنصب الخيام في منى .

وفعلا بعدها بأيام وصلت خيامهم من المدينة في السادس من ذى الحجة تقريبا وساعدنا في نصبها في المكان المحدّد لها في مني بحيث أصبحت جاهزة لاستقبالهم وكان مخيّما كبيرا وبدأنا باستقبالهم في مكة فتعرفت وقتها إلى على بن مشرف العمري وهو أول من تعرفت إليه من أهل المدينة .

كما إني كنت متلهّفا للقاء أناس سبقتهم سمعتهم بشكل عجيب مثل جهيمان وتعرفت إليهم جميعا في المخيم بمنى مثل ناصر بن حسين وسليمان بن شتيوى وسعد التميمي جهيمان وأحمد حسن المعلم وفيصل محمد فيصل مقبل الوادعي وردن العتيبي ومطلق بن سهل من ساجر وسلطان وفهد وعمر وعبد الله وعباس أبناء جار الله من حائل ومجموعة من السودانيين من جماعة أنصار السنة قدمت من الطائف ومجموعات قدمت من جميع مناطق المملكة .

وأفرد مكان للشيخ الألباني الذي التقيت به لأول مرة كنت وقتها في حالة دهشة حتى الثمالة لالتقائي بالشيخ الألباني بحاشيته الكبيرة من سلفيي الشام وحديثه معنا !.. وحقيقة كنت في حالة ذهول شديدة ! هل أنا فعلا أجلس بشكل مباشر مع الشيخ الذي تتلمذت لبعض كتبه تبنيت أفكاره واجتهاداته من خلال السماع لدرجة التقليد الأعمى.

كان الدور المناط بإخوان مكة القيام بكل مستلزمات المخيم لأن جميع من في المخيم دخلوا تحت إمرة عايض بن دريميح النفيعي أمير الإخوان في مكة فتوزّع الإخوان المهام : منهم من عمل في المطبخ ومنهم من تولّي جلب المياه ومنهم من تولّي جلب الإعاشة وكان دوري مع عبد الله الحربي جلب الإعاشة فكنا نجلب الخبز بكمّيات كبيرة من مخبز في البلد قبل صلاة الفجر للفطور .

وهكذا مرّت أيام بين أداء المناسك وحضور دروس الإخوان ودروس الألباني وتعرّفي إلى من لم أعرفه من الإخوان وتوطيد علاقتي بجهيمان الذي بدا وقتها مشغولا جدا وبدأت أتلمّس آنذاك المسائل التي يخالف فيها الإخوان أصحاب المذاهب الفقهية من المقلّدين وانتهي الحج وعاد الإخوان إلى مناطقهم وعدنا إلى الحرم.

هذا اللقاء الذي تمّ في الحج يكاد يكون هو العلامة عندي في تلك الفترة على أنني قد أصبحت أنتمي إلى جماعة سلفية حقيقية فمسكلهم وسيماهم ودماثة أخلاقهم وما يشغلون به وقتهم كل ذلك محسوب كما إنهم يتميزون عن الجماعة السلفية في الكويت بأنهم أكثر جدية وخشونة وعزوفا عن الشكليات الدنيوية فمثلا لم يحدث في خلال علاقتي بالجماعة السلفية المحتسبة أن خرجنا في مجموعة من أجل أن نأكل كنافة مثلا مثلما كان يحدث في الكويت حيث كنّا نخرج لأكل الكنافة عند الكرد أو الصمدى أو نخرج لنتناول (الآيس كريم)أو غير ذلك ...

بل كانت الخطوات محسوبة ومقننة ليس من خلال نظام داخلي بل كانت طريقة حياة ولعل السبب في ذلك يعود إلى طبيعتهم البدوية الصرفة لهذا تجدهم متواضعين في طريقة حياتهم فبيوتهم في الحرّة الشرقية مختصرة جدا بحيث إنني لم أدخل مجلسا من مجالسهم يحتوى على غير (الموكيت)والمتاكي ومكتبة عامرة بكتب الحديث خصوصا وكتب التفسير .

وكانت مكتبة جهيمان تحتوى على أغلب كتب الألباني والكتب الستّة بشروحها وتفسير ابن سعدي وتفسير ابن كثير والبغوى وكتاب إتحاف الجماعة للشيخ حمود التويجرى ونيل الأوطار وسبل السلام أما كتب المذاهب الفقهية فتكاد تكون معدومة ومجموعة التوحيد وكتب ابن تيمية وابن قيم الجوزية وشرح العقيدة الطحاوية هذا مجمل مكتبة جهيمان وقس عليها أغلب مكتبات الإخوان ما عدا مكتبة مقبل بن هادي الوادعي فمكتبة مقبل تتميز بأنها مكتبة حديثية صرفة وما يتبعها من كتب فقه الحديث أما المزروعي فمكتبته فقهية حديثية .

في تلك الفترة وبعد مرور سنة على وجودي في مكة انتقل الإخوان من (حوض البقر)إلى بيت آخر يقع في مكان يسمي الصفيراء في ضواحي مكة وضمن حدود الحرم وهو بيت من البلوك غير المليص الجدران وفيه ثلاث غرف وحمامات وحوش واسع ثلثه مسقوف بالبلاكاش وكان بعيدا عن عين كل رقيب أو حسيب إذ لم يكن حوله أى بيت آخر . بل كان منفردا في تلك البقعة لوحده ما عدا بيتا واحدا خلفه وكان بابه يفتح على سهل واسع من الأرض وكان هذا البيت هو محطة استراحة الإخوان المعتمرين من خارج مكة .

كنت أستلم من معهد الحرم مكافأة قدرها 150 ريالا فقط وبما أني متأثر بسير السلف الصالح ممّن طلب العلم ولاقى المحن في سبيل ذلك فقد كنت مقتنعا بهذا المبلغ الذي كنت أصرفه على القليل من الطعام وعلى الكثير من الكتب وكان أصحاب المكتبات يقسّطون لنا ما نشتريه منهم من كتب إلى ميسرة وكان ذلك أمرا شائعا ومعروفا بين الطلبة وكان يصل إلينا بعض الصدقات المشترطة في صرفها على طلاب العلم في مكة وذلك بين فينة وأخرى .

وكان مجموع ما وصلني خلال سنة في مكة 2000 ريال تقريبا وكان يوزّعها علينا مشايخنا في المعهد أو الشيخ صالح المقوشي مدير المعهد فكنت أسدّد بما أحصل عليه من صدقات ديوني المتراكمة لأصحاب المكتبات وأعتاش بما بقي معي منها كان بعض زملائنا وخصوصا المغتربون منهم يعملون كعمال نظافة في الحرم وكان بعضهم يعمل بائعا متجوّلا وقررت أن أعمل بائعا متجولا للساعات في الموسم واصطحبني أحد الإخوان وهو حضرمي إلى تاجر جملة لكي يزودني بالضاعة .

وكانت عبارة عن ساعات وست إند وحينما أخذت هذه البضاعة ودرت فيها على المعتمرين والحجاج التقيت بأحد الإخوان ففحص الساعات ثم قال لى : هذه البضاعة يحرم عليك ترويجها !.. وحين سألته عن السبب قال لى إن هذه الساعات تحتوى على رسمة الصليب وقد أمرنا بكسر الصليب وطمسه حقيقة أنا كنت أحمل هذه الأفكار ولم أنتبه إلى وجود الصليب على الساعات .

وذهبت إلى الشخص الذي زكّاني عند تاجر الساعات وشرحت له الأمر فأخذ الساعات مني وأعادها إلى التاجر كما أخذتها منه وفي المساء دار حوار حول هذه الساعات وأنه لا يجوز لى أن أرجعها إليه وإنما يجب على ّ أن أنكر المنكر بيدى بحيث أعيدها وقد طمس الصليب .

وقد اكتشفت في ما بعد أن ّ الإخوان عموما يطمسون الصليب بوضع صبغ الأظافر عليه وبعضهم ممّن اقتنع بتحريم لبس الحديد المحلق يغيّر أبزيم هذه الساعة المعدني بسير من الجلد أو البلاستيك ومن لم يغيّر السير لا يلبس الساعة وإنما يضعها في جيبه أو يعلّقها بسلسال ويضعها في جيبه الصغرى شاهدت مجموعة من الإخوان يفعلون ذلك ويهتمون به وكان لبس الحديد المحلق ولبس الساعات أحد المواضيع المتكرّرة في مجالس الإخوان.

كنا بحق في حالة ضنك وضيق مالي يضطر طالب العلم بسببه إلى التخليّ عن أعز ما يملك وهي الكتب وقد حدث لى حادث هنا وهو أني كنت أهوى تملك الطبعات الأصلية من الكتب وقد حصلت على كتاب فتح الباري شرح صحيح البخاري طبعة بولاق وعلم أحد الزملاء وكنت قد استدنت منه مبلغا من المال وساومني على أن يأخذ مني الكتاب مقابل دينه (وكان دينه 450 ريالا)فرفضت.

لأن الكتاب أغلي من ذلك وبعد أسبوع عاد إلى مطالبا بنقوده متشكيا ضيق ذات يده فعرضت عليه أن يأخذ فتح الباري ويعرضه على أحد هواة جمع الطبعات المعروفين عندنا في مكة لعلهّ يشتريه وفعلا أخذ الكتاب وعاد إلى بعد يومين .

وقال لى : إن الكتاب قد بيع بـ 500 ريال وأعطاني 50 ريالا وأخذ نقوده التي أدين له بها وبعد مدة زرته في مقرّ إقامته وفي أثناء تأملي مكتبته وجدت كتاب فتح البارى طبعة بولاق نسختي العزيزة على ّ يتوسط مكتبته فما كان مني إلا أن خرجت من بيته مسرعا لشعورى بأنني قد تعرضت للخديعة والضرر.

مثل هذه الممارسات وغيرها كثيرا ما تحدث بين الطلبة وقد تهو مصيبتي أمام مصائب بعض الطلبة إذ إن بعضهم يبيع مكتبته بمجملها بسبب ضيق ذات اليد !

وقد تعرفت إلى رجل حضرمي أصيب بلوثة بسبب حرق مكتبته في اليمن الجنوبي على يد كما يقول الشيوعيين هذا الرجل كان يملك مكتبة كبيرة جدا تحوى كل ما وصلت إليه من يده من طبعات أصلية من جميع أنحاء العالم .

والغريب أنه يحفظ أسماء الكتب ومؤلفيها وتواريخ طبعها وأين طبعت والطبعة الجيدة منها ومن اختصرها ومن شرحها ومن ألّف في بابها كان يجلس يتكلم مع نفسه غالبا وكان يمر أحيانا على بعض حلقات العلم ثم يقول لى : إن هذا الشيخ يدرس الطلبة كتابا ناقصا في هذه الطبعة التي أعتمدها !.. ثم يمّر من المكان نفسه في اليوم التالي ويردّد ما قاله بالأمس وحقيقة لقد استفدت منه فوائد ما كنت لأحصل عليها إلا بعد كد وتعب .

وعاد الشيخ بديع بن إحسان الله شاه الراشدي من الباكستان وجلب معه كرسّيا للتدريس في الحرم وقصة هذا الكرسي أن أحد أتباع الشيخ المقرّبين في السند طلب من الشيخ بديع أن يصطحب معه من الباكستان هذا الكرسي الذي صنعه للشيخ لكي يدرّس عليه في الحرم خصيصا .

واستأنف معهد الحرم عامه الدراسي بعد الحجّ وبدأت الدراسة في حلقة المبتدئين من قرآن وحديث وفقه ونحو وتوحيد وفرائض وتفسير وحساب كنا نبدأ يومنا بعد صلاة الفجر حيث يأخذنا عبد الله الحربي بـ (وأنيته)من بيت الإخوان .

وفي طريقنا نمر على الشيخ بديع قبل أن يهدى له الشيخ أبو تراب الظاهري سيارته الكورولا ونأخذ ه من بيته ونصلي في الحرم ثم نتحلق حول الشيخ بديع أنا وعبد الله الحربي وسلطان اللحياني ومرزوق السلمي وكنّا نقرأ على الشيخ كتاب عون المعبود في شرح سنن أبي داود وكتاب نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر لابن حجر العسقلاني وقد أتممناه عليه في شهرين .

ثمّ قرأنا عليه المختصر لابن كثير وحقيقة لم أستفد من الشيخ بديع في المصطلح قدر استفادتي من مناقشات الطلبة ومراجعاتهم ثم بعد ذلك نذهب غالبا جميعا إلى أحد المطاعم القريبة من الحرم ما عدا الشيخ بديع فيذهب إلى شيخ أعمي اسمه الشيخ فتحي وهو من جماعة أهل الحديث في الهند وواعظ في الحرم وله خلوة فيه و يذهب الشيخ إليه ويزوره ويفطر معه إلى أن يأتي وقت عمله في التدريس في معهد الحرم .

وكذلك نحن فكنا نستأنف الدراسة من الساعة الثامنة حتى صلاة الظهر ثم ندرس حصة واحدة بعد صلاة الظهر ومقدار الحصة خمسون دقيقة تقريبا أذهب بعدها إلى بيت الإخوان وأحيانا كنت أبقي في الحرم خصوصا في الشهور الأولي من سكناى في مكة وكنت أحرص على أن أكون في الحرم قبل صلاة العصر بساعة كنت أقضيها غالبا مع الشيخ عبد العزيز بن راشد النجدي.

وكان يحتفي بي كثيرا خصوصا حين علم أنني من الزبير ولذلك حكاية أخرى وبعد صلاة المغرب كنت أحضر حلقة الشيخ بديع في كتاب المحلّي لابن حزم ثم منع الشيخ من تدريس كتاب المجلس واستعيض عنه بكتاب تفسير ابن كثير وسبب منع الشيخ من تدريس كتاب المحلي أنه كان يهاجم المذاهب الأربعة وخصوصا المذهب الحنفي .

وكان بجانب حلقة الشيخ بديع حلقة لطلاب علم من بخارى يدرسون المذهب الحنفي وكان الشيخ يسمعهم ما يكرهون وما هو خارج عن الذوق والأدب حتى إنه كان يسميهم مخنثي الفقهاء وكثيرا ما ردّد قوله ملتفتا إليهم : انظر إلى هؤلاء المخانيث يتركون حديث رسول الله لآراء الرجال !!.

وهكذا .. حتى شكوه إلى الشيخ محمد بن سبيل مدير الحرم للشئون الدينية وقدّموا فيه عريضة جاء فيها أن الشيخ بديع يتطاول على العلماء وأنه يدرّس المذهب الظاهري وهذا أمر لم يعهد مثله في الحرمين فاستدعي الشيخ وطلب منه أن يخفف من لهجته ضدّ علماء المذاهب الأربعة وأن يمتنع عن تدريس الفقه الظاهري المتمثل بكتاب المحلّي لابن حزم واقترح عليه الشيخ ابن سبيل كتاب تفسير ابن كثير بديلا عنه وقد تمّ ذلك بعد أن قطعنا شوطا لا بأس به من المحلّي فأصبحنا نقرأ في تفسير ابن كثير .

إن مرحلة قراءتي على الشيخ بديع الدين بن حسان الله شاه الراشدي السندى من أهم مراحل تكويني المرحلي في تلك الفترة على الرغم من أني واجهت مشكلة مع عربية الشيخ غير المبينة فقد كان يتحدّث العربية الفصحى بلكنة أعجمية وكنت في البداية أواجه صعوبة في فهم ما يقول خصوصا وأنه كان سريعا في كلامه فشكوت إلى عبد الله الحربي ذلك فقال لى إنه كان يواجه المشكلة نفسها ومع الأيام أصبحت أفهم كلامه .

أمّا السرعة فصحيح أنه يتكلم بسرعة فكلّمه عنها فخفف من سرعته قليلا وفعلا بعد فترة أصبحت أستبين كلامه بفعل التعوّد على لكنته وعلى الرغم من أن الشيخ بديع قد سافر مبكرا إلى أوروبا وبعض دول آسيا وعلى الرغم من إجادته عدة لغات مثل الهندية والفارسية والانكليزية والعربية إضافة إلى لغته الأم الأوردية إلا أنه بقي أسير الفهم التراثي للأفكار .

نعم كان ظاهري المذهب لكنه ينكر أنّ طوق الحمامة لابن حزم وينكر أن ابن حزم قد حلل الغناء كان يخاصم بشكل متعصب كل من يشكك في عقيدة ابن حزم وهذه الحالة لازمته إلى وفاته وقد نقل لى بعض الزملاء أن الشيخ بديع كان يرفض فكرة أن ولده نور الدين توفي في حادث الحرم وأنه حي يرزق والغريب أنه يستدل بالآية (وما قتلوه وما صلبوه ...)( النساء : 157) .

ولو سئلت ممن استفدت في طلبك العلم في مكة لقلت إنني لم أستفد استفادة حقيقية إلا من شخصين وهما الشيخ بديع والشيخ عبد العزيز بن راشد أما الشيخ بديع فقد استفدت منه في دروس ما بعد الفجر وأمّا الشيخ ابن راشد فقد استفدت من مذاكرتي معه مصطلح الحديث وقد حاولت أن أدرس بعض المتون مثل متن السلم في المنطق وبدأت به فعلا على شيخ هندي .

وعلم بعض الإخوان بذلك وتحديدا عبد الله الحربي وكلمّني ناصحا بانفعال لكي يصرفني عن هذا العلم الذي شدّد علماء السلف النكير على من يتعاطاه وأنه مبتدع وأن عالمه لا يعد في مصاف العلماء وأن علماءه يجب أن يضربوا بالنعال وأنه ليس من علوم السلف .

كنت كما قلت أحرص على فترة بعد العصر التي أقضيها في الحرم ألتقي في خلالها بالشيخ عبد العزيز بن راشد النجدي الذي توطدت علاقتي به بعد أن علم أنني من الزبير وقال لى إنه انطلق من مكة مع عبد الله القصيمي وذهبوا إلى الزبير للدراسة على بعض مشايخها وأنهما سكنا في مسجد الإبراهيمي وبعد شهور تركوا الزبير وتوجهّوا إلى الهند بعد أن زوّدهم علماء الزبير بخطابات توصية لعلماء الهند .

وبعد ذلك تركوا الهند وتوجّهوا إلى بغداد وكان معهم في بغداد عبد الله بن يابس ثم تركوا بغداد وتوجّهوا إلى مصر للدراسة في الأزهر وأخذ يحكي لى عن حياتهما في مصر وعن أسباب التحولات التي طرأت على فكر عبد الله القصيمي كنت أستمتع بحديثه الهادئ وذاكرته القوية .

وبعد ذلك أصبحت أقرأ عليه في المصطلح فما كنت أقرأه في درس الفجر أعيده عليه بعد العصر رحمه الله فقد كان رئيفا رفيقا بصغار الطلبة تنشرح أساريره لهم كنت أمر عليه بعد كل عصر حتى بعد أن أستقرّ بي المقام في المدينة كنت أحرص على أن أمر عليه إذا نزلت إلى مكة وفي إحدى هذه النزلات وجدت عنده شيخ بشوش فقدمني له الشيخ عبد العزيز بقوله هذا فلان من الإخوان .

ثم قال الشيخ عبد العزيز : وهذا الشيخ محمد أمين المصري فقلت : الشيخ محمد أمين المصري شيخ شيخنا مقبل بن هادي الوادعي ؟ فقال نعم فقلت للشيخ محمد : لقد سمعت عنك كثيرا وتمنيت لو كنت درست عليك ثم قال لى الشيخ محمد : "إن الملأ يأتمرون بكم"!..

وكنت وقتها على اطلاع على ما كان يكتبه بعض المشايخ وطلبة العلم ضد الإخوان فقلت له : سيكفينا الله شرهم هذا الكلام قبل الاعتقال الأول بشهور لقد شهدت الشيخ عبد العزيز يسعى حثيثا خلف الشيخ عبد الله بن حميد حتى وقف فسأله عن سبب منعه من التدريس والسماح لعلوى المالكي ؟! وكان الشيخ قد منع من التدريس في الحرم بسبب أنه ظاهرى المذهب وبسبب مهاجمته للمذهبية وللمذاهب الأربعة .

وكان يشعر بالمرارة لأنه يحارب في مصر لآرائه في التوحيد وهي سلفية وكان بعض علماء الأزهر يطلقون عليه اسم الوهابي الخامسي (كانوا يطلقون على الوهابية الخامسية وواحدهم خامسي لأنهم يرون أنهم استحدثوا مذهبا خامسا غير المذاهب الأربعة الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي)فلمّا انتقل إلى بلده المملكة العربية السعودية وحورب من قبل علماء المذهب الحنبلي لأنه ظاهري المذهب من أتباع ابن حزم ومنعه الشيخ عبد الله بن حميد رئيس إدارة الحرمين ورئيس مجلس القضاء الأعلي من التدريس .

كنّا في يوم الجمعة وهو يوم إجازة المعهد نذهب للدعوة في القرى الموجودة في ضواحي مكة وكان الخطاب الدعوى وقتها يركز على البدع المنتشرة بين أهل هذه القرى وكان غالبا يتولي هذه المهمة عبد الله الحربي .

كنا نصلي معهم الجمعة أو يصلّى بهم عبد الله الحربي الجمعة ولا توجد قرية قصدناها إلا ونجد أن جماعة التبليغ سبقونا إليها من قبل فهذه الجماعة لها نشاط ملموس بين عوامّ هذه القرى لهذا فقد كنا غالبا ما نلتقي بأحد من أبناء هذه القرى خرج معهم إلى الدعوة سواء لأسبوع داخل المملكة أو لأربعين يوما خارجها وهم محبوبون عن أهل هذه القرى لعدم صداميتهم معهم ولدماثة أخلاقهم وتواضعهم ....

ومن الملاحظ أن كثيرا من الإخوان كانوا في جماعة التبليغ أصلا قبل أن ينضمّوا إلى الجماعة السلفية المحتسبة أو إلى الجماعة السلفية الموجودة في الكويت وهناك مقولة متداولة وهي أنه لو قامت الدولة الإسلامية لكان أفراد جماعة التبليغ من عوام دولة الإسلام وأن السلفيين من علمائها وأن الإخوان المسلمون من ساستها لا أذكر من صاحب هذه المقولة لكنّي في فترة البدايات كنت معجبا بها وكنت أردّدها خصوصا وأنني كنت حينها من المتعاطفين مع التقريب بين الجماعات الإسلامية .

في أحد الأيام زارنا في مكة جهيمان وبعد أن أدّى مناسك العمرة جلس معنا في بيت الإخوان في الصفيراء وكانت الجلسة ذات طابع علمي بحت ثم طلب مني أن أصحبه في سفرة للدعوة فوافقت وكانت هذه السفرة أول سفرة طويلة لى خارج مكة وأذكر أننا ذهبنا وقتها إلى بعض قرى الحجاز مثل رهاط ومدركة ثم ذهبنا إلى الطائف .

كان جهيمان يناقش في دروسه الوعظية غالبا محاذير يقع فيها عوامّ البادية مثل زواج الشغار وعدة المطلقة والمتوفي عنها زوجها وحكم السحر وإتيان السحرة وأحكام الدماء : الحيض والاستحاضة والنفاس أما في بيوت الإخوان ومن يستضيفنا من المحبين والأنصار في الحواضر فيناقش مسائل التقليد المذهبي ونبذ التمذهب وأتباع الدليل ولابد أن يكون لتأويل الرؤيا نصيب وافر من الجلسة .

ومن هذه السفرة لم أفارق جهيمان غالبا في أى سفرة سافرها للدعوة قبل الاعتقال الأول لقد عرفته عن قرب من خلال هذه السفرات وتعلقت به أعجبني فيه كرمه وتواضعه ودماثة خلقه وتفانيه في العمل الدعوى وكرهت فيه تعصّبه لقبيلته عتيبة وذكره لمثالب القبائل الأخرى .

وأوقعني هذا الأمر في حيرة شديدة فجهيمان بالرغم من أنه شديد في خطابه الدعوى إلا أنه ضعيف أمام رواسب القبلية عنده فهو يمحّص ويحقق أحاديث الرسول ويضعف أمام أخبار قبيلته ويرويها كأمجاد مسلم بها وإن كان فيها ظلم للآخرين من الأشياء التي كثيرا ما سمعتها من جهيمان وسيكون لها دور في تشكيل أفعاله قوله "إن البدو يتميزون بقدرات خاصة لا يتمتع بها الحاضرة مثل الفراسة والجلد وتحمّل المشاق" هذا الكلام لم أسمعه بشكل عارض أو مرة واحدة وإنما كان يردّده كثيرا

كنت في تلك الفترة مفتونا بمثل هذه الأفكار ولكن بعد أن دخلت إلى السجن وخلوت لنفسي وجدت أنها أفكار سطحية وغثة ولا تصنع أمة حديثة بأى حال من الأحوال.

كنت أتأمل في حال وصلت هذه الفئة إلى رأس السلطة ماذا سيكون شكلها ؟ كنت أتخيلها وهي تأكل أبناءها من الحضر ومن القبائل الأخرى وتمكن الشكل القبلي الأحادي أعني قبيلة جهيمان وستدور رحا التطهير وحمامات الدم وسأذكر مثالا على ذلك : يخبرني جهيمان أنه ذهب إلى أحد المسئولين عن الدعوة في "دار الإفتاء والدعوة والإرشاد" فلم يقابله بتواضع وكان دائما يردد قصة هذا اللقاء .

ثم أخبرني أسامة عوّاد إبراهيم وهو مصري مسك في قضية الحرم أنه كان مع هذا الشخص الذي يذكره جهيمان دائما وإن جهيمان في أوائل سيطرته على الحرم وجد هذا الشخص أمامه فأمر بسجنه بسجن الحرم وهو ومجموعة معه علما أن هذا الرجل ليس من ذوى الجرم ولكن الموقف السابق مع جهيمان هو جرمه هذا مثال بسيط وممارسة من رجل على رأس الحركة فما بالك بممارسات الرعاع والدهماء بعد ذلك ؟

كثيرا ما سئلت عن طبيعة هذه الحركة وكثيرا ما قرأت ما قيل عنها وكل يصنفها حسب التوجه الذي يتبنّاه فاليساريون صنفوها كحركة ثورية وبعض العروبيين صنفوها كحركة انقلابية والبعض صنفها كحركة احتجاج وجميع هذه التصنيفات خاطئة على إطلاقها والسبب بعد هذه التيارات عن حقيقة خطاب "الجماعة فهذه الجماعة ثورية وانقلابية واحتجاجية ولكن بطريقتها وبشروطها وحتى لا نقفز على نسق هذه الجماعة يجب أن نشير إلى البيئة التي كونت فكر جهيمان ..

من المعروف أن جهيمان نشأ في إحدى الهجر التي أنشئت لاستقرار البدو وتعليمهم والذين عرفوا في ما بعد باسم الإخوان"إخوان من طاع الله" واسم هذه الهجرة "ساجر" وكان جميع البدو القاطنين في هذه الهجرة من الإخوان الذين حاربوا مع الملك عبد العزيز بقيادة سلطان بن بجاد "كان الإخوان يطلقون عليه سلطان الدين" ثم تمردّوا على الملك عبد العزيز بسبب منهج التحديث الذي انتهجه الملك عبد العزيز وحاربوه في وقعة "السبلة" وهزموا أمامه واستسلم سلطان بن بجاد للملك عبد العزيز وتوفي بعد ذلك في السجن بعد مدة .

هذه الواقعة ولّدت شعورا بالغين عند الإخوان عموما وعند أهل ساجر خصوصا ونشأ جيل ورث بعضهم الضغينة للنظام القائم والتمرد عليه فجهيمان"مثلا كان يعمل في التهريب من الكويت قبل أن يتدين كما أخبرني مشافهة وغيره ومثل هذا المحيط المتمرد هو الذي كوّن نفسية جهيمان بن محمد بن سيف الضان وجعله لا يدين بالولاء للنظام القائم في فتراته المبكرة .

خصوصا وأن والد جهيمان صديق حميم لسلطان بن بجاد ومن الذين نصحوه بعدم الاستسلام للملك عبد العزيز وهذا يذكرنا بعد م استسلام جهيمان حينما طلب في الاعتقال الأول بعد سنة 1398هـ لأنه يري أن الدولة غادرة لأنها غدرت بسلطان بن بجاد أولا ومن ثم فهي من الممكن أن تغدر به بعد ذلك خصوصا وأن جهيمان يري أن قبيلته قد تقاعست عن أخذ الثأر من السلطة التي قتلت سلطان بن بجاد فكان في نفسه من ذلك الشئ الكثير وكثيرا ما يصرّح به .

تأسست "الجماعة السلفية المحتسبة" بعد حادثة تكسير الصور أى بعد سنة 1965م تقريبا حيث تجمع ستة على رملة بعد صلاة العشاء وقرروا أن يؤسسوا جماعة تقوم بأمور الدعوة والتذكير في المساجد والأماكن العامة وجميعهم خرجوا من عباءة جماعة التبليغ ما عدا واحدا منهم يبدو أنه من الإخوان المسلمين .

ولأنهم يرون أن جماعة التبليغ لا تهتم بالتوحيد في دعوتها كما إنهم كثيرا ما يتساهلون في قضايا الولاء والبراء وقضايا إنكار المنكر رأوا أنها جماعة لا تدعو على هدى من الكتاب والسنة وهؤلاء الستة هم جهيمان بن محمد بن سيف العتيبي قائد وايت في الحرس الوطني وشبه متسبب وسليمان بن شتيوى وكان حينها طالبا في الجامعة الإسلامية وناصر بن حسين العمري الحربي وسعد التميمي وكلاهما طالب في معهد المعلّمين حينها وهناك اثنان لم أدركهما ولم أعرفهما لأن أحدهما وهو يمني توفي بظروف غريبة إذ أنه ذهب إلى الدعوة على قدميه لمنطقة بعيدة "يقال أنها منطقة النخيل".

ووجد ميتا في أحد الآبار أما الآخر فقد انفصل عن الجماعة مبكرا لأنه من الإخوان المسلمين ويبدو أن هذه الشخص كان يطمح إلى تجنيد مجموعة من السلفيين فاصطدم بمواقف السلفيين الرافضة لفكرة التحزب الحركي وكان جهيمان يتحدث عنه بصفته شخصا عمل مع الإخوان السلفيين لهدف معيّن مخالف لما عليه الخط السلفي المرسوم مسبقا والمتفق عليه .

هذا ما سمعته من جهيمان مباشرة على كل حال ذهبت هذه المجموعة إلى الشيخ عبد العزيز بن باز وأخبروه أن اسمها سيكون الجماعة السلفية فقال لهم بما أنكم تحتسبون الأجر من الله فليكن اسمها "الجماعة السلفية المحتسبة" وقد تم ذلك لم تكن الجماعة سرّية بل كانت علنية بشكل مبالغ به حتى إن بعض الأوراق مطبوع عليها اسم الجماعة وأنا أذكر في حج سنة 1977م كان بيد حزام البهلول وهو يمني من الإخوان ثم تحول إلى الإخوان المسلمين ميكرفون يعلن فيه انطلاق حملة حج الجماعة السلفية المحتسبة هكذا يذكرهم باسمهم من دون مواربة .

في المدينة

وذهبت إلى الحرة الشرقية في المدينة المنوّرة ولم تكن تلك زيارتي الأولي لهم بل ترددت على بيت الإخوان القديم وكان بيتا ذو فناء واسع متعدد الغرف مستأجرا وسمعت من الإخوان وقتها إن عبد العزيز بن باز كان يسدد إيجار البيت .

أما هذه الزيارة فقد قررت فيها الاستقرار وسكن المدينة المنوّرة حيث لا يستطيع المسيح الدجال أن يدخلها وحيث يوجد على المزروعي وجهيمان وحيث قيادة الإخوان وسكنت بيت الإخوان الجديد وهو عبارة عن بيت صمم على طراز الأربطة إذ بني على الطراز العربي وروعي فيه تعدد السكان كانت الغرف تتسّع لثلاثة طلاب وهو من دورين في كل دور ثماني غرف دائر مدار الحوش وكان ملحقا به مسجد وقد بناه أحد المحسنين وسلّمه ليكون تحت تصرف الشيخ عبد العزيز بن باز .

ووضعه الشيخ ابن باز تحت تصرف الإخوان بإشراف أبي بكر جابر الجزائري كانت بيوت الإخوان بمجملها في الحرة الشرقية كانت بيوت قد بنيت بشكل عشوائي على أراض ملكت بوضع اليد وكانوا يقومون بالبناء في الليل بعيدا عن أعين مراقبي البلدية وكان بعضهم يدفع الرشوة للمراقب الذي يطلع على عملية البناء غير النظامية فتمددت الأحياء وكثرت المباني وسيطر الإخوان على أحياء بكاملها بحيث لا تجد من يبيع الدخان أو يشربه في هذه الأحياء كما لا تجد من يملك جهاز تلفزيون في بيته .

كما إن طريقة بناء هذه الأحياء تتيح لمن يضطر إلى الهرب أن يهرب بسهولة فلكل بيت فيه بابان أحدهما رئيسي للرجال غالبا والآخر خلفي للنساء يفتح على الأبواب الخلفية لعدة بيوت بحيث يأخذ النساء حريتهن في الزيارات المنزلية ثم استعملت هذه الأبواب الخلفية بعد ذلك للهرب وقد هرب جهيمان من أحد هذه الأبواب عندما طلب في الاعتقال الأول الذي تم في سنة 1398 هجرية ولذلك حديث آخر سنأتي عليه لاحقا .

وأنا كنت قد تسلّلت إلى بيت – جهيمان وكان تحت المراقبة والبيت خال في أوائل سنة 1399 هجرية – لاستعادة أوراقي الثبوتية من الباب الخلفي وقبل ذلك بمدة وجيزة أخرجنا بعض كتب جهيمان من الباب الخلفي أيضا وكان معي عبد الله الحربي كل ذلك تمّ والبابان الرئيسان الواقعان على الشارع مراقبين ولم يتنبه أحد إلى وجود باب آخر .

وحقيقة هم – أى القوات الأمنية – معذورون فلبيت جهيمان ثلاثة أبواب اثنان منها على شارعين والثالث يفتح على زقاق ضيق لا يسع إلا لشخص واحد للمشي فيه وهو الذي تستعمله النساء في تنقلاتهن بين بيوت جاراتهن وهو الذي دخلنا منه لاحقا بعد فراغ البيت من سكانه بعد الاعتقال الأول بمدة .

كان جدولي اليومي في المدينة مزدحما فإذا لم أكن مع جهيمان في رحلاته الدعوية فغالبا كنت أدرس على على المزروعي في كتاب الرفع والتكميل أو بلوغ المرام ومقبل بن هادي الوادعي وكنت أدرس عليه أصول البحث والتخريج .


ثم قرأت على فيصل محمد فيصل كتاب الإيمان لابن تيمية وقد تكثفت القراءة في هذا الكتاب بعد أن تسلل الفكر التكفيري لبعض عناصر الإخوان ولذلك سبب وهو أن الإخوان قد التقوا ببعض الأفراد من جماعة التكفير والهجرة المصري ة (جماعة مصطفي شكرى المعروفة بين عناصرها باسم جماعة المسلمين)'.

فطرحوا بين الجماعة قضايا الحاكمية والموقف من الحكام وفعلوها وكان على رأسهم شخص عرف بيننا باسم عبد الله المصري وأسامة القوصي قدما للعمرة ثم تخلفا عن السفر وجلسا ثم استمالا معهما عددا محدودا من طلاب الجامعة الإسلامية من مصر وبعض الطلاب اليمنيين .

وكان فيصل محمد فيصل قد مرّ بمثل هذه الأفكار وتبنّاها من قبل وتحديدا في سنة 1977 م حتى إنه ترك سكنى المدينة ونصب له ولعائلته خيمة في منطقة برية في ضواحي المدينة وكان معه عصام شيخ وانضم إليهم أحمد الزامل بعد ذلك ولم يستمر وعاد للسكني بين الإخوان في الحرة الشرقية ثم عاد عصام وفيصل إلى المدينة .

كانت هذه الأفكار التي بات يحملها فيصل تؤرق مضجع جهيمان خصوصا وأنها تتلاقي مع أفكار فرقة الخوارج الإسم الذي يرعب جهيمان جدا وصادف في أحد الأيام أن زار المدينة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني فشرح له جهيمان هذه المشكلة مع فيصل فطلب اللقاء به وفعلا تم لقاء في بيت فيصل محمد فيصل بترتيب من جهيمان وحضره يوسف أكبر وجهيمان وفيصل محمد فيصل وعصام شيخ والشيخ الألباني .

وتم الحوار حول مسائل الحاكمية والفكر التكفيري وعلاقة هذه الأطروحات بفكر الخوارج وأن الكفر أنواع واستشهد له الشيخ الألباني بكلام علماء السلف مثل أحمد بن حنبل وابن تيمية وابن القيم وغيرهم وسجل هذه الجلسة على شريط كاسيت يوسف أكبر وأثناء خروجهم من بيت فيصل أخذ جهيمان هذا الشريط من يوسف أكبر على سبيل الاستعارة حال خروجهم من بيت فيصل مباشرة ولم يرجعه ولم يطلع عليه أحدا .

وعلمت بعد ذلك من يوسف أكبر أن جهيمان قد أتلفه مباشرة وكانت وجهة نظر جهيمان أن مشايخ السلطة ينقبون عن مثالب الإخوان ويبحثون عنها فهذا الشريط دليل قوى على أن الإخوان يحملون فكر الخوارج على كل حال خرج فيصل بعد هذا اللقاء بفكر جديد حول قضايا التكفير والإيمان أقرب إلى الاعتدال في تلك الفترة فكانت الدعوة إلى قراءة كتاب الإيمان لابن تيمية لتحصين الجماعة من الفكر التكفيري وكان خير من يقرأ عليه كتب ابن تيمية هو فيصل محمد فيصل لإلمامه بها وتخصصّه بقراءتها وتدريسها .

كان معي في بيت الإخوان في تلك الفترة أحمد حسن المعلم وهو شاعر الجماعة من اليمن وهو أهم شخص في بيت الإخوان بل يكاد أن يكون المسئول عن بيت الإخوان كما إنه عضو في مجلس إدارة الإخوان وكان يدرس في الجامعة الإسلامية ومقرّبا جدا من جهيمان حتى إنه هو الذي صاغ رسائل جهيمان وقام بتصحيحها مع محمد عبد الله القحطاني "المهدي المنتظر" بعد ذلك وكلاهما شاعر .

وكان معي يوسف أكبر وهو شاب من جدة كان يدرس في كلية البترول والمعادن ثم ترك الدراسة فيها هو وعيد الشابحي وأحمد بن محمد عبد الوهاب البنا وسجلوا في الجامعة الإسلامية جميعهم ترك الدراسة فيها ما عدا أحمد البنا الذي أكمل في الجامعة الإسلامية وأحمد هذا هو أول من سمعت منه عن جماعة شكرى مصطفي"التكفير والهجرة" وأخبرني أنه تأثّر بفكرهم قبل فترة وجيزة وأنه كان يتبنّى أطروحاتهم حتى إنه لم يكن يصلّي خلف أبيه في جدة .

وقد التقي بهم في العطلة الصيفية عندما كان يقضيها بين أقربائه في مصر وحينما عاد إلى جدّة توقف عن الصلاة خلف أبيه لأنه متوقف فيه حتى يتبين له إسلاميه ثم ناقش والده في هذا الأمر فأقنعه والده بخطأ ما يعتقد ويقول فعاد إلى رأى جمهور العلماء والأمة والاعتدال أما عيد الشابحي فاندمج في الدعوة السلفية حتى النخاع .

ثم تزوج بأخت محمد عبد الله القحطاني ثم دخل الحرم مع من دخل أما يوسف أكبر فترك الجامعة واندمج مع الإخوان ثم اعتقل في قضية توزيع رسائل جهيمان قبل دخول الحرم بفترة وجيزة والغريب أن يوسف كان يعتقد أن محمد بن عبد الله القحطاني"المهدي المنتظر" لم يمت وإنما حصر وكان يجاهر بهذا القول وهو في السجن بعد ذلك وهو أمر غريب وكان معه على هذا الرأي عبد الرحمن حمودة .

ومن الذين عاشرتهم في بيت الإخوان وفي السجن بعد ذلك خالد الشريمي وحقيقة لم أجد أحدا عنده نكرانا للذات وسعيا دائبا في خدمة الإخوان مثله في الفترة الأخيرة وقبل الانشقاق الأول والذي خسر بسببه جهيمان وجناحه بيت الإخوان وكان بيت الإخوان يستقبل مجموعة من المرتادين للمدينة والمعتمرين المخالفين لنظام الإقامة وكانوا بمجملهم من مصر وأغلبهم من الجماعة الإسلامية من طلاب الجامعات المصرية .

واتضح في ما بعد أن بعضهم من جماعة الجهاد وبعضهم من جماعة التكفير والهجرة أو لهم علاقة بها وكان أكثر ما يثار وقتها بينهم هو موقف السلفيين من سيد قطب وموقفهم من تكفير الحاكم وموقفهم من العمل لدى الدولة وكانت تحدث سجالات طويلة عريضة بينهم وبين السلفيين من أصحاب البيت حتى وصلوا إلى الشقاق والخلاف إلى درجة أن بعضهم يصلّي جماعة أخرى بعد صلاة الجماعة السلفية هذا في حالة إذا لم يقدّم أحد منهم للإمامة .

وعلمت في ما بعد أنهم لا يرون الصلاة خلف من بينّوا له منهجهم ولم ينضم إليهم ويتبنيّ أفكارهم كانت مجاميعهم تذهب وتجئ إلى بيت الإخوان السلفيين ولم يشعر الإخوان بأى خطر تجاههم واعتبر خلافهم معهم خلافا في الرأي لا يستدعي الشقاق وأنهم مجتهدون حتى إن ماهر – وهو شاب مصري سبق أن حاز على بطولة مصر في الكراتيه للناشئين – كان يدّرب بعضهم على الكراتيه على سطح بيت الإخوان .

وكنت أنضّم معهم في التدريب أحيانا ولم نكن نشعر بنفرة منهم وكان بعضهم يعمل عند عيد الشابحي في الحفر باليومية في هذه الفترة ذهبت لبريدة للدراسة على الشيخ عبد الله الدويش وفعلا قرأت عليه في كتاب بلوغ المرام وقرأت على الشيخ الغضية في كتاب الرحبية في الفرائض وكان شيخا فاضلا متواضعا مع الطلبة صبورا عليهم .

وقد حدث لى موقف معه إذ إنه سألني عن بلدتي فقلت له أنا ولادة الزبير وجدّي قدم من الدرعية فقال لى : ماذا تقول بكروية الأرض وهل هي ثابتة فقلت له وبكل عفوية وكما درست في الجغرافيا نعم الأرض كروية وهي غير ثابتة وإنها تدور حول نفسها وتدور حول الشمس فقال لى أنت تحتاج إلى تصحيح عقيدتك وراح ارتب لك درس بكتاب الصواعق الشديدة على أعضاء الهيئة الجديدة للشيخ حمود التويجري وكان معي في التحصيل عبد العزيز العليط رحمه الله .

وكنت أنام في مدرسة الإخوان وهو مجموعة من طلاب العلم الشرعي أسسوا هذه المدرسة لأنهم ضد المناهج النظامية أو المدارس الحكومية وليس لهم علاقة بالإخوان السلفيين وكانوا يأخذون على الإخوان السلفيين نبذهم المذهبية الفقهية وبعض المسائل الخلافية ويغلب عليهم الجانب الزهدي وتكريس وقتهم لطلب العلم والعبادة ... ثم تركت بريدة بعد شهرين تقريبا وعدت إلى المدينة المنورة وذلك لعدم انسجامي مع المحيط .

في عام 1978م بدأت الأزمة تشتد بين المشايخ والإخوان "الجماعة السلفية المحتسبة" طبعا بدأت هذه الأزمة منذ عام 1976م حينما أفتي على المزروعي في الحرم المكي في رمضان بجواز الأكل بعد أذان الفجر الأذان لا يدل على دخول وقت الفجر المنهي عن الأكل فيه في رمضان وإنما يدل على دخول وقت صلاة الفجر وما تلا ذلك من حوار وجدل جر إلى التعريف بموقف الإخوان من الرأي والتشدد في نبذ التمذهب وإتباع المذاهب الأربعة .

كان هذا الخطاب وقتها جديدا وغير مطروق على المستوى العامّ ولم يكن المشايخ الذين ناقشوا على المزروعي مستعدين للإجابة عن أسئلته التي أوردها عليهم بخصوص الاجتهاد والتقليد وكان الوضع أشبه بالمفاجأة غير المحضر لها وغير المنتظرة وكانت هذه المناقشات وقتها تظهر مدى جمود أغلب المشايخ وطلاب العلم على متون الفقه الحنبلي وبعدهم عن كتب السنة وعلم الحديث ومصطلح الحديث .

وكان من النادر أن تجد من يملك أدوات تخريج الحديث وتحقيقه هذه الجلسات كانت السبب في منع على المزروعي من التدريس في الحرم وهي السبب بعد ذلك في وضع الإخوان موضع الملاحظة الدقيقة من قبل جمهور المشايخ في تلك الفترة خصوصا كما إن بعض المنتسبين إلى الإخوان كانوا لا يستفتون شيخا إلا ويطلبون منه الدليل فإذا بالدليل من السنة سألوه : هل هو صحيح أو ضعيف ؟

ومثل هذه الأسئلة يضيق بها صدر المفتي المقتصر اطلاعه على زاد المستقنع وهم الأغلبية فالإخوان كسروا حاجز الهيبة بين المفتي والمستفتي وجمهروا العلم الشرعي الذي كان حكرا على المشايخ وطلاب العلم وبثوا روح المحاججة بين العوام مثل هذا الأثر سيكون له مردود سيئ على مسلك عوام المتدينين .

وظهر أثره على عوام الصحوة بعد ذلك من خلال المواقف والآراء وبعد أن كان العلماء يحتكرون التأثير على العامة أصبح العامة يحرّكون العلماء نحو أهدافهم أى أصبح التأثير متبادلا بينهم ولو أغلق الباب مبكرا في وجه المتنطعين في الدين لما وجد لهم مدخل على العلماء أو حضور بينهم بعد ذلك .

ولكن غياب مشروع تنويري إصلاحي يتكئ على مقاصد الشريعة ويستمد حضوره من المعاصرة والهم الوطني والاجتماعي بين الفقهاء عموما وفقهاء الحنابلة على وجه الخصوص هو الذي ولد مثل هذه الصدمة التي لم يجدوا لها حلا إلا بالعودة إلى إسلام القرون الوسطي والفقه الذي ولد في أحضان أزمان القلاقل والفتن والحروب الصليبية المتمثلة في فقه ابن تيمية وأتباعه الذي تكرس أكثر كخطاب يجب العمل به إبان الحرب الأفغانية – الروسية وبعد ذلك .

كما إن من الأمور التي نفّرت قلوب المشايخ منهم تبنيهم بعض الفتاوى مثل فتوى الصلاة خير من النوم وأنها في الأذان الأول من الفجر وليس الثاني وأخذوا يؤذنون به في مسجد الإخوان في الحرة الشرقية في المدينة والمساجد التي يسيطرون عليها وكذلك مسألة بدعية المحاريب وأنها .

لم توجد إلا بعد عصر النبوة فأغلق بعضهم المحراب الموجود في مسجد بالبلوك وأصبح أغلب أئمتهم لا يصلون فيها لقناعتهم بأنها بدعة وصلاة بعض صغار طلبة العلم بالنعال في المسجد النبوي بشكل يستفز مشاعر العامة وقد حدث شغب محدود أكثر من مرة بسبب هذه الممارسة في الفترة التي سكنت فيها بيت الإخوان بالمدينة .

منها مرة حدث أن صلي طالب في الجامعة الإسلامية تونسي الجنسية اسمه (منير التونسي)متردد على بيت الإخوان وليس منهم يغلب على سلوكه النزق أقول صلّي بنعاله في المسجد النبوى ومسك وحصل بلبلة وتبنّى الإخوان مسلكه لأنه كما يرون لم يفعل إلا السنة الصحيحة وحسب هذا المسلك على الإخوان بكل يسر وكاد أن يفصل من الجامعة الإسلامية وتوسطوا له وأطلق سراحه .

كل هذه الأشياء جعلت المشايخ يرمون الإخوان بالشذوذ والتنطع في الدين هذه الأشياء حدثت قبل عام 1978 م وكان جهيمان واثنين من مؤسسي الجماعة وهما سليمان بن شتيوى وسعد التميمي وسببها أن جهيمان تفرد بالجماعة وأصبح يستبد بقراراتها مثل التبرؤ يسئ إلى خط سير الجماعة الدعوى وعدم تشجيع الشذوذ في الفتاوى .

والمشكلة الأكبر أن سليمان وسعد كانا مدرسين أى موظفين في الدولة وجهيمان ضد الوظائف الحكومية وضد التعليم الرسمي وكان يسمعهم بشكل مباشر وغير مباشر موقفه هذا وأحيانا بشكل استفزازي فنفروا منه كما نفر منه فالح بن نافع بعد تخرجه من الجامعة الإسلامية لأنه عمل في الدولة علما أن فالح صمت عن هذا الموقف من الوظائف ومن ممارسات الإخوان طيلة الفترة التي كان يدرس فيها طالبا .

وكانت الجماعة تساعده ببعض الإعانات المالية وثم لما توظف بدأ يعترض على الممارسات الشاذة والاستفزازية التي كان يمارسها الإخوان وأصبح يتودد للعلماء والمشايخ وطرد بعد ذلك من بيت فيصل محمد فيصل بعد نقاش حادّ بينه وبين فيصل وعصام شيخ كانت تلك السنة ساخنة بمعني الكلمة وعقد اجتماع تحدث فيه الشيخ أبو بكر جابر الجزائري وبحضور مجموعة من المشايخ.

وحضره من الإخوان ناصر بن حسين وأحمد حسن المعلم وسعد التميمي وفالح بن نافع وأحمد الزامل ومن كان ساكنا في بيت الإخوان مثلي وملخص تلك الجلسة هو التبرى من الأفكار الشاذة التي ذكرناها قبل وأنه يجب أن يؤذن بالصلاة خير من النوم في الأذان الثاني وأن من لم يعجبه ذلك يخرج من بيت الإخوان وأن الشيخ أبا بكر جابر الجزائري نائب المرشد هو الذي سيتولي الإشراف المباشر على البيت .

وفعلا أصبح يأتي نسيب الجزائري فيؤذن في مسجد الإخوان في الأذان الأول والثاني ويؤم فيه أما نحن فقد تركنا بيت الإخوان واحدا تلو الآخر ولم يبق في البيت ممن ذكرناهم أحد هذه الواقعة تعتبر أول انشقاق بين صفوف الإخوان بشكل جماعي وانحاز هنا أغلب الإخوان وبشكل واضح إلى صف جهيمان وأصبح هو القائد المطلق لجميع أفراد الجماعة وأصبح بيته مكان تجمع الإخوان.

علما أن جهيمان قد كثّف من رحلاته الدعوية في هذه الفترة وأنا كنت معه في أغلبها زرنا خلالها جميع مناطق المملكة ويبدو أن هذا الاجتماع لتبرئة النفس أو للتبرى من الجماعة أكثر منه سعيا صادقا لتصحيح الخط المتطرف للجماعة وإلا ما معني أن يجتمع مجموعة من المشايخ بمجموعة من الشباب محدودي العدد والأهمية ويقرروا سحب البيت من الإخوان وهل الإخوان هم البيت فقط ؟

كان وقتها في كل بلد بيت في الرياض وجدّة ومكة والطائف ورنية وحائل والإحساء كل هذه المراكز لم تعلم بالاجتماع وحين علمت دانت بالولاء لجهيمان . لم يكن لهذا الاجتماع أى فاعلية في تصحيح أوضاع التنظيم بل بالعكس زادت الأمر سوءا ووضعت جهيمان موضع القائد الفعلي والمطلق .

على كل حال كان هم الجزائري الأول الخروج من ورطة قيادة هذه الجماعة العصية على التطويع من قبله إذ لم يكن له فيها إلا اسم المرشد أما العمل التنظيمي الفعلي والأفكار فكانت بيد جهيمان وكما قلت تكثفت رحلات جهيمان وتكثف خطابه ضد الدولة والوظائف الحكومية وأصبح من العيب أن تكون من الإخوان وأن تعمل في الدولة .

وامتد الخطاب المعادي للوظيفة إلى الدراسة في المدارس وأن العلم من الممكن تحصيله عن طريق الكتب والمشايخ واشتد النكير على من يحرص على العلوم البحتة لهذا انضم إلى الجماعة مجموعة من المراهقين الهاربين من أهاليهم بسبب الدراسة بشكل رئيس وبذريعة وجود الفتن في بيوت أهاليهم مثل التلفزيون والصور وآوتهم الجماعة في كل مكان .

في أحد الأيام صليت الظهر مع جهيمان في المسجد القريب من بيته كالمعتاد ثم تغدينا وجلسنا في الحوش الخارجي جهة مدخل الرجال ويفتح على الشارع نشرب الشاي ونبحث في أحد الكتب وإذا بجمس أحمر حوض عليه شعار إمارة المدينة ورجل ينادي يا أبو هذال فخرج له جهيمان وتحدث معه لمدة خمس دقائق ثم سار الجمس وعاد جهيمان متغير اللون.

وقال لى إن هذا رجل من الجماعة وأنه أتتهم برقية على الإمارة بأسماء مجموعة سوف تعتقل هذه الليلة وأن اسمه على رأس القائمة وأن الترتيب المفترض أن يصلي معه شخص لم يشاهده من قبل وأن يسلم عليه في صلاة العصر للتثبت من شكله وفعلا صلينا العصر وسلم عليه رجل لم نشاهده من قبل في الحرة الشرقية ووقف معه وكأنه يسأله في مسألة فقهية ثم عدنا سوية إلى البيت وبلغ مجموعة من الإخوان بالخبر.

ثم خرج جهيمان يتحدث مع دهام العنزى ثم عاد إلى وقال هل تريد أن تخرج معي حتى انجلاء هذه الغمة ؟ فوافقت وركبت أنا وهو في وانيت دهام وانطلقنا بعد العصر وتجنبنا الطرق الممهدة المزفتة حتى لا نتعرض لنقط التفتيش إمعانا في الحذر وسلكنا طريقا بريا يعرفه دهام جيدا وتوغلنا في الصحراء وحقيقة لا أذكر الطريق الذي سلكناه إلا أننا سلكنا طريقا يقع شرق شمال المدينة وقضينا ثلاث ليال في الصحراء وصدنا بعض الضباب وطبخناها وأكلناها إلا أن جهيمان كان يعيش لحظات قلق وكان يريد أن يطلع على أخبار الاعتقالات وهل تمت بالفعل ؟ ومن اعتقل ؟

فاقترح دهام أن ننزل على عبيد وعابد وهم من الإخوان من أهل المحلاني وهم في الصحراء الآن يرعون غنمهم ويسكنون الخيام وفعلا توجهنا إلى مخيمهم جهة الشمال وسأل دهام عنهم بعض البدو القاطنين في بيوت الشعر واستطاع أن يعثر عليهم ونزلنا عليهم وأبلغ عبيد وعابد بالأمر ولم يكن عندهم عنه علم من قبل وطلب جهيمان ألا يتردد اسمه بينهم وفعلا أصبحنا نناديه بأبي محمد وطلب من عبيد أن ينزل للقصيم لكي يأتي بالأخبار .

وفعلا نزل عبيد للقصيم وبقينا نحن مع عابد ننتظره وحقيقة كانوا أناسا كرماء قليلي الأسئلة يعلمون أبناءهم في الصحراء القرآن والكتابة والقراءة بكل جدارة ويتبعون في التعليم مصطلحات البيئة المحيطة بهم نفسها من غير تكلف أو افتعال وهم يميلون إلى الزهد والتقشف في حياتهم ومعاشهم معهم أغنامهم ووانيت يجلبون به الماء لهم ولأغنامهم معتزلين بذلك المدن لأنهم يرون أن الفساد والفتن قد كثر فيها وعمّ.

وانتظرنا عدة أيام حتى عاد عبيد من القصيم محملا بالأخبار وأبلغنا عن من اعتقل في جميع مناطق المملكة ويبلغ عددهم الخمسة والعشرين تقريبا منهم على المزروعي ومقبل بن هادي الوادعي وسليمان بن شتيوى في المدينة المنورة والشيخ بديع الدين بن إحسان الله شاه الراشدي وعايش بن دريميح في مكة المكرمة ومحمد الحيدري ومحمد عبد الله القحطاني المهدي في الرياض وعمر العليط في بريدة وردن في ساجر وجارى البحث عن جهيمان وأن مزرعة أخيه نايف مراقبة على مدار الساعة وأحمد حسن المعلم مطلوب ولم يقبض عليه أتتنا هذه الأخبار فأصبنا بوجوم وخصوصا جهيمان كان قلقا على أمه .

وبعد أيام قال لى جهيمان : أنت لست من المطلوبين وأفضّل أن ننفصل وفعلا نزلت مع عبيد عند على الحضيني في العمار التي تبعد عن ساجر تقريبا مائة كيلو وكان من أسباب نزول عبيد هو طمأنة أم جهيمان عن طريق على الحضيني وكما قلت نزلنا على على الحضيني وكان عنده أحمد الزامل ومطلق بن سهل وأخبرنا على بأن ساجر جميعها مراقبة وأن هناك مراقبة على بيت نايف الأخ الأكبر لجهيمان .

على مدار الساعة وأنهم نصبوا خيمة في مزرعته يراقبون منها ثم ركبنا في وانيت جمس نحن الثلاثة مع أحد معارف مطلق وانطلقنا نحو ساجر بعد العصر كنت أنا وأحمد الزامل في حوض الجمس ومطلق في الأمام مع السائق وعند اقترابنا من ساجر حصل لنا حادث تصادم مع وانيت تويوتا .

ونزلنا نشاهد الحادث ووصل الأمر إلى أنهم طلبوا من أحد المارة تبليغ الدوريات عن الحادث وركبنا نحن الثلاثة مع هذا الشخص وأنزلنا في ساجر وبقي معه مطلق أما أنا وأحمد الزامل فقد مشينا مسافة حتى وصلنا إلى شعيب وحسب اقتراح أحمد بقينا في الشعيب حتى حلّ الظلام ثم توجهنا إلى بيت أحد الإخوان وهو مدوخ العتيبي وكان هو وأخوه مشعل من الإخوان وبتنا عنده ليلتنا ثم توجهنا في الصباح الباكر إلى الرياض .

العودة إلى الرياض من جديد

وكما قلت توجهنا في الصباح الباكر إلى الرياض ودخلتها بعد اعتقال الإخوان بخمسة عشر يوما تقريبا كان الجو العام ما بين ساخط ومتعاطف كانت هذه الاعتقالات الجماعية الأولي من نوعها في المملكة وقتها إذ لم يحدث أن اعتقلت جماعة إسلامية أو تنظيم إسلامي من قبل ومن الأسباب التي لمستها في سبب ابتهاج الشباب السلفيين أنهم أصبح لهم صلة بالمعتقلات التي كانت حكرا على الإخوان المسلمين .

وكما قال أحد الإخوان : لم يعد أحد أحسن من أحد فكما هم – أى الإخوان المسلمين – دخلوا المعتقلات فعندنا من دخل المعتقلات في سبيل الدعوة إلى الله وهذه النقطة مهمة هنا فالشحن النفسي والفكري الذي بث ويبث عبر وسائل الاتصال المتعددة التي تصبّ في مجملها في صالح رواد المعتقلات والسجون من الإخوان المسلمين وغيرهم في ما بعد صنع جيل ينظر لهم على أنهم مجاهدين ومناضلين في سبيل كلمة الحق وأنهم قدوة يجب الاقتداء بهم .

بمعني أصح صنع منهم طبقة لها أتباع ومناصرون وأنا أرى أن استعمال سياسة السجون والمعتقلات كحل وحيد له أضراره الكثيرة في ما بعد والأولي اتباع سياسة الاحتواء الإيجابي ويتمثل في إعادة تأهيل قادة التنظيم من خلال عدة منافذ وما يتناسب وميول هذا القائد أو ذاك هذا الكلام ينطبق أيضا على إعادة تأهيل العائدين من أفغانستان مثلا .

وتجربة الملك عبد العزيز طيب الله ثراه خير مثال على نجاح تجربة إعادة التأهيل حينما ابتكر نظام الأفواج وضم لها الإخوان الذين حاربوا معه في توحيد المملكة ولم يتركهم لمصائرهم وأهوائهم وكما قلت كان الرياض بجماعاته الإسلامية يموج بالأسئلة التي تبحث عن إجابات خصوصا مصير المعتقلين.

وعلمت عن طريق أحد الإخوان أن هناك وساطات من قبل بعض المشايخ قد تحركت وبعد أسبوعين دعينا إلى اجتماع عام نظمه أحمد المعلم في البر عن طريق الرياض المجمعة وحضره مجموعة كبيرة من الإخوان وتكلم أحمد حسن المعلم عن الذي حصل مع الإخوان من اعتقالات وأن هذا ابتلاء من الله ليختبر عباده كان أحمد المعلم هو أكبر قياديّ في المجموعة فهو عضو مجلس الشورى في الجماعة وهو الذي بقي مع جهيمان منهم .

وأثناء حديث أحمد المعلم والإخوان منصتون لحديثه وقفت إلى جانب المجموعة سيارة وانيت ونزل منها محمد الحيدري أمير الإخوان في الرياض وهو من الذين اعتقلوا وأخبرنا أن الإخوان أطلق سراحهم وطلب منا أن نفض هذا الاجتماع وأنه أخذ عليه تعهد بعدم التجمع والتحزب وفهمنا من كلامه أنه لم يعد منضما إلى الإخوان وحقيقة كان موقفه شجاعا في تلك اللحظة وتلك الظروف ولم أقابله بعدها في أى مكان حتى هذه الساعة .

وهكذا أصبحنا بعد ذلك نستقصي أخبار من اعتقل وأفرج عنهم وعلمنا أنه أفرج عن جميع من اعتقل من الإخوان وعلمنا أن مقبل بن هادي الوادعي قد أفرج عنه مع الإبعاد عن المملكة وسمح له أن يناقش رسالته للماجستير ثم يسفّر بعدها وقد كان ذلك بعد شهرين تقريبا من خروجه من السجن .

وحضرت مناقشة رسالته في الجامعة الإسلامية وكانت في كتاب الإلزامات والتتبع للدارقطني في تلك الفترة انتعش حال الإخوان وانضم في صفوفهم مجاميع من الشباب حتى إن بعض الإخوان المسلمين الذين انضموا إليهم أصبحوا ملء السمع والبصر بين الناس وخصوصا الإسلاميين .

فالاعتقال صنع منهم أبطالا وصبغهم بصيغة مغناطيسية كان الجميع ينجذب إليها ومن لم يكن مقتنعا بأفكار الجماعة كان يدفعه الفضول لمتابعتها ومتابعة أفكارها وزاد هذا الأمر وبوتيرة متسارعة بعد توزيع أول رسالة ولذلك حديث آخر في هذه الفترة توطدت علاقتي بالشيخ عبد العزيز بن باز عن طريق خالد الشريمي فطلبنا أن يلقي علينا درسا في سنن الترمذي وقد كان فأخذنا ندرس عليه بعد صلاة الفجر أنا وخالد الشريمي وعبد العزيز السدحان إضافة إلى طلاب علم آخرين يقرأون على الشيخ كتبا آخري وكنت أحضر تجمعات الإخوان في بيت الإخوان أو في بيت أحدهم .

في أحد الأيام التقيت بعبد اللطيف الدرباس وهو من الإخوان الذين أعرفهم بشكل جيد ويحمل الجنسية الكويتية وقد أحرق أوراقه الثبوتية مبكرا وسكن المدينة ثم اتخذ له خيمة في الصحراء وبالرغم من أنه حضريّ أصلا إلا أنه يمجد حياة البداوة بشكل فيه جلافة متكلفة .

وهذه طبيعة الطارئين على التحول سواء كان دينيا أو اجتماعيا حيث تجدهم في لهاث لإثبات جدارتهم بالموقع الجديد الذي وصلوا إليه وقد ذكر لى عبد العزيز السدحان أنه كان في مخيمهم في الكويت وكان معه عبد اللطيف الدرباس ووضع الفطور وكأن أحدهم استنكف أو اشمأز من الفطور فقام الدرباس كرد على هذا الشخص بذر التراب في الفطور وقال لهم كلوا فردّ عليه عبد العزيز السدحان بأن هذا مخالف للسنة فقال له ما دليلك فذكر له قول الرسول للذي وقعت منه التمرة أمط عنها الأذي وكل فسماه أذي فقال له الدرباس أنتم تريدون أن تلبسوا علينا ديننا !!

على كل حال ذكر لى هذا الرجل أن جهيمان قد ألف رسالة اسمها"رفع الالتباس عن ملة إبراهيم عليه السلام"وأنه سيطبعها في الكويت وأنه أى عبد اللطيف ذهب بها إلى دار القبس أولا فطلبووا مبلغا عاليا ثم ذهب بها إلى دار الطليعة ذات التوجه اليساري وحينما أخبرهم الدرباس بملابسات تأليفها وأن مؤلفها مطارد من قبل الأمن السعودي تحمست الدار وطبعتها بسعر التكلفة أى اقل من الريال للنسخة .

علما أن دار القبس طلبت منهم ثلاثة تقريبا للنسخة وفعلا طبعت الرسالة من دار الطليعة أن لا تذكر اسم أو مكان الطباعة وتم لهم ذلك وطبعت الرسالة والرسائل الأخرى بعد ذلك في الدار نفسها وحصلت بعض الأخطاء الخطيرة مثل أن بعض الطبعات ذكر فيها اسم دار الطليعة ومكان الطباعة الكويت في ذيل الغلاف فعمد الإخوان إلى قص الإسم بالموس من جميع النسخ والسبب في حرصهم على عدم ذكر اسم المطبعة أو مكان الطباعة .

هو أنهم حريصون على تأمين الطرق البرية الترابية بين الكويت والسعودية عن طريق حفر الباطن التي يسلكها مهربو الرسائل من الكويت إلى داخل المملكة وكذلك مرور الإخوان الذين لا يحملون أوراقا ثبوتية أو جوازات إلى الكويت أو العكس وكانت الأغلبية العظمي من الإخوان قد أتلفوا أوراقهم الثبوتية لتعصبهم ضد الصور ولموقفهم من الأنظمة القائمة إذ يرون أن وضع الحدود وتقييدهم بجوازات المرور من حكم الطاغوت .

ومما لم يأمر به الله والأولي بالمسلم عدم الامتثال له بل الأولي مخالفته وبعد مدة جاءني عقاب العتيبي وقال لى إن مطلق بن سهل يريد أن يراك وفعلا توجهت لساجر مع أحد الإخوان ووصلت إلى ساجر وتوجهت إلى مزرعة مطلق وهناك وجدت عنده أحد الإخوان المشكوك بانتمائهم للإخوان وأنه مدسوس عليهم من قبل المباحث وكان عند مطلق مع عائلته .

أظن أن اسمه أحمد وأخذني مطلق على جنب وأسرّ لى أن جهيمان يريد أن يراني وسنرتب لك اللقاء به في ما بعد وهو الآن غير موجود حقيقة كنت أعلم أن سبب طلب مطلق لى هو جهيمان ولكني لم أسأل لمقتضيات السرية والكتمان وبعد ليلتين أيقظني مطلق من النوم وكانت الساعة الثانية تقريبا وقال لى تعال وذهبت معه في الجمس لبيت عقاب وفي الحوش الخلفي وجدت عقاب وعيد الشابحي وحامد الأحمدي يتسامرون .

وبعد السلام جلست معهم نتجاذب أطراف الحديث وبعد ساعات جاء جهيمان وبعد السلام والتحية دخلنا إلى إحدى الغرف الكبيرة وجلسنا على بساط وكانت الغرفة مليئة بأكياس حمراء إلى سقفها ظننتها أولا أكياس بصل وبعدها علمت أنها رسالة"رفع الالتباس"أول رسالة يطبعها جهيمان ووجدت أمام جهيمان نسخة منها وأختام بمقدار السطرين كان يراجعها ثم لى إن هذه الرسالة قد قرئت على الشيخ عبد العزيز بن باز وقد أضاف لها فقرة بعد طباعتها .

فرأوا أن يضيفوها في المكان المقرر لإصرار الشيخ عبد العزيز بن باز عليها لهذا صنعت أختام بهذه الفقرة لأنه ليس من السهل إعادة طباعتها فجلست أتحدث معهم وأختم هذه الفقرة في حاشية النسخة الموجودة أمامي وقال لى جهيمان من الضروري أن تعتمر وتحث الإخوان في الرياض على العمرة في رمضان هذه السنة لأنك ستستلم الكمية التي ستوزع في الحرم ليلة السابع والعشرين وستجد الإخوان أمامك ثم استأذن وانصرف .

وبعد ذلك جاء مطلق وأخذني لمزرعته ومنها عدت للرياض وأخبرت بعض الإخوان الذين أثق بهم بتوجيهات جهيمان واعتمرت في رمضان ووجدت الإخوان وجدت الإخوان قد استأجروا عمارة كاملة بعوائلهم وفي الدور الأرضي وجدت كمية كبيرة من أكياس البصل الحمراء في إحدى الغرف وحينما حلّت ليلة السابع والعشرين أخذت الكمية المتفق عليها للحرم .

وكان هناك كمية ذهبت للطائف وأخرى ذهبت لجدة وكمية ذهبت للمدينة مبكرا ووزعت الكمية على الإخوان الذاهبين للحرم وخزنا كمية في الخلوات مبكرا وفي الركعة الأخيرة قمنا بتوزيعها أمام المصلين وفي التوقيت نفسه تم ذلك في جميع أنحاء المملكة وكانت تحمل اسم جهيمان الصريح والغريب أن هناك شبابا تبرعوا بتوزيع الرسالة وأنا أحمل كميات منها وهم ليسوا من الإخوان وأكاد أجزم أن هناك مجموعة ساعدت في التوزيع وهي تجهل ماذا توزع ومن هو جهيمان .

وبعد صلاة الفجر جلست في الحرم فوجدت الناس يتصفحونها ثم عدت للرياض وكتب الشيخ بديع بن إحسان الله الراشدي ردا على الرسالة يقو فيه إن ملة إبراهيم ليس فيها التباس أظنه نشره في جريدة الندوة فانفض من حوله الإخوان وهذا مما سرع بعودته لوطنه الباكستان .

في هذه الفترة انتظمت أكثر في دروس الشيخ عبد العزيز بن باز وأصبحت أشعر أن أمر الإخوان في طريقه إلى الفوضى فحاولت أن أنظّم نفسي وفي أحد الأيام مرّ علينا في الرياض أحمد الزامل وطلب مني مرافقته إلى الطائف وكان معه عائلته واستأجر بيتا في الطائف وذهبت معه من غير أن أستفسر لأنني أعلم أن جهيمان هو من طلبني وذهبت معه وهناك لم ألتق بجهيمان إلا بعد ثلاثة أيام .

وبعد السلام عاتبني جهيمان عتابا شديدا وقال لي ماذا تريدون بالشيخ ابن باز ؟ هذا الشيخ قد فقد بصره وبصيرته وأنتم تلتفّون حوله ؟ هذا من شيوخ آل سعود وقد حذّرنا منه الشيخ الألباني في جلسة خاصة مشافهة حيث قال :"إن الشيخ ابن باز من الممكن خداعه بسهولة من قبل من حوله فلا تعوّلوا عليه في القضايا التي تمسّ بأمن الجماعة وهو سبق أن ورّطنا"كنت أسمع هذا الكلام وأنا لا أجرؤ على مدافعته أو الرد عليه .

وانفض اللقاء بعد يومين وعدت إلى الرياض وعدت إلى الدراسة على الشيخ مع مجموعة من الشباب منهم خالد الشريمي وفي أحد الأيام التقيت بأحمد الزامل فقال لى : جهيمان يقول لك لماذا لا زلتم تدرسون علي ابن باز ؟ فسكتّ. ولعل هذا الموقف مني ومن مجموعة من الإخوان من الذين التفوا حول الشيخ ابن باز كان في صالحنا في ما بعد .

إذ لم نقتنع بفكرة المهدي وما تبعها بعد ذلك من تبعات منها حمل السلاح في الحرم وإطلاق النار ولذلك حديث آخر . بالرغم من هذا الضغط الذي مورس ضدي بسبب دراستي على ابن باز إلا أن علاقتي بالإخوان لم تنقطع بل توطدت ولم أورّط نفسي في توزيع الرسائل التي صدرت بعد ذلك الأربع رسائل أولا ثم السبع رسائل ولم يعد جهيمان يطلبني إلى أن قال لي أحد الإخوان إنهم سيذهبون إلى المدينة فهل ترغب بمصاحبتنا ؟

هذه المرة لم أشعر أن هناك ترتيبا للقاء جهيمان وفعلا سافرنا إلى المدينة وعند وصولنا إلى جبل طمية فضّل أحد الإخوان أن نستريح في ظل الجبل قليلا وفعلا نزلنا وأنزلنا ما نجلس عليه وعملنا الشاي وإذا بوانيت ياباني يقف عندنا وإذا بأحمد المعلم ينزل منه وكان مطلوبا وكنت أظنه في الكويت .

وبعد السلام أخبرنا أنه وبعض الإخوان نازلين خلف الجبل وحينما صعدنا إلى مكانهم وجدنا جهيمان ومحمد عبد الله القحطاني وسلّمنا عليهم وشعرت وقتها أن جهيمان ليس كعادته معي من حيث الانبساط والمجاملة وكنت أعلم السبب وكانت طريقته في توجيه الكلام لى غير مباشرة وهي الطريقة المتبعة لديه إذا أراد أن يبكت أفكار أو مواقف معيّنة فإذا اعترضت قال لك : أنا لم أوّجه الكلام لك وهكذا يستفزك من غير أن تستطيع الرد فأنت تعلم أنه يقصدك ومن يوجه إليه الكلام يعلم ذلك وبعض الحضور .

وهذا المسلك هو الذي أبعد سليمان بن شتيوى عن الجماعة وكانت المجموعة قد تجمعت حول جهيمان من أجل صياغة رسائله التي سيطبعونها وكان المسؤول عن الصياغة محمد عبد الله القحطاني وأحمد حسن المعلم وهاذان الاثنان هما من كان يصوغ لجهيمان رسائله وهذا معروف فكلاهما شاعر وكلاهما متمكن من اللغة العربية نوعا ما علي العكس من جهيمان الذي كان ينبذ تعلم النحو والصرف والإملاء مبكرا بل كان ينقل هذه النبذ لمن حوله.

وكثيرا ما قيل إن جهيمان من خريجي الجامعة الإسلامية أو إنه من طلاب دار الحديث في المدينة المنورة والحقيقة أن جهيمان لم يدرس أكثر من الرابعة الابتدائية وسبب دراسته لها هو أنه كان يطمح بترقية في مهنته كسائق وايت في الحرس الوطني هذه هي الحقيقة وما عدا ذلك فتخرصات وجميع من استند إلى ذلك يقول كيف معه الرابعة الابتدائية ويكتب هذه الرسائل ؟

حقيقة هذه الرسائل كانت تملي كأفكار إملاء حتى إن جهيمان لم يكن يدّونها كمسودات وذلك لكرهه الكتابة ولرداءة خطه وكما قلت كان يمليها كأفكار ومن ثم يقوم بصياغتها أحمد المعلم أو محمد عبد الله القحطاني ومما ساعد جهيمان أنه يتمتع بذاكرة حديدية يستطيع أن يستحضر بها إحالاته ونقولاته حال حاجته إليها .

في عام 1399 هـ كثر الحديث عن تواتر الرؤى وأننا في آخر الزمان طبعا هذا الخطاب كان حاضرا وبشكل ملفت للنظر قبل هذا التاريخ بمدة وكما أشرت سابقا أن مجالس الجماعة قبل الاعتقال الأول كان يتخللها أسئلة عن آخر الزمان وعن تأويل الرؤيا التي يراها البعض .

وبما أن الجماعة كانت على يقين أننا في آخر الزمان ودعمت الأخبار التي تشير إلى ذلك فقد كانت تصّعد خطابها نحو سيناريو مفترض وهو أننا في آخر الزمان وعن تأويل الرؤيا التي يراها البعض وبما أن الجماعة كانت على يقين أننا في آخر الزمان ودعمت الأخبار التي تشير إلى ذلك فقد كانت تصعد خطابها نحو سيناريو مفترض وهو أننا في آخر الزمان .

وفي آخر الزمان يخرج المهدى ومن علامات خروجه تواتر الرؤيا حوله وفعلا شكلت هذه القضية هوسا جميعا بين أفراد الجماعة يجب هنا أن نسلط الضوء على فكرة العلامات أو الفتن وأشراط الساعة عند جهيمان في مستهل رسالته : "الفتن وأخبار المهدي ونزول عيسي وأشراط الساعة" واسم هذه الرسالة هو الترتيب أو سيناريو الأحداث التي ستقع والذي سيفصّل فيه جهيمان وهو ترتيب مهم كما سيتضح لنا بعد ذلك.

يقول جهيمان : "ترتيب مهم كما سيتضح لنا بعد ذلك يقول جهيمان : "بذلت وسعي في جمع أحاديث مما صحّ من أحاديث الفتن وأشراط الساعة لعظم الحاجة إليها اليوم وقمت بترتيبها حسب أزمنة وأمكنة وقوعها مع الحرص على التوفيق بين النصوص والجمع بينها وإخراجها في صورة متكاملة لتتم بذلك الفائدة ...."ثم يقول جهيمان معللا سبب جمعه :"... وقد سبق إلى الجمع والتأليف في هذا الموضوع ... كثير من أهل العلم .

ولكنني لاحظت فيما كتبوا أمرين هامين : الأمر الأول : عدم الاقتصاد على الصحيح من ذلك بل جمعوا بين الصحيح والضعيف ومعلوم أن ديننا لابد أن يصح ثبوته لنعتقده ونعمل به . الأمر الثاني : عدم التوفيق والربط بين دلالتها وتطبيقها على الواقع الذي وردت فيه .

لذلك تجد القارئ في تلك الكتب يجد فيها شيئا من التعارض بل في بعض المواضع لا يكاد أن يفقه ما دلت عليه – مع أنهم يعذرون في عدم معرفة ذلك لأنهم لم يروا ما رأينا ...

"كنت وقتها معهم جسدا ومن دون قناعة فكرية بما أصبح يتردد وازداد الأمر سوءا بالنسبة إلىّ حينما طرحت مسألة المهدي المنتظر وتحديده بمحمد بن عبد الله القحطاني وما يتردد من حث بعضهم بعضا على تملك السلاح وحيازته لأمر افترضوا حتمية وقوعه لا محالة وامتزج القدري بالمسلكي حتى صعب التفريق بينهما عندهم .

وهكذا سارت المجموعة نحو الكارثة كانت أجواء الجماعة في تلك الفترة ملبدة بأفكار الخلاص والمهدي والمنامات والرؤي وقد التقيت بمحمد بن عبد الله القحطاني في تلك الفترة وسألته هل أنت مقتنع فعلا أنك المهدي المنتظر فقال لي :

لم أكن مقتنع أولا بما كان يقوله الإخوان من أنني المهدى المنتظر وبعد مدة اعتزلتهم ثم استخرت الله أكثر من مرة حول ذلك وانشرح صدرى لذلك في ليلة فقلت له من أول من أشار إلى أنك المهدي فقال لي : هذه الفكرة كانت موجودة عند بعض الإخوان في مسجد الرويل قبل أن ننصّم للإخوان وكانوا يرددونها أحيانا.

وكنت أبتسم في داخلي منها وكنت أعتبرها مزحة حتى تواترت الرؤى فأخذتها على محمل الجد وكما نرى يبدو أن مسألة المهدي عندهم بدأت مزاحا وانتهت إلى جد جرّ إلى كارثة وقد سألت سعد بن عبد الله القحطاني عن تحديد محمد عبد الله القحطاني وأنه هو المهدي وكيف يكون هو المهدي وهم من قبيلة قحطان .

ومن شروط المهدي أن يكون قرشي من نسل الرسول أى (من أحد البطنين)فقال لى إننا أصلا لسنا من قحطان القبيلة وإننا من قحطان حلفا وإن جدّهم الأكبر من أشراف مصر قدم مع الأتراك في حملات محمد على واستوطن جازان ثم عسير وإنهم كانوا يعرفون ببيت التركي ...

في هذه المرحلة بحثت عن مصدر للرزق فعملت في محل لبيع الأواني المنزلية وبدأت علاقتي بالإخوان تخبو أو تبرد ولم أعد أهتم باجتماعاتهم أو أخبارهم وحافظت علي علاقتي بدروس الشيخ عبد العزيز بن باز وعلاقتي بخالد الشريمي وفي أحد الأيام بعد موسم الحج التقيت بأحد الإخوان في المسجد الجامع وأخبرني عن اعتزام الإخوان دخول الحرم في 1/1/ 1400 هـ وأنهم سيبايعون المهدي المنتظر محمد بن عبد الله القحطاني بين الركن والمقام .

وسألني : هل ستدخل معهم ؟ فأخبرته بأنني غير مقتنع بقصة المهدي المنتظر فقال لى إن الإخوان جميعهم قد حجوا هذا العام ورابطوا في مكة في انتظار هذا الحدث وافترقنا كنت أعلم أن هناك مجموعة من الإخوان غير مقتنعين بقصة المهدي ودخول الحرم بالسلاح مثل شيخي على المزروعي وحامد الأحمدي وفيصل محمد فيصل وعبد الله الحربي وقد حدث مع كل من فيصل وعبد الله حوادث غريبة.

أما فيصل فقد سمعت منه مباشرة كيف دخل الحرم مع الداخلين وهو الذي لم يقتنع بقصة المهدي ولا بحمل السلاح يقول فيصل : كنت قادما من المدينة ومررت بمزرعة على الحضيني لتعبئة ماء ولراحة العائلة والتقيت بعلي وبعد السلام جلسنا نحتسي القهوة وأخبرته بموقفي من المهدي وحمل السلاح في الحرم .

ثم دخل إلى الداخل وعاد بعد برهة ثم قال لي : هل تريد أن تلتقي بجهيمان فوافقت وفعلا خرج علينا جهيمان بعد برهة وبعد السلام جلسنا نشرب الشاي ثم قال لى جهيمان أنت يا فيصل رجل الكل يقدرك ويسمع منك وما كان لك أن تتخلف عن الإخوان فقلت له أنت تعلم يا جهيمان أنني سبق أن قلت لك إن الله لم يشرح صدري لهذه القضية خصوصا وأن فيها مخالفات شرعية كثيرة وأنا عندي الصورة ملتبسة لم أستطع أن أميز فيها بين الحق والباطل .

فقال لى جهيمان وهو يضرب على صدره تعالي وعلى ّ وهكذا ذهبت بعائلتي إلى نجران وعدت ودخلت الحرم وبايعت محمد عبد الله لم أطلق النار إلا في الأيام الأولي ثم لما فقدنا محمد عبد الله عدت للخلوات تحت وكلمت جهيمان عن فقدان المهدي .

وجاءنا خبر من بعض الإخوان أن محمد عبد الله قد قتل فغضب جهيمان وقال إن محمد عبد الله لا يمكن أن يكون قد قتل لأنه المهدي المنتظر والصحيح أنه حصر في مكان ما من الحرم واتهم الإخوان الذين شهدوا قتل محمد عبد الله بعدم اليقين بمهدية محمد عبد الله وأنهم يسعون إلى الإرجاف بين صفوف الإخوان .

وهكذا لم يجرؤ أحد بعد ذلك على تكرار القول بمقتل المهدي أو أسره خشية التهمة وسألت فيصل عمّا كان يعمله قي القبو فقال لى كنت معتزلا في زاوية من الخلوة مع الجرحي والمصابين والغريب أن الإشاعات والرؤى كانت تتواتر بيننا بشكل غريب مثل خبر الخسف في الجيش القادم من تبوك الذي سألتك عنه وكان فيصل قد سألني أول دخولي إلى الزنزانة معه عن صحة خبر الخسوف بالجيش القادم من تبوك فأخبرته عن عدم صحة ذلك وأن أى شئ من الأحداث المرتبطة بخروج المهدى المنتظر لم يقع منها شئ .

فاستغرب ذلك وقال : كان هناك في الخلوات كل يوم رؤيا أو خبر حتى إن جهيمان هو الذي بث خبر الخسف بالجيش وقال أن إحد الإخوان سمعه من راديو القوات المحاصرة لهم في موقعه المتقدم للحراسة مثل هذا الكلام ليس له أساس من الصحة طبعا وغالبا هو مزيج من الكذب والخطأ والهلوسة أما عبد الله الحربي فحكايته أعجب من حكاية فيصل كان عبد الله معتزل الإخوان لعدم قناعته أيضا بمهدية محمد عبد الله وحمل السلاح في الحرم فاعتزل الإخوان قبل دخولهم الحرم بشهور .

ولما وقع اقتحام الحرم أخذت عبد الله الحمية وقرر أن يقوم بحركة لتخفيف الحصار على الإخوان من خلال القيام بعملية لاقتحام الحرم النبوى مشابهة لعملية اقتحام الحرم المكي فذهب لساجر بحثا عن أعوان بين قبيلة جهيمان واصطدم بنقطة تفتيش وطلبوا منه التوقف فعصي الأوامر والإنذارات المتكررة وهرب منهم وحاول مقاومتهم بإطلاق النار عليهم من السلاح الموجود بحوزته وبعد إنذاره المتكرر تبادلت معه قوات الأمن إطلاق النار فوقع قتيلا وقد أخبرني بقصته أحمد العسكري وهو يمني من الإخوان يعمل في الزراعة في ساجر ولم يدخل الحرم وكان معه في هذه الواقعة وكان يحثه على الاستسلام إلا أنه رفض ذلك .

الدخول إلى الحرم

قبل الخوض في آلية دخولهم إلى الحرم يجب أن أشير أن مجمل ما سأرويه هنا أنا أحكيه عن فيصل محمد فيصل وبعض من سجنت معهم ممن دخلوا الحرم .

علمت بنية الجماعة في دخول الحرم والاعتصام به في محرم مصادفة إذ التقيت أحدهم في الرياض بعد خروجي من المسجد الجامع في العقد الثاني من شهر ذي الحجة وبعد السلام سألني : هل ستذهب لمكة ومبايعة المهدي ؟

فأخبرته بعدم قناعتي بمهدية محمد عبد الله القحطاني فأخبرني أن الإخوان قد تواصوا فيما بينهم على التجمع في مكة ودخول الحرم فجر صباح 1 / 1/ 1400هـ وسيبايعون المهدي بين الركن والمقام .. بعد ذلك وقع الحادث في التاريخ المذكور وحدث لفظ حماسي بين المجموعة التي تقاعست عن دخول الحرم بسبب عدم قناعتها في قضية المهدى المنتظر .

وكانت الصحف هي المتوفرة لدي كمورد وحيد لحادثة الحرم وطالت أيام القتال داخل الحرم وخشيت أن أتصل بأحد من الإخوان فيلقي القبض علىّ وبقيت على هذه الحالة حتى إلقاء القبض على في 15 / 1/ 1400هـ وبعد التحقيق معي وأخذ إفادتي نقلت إلى سجن بني حديثا على طريق مكة – المدينة وهناك وضعت في غرفة وكان معي فيها فيصل محمد فيصل اليامي وقد فوجئت بوجوده لمعرفتي بموقفه من تحديد المهدي بمحمد عبد الله القحطاني .

وقد سبق أن أشرنا إلى كيفية دخوله الحرم ولنكمل ما حدثني عنه يقول : ذهبت بأهلي إلى نجران وعدت إلى مكة وكان الإخوان على قدم وساق في التحضير لدخول الحرم فجهزوا وايتين (سيارتين خاصتين بنقل الماء)والسبب في أنها سيارات نقل ماء أن هناك في بدروم الحرم بئر يشرب منها بعض أهل مكة فمن المعتاد أن تقف هناك سيارة أو سيارتان في البدروم تنتظر دورها في تعبئة خزانها .

المهم أن الإخوان ملأوا إحدى السيارتين بتمر والأخرى بالسلاح والذخيرة كما أنهم ملأوا خزانات الوقود الرئيسة والاحتياطية في الوايتين تحسبا لكل طارئ علما أن بعض الإخوان من أهل مكة قد دخلوا بعض قطع السلاح الخفيفة وخبأوها في أكثر من خلوة من خلوات الحرم الموجودة في البدروم قبل موعد الاقتحام بأيام وكانت الخطة تقضي بأن يدخل السلاح بثلاث طرائق يتسلسل استعماله زمنيا .

هكذا تدخل المجموعة الأولي وهي بسلاحها الفردي المصطحبة معها من خارج الحرم أو الحاصلة على بعضه من داخل الحرم والمخبأ في الخلوات ومهمتها تأمين الساعة الأولي ويدخل الوايتات في الساعة نفسها ثم تدخل الجنائز الوهمية محمولة علي أعناق الإخوان وكان أكثرها جنائز نساء والسبب أن جنائز النساء مقببة فلا تصف ما تحتها كما إنها تحمل أكثر وأدخلت الجنائز الحرم قبل التكبيرة الأولي ووضعت في مكان قصيّ في الحرم بعد التكبيرة الأولي وتم الأمر هكذا .

قام الإمام الشيخ محمد السبيل بالتكبيرة الأولي وكان الإخوان قد وزعوا عناصرهم على جميع أبواب الحرم بحيث إن كل باب كان عنده عنصر أو عنصران ..


يخبرني أسامة عوّاد إبراهيم القوصي وهو مصري في السنة النهائية في كلية طب القاهرة وقدم مساعدة طبية للإخوان داخل الحرم وهو ممن دخل الحرم وبايع المهدي أن الإخوان بدأوا في إغلاق أبواب الحرم بمجرد بدء الإمام بقراءته يقول :"كنا نسمع إغلاق أبواب الحرم ونحن خلف الإمام نصلي"

وهنا يخبرني أحدهم أنهم سمعوا إطلاق رصاصة واتضح في ما بعد أن مطلقها أحد الإخوان بسبب مشادة بينه وبين أحد حراس الأبواب غير المسلحين وقتها وأن هذه الرصاصة قد ارتدّت على مطلقها فقتلته تنوقلت هذه الواقعة بين الإخوان لأن هذا الرجل سمي أول شهيد في حادثة الحرم يخبرني أحد الإخوان أنهم سمعوا أصوات تكبير من بعض الإخوان المتحمسين أثناء الصلاة ...

ولا أدرى هل هذا التكبير إشارة لأمر متفق عليه بينهم أم إنها جاءت عفوية بعد أن سلّم الإمام وقام ليصلي صلاة الميت بادرت مجموعة من الإخوان إلى الميكرفون وسيطروا عل الوضع وسط هتافات التكبير والحمد وحاول الشيخ محمد السبيل إمام تلك الفترة أن يعظهم فلم يسمعوا له بل اقتيد هو وبضعة عساكر إلى إدارة الحرم حيث تحفظوا عليهم في إحدى الغرف .

وبدأ توزيع دفعة من السلاح ثم بدأ خالد اليامي خطبته المكتوبة والتي سرد بها أهدافهم من اقتحام الحرم ومبرراتهم حول ذلك كما هو مثبت في نصها الذي أوردناه في الملحق الرقم (2) (خطبة الحرم) وكان جهيمان يقاطع الخطبة ويعطي توجيهاته لأتباعه وتوزيعهم على مواقع معينة داخل الحرم أو يعلق موقف معين

وبعد ذلك وزع السلاح والذخيرة على الموجودين في صحن الحرم ووقف محمد بن عبد الله القحطاني (المهدي المنتظر)بين الركن والمقام كما ورد في نص حديث الرسول (.....)فبايعه أولا جهيمان ثم بايعه باقي الإخوان الموجودين حوله .

ثم قام نور الدين بن بديع الدين بن إحسان الله شاه الراشدي بترجمة الخطبة للأوردو لمجموعة من الباكستانيين قال لى أحد من شهد هذا الموقف إن نور الدين كان يخطب في الباكستانيين مشهرا مسدسا يلوّح به في الهواء وبعد أن أنهي كلامه قامت مجموعة من الباكستانيين ممن خطب بهم نور الدين بالهتاف : (مهدي ... مهدي ... مهدي).

وتمت البيعة للمجموعة الموجودة في صحن الحرم ثم قيل لمحمد عبد الله القحطاني (المهدي)إن هناك بعض الإخوان لم يبايعوا بسبب أنهم متمركزين في مواقع دفاعية وليس من المصلحة أن يتركوا مواقعهم فقرر عبد الله المرور عليهم في مواقعهم وأخذ البيعة منهم وكان بعضهم في المنارات وبعضهم في المسعي وبعضهم فوق سطح الحرم وعند المداخل وفعلا تم ذلك ومر محمد عبد الله عليهم وأخذ البيعة منهم وحثهم على الصبر في القتال .

وحصل في هذا الوقت قنص من المنائر على القوات الموجودة في الخارج فردّت عليهم القوات واستعر الرمي والقنص وحاولت مركبة مدرعة الدخول من المسعي من جهة المروة ففجرت بعبوات مولوتوف مكونة من زمزميات فخارية كانت تستعمل في السقاية وبنزين وفتيلة من القماش .

ووضع متاريس مكونة من السجاد المطوى في المسعي وفي بعض الأماكن وأمن بعض الخلوات بالماء والتمر والذخيرة لتكون مكان إمداد وملجأ ومكان راحة في هذه الفترة وأعني الثلاثة الأيام الأولي كان محمد عبد الله (المهدي)يمرّ خلالها على المرابطين في مواقع الدفاع ثم انقطعت أخباره عنهم وذكر أحدهم لجهيمان أن محمد عبد الله قد أصيب في المسعى وذكر له آخر أنه قتل في المسعى .

فغضب جهيمان وقال لهم : إن المهدي لا يمكن أن يقتل قبل أن يحقق رسالته التي من أجلها اختير كمهديّ هو لم يقتل وإنما حصر وشاع بين الإخوان أن المهدي قد حصر في مكان ما من الحرم يقول فيصل محمد فيصل : بعد نهاية اليوم الثالث لم يشاهد أحد محمد عبد الله (المهدي المنتظر)وتضاربت المعلومات حول قتله وإصابته وحصره ومنع جهيمان من يردد معلومة قتله من ترديدها .

وتجادل معي أى فيصل محمد فيصل حول ذلك خصوصا وأنني طلبت منه التسليم وعدم إطلاق النار بسبب أن العامل الأساسي وهو المهدي مجهول المصير وأننا في الحرم ولا يجوز رفع السلاح فيه فما بالك بإطلاق النار ؟ فغضب مني وقال لى إن هذا الكلام يبث روح الهزيمة بين الإخوان والمهدي لم يقتل ولن يقتل حتى تتحقق باقي العلامات المنصوص عليها .

ونحن الآن ننتظر العلامة الثانية وهي الخسف بالجيش القادم من تبوك لكي يقاتلنا والمهدي حصر في مكان ما من الحرم وسنفك حصاره يقول لى فيصل : عندها رميت سلاحي وأويت لإحدى الخلوات منتظرا الخسف بالجيش القادم من تبوك يقول لى فيصل : بعد حديثي مع جهيمان الذي تم بعد اليوم الثالث بيومين أتانا جهيمان وأخبرنا أن الرؤيا قد تواترت بأن الجيش القادم من تبوك قد خسف به.

وبعد ذلك بيومين أتانا أحد الإخوان وهو مستبشر وقال : إن فلان من الإخوان وهو من أهل الصدق والورع وكان مرابطا في الخطوط الأمامية سمع في الليلة الماضية الراديو الموجود عند العسكر وكان صوته واضحا أن الجيش القادم من تبوك لمحاربة الإخوان المعتصمين بالحرم قد زلزلت الأرض من تحته وخسف به وأن خسائرهم كبيرة فكبّر بعض الإخوان ...

وكان السبب في تطرقنا لهذا الموضوع أنا وفيصل أنه سألني حالما رآني معه في الزنزانة عن صحة خبر الخسف بالجيش القادم من تبوك فنفيت ذلك له وأخبرته عن استقرار الأوضاع وأن الحياة عادت إلى طبيعتها في مكة نفسها وذلك بعد شهر محرم الحرام ومما فهمته من مجموعة منهم أنهم كانوا يسمعون يوميا بأحلام أو بأخبار كانت تروج بينهم وعليهم كلها تعزز قضية المهدي أو الخسف بالجيش أو تحث على الصبر والثبات .

وأنا أظن أن المجموعة أصيبت بحالة من الهوس الجمعي أو كانت تحت تأثيره خصوصا وأنهم في أواخر السبعة أيام قد حصروا في خلوات الحرم وكان جهيمان يخرج بمجموعات من أعوانه فيطلقون النار عند أبواب القبو وكما انحسر القتال من المنارات والسطح إلى الدور الثاني ثم انحسر إلى الدور الأول إلى البدروم ومن مجمل البدروم إلى أجزاء متفرقة من غرف البدروم وفي اليوم الأخير حصروا في غرفة أو غرفتين وفتح عليهم فتحات من السقف ورموا عليهم قنابل مسيلة للدموع وفي جميع مراحل المواجهات كانت مكبرات الصوت تناشدهم أن يستسلموا وأن يلقوا السلاح .

أفكار جهيمان

كثيرا ما سئلت عن جهيمان بن محمد بن سيف الضان الحافي العتيبي فما قام به هذا الرجل من دخول الحرم بالسلاح في شهر محرم الحرام وفي بلد الله الحرام وانتهاكه لحرمة الدم الحرام كما إنها وضعته موضع التقول والتخمين وذلك بسبب أن جهيمان يكاد أن يكن شخصية مغمورة نسبيا وقد لا يكون معروفا إلا عند القلة من المشتغلين في العمل الإسلامي .

وذلك قبل سنة 1978 م أما في هذا العام وما بعده فاسم جهيمان أصبح يتردد على كثير من أفواه المشتغلين في العمل الدعوى الإسلامي هارب من العدالة بسبب تأليفه للمنشورات وهو مسلك جديد على النمط الدعوى المعارض والمتعارف عليه في البلد والمتمثل غالبا في الخطب في المساجد وانتشر اسمه بعد ذلك انتشارا عالميا بسبب حادثة دخوله الحرم .

ولكن بقي المعروف منه هو اسمه فقط من غير تفاصيل تذكر مما أدي بسبب جهالتهم لحاله إلى الوقوع في الكذب والخطأ والتخمين .

نشأ جهيمان وترعرع في هجرة ساجر وهي إحدى الهجر التي أنشأها الملك عبد العزيز للإخوان وسجل في الحرس الوطني جنديا كقائد وايت ثم حاول أن يحصل على الشهادة الابتدائية لكي تساعده على الترفع الوظيفي كما قال لى ذلك بنفسه وقال لي أنه ترك الدراسة وهو في الصف الرابع ابتدائي ثم دخل معهد دار الحديث القسم الابتدائي لفترة قصيرة جدا لا تتعدي الفصل الدراسي الواحد ثم ترك الدار لعدم قدرته على المواصلة .

خرج من الدار ساخطا على المناهج وأسلوب التدريس مما كون لديه موقفا عدائيا من الدراسة النظامية سينعكس في ما بعد على سلوكه الفكري وتعلم القراءة منذ تلك الفترة أما الكتابة فيكاد أن يكون أميا فيها وقد اطلعت على كتابات جهيمان المبكرة وكانت عبارة عن خط غير مقروء إلا بمشقة بسبب سوء الخط ووفرة الأخطاء الإملائية واللغوية وبعض الكتب التي تملكها في مكتبته الخاصة عليها بعض كتاباته وتهميشاته وتعاليقه التي صب الكثير منها في الرسائل التي ألفها في ما بعد .

إلا أن ما ساعد جهيمان كثيرا هو ذاكرته الحديدية وقدرته على الاستدلال لأفكاره وجموده على ظاهر النص ويجب أن نشير هنا إلى أن جهيمان كان عزوفا عن كل علم لا يستطيع هو التعامل معه بل كان كثيرا ما يعترض على علوم هي مكملة للعلوم الشرعية مثل علم النحو وعلم أصول الفقه بذريعة مهمة في العقل السلفي وهي أن السلف الصالح لم يتعلم هذه العلوم ومن الممكن أن يحتج عليك جهيمان أو أى واحد من الإخوان بالتقوى وأنها هي البديل عن تعلم هذه العلوم لقول الله تعالي (واتقوا الله ويعلمكم الله)(البقرة : 282) .

بل قد أشار جهيمان إلى ذلك في رسالة"البيان والتفصيل في وجوب معرفة الدليل"بقوله :" وكان الأعرابي يأتي من البادية يسأل عن الإسلام ويجلس عند النبي صلي الله عليه وسلم مجلسا واحدا يخرج منه بما يدخل به الجنة – إن صدق – أخرج البخاري ومسلم عن طلخة بن عبيد الله رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دويّ صوته ولا نفقه ما يقول حتى دنا من رسول الله صلي الله عليه وسلم فإذا هو يسأل عن الإسلام ؟ فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم فإذا هو يسأل عن الإسلام ؟

فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (خمس صلوات في اليوم والليلة) فقال : هل عليّ غيرهن ؟ قال : "لا إلا أن تطوع"فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (وصيام رمضان)فقال على عليّ غيره ؟ قال :"لا إلا أن تطوع"وقال : ذكر له رسول الله صلي الله عليه وسلم الزكاة فقال : هل عليّ غيرها ؟ قال : (لا إلا أن تطوع) قال : فأدبر الرجل وهو يقول : والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : "أفلح إن صدق" أو"دخل الجنة إن صدق".

فيا تري هذا الأعرابي كيف يتعلم الصلاة ؟ يتعلمها بأن يصلي أمامه أحد الصحابة رضي الله عنهم لأن الرسول صلي الله عليه وسلم علمهم كذلك كما في قوله : "صلوا كما رأيتموني أصلي" (رواه البخاري) يعطونه أحاديث النبي صلي الله عليه وسلم المعدودة الواردة في شأن الزكاة والصوم في وقت يسير وهب أنه قضي اليوم بكامله ليعرف كل هذا ويرجع إلى قومه عالما بدين الله عزوجل يبلغه كما سمعه .

أقول : لو جاء هذا الأعرابي إلى متفقهة هذا الزمان لهوّلوا عليه العلم ولكتموا عنه ما أنزل الله ولقالوا له أفعل كذا ولا تفعل كذا ولعددوا عليه الأركان والواجبات والشروط والمبطلات والفروض حتى يحار فإن لم يجد في ذلك هداية وبرهانا وحجة .

وقال أريد أن أطلب العلم وأعرف ما الذي كان عليه رسول الله صلي عليه وسلم وأصحابه قالوا"هيهات! بينك وبينه مفاوز لكن احفظ المتون ثم أقرأ الشروح واحفظ القرآن واقرأ التفسير وتعلم اللغة والنحو و.... و .... و ... ثم إذا أمضيت سنتين من عمرك في هذا هناك يحق لك أن تستخرج المسائل من النصوص وأما قبل ذلك فليس لك إلا أن تسير كالأعمي وراء ما يقول لك الشيخ ! وإياك أن تحدث نفسك بأن تراجعه في شئ فضلا عن أن ترد من أقواله شيئا"!!

وقد ناقش جهيمان مجمل شروط الاجتهاد وردها بإجراء ساذج كثيرا ما يتعلق به السلفيون فقال : "وأما الشروط التي تجدهم يدندنون بها ويشترطونها فيمن يجوز له أن يتفقه في النصوص ويستخرج منها الأحكام فإنها تحتاج إلى أدلة من الكتاب والسنة ثبت في الصحيحين قول رسول الله صلي الله عليه وسلم :"ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله أيما شرط ليس في كتاب الله فهو باطل باطل باطل وإن كان مائة شرط"وقد أوصلها بعضهم إلى عشرة شروط وثلاثة عشر شرطا وغير ذلك"

وهو ردّ أى شرط ليس في كتاب الله طبعا (الجماعة السلفية المحتسبة)عموما وجهيمان يستخدمون هذا الخطاب ليس فقط لتحري سبيل المؤمنين وإنما هو درعهم الواقية ضد أى تطوير أو تحسين وهو علامتهم على تحري اتباع السنة النبوية من خلال الفهم العامي الساذج أو حتى البدوي للإسلام يقول جهيمان : "والذي يفرق بين طالب العلم والعامي وبين من عنده آله ومن ليس عنده لا يستطيع أن يضع حدا محدودا للمرء حتى يكون طالب علم أو صاحب آلة .

ويكفيه أنه يتحكم في عباد الله ويقسمهم ويفرق بينهم فيما أوجبه الله عليهم جميعا ولا برهان عنده من الله ورسوله ولا يجد الفرق هذا كان في أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم كيف؟ ! والعامي يجب عليه أن يكون طالب علم يقول الرسول صلي الله عليه وسلم : (طلب العلم فريضة على كل مسلم وإن طالب العلم ليستغفر له كل شئ حتى الحيتان في البحر)(أخرجه بن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله وهو صحيح).إذا فلماذا خلقه الله ؟ إلا ليعبده بما شرع"

هذه آلية التفكير السلفي وما زالت حيث نجد عندهم قوالب من الحجج الجاهزة مثل قولهم هذا شرط ليس في كتاب الله وسنة رسوله وقولهم ما لم يفعله السلف ويسعنا ما وسعهم وبعضهم يطلق على المباح المحدث (بدعة)وكل بدعة ضلالة أما المصالح المرسلة وتفعلي المصلحة وتحديث المفاهيم فليس في خطابهم لا من قريب ولا من بعيد بل تجد في خطابهم المنع للأحوط وتفعيل باب سد الذرائع الذي حرموا من خلاله ما أحل الله .

إن من يدخل مكتبات الإخوان في الحرة الشرقية أو في مزارع ساجر وحايل سيجد أن نمطها واحد فهي تحتوى أولا على كتب الألباني وتخريجاته ثم متون الكتب الستة أو العشرة وبعض كتب شروح الحديث مثل كتاب سبل السلام في شرح بلوغ المرام وكتاب فتح الباري شرح صحيح البخاري وكتاب نيل الأوطار وكتب رجال الحديث مثل تهذيب التهذيب وتقريب التهذيب ولسان الميزان وجميعها لابن حجر العسقلاني وميزان الاعتدال والكاشف والضعفاء وجميعها للذهبي وغير ذلك من كتب الرجال .

هذه الكتب غالبا موجودة في مجمل مكتباتهم بل إن تجميع الكتب أصبح شبه عرف بينهم وأصبحت تجد بعضهم يتباهي بمكتبته مع انعدام علمه أو اهتمامه بطلب العلم لقد كان بينهم من يجمع الكتب ذات الجلاد الأحمر وهكذا تجد مكتبته حمراء غالبا .. أما إذا انضم إلى الإخوان جديد فيبدأون بتعليمه أولا طرق البحث في كتب الرجال وتخريج الأحاديث .

وإذا كان هناك وقت قرأوا شيئا من مصطلح الحديث ولم أجد الجماعة يوما اهتمت بتجويد القرآن تلاوة وتقويما بالرغم من كثرة العوام في هذه الجماعة ووضوح خطئهم في تلاوة القرآن في مجالس الدعوة وعلى المنابر التي ارتقوها بعد ذلك هناك نقطة يجب الإشارة إليها وهي أن جهيمان لم يرتقي منبرا في أى منطقة حضرية وغالبا أنه يرتقي المنابر الموجودة في التكتلات السكانية البدوية والسبب هو أنه يتحاشي المناطق التي من الممكن أن ينتقد فيها لغويا (نحوا وصرفا و ..) حتي علميا .

النقطة الثانية هي موقف جهيمان من المدارس والدراسة الحكومية النظامية يقول محمد عبد الله القحطاني (المهدي):"ولا بد لنا هنا من التنبيه على فساد طلب العلم في هذه المدارس والمعاهد والكليات التي انخدع بها الكثير من الناس ووجوه إبطالها كثيرة قد تحتمل رسالة مستقلة ولكنها يكفي إنها تقوم أولا على معصية الله بالصور المحرمة ويجد فيها الدارس من جلساء السوء .

ولا يتعلم فيها الدارس الكتاب والسنة إلا على طريقة التقليد المذموم ثم لا تخلو من المنكرات وتجد الدارس فيها يسكت عن إنكار المنكر ويداهن وبسط الأدلة في ما ذكرنا يطول وتجدها منثورة في هذه الرسائل فارجع إليها ثم انظر إلى ما يخرج به الدارس في هذه المدارس يتضح لك الأمر إن شاء الله .

طبعا هذا الكلام هو رأي جهيمان وهو الكلام المنتشر في مجالس الإخوان وهو خطاب مصاحب لنشأة المدارس مبكرا في البلد حيث نجد هذه الحجج والحيثيات حاضرة عند جمع من أولياء الأمور وبعض طلاب العلوم الشرعية في الفترة المبكرة من نشأة المدارس للبنين وكان بعض المشايخ يرون أن مدارس المعارف (المدارس غير المخصصة للعلوم الشرعية).

تعلم الطلاب علوما كفرية مثل كروية ودورانها وغير ذلك وكثير من حجج الإخوان في هذه المسألة مأخوذة عن علماء سبقوهم في هذا الطرح هذا الكلام شجع كل من يرغب في الهرب من المدرسة والدراسة أن ينضم للإخوان لهذا تجد مع الإخوان جمعا من أحداث الأسنان بل إن بعضهم هرب من أهله وانضم للإخوان مثل عبد العزيز السدحان (الشيخ المعروف).

وقد أورد جهيمان في آخر رسالة (رفع الالتباس)قصيدة لمحمد عبد الله القحطاني يشخص فيها حال عبد العزيز السدحان ودوافع هروبه من أهله يقول جهيمان :

"ونحب أن نختم هذه الرسالة بقصيدة نظمها أحد الإخوان" وهي حكاية لحال الشاب المؤمن الذي يهديه الله عزوجل إلى طلب العلم النافع ونصر السنة والصدع بها في هذا المجتمع الذي لا يحتفل بالسنة ولا بالعمل بها هذا المجتمع الذي كثرت فيه المغريات التي تصد الناس عن سبيل الله فقال فيها :

الناس عن سبيل الله فقال فيها :

عبد سري في ليلة ظلماء
هربا بتقواه من الفحشاء

هربا من الفتن التي حاطت به

من فتنة السراء والضراء

عبد فتي في مستهل شبابه

عرف الهدي وطريقه بصفاء

قرأ القرآن تفهما وتدبرا

وكذا اهتدي للسنة الغراء

ورأى حياة الصالحين سعيدة

بالخير في الإصباح والإمساء

فتشوقت نحو السعادة نفسه

وغدا يهدهد شوقه بخفاء

حتى إذا التزم الهدى بعزيمة

لله خالصة من الأهواء

نادت به فتن الضلالة جهرة

ودعته بالتزيين والإغراء

وتزينت دنياه في أثوابها

بمباسم ونواظر كحلاء

وغدت تغر الناس في إغوائها

حتى أضلت أكثر الدهماء

ونشأ بمجتمع به اختلط الهدي

بقوى الردي والنور بالظلماء

والناس تأخذ ما يرضي الهوى

فإذا تعارض فهو في إقصاء

إن جئت بالحق الصريح تقيمه

وصدعت فيه بسنة بيضاء

لم يعرفوها قبل ذا من جهلهم

أو لم ترد بوصية الآباء

قامت قيامتهم وروع جمعهم

ورأوك مبتدعا وذا إغواء

أتريد تبديلا لدين شيوخنا

وطريقة العظماء والوجهاء ؟

ومتى عرفت هدي النبي ودينه ؟

بالأمس كنت فتى مع الجهلاء !

فإذا أقمت عليهم حجج الهدي

ودمغت باطلهم بدون خفاء

قالوا هداك منفر ومشدد

وإذا به استمسكت أنت مرائي

لما أتاهم بالهدي هذا الفتى

نفروا نفور الحمر والحمقاء

واستهزأوا بسلوكه وبدينه

وعن الهدى فتنوه بالإيذاء

وإذا رأوه يلين أو طمعوا بأن

يصغي لهم فتنوه بالإغراء

فتن على درب الهدي تغري الفتي

وأضرهن لفتنة السراء

فتضايقت أخلاقه من حاله -

كتضايق الإيمان في الأهواء

بغض الدراسة حيث كان قوامها

أخلاط سوء شاع في الجلساء

بذل النصيحة جهرة وبخفية

لذويه والأصحاب والزملاء

لا سيما في أهله وقرابة

جهلوا فناداهم بلطف نداء

لكنهم لم يسمعوا قول الهدي

لما أتي من أصغر الأبناء

بل حاربوه بكل أمر منكر

ورموه بالتعقيد والإعياء

لم ينقموا منه سوى أن قالها

الله ربي جهرتي وخفائي"

زادوه ضيقا بعد ضيق فالتجا

يشكو إلى المولي عظيم بلاء

ويقول يا رباه عبدك مؤمن

إني لأخشي فتنة الدهماء

إني أخاف من الضلال وإنني

أدعوك فاقبلني وضعف دعائي

أنقذ غريقا في الدجي قد راعه

موج بهيج ووحشة الظلماء

الموج عاصفة الضلال ظلامه

إن الهدي متلبس بخفاء

كيف المقام وكيف لى أن أكتم الـ

حق الصريح لرهبة ورجاء

وبيانه لابد فيه من السلاح

العلم أفلق حجة الجهلاء

قد شرقت فتن وسرت مغربا

طلب الحديث بمكة الزهراء

أعني بذلك أولي الحديث وحزبه

العاملين بهديه الوضاء

هذي حكاية حال أصحاب الهدي

في غمرة الإغراء والإغواء

يا رب فاحفظهم وثبتهم على

نصر الهدي والسنة البيضاء

وارزقهم إحياءها ببصيرة

وارزقهم صبرا على الإحياء

واجعل لنا فيها نصيبا وافرا

يا رب وانصرنا على الأعداء

أعداء سنة أحمد من بدّلوا

كدرا هدي المختار بعد صفاء

يا رب واجعلنا من الناجين إن

عاقبتهم بزعازع النكباء

يا رب إحدي الحسنيين وعدتنا

يا رب واحشرنا مع السعداء

ثم انتقل جهيمان للعيش في المدينة المنورة ولكن لماذا المدينة المنورة ؟ يقول جهيمان : اخترت سكني المدينة لما ورد فيها من الفضائل ولأن الدجال لا يدخلها ويذكر أنه كان يصاحب مجموعة من جماعة التبليغ واكتشف في ما بعد أن معهم أفرادا من الإخوان المسلمين صاحبوا جماعة التبليغ لكسب شباب لصالح جماعة التبليغ ؟ هذا ما فهمته من جهيمان ؟

وعن طريق هذه الجماعة قرر جهيمان مع المجموعة التي ذكرناها سابقا تأسيس الجماعة السلفية المحتسبة .. كان جهيمان وقتها يعمل عسكريا في الحرس الوطني برتبة عريف وعمله فيها قائد سيارة وايت وكان قبل أن يتدين يعمل في شركات مقاولات كقائد سيارة كنور أو كمهرّب بين الكويت والرياض كقائد سيارة فورد هذه الأمور حدثت في أوقات متقاربة .

وعمله كعسكري هو بداية النفرة بينه وبين السلك العسكري خصوصا والعمل في الوظائف الحكومية عموما وسبب تركه العسكرية في ما بعد هو تأثره بكتابات الشيخ حمود التويجري خصوصا في كتاب الإيضاح والتبيين لما وقع فيه الأكثرون من مشابهة المشركين وهو كتاب شدّد فيه المؤلف النكير على من تشبه بغير المسلمين بل يكاد أن يكون قد أخرجهم من الملة في بعض المواضع قال :"فصل

النوع الثالث والعشرون : من التشبه بأعداء الله تعالي الإشارة بالأصابع عند السلام وكذلك الإشارة بالأكف مرفوعة إلى جانب الوجه فوق الحاجب الأيمن كما يفعل ذلك الشرط وغيرهم .


وكذلك ضرب الشرط بأرجلهم عند السلام ويسمون هذا الضرب المنكر والإشارة بالأكف التحية العسكرية وهي تحية مأخوذة عن الإفرنج وأشباههم من أعداء الله تعالي وهي بالهزء والسخرية أشبه منها بالتحية ولكن ما الحيلة فيمن غيرت طباعهم المدنية الإفرنجية وأثرت فسادا كثيرا في أخلاقهم وأفعالهم حتى صاروا يستحسنون من أفعال الإفرنج وغيرهم من الأعاجم ما يستقبحه أولو العقول السليمة والفطر المستقيمة .

وهذه التحية المستهجنة من جملة المنكر الذي ينبغي تغييره والنهي عنه لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله (صلي الله عليه وسلم):"من تشبه بقوم فهو منهم"رواه الإمام أحمد وأبو داود وصححه ابن حبان وغيره من الحفاظ .

وفي جامع الترمذي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله (صلي الله عليه وسلم قال : "ليس منا من تشبّه بغيرنا لا تشبّهوا باليهود ولا بالنصارى فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع وتسليم النصارى الإشارة بالأكف".

وروي الحافظ أبو يعلي والطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :"تسليم الرجل بإصبع واحدة يشير بها فعل اليهود"قال الهيثمي رجال أبي يعلي رجال الصحيح وقال المنذري رواته رواة الصحيح ".

وفي رواية للبيهقي :"لا تسلّموا اليهود والنصارى فإن تسليمهم إشارة بالكفوف والحواجب"قال البيهقي إسناده ضعيف .

قلت له شاهد مما تقد وما يأتي وهو ما رواه النسائي بسند جيد عن جابر رضي الله مرفوعا :"لا تسلموا تسليم اليهود فإن تسليمهم بالرءوس والإشارة"وفي مستدرك الحاكم من حديث ابن جريج عن محمد بن قيس بن مخرمة عن المسور بن مخرمة رضي الله عنهما أن رسول الله (صلي الله عليه وسلم قال :"هدينا مخالف لهديهم"يعني المشركين قال الحاكم صحيح على شرك الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه .

وقد رواه الشافعي في مسنده من حديث ابن جريج عن محمد بن قيس بن مخرمة مرسلا ولفظه"هدينا مخالف لهدي أهل الأوثان والشرك" .

إذا علم هذا فقد اختص الله تبارك وتعالي المسلمين بأفضل التحيات وأكملها وأزكاها وهو السلام الذي علمه الله تبارك وتعالي لآدم أبي البشر حين نفخ فيه الروح وأخبره أنه تحيته وتحية ذريته من بعده كما في الصحيحين والمسند عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (صلي الله عليه وسلم)قال : "خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعا فلما خلقه قال : اذهب فسلم على أولئك نفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك فقال : السلام عليكم فقالوا : السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله"الحديث .

وقد شرع الله تبارك وتعالي لهذه الأمة أن يسلّم بعضهم على بعض بهذه التحية المباركة الطيبة فقال تعالي :"يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون)( النور : 27) وقال تعالي : (فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة)( النور : 61).

قال سعيد بن جبير والحسن البصري وقتادة والزهرى يعني : فليسلم بعضكم على بعض . وفي جامع الترمذي عن أبي تميمة الهجيمي عن رجل من قومه قال : طلبت النبي(صلي الله عليه وسلم)– فذكر الحديث وفيه – فقال يعني النبي (صلي الله عليه وسلم : "إذا لقي الرجل أخاه المسلم فليقل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته".


وفيه أيضا عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي جرى جابر بن سليم الهجيمي رضي الله عنه قال : أتيت النبي (صلي الله عليه وسلم فقلت : عليك السلام فقال : "لا تقل عليك السلام ولكن قل السلام عليكم".

وبهذا السلام المبارك الطيب يسلّم الرب تبارك وتعالي على المؤمنين إذا دخلوا الجنة كما قال تعالي : (سلام قولا من رب رحيم)( يس : 58) وقال تعالي : (تحيتهم يوم يلقونه سلام)( الأحزاب : 44) .

وروى ابن ماجه في سننه وابن أبي حاتم والبغوى في تفسيرهما عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قال رسول الله (صلي الله عليه وسلم): (بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم فإذا الرب تعالي قد أشرف عليهم من فوقهم فقال : السلام عليكم يا أهل الجنة قال وذلك قول الله تعالي (سلام قولا من رب رحيم).

وبهذا السلام المبارك الطيب تسلّم الملائكة على المؤمنين إذا دخلوا الجنة كما قال تعالي : (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبي الدار (الرعد : 23 – 24) .وقد تقدم ذكر تسليمهم على آدم بهذا السلام المبارك الطيب .

وكما إن السلام هو تحية المسلمين فيما بينهم في الدنيا فكذلك هو تحيتهم فيما بينهم في الدار الآخرة كما قال تعالي : (دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام)( يونس : 10)وقال تعالي : (وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام) (إبراهيم : 23) .

"وإذا علم فضل السلام وأنه تحية المسلمين في الدارين فليعلم أيضا أنه لا أسفه رأيا ممن رغب عن ذلك واستبدل عنه بإشارات الإفرنج وضربهم بالأرجل والله المسئول أن يوفق ولاة أمور المسلمين لمنع هذه الأفعال المخالفة للشريعة المحمدية".

وقد اتخذ هذا الكلام ذريعة لترك العسكرية بل إن أغلبهم كان يصطحب كتاب توصية من الشيخ عبد العزيز بن باز مدعم بكلام الشيخ حمود التويجري الآنف الذكر .

بيان رفع الإلتباس

تعتبر رسالة"رفع الالتباس"البيان الذي ضم الأفكار التي تسببت في الخلاف بين الإخوان مما نتج عنه شقاق وعزله بعض الإخوان للجماعة ففي هذه الرسالة إختار جهيمان الصدام مع الدولة والسلطة والمجاهرة بذلك كمسلك دعوى يتوسل بمسائل الحسبة والصدع بالرأي كما كان يفعل النبي إبراهيم (صلي الله عليه وسلم)وقد وضح جهيمان لمفهومه لملة إبراهيم بقوله :

"تقوم ملة إبراهيم على أصلين :

  1. إخلاص العبادة لله وحده .
  2. التبرؤ من الشرك وأهله وإظهار العداوة لهم .


وقد أمر رسولنا (صلي الله عليه وسلم)بإتباعه عليه السلام قال تعالي : (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين) (النحل : 123).

وقال تعالي : (قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين) (الأنعام : 161).

ولا ريب أننا مأمورون بإتباع هذه الملة ومن رغب عنها منا فقد سفه نفسه .وقد سار عليها الخليلان ونالا الخلة بذلك كما في صحيح مسلم رحمه الله حيث قال صلي الله عليه وآله وسلم :"إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا".

فملة إبراهيم هي ملة نبينا (صلي الله عليه وسلم)وهي ملتنا وهي أسوة نبينا وأسوتنا كما قال تعالي : (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا براء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده)( الممتحنة : 4) .

فظهر مما تقدم أن ملة إبراهيم (صلي الله عليه وسلم)هي البراءة من الشرك وأهله ومفارقتهم ومقاطعتهم ولم يتم ظهور دين الإسلام إلا بتطبيق هذا الجانب وهو مفارقة من في الأرض كما في البخاري في كتاب الاعتصام من حديث جابر (صلي الله عليه وسلم)الطويل وفيه :"ومحمد فرق بين الناس"وكما في حديث أبي سعيد الخدري (صلي الله عليه وسلم)في الرؤية .

وقد انتقد جهيمان في هذه الرسالة ثلاث فئات من الدعاة أخلّوا بمنهج إبراهيم في الدعوة : "أما حال من التبس عليهم الأمر عمدا أو جهلا فلنسرد لك أعمالهم وأقوالهم ليتجلي لك حالهم : تقول طائفة منهم إن قيام الدين أساسه محاربة القبوريين وإظهار العداوة لهم والتحذير منهم ومحاربة الصوفية وأهل البدع .

وطائفة أخرى تقول بقول الطائفة الأولي وتزيد عليها بالحمل على التعصّب المذهبي الأعمى والدعوة إلى الذب عن الحديث وتصفيته مما أدخل فيه وذلك جل همهم .


وثالثة فتنت بالشيوعية والرد عليها وإثبات وجود الخالق والسعى الجاد في السيطرة على المراكز الهامة في الحكومات بقصد السيطرة على الحكم".يقصد جهيمان هنا في الطائفة الأولي جماعة أنصار السنة .

ويقصد في الثانية الجماعة السلفية أتباع الألباني في الشام والكويت ويقصد في الثالثة جماعة الإخوان المسلمين .

ويقول : "أما الطائفة الأولي والثانية ومن شاكلهم فيظهر لنا من حالهم أن ما قاموا به حق لا ينكر ولكن لما كان هذا القيام منهم في مواجهة من لا سلطة في يده وأنهم سكتوا عن أصحاب السلطات فيما يقومون به من هدم لدين الله كان طريقهم الذي سلكوه هو الذي ضلّ به من كان قبلهم ..."

وقال في الطائفة الثالثة :"والطائفة الأخيرة تسير خلاف هدي الرسول (صلي الله عليه وسلم)وتنهج طريق تحكيم الأفكار فمن مبادئهم التخفي تحت أستار شتى ويحاولون أن يغدروا بمن يعملون تحت سلطته .. وقد قال صلي الله عليه وآله وسلم في صحيح مسلم :"لا غدر في الإسلام"ويقول في حديث على (ص رضي الله عنه)في البخارى في غزوة خيبر :"فادعهم للإسلام".

وكذلك هؤلاء إذا رأوا من يدعو إلى التوحيد وذم الشرك بأنواعه والبدع بأنواعها وبيان السنة الصحيحة وتصفيتها مما ليس منها تراهم يتهمونه بالقصور في فهم الإسلام ويوجهون إليه انتقاداتهم مدّعين أن الأمر أكبر من ذلك (وهي الشيوعية)'.

حدث جدال داخل الجماعة وكثير ما يحدث حول موضوع اعتزال الفتن والمجتمع وكان سبب هذا الجدل هو قرار محمد الزامل وفيصل محمد فيصل وعصام شيخ الخروج من المدينة وذهابهم إلى الصحراء وسكناهم الخيام من باب العزلة للمجتمع .

وهنا حدث عندهم التناقض بين ما ورد من آثار تحث على عزلة المجتمع وما ورد من آثار تحث على سكني المدينة المنورة وأن المدينة تنفي خبثها الخلاصة خرجت هذه المجموعة ونصبت خياما قرب المدينة في مكان لا يصلح للنزول أو للسكني مكان كالح لا يوجد فيه من حولك شجر ولا نبات أتيتهم فيه وأصبت بالقمل ليباتي عندهم .

كان المكان موحشا بمعنى الكلمة جبال سوداء وأرض حجرية سوداء ولا خدمات لا أدري لماذا يعذب الإنسان نفسه وعائلته ويتأزم طوال الوقت أتيتهم في هذا المكان فوجدتهم حائرين في وقتهم يشتكون القمل وشح الماء وعدم التأقلم مع المحيط ولم أجد لهم نشاطا إلا التدرب على الرماية كان معهم بندقية يرمون بها على أهداف معينة.

بتّ عندهم عدة ليال كانت عذابا بمعني الكلمة ثم تركتهم ونزلت للمدينة المنورة ومن المدينة ذهبت للرياض وكنت أعاني من القمل فنصحني أحد الإخوة الخبراء بالقمل أن استعمل مسحوق تايد وأن أضعه على رأسي مثل الحنّاء وفعلا لم أتخلص من القمل إلا بهذه الطريقة الفتاكة .

بعد ذلك ذهب أحمد الزامل للمدينة ولم يعد وتبعه فيصل وعصام إن هذه التجربة كانت فاشلة بجميع المقاييس .

الحاكمية الملحمية في فكر جهيمان

من الأمور التي نلاحظها في فكر جهيمان هو سذاجة الطرح لهذا الموضوع"أعني الحاكمية"وعدم امتلاكه لرؤية شاملة لفقه الواقع يقول في رسالته :"رسالة الإمارة والبيعة والطاعة وحكم تلبيس الحكام على طلبة العلم والعوام""وإذا تأملت الحديث ونظرت في الواقع رأيت أنه قد حصل العمل والنتيجة فحينما لم يحكم هؤلاء الحكام بكتاب الله ولم يتحرّوا فيما أنزل الله وقع البأس فيما بين المسلمين فكثرت الفرقة والاختلاف وأصبح بعضهم يسعى لإبطال ما عند الآخر وتفرقوا شيعا وأحزابا والله قد نهاهم عن ذلك .

ولكن هذا كله من ثمرة تعطيل الحكم بكتاب الله وتحرى ما أنزل الله"وأنا أعلم أن جهيمان هنا عنده من هذه القضية شذرات من العلم وهي من أخطر القضايا التي تؤرق الدعاة والمصلحين وتناولها بشكل كلي بهذه الصورة لا ينفع الطرح العلمي حتى إنه قال""وأعلم أن غالب المنتسبين إلى الدين والزهد من بعد القرون المفضلة لا يهتمون بهذا الجانب ..

"يعني هنا الحاكمية ولن نستطيع أن نفهم كلام جهيمان إلا إذا علمنا أنه يري أن حكم المسلمين مر بأربع مراحل لا من حيث واقعها التاريخي أو الزمني وإنما من حيث تحقق النص الملحمي ففي فصل الخلافة التي على منهاج النبوة والملك الجبرى أو جهيمان حديث"النعمان بن بشير رضي الله عنه قال :

قال رسول الله صلي الله عليه وسلم)'"تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ثم تكون ملكا جبريا فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة"ثم سكت (رواه أحمد وهو حسن)'..

هذا التسلسل هو الذي بني عليه جهيمان فكره ومنهجه الحركي فهو لم يتناول الخلافة العظمي كموضوع قائم بذاته وإنما تناوله كخبر ملحمي جزمي الوقوع بهذا الترتيب لا محالة .

فهي أولا :النبوة أو الرسالة ثم ترفع أو تنتهي. وثانيا : الخلافة على منهاج النبوة ويعني هنا دولة الخلفاء الراشدين الأربعة ثم تنتهي . وثالثا : الملك العاضّ ثم ينتهي . ورابعا : الملك الجبرىّ والذي يري جهيمان أننا فيه وهو ما عمل على التدليل عليه . وخامسا : الخلافة على منهاج النبوة .

ولو تأملنا كلام جهيمان في هذه الرسالة فسنجد أن مجمل كلامه تناول فيه"الملك الجبرى"و"الخلافة على منهاج النبوة"كتمهيد لمشروع مستقبلي تناوله بحتمية نصية لا شك فيها وهو بيعة المهدي المنتظر .

الملك الجبرى

ورد مصطلح"الملك الجبرى"في حديث النعمان بن بشير السالف الذكر ولا أعلم أنه ذكر في موضع آخر وحسب الترتيب هو رابع صور الحكم التي سوف تمر بها الأمة ويأتي بعد"الملك العاض" وقبل الخلاف على منهاج النبوة وقد فسره بعض العلماء بولاية "المتغلب"

يقول جهيمان :"وإذا نظرت اليوم في تطبيق هذا على الواقع رأيت أنا نعيش اليوم في الملك الجبري الذي ليس الملمون فيه هم الذين يختارون الخليفة وإنما هو الذي يفرض نفسه عليهم ثم يبايعونه بيعة مجبورين عليها ولا يترتب على عدم رضاهم بهذا الخليفة أنه ينعزل" .

كلا بل الأمر جبرى وأن حكام المسلمين اليوم لم يبايعوا الناس على ما بايع عليه الصحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم بالحق حيثما كانوا ونصرة الدين بل على نظام وقوانين ليس فيها من الشرع إلا ما وافق الهوى وأما ما خالف فلا "والمقصود أنه ليس خلافة على منهاج النبوة".

ثم تناول البيعة في حال الملك الجبري فقال :"واليوم إنما يحكم المسلمين الملك الجبري الذي ليس مبنيا على البيعة قد خالف شرع الله في عدة أمور منها :

  1. أن الحكام فيه ليسوا من قريش .
  2. أنهم لا يقيمون الدين بل يهدمونه ويحاربون أهله
  3. أنهم لا يأخذون البيعة من رعيتهم بصفقة اليد ونصرة القلب وطوعه واختياره بل بالجبر والقهر .
  4. وبهذا تعرف عدم وجوب بيعتهم وطاعتهم".

إن أهم نقطة ذكرها جهيمان هي مسألة"القرشية"وهي الأساس لهذا الطرح التمهيدي لاقتحام الحرم .

  1. الخلافة على منهاج النبوة ويعني بها هنا المهدي المنتظر .
  2. الآخر في فكر جهيمان

يمثل الآخر غالبا في فكر جهيمان عدة مستويات حسب القرب والبعد من منهج"الجماعة السلفية المحتسبة"وكما ذكرنا سابقا ما قرره من موقف من"جماعة الإخوان المسلمين"و"جماعة الدعوة والتبليغ"و"جماعة أنصار السنة المحمدية"وموقفه من بعض"طلاب العلم"كما جاء ذلك في رسالة"رفع الالتباس"نجده أكثر عنفا مع المخالف له في العقيدة مثل الآخر الشيعي والآخر المسيحي من غير مراعاة أن الأول يمثل شريحة تسكن معه في الوطن نفسه لها حقوق المواطنة نفسها التي يتمتع بها وعليها الواجبات نفسها .

فهو يقول : "وامتازت دولتنا بقسط وافر من هذا التلبيس – منها ومن علمائها – والتي تسمي نفسها اليوم ب" دولة التوحيد"وإنما وحدت بين صفوف المسلمين والنصاري والمشركين وأقرت كلا على دينه – كالروافض – وحاربت من خالف ذلك وقاتلت من قاتل المشركين الذين يدعون عليا والحسين وقد حاربت كذلك عبادة القبور والقباب وأرست قواعد عبادة الريال".


ثم قال : "وأقرب مثال وأوضحه مؤسس دولتهم الملك عبد العزيز والمشايخ الذين كانوا معه في سلطانه .... فقد دعا"الإخوان"رحمهم الله الذين هاجروا في القرى المختلفة هجرة لله عزوجل دعاهم إلى بيعته على الكتاب والسنة فكانوا يجاهدون ويفتحون البلاد ... على أنه إمام المسلمين ثم لما استقر سلطانه وحصل مقصوده وآلي النصارى ومنع مواصلة الجهاد في سبيل الله خارج الجزيرة فلما خرجوا لقتال المشركين في العراق الذين يدعون عليا وفاطمة والحسن مع الله".

يذّكرنا هذا الموقف بحيثيات وأسباب خروج الإخوان على الملك عبد العزيز ومنها منعهم من مقاتلة الشيعة واستعانة الملك عبد العزيز بالمسيحيين في تحديث المرافق الصناعية في الدولة وهو جائز شرعا وهو يدل على مدي تأثر جهيمان بفكر الإخوان المتقدمين ومواقفهم .

الملاحق

الملحق الرقم (1) الأمة الحالمة

دور الحلم في تكريس الخطاب الإسلامي السلفي

ناصر الحزيمي

قال أحمد بن حنبل :

"كان سفيان إذا قيل له أنه رئي في المنام قال أنا أعرف بنفسي من أصحاب المنامات"

إن الدافع على تأليف هذا الكتاب أنني كنت في يوم من الأيام أنتمي إلى"الجماعة السلفية المحتسبة"والتي رفعت من شأن الحلم ومجّدته وسلكت طريقا اختطه لها الحلم إلى آخره والذي انتهي بنهاية الجماعة حال دخولها الحرم ومبايعتهم لمحمد عبد الله القحطاني بين الركن والمقام وقدم للعالم الإسلامي على أنه"المهدي المنتظر"

كانت"الجماعة السلفية المحتسبة"وقبل حادث الحرم كأى جماعة إسلامية قامت أساسا على مبدأ الدعوة إلى الله حسب الطرق التقليدية"التذكير في المساجد والأماكن العامة"كما إنها ومنذ نشأتها المبكرة في أواسط الستينيات نهجت نبذ التمذهب واعتنت بالسنة عناية خاصة فتبنت تصحيحات الألباني للحديث وكتبه ولعل السبب في ذلك يعود إلى وجود بعض من درس على الألباني في"الجامعة الإسلامية"من مؤسسي الجماعة مثل"سليمان بن شتيوى".

هذا بشكل مجمل منحي هذه الجماعة ولن أدخل في دور الحلم في تكوين الفكرة الخلاصية عندهم إلا بعد أن أسلط الضوء على منزلة الحلم أو الرؤيا في الخطاب السني السلفي خصوصا .

الرؤيا في الخطاب السلفي

مشكلة الرؤيا أن مفهومها ملتبس في الحديث النبوى من حيث النص والمفهوم ولنأخذ صحيح البخاري الذي فيها أهم الأدلة حول الرؤيا وأصحها عند جمهور علماء السنة حيث جاء فيه :

".... عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت : ثم أول ما بدئ به رسول الله صلي الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يري رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح .."

هذا الحديث ورد في كتاب بدء الوحي إذا الرؤيا الصادقة في المنام وحي من الله أو هي إحدى الطرق التي كان الرسول صلي الله عليه وسلم (يتلقي الوحي من خلالها وجمهور العلماء يرون أن ذلك خاص بالأنبياء أعني الرؤيا التي يراها الأنبياء مناما كما حدث مع النبي إبراهيم والنبي يوسف (عليه السلام).

كما إن هذا الحديث يؤسس لأحاديث أخرى أثارت إشكاليات كبيرة وما زالت مثل حديث : ".... أبا قتادة عن النبي صلي الله عليه وسلم قال ثم الرؤيا الصادقة من الله والحلم من الشيطان".

وحديث : ".... أبي سعيد الخدرى أنه سمع النبي صلي الله عليه وسلم يقول ثم إذا رأي أحدكم يحبها فإنما هي من الله فليحمد الله عليها وليحدث بها وإذا رأي غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره".

بل إن البخاري عقد بابا قال فيه"باب الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة".

وأورد فيه حديث"... أبي قتادة عن النبي صلي الله عليه وسلم قال ثم الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان فإذا حلم فليتعوذ منه وليبصق عن شماله فإنها لا تضره".

إلا أن أهم النصوص في هذا الباب هنا نص حديث :" عبادة بن الصامت عن النبي صلي الله عليه وسلم قال ثم رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة".

وحديث"أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال ثم رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة".

وحديث"أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول ثم الؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة".

وفي باب المبشرات من صحيح البخاري : "أن أبا هريرة قال سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول : لم يبق من النبوة إلا المبشرات . قالوا وما المبشرات ؟ قال : الرؤيا الصالحة".

هذه الأحاديث الواردة في صحيح البخارى أسست لوحي غير معلن ومسكوت عنه وأصبح مخرجا لكل من يبحث عن تشريع أو موقف يحتاج إلى تعزيز وشحن ولا نستغرب إذا أعلن أحدهم عن موقف مصيري استنادا إلى الرؤيا فقد يمارس العنف والقتل والهوس باسمها استنادا إلى هذه الأحاديث .

كم حدثنا التاريخ عن مثل هذه الممارسات والغريب أن الرؤية والإيمان بها على هذا الوجه أصبحت من أصول العقيدة عند عرّاب الفكر السلفي الإمام أحمد بن حنبل جاء في طبقات الحنابلة نص في عقيدة أهل الأثر قال : "..... أبو العباس أحمد بن جعفر بن يعقوب بن عبد الله الفارسي الاصطخرى قال  : قال : أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل :

هذه مذاهب أهل العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المتمسكين بعروقها المعروفين بها المقتدي بهم فيها من لدن أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم إلى يومنا هذا وأدركت من أدركت من علماء أهل الحجاز والشام وغيرهم عليها فمن خالف شيئا من هذه المذاهب أو طعن فيها أو عاب قائلها فهو مبتدع خارج من الجماعة زائل عن منهج السنة وسبيل الحق فكان قولهم إن الإيمان قول وعمل ونية وتمسك بالسنة والإيمان يزيد وينقص ويستثني في الإيمان غير أن لا يكون الاستثناء شكا إنما هي سنة ماضية عند العلماء ..

والرؤيا من الله عزوجل وهي حق إذا رأي صاحبها شيئا في منامه ما ليس هو ضغث فقصها على عالم وصدق فيها وأوّلها العالم علي أصل تأويلها الصحيح ولم يحرف فالرؤيا حينئذ حق وقد كانت الرؤيا من الأنبياء عليهم السلام وحي فأى جاهل أجهل ممن يطعن في الرؤيا ويزعم أنها ليست بشئ وبلغني أن من قال هذا القول لا يرى الاغتسال من الاحتلام .

وقد روى عن النبي صلي الله عليه وسلم أن رؤيا المؤمن كلام يكلم الرب عبده وقال إن الرؤيا من الله عزوجل وبالله التوفيق"

هذا هو الموقف السلفي من الرؤيا من دون مواربة فمن خالفها أو طعن فيها فهو زائغ عن الحق إلى آخر ما ذكر من نفي من ربقة سبيل الحق وإن حاولوا في كثير من الأحيان الصمت حيال ذلك خصوصا حال إخفاقات الرؤى والمنامات كما حدث في واقعة الحرم فالخطاب السلفي العام يقول أننا في آخر الزمان الذي هو في انحدار وقد جاء في صحيح البخاري :

".... حدثنا محمد بن سيرين أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول صلي الله عليه وسلم ثم إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة وما كان من النبوة فإنه لا يكذب .."

هذا ما طبقه الكثير من السلفيين والجماعات الخلاصية على الواقع وخرجوا بنتيجة مؤداها أننا في آخر الزمان وأننا في زمن خروج المهدي المنتظر وقبل ذلك ومنذ أن عرفت"الجماعة السلفية المحتسبة"وهي تمجد الرؤيا وترفع من شأنها حتى تحظي من جلساتهم العلمية بنصيب وافر ولا أذكر أنني جلست مع جهيمان في سفر أو حضر إلا ويسأل عن تأويل حلم كما مارست الجماعة عملية دمج بين الأحلام وأحاديث الفتن وأشراط الساعة بحيث أصبحوا يستعينون في تطبيقها على الواقع ومجرياته عليها .

وهكذا تواترت الأحلام من المنتسبين إلى الجماعة وتوطدت علاقتهم بأخبار الفتن وأشراط الساعة حتى أنك لا تجد مكتبة من مكتبات فرد من أفراد الجماعة إلا وتجد فيها"كتاب إتحاف الجماعة في الفتن وأشراط الساعة "للشيخ حمود التويجري يقول جهيمان عن هذا الكتاب"...

وننصح إخواننا بقراءة بعض الكتب المؤلفة لبعض العلماء منهم ... وكتاب إتحاف الجماعة للشيخ حمود التويجري وفقه الله (مع الحذر من الروايات الضعيفة فيه)وقد تكلم هو على بعضها وقد أجاد في الرد على بعض أصحاب العقليات الزائفة ممن ابتلي بهم المسلمون فاحرص على الاستفادة منها وللشيخ قدم راسخة في هذا الباب زاده الله توفيقا .

وتواترت الأقوال أننا في آخر الزمان وتكثفت الرؤى حول ذلك وطبق جهيمان أحاديث الفتن على الواقع وسمعتها منه مشافهة في مجالس الجماعة قبل عام 1398 هجرية بمدة أى قبل أن يصبح جهيمان مطلوبا للعدالة وحددت هذه النقطة حتى لا يظن أحد أنها وليدة الحصار الذي فرض عليه منذ عام 1398 هجرية وحتى دخولهم الحرم عام 1400 هجرية .

وكما قلنا طبق جهيمان أحاديث الفتن على الواقع فقال في"رسالة الفتن"وأخرج داود – كتاب الفتن – (4242)بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : كنا قعودا عند رسول الله صلي عليه وسلم فذكر الفتن فأكثر من ذكرها حتى ذكر فتنة الاحلاس فقال قائل يا رسول الله وما فتنة الاحلاس ؟

قال : "هي هرب وحرب ثم فتنة السراء دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي يزعم أنه مني وليس مني وإنما أوليائي المتقون ثم يصطلح الناس على رجل كورك على ضلع ثم فتنة الدهيماء لا تدع أحدا من هذه الأمة إلا لطمته لطمة"وعلق جهيمان على هذا الحديث بقوله"....

أما قوله صلي الله عليه وسلم في فتنة السراء أن دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيته فلا أراه إلا حسين الشريف الذي كان يحكم الحجاز قبل الملك عبد العزيز . فإنه كان من أهل بيت النبي صلي الله عليه وسلم في النسب وكان في عصره يطاف بالقباب كما يطاف بالكعبة وينقلون عنه أنه كان يتهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أنه فرق الناس ...

وبذلك تري أنه ينطبق عليه قول النبي صلي الله عليه وسلم كما يظهر لى : "يزعم أنه مني وليس مني"وقد علّل عليه الصلاة والسلام ذلك فقال : "إنما أوليائي المتقون"وأما الرجل الذي يصطلح الناس عليه فيظهر لى أنه الملك عبد العزيز لأن جزيرة العرب قبله كانت مليئة بالحروب وقطع الطرق فلا يستطيع أن يأمن بها مسلم ولا كافر ثم حصل هذا الأمن للناس مسلمهم وكافرهم فتجد المسلم والنصراني والشيعي كلهم مختلطين آمن كل منهم من صاحبه فينطبق عليه قول النبي صلي الله عليه وسلم :

"ثم يصطلح الناس علي رجل كورك على ضلع"ونحن الآن في فتنة الدهيماء التي لا تدع أحدا من هذه الأمة إلا لطمته لطمة كلما قيل انقضت تمادت وواقعنا يشهد لذلك فترى أن أهل الباطل يخرجون علينا كل يوم بفتنة جديدة فيبسطونها في أول الأمر ثم يتمادون فيها كمثل الإذاعة أول ما أنشئت كانت لا تبث إلا القرآن والأخبار ولا يسمع فيها صوت امرأة ثم تطور الأمر حتى أصبحت المرأة هي التي تذيع البرامج مع الرجال وتغني الأغاني الخليعة ثم أخرجوها سافرة على شاشة التلفزيون وهكذا الصور وغيرها وهكذا في سائر مخططاتهم لمن تدبر ذلك ممن رزقه الله البصيرة".

وقال في الرسالة نفسها عند حديث عوف بن مالك قال أتيت النبي صلي الله عليه وسلم'"... فقال أعدد ستا بين يدي الساعة ... ثم فتنة لا تدع بيتا من العرب إلا دخلته .."ورجح جهيمان أن هذه الفتنة هي الصور الموجودة على النقود فقال : ".... وأما الفتنة التي لا تدع بيتا من العرب إلا دخلته فقد وردت مجملة في هذا الحديث وإذا تأملت واقعك اليوم رأيت أنه لم يبق بيت من بيوت العرب إلا دخلته الفتنة في الدين ومن ذلك فتنة الصور الموجودة في النقد وغيرها فما تجد بيتا من العرب إلا دخلته .."

مثل هذه المقدمات هي التي يتكئ عليها مبرر خروج المهدي المنتظر عند الجماعات الإسلامية الخلاصية وخصوصا السلفية منها وإن صمت بعضهم عنها لبعض الوقت إلا أنها حاضرة في وجدانهم وضميرهم الثقافي وإن أجلت لساعات الحاجة كما أجلت قضية الجهاد والاستشهاد في سبيل الله فترة من الزمن وظهرت على السطح عند أول فرصة وتمثلت في صورة عمليات إرهابية ليس لها أى هدف أو مبرر منطقي سوي المطالبة بالنموذج"الطالباني" في حكم الدولة وهو أمر لا يقبله لا العرف الديني ولا العرف السياسي ولا العرف الاجتماعي .

كانت هذه الأطروحات حاضرة في مجالس الجماعة دائما وكنت أسمعها من أكثر من واحد منهم حتى أن بعضهم كان يتحرج من حمل النقود بسبب وجود الصور عليها فكان أغلبهم يضعونها في درج السيارة هي والأوراق الثبوتية المحتوية على الصور الشخصية .

واستخرج بعضهم تابعية معفاة من الصورة بوساطة بعض العلماء وعمل آخرون على أن تكون نقودهم عملات معدنية وقد ركبت مع أحدهم في أحد الأيام وإذا به قد وضع في المرتبة الخلفية كيسا من الخيش حمولة خمسة وعشرون كيلو وإذا به قد ملأه نقودا معدنية من فئة الريال وكان يتعامل به في مشترياته وأخبرني أنه يوجد عنده في البيت ثلاثة أكياس أخري مثل هذا وبعضهم طمس الصور الموجودة على العملة بالحبر .

وكل ذلك لكي يهربوا من الفتنة التي لم تدع بيتا إلا دخلته أما المجلات والجرائد فلم يدخلوها بيوتهم البتة بل إن بعضهم يقطع قصاصات الجرائد الملقاة على الأرض كما هرب بعضهم من سكنى المدن ونصبوا خياما لهم في الصحراء قريبا من المدينة لكي يتاح لهم الوقت لدخولها بسرعة لاعتقادهم في ما لو جاء المسيح الدجال فهو لا يدخل المدينة لأن الملائكة تحرسها .

كما إنه كثيرا ما ينهي جهيمان فقراته بقوله"لم يبق إلا الدجال"وهكذا كانوا يحضرون أنفسهم لوقوع أشراط الساعة هذا تم في وقت مبكر وكما قلنا قبل عام 1398 هجرية وكانت الأحلام تسندهم في ذلك ولا يوجد يوم إلا ونسمع حلم حول الخلاص المنتظر فمثل هذا الهوس الجمعي لابد وإن يبلغ مداه بنفس الأدوات المعرفية فطرحت قضية المهدي المنتظر وأنه محمد عبد الله القحطاني وهو شاب جاء أسلافه مع حملة محمد على باشا من مصر .

واستوطن أحد جدوده في جيزان قال لى سعد عبد الله القحطاني أخو محمد عبد الله حين سألته كيف يكون محمد هو المهدي المنتظر وهم من قحطان ؟ فقال لى أنهم ليسوا من قحطان نسبا وإنما مجاورة وأن جدهم الأكبر من أشراف مصر جاء مع حملة محمد على واستوطن جيزان .

وهكذا أثبتوا له نسبا للأشراف ووافق اسمه اسم النبي واسم أبيه عبد الله ورأوا له الأحلام التي تعزّز دعواه الخطيرة وأصبح ذلك هو حديث مجالس الجماعة وأصبحت الأحلام تتواتر حول ذلك تصريحا وتلميحا وتوليّ جهيمان ذلك وحاول إقناع مجموعة بذلك ودار بين الجماعة كلام مؤداه أن محمد عبد الله غير مقتنع أنه هو الذي ورد فيه النص واعتزل مجالس الجماعة .

ثم وبعد مديدة اقتنع أنه هو المهدي المنتظر الذي ورد فيه النص وسألت محمد عبد الله عن ذلك فقال لى أنه رأي رؤيا حق تثبت أنه المهدي المنتظر وقد انشرح صدره لذلك في ليلة بعد أن أستخار أكثر من مرة وهو مصداق حديث الرسول"يصلحه الله في ليلة"

أما أنا ومجموعة فلم نقتنع بذلك خصوصا أنني سمعت أن شيخي على المزروعي لم يكن مقتنعا واستمرت علاقتي بالجماعة كما هي إلا أن جهيمان لم يعد يطلب لقائي كما كان يفعل سابقا ...

خصوصا حال التنسيق في توزيع المنشورات أو توجيه الجماعة في الرياض ودخلت الجماعة مرحلة جمع السلاح وتناصحوا فيما بينهم على جمعة وتخزينه وسمعت أن بعضهم باع مزرعته لكي يشترى بثمنها السلاح مثل سعيد بن عبد الله الأخ الأكبر لمحمد بن عبد الله ..

في هذه المرحلة دخلني الرعب والخوف فانقطعت عن الجماعة وعن حضور مجالسهم فالمسألة بالنسبة إلى قد تجاوزت حدها جدا وانتهت إلى دخول الجماعة إلى الحرم واعتصامهم به لمدة خمسة عشر يوما ...

وكان المحرك لهم الحلم الذي لم يفارقهم حتى وهم محتجزين في خلوات الحرم يقول لى فيصل محمد فيصل ونحن داخل السجن وفي غرفة واحدة وكان معهم حتى آخر يوم أن بعض الإخوان رأوا أنه خسف بالجيش الذي جاء لمحاربتهم هل سمعت عن ذلك ؟ فذكرت له أنه لم يحدث أى شئ من هذه الأشياء فقال لى أننا سمعنا عن أشياء كثيرة ونحن في الخلوات ولا أدري ما مصدرها .

لقد شكّل الحلم عند هذه الجماعة المحرّك الأساس لحركتهم وأنا أعتقد أنه سيبقي المحرّك لحركات أخرى خلاصية فإذا كان قد فعل عند"الجماعة السلفية المحتسبة"فهو بلا شك مؤجل عند جماعات خلاصية أخرى من الممكن استعماله وقت الحاجة إليه .

الملحق الرقم (2) خطبة الحرم

إلقاء : خالد اليامي

توجيهات : جهيمان العتيبي

أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلي الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .

أيها المسلمون إليكم الآن بيان أحاديث النبي صلي الله عليه وسلم الصحيحة التي جاءت في المهدي وخروجه ليكون المسلم على بينة ولا ينخدع بيان هذه الأحاديث تنطبق علي رجل عرف أنه المهدي .


الحديث الأول عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم"لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث منه رجل من أهل بيتي يوافق اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما" رواه أبو داود وهو حديث صحيح .

الحديث الثاني عن أبي سعيد رضي الله عنه قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم"المهدي مني أجلي الجبهة أقني الأنف يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما يملك سبع سنين"رواه أحمد وأبو داود .

الحديث الثالث عن أبي قتادة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم"يبايع لرجل بين الركن والمقام ولن يستحل البيت إلا أهله فإذا استجلوه فلا يسأل عن هلكة العرب"

(يسكت المتحدث ويبدأ رجل آخر بإعطاء تعليمات عسكرية يعتقد أنه المدعو جهيمان العتيبي فيقول بلهجة شعبية بسيطة)'

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ..

يا إخواننا انتبهوا – لتسكين الأمر - .

يا أحمد اللهيبي اطلع السطوح ومن رأيته يتمرد على البيبان فأطلق عليه النار .

يا سلطان بن جار الله إلى الجهة الشرقية فمن رأيته يتمرد أنت وبعض الإخوان فأطلقوا عليه النار لا يسوى عليكم فوضي أو يتهدد الإخوان . يا ردن الجهة الغربية ... الجهة الغربية .

يا عبد الله الحربي الجهة الشمالية ... الجهة الشمالية .. اسمع يا راكان اطلع فوق مع اللهيبي الجهة الجنوبية ... لها محمد بن مبارك الكبير اللي كان في المدينة إلى الجهة الشمالية ... الجنوبية .

بقية الإخوان شاهد وعمر بن جار الله وسلطان جار الله وأبو هلال يبقون بين الركن والمقام مع كثير من الإخوان يمسكون محلاتهم ...

البيعة بعد البيان وبعد ما يهددون الناس ..

ليظهر للناس الحق فمن كان يريد الحق فليأت به ومن اعتدى علينا فرب العالمين خير من (...) فاسمعوا وانتبهوا .. (ويعود المتحدث إلى إلقاء الخطبة محاولا إقناع الناس بدعوته للمهدي المزعوم)'

نكمل لكم ما بدأنا به من أحاديث عن نبينا صلي الله عليه وسلم في بيان المهدي لتكونوا على بصيرة من أمر دينكم ثم يأتي عن أبي قتادة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم"يبايع لرجل بين الركن والمقام ولن يستحل البيت إلا أهله فإذا استحلوه فلا يسأله عن هلكة العرب ثم يأتي الحبشة فيخربونه خرابا لا يعمر بعده أبدأ وهم الذين يستخرجون كنزه"رواه أحمد

الحديث الرابع عن أبي سعيد الخدرى رضي الله عنه أن رسول الله (صلي لله عليه وسلم) "يخرج في آخر أمني المهدي يسقيه الله الغيث وتخرج الأرض نباتها .. (ويسمع صوت طلق الناري)

ويعطي المال صحاحا وتكثر الماشية وتعظم الأمة يعيش سبعا أو ثمانية يعني –حجة –"رواه الحاكم وهو حديث صحيح . الحديث الخامس (عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلي الله عليه وسلم) قال"المهدي من عترتي من ولد فاطمة"رواه أبو داود. الحديث السادس قال النبي ( صلي الله عليه وسلم)"المهدي من أهل البيت يصلحه الله في ليله"أخرجه أحمد وابن ماجة.


الحديث السابع عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله (صلي لله عليه وسلم)"العجب أنا أناسا من أمتي يؤمّون هذا البيت برجل من قريش قد لجأ بالبيت حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم"رواه البخاري ومسلم.

فمن ذلك يتبيّن لنا : أولا: أن اسم المهدي محمد بن عبد الله . ثانيا: أن نسبه من قريش من أهل بيت النبي (ص) من ولد فاطمة رضي الله عنها . ثالثا : أنه يصلحه الله في ليلة. رابعا : أنه أجلي الجبهة أقني الأنف . خامسا : أنه يظهر إدا ملئت الأرض ظلما وجورا فيملأها قسطا وعدلا. سادسا : أنه يبايع بين الركن والمقام ومعنى هدا أيضا أنه لا يطلب البيعة وإنما يبايع من قبل غيره. سابعا : أنه يلجأ إلى البيت . ثامنا : أنه معه طائفة يلودون بالبيت لمطاردة الناس لهم فى كل مكان . تاسعا : أنه يغزوه جيش وهو لاجىء بالكعبة فيخسف الله بهدا الجيش. عاشرا : أن هدا الجيش من أمة محمد (ص) قال"سيلود بهدا البيت يعنى الكعبة قوم ليست لهم منعة ولاعدد ولاعدة يبعث إليهم جيش حتى إدا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم".

فتبين لنا من هدا الحديث أن هؤلاء القوم يعودون ومن الحديث المتقدم سابقا أنه رجل من قريش يلجأ بالبيت وحينما يعودون فإنما هو من مطاردة الناس لهم فاجتمعوا هم وإياه بهده الصفة وكدلك فى صفة أخرى وهى أنه يخسف بالجيش الدى يغزوه ويغزوهم .. إدا تبين هدا فاعلموا : أيها المسلمون إنها قد انطبقت هده الصفات كلها ..

هدا المهدى الدى سوف يبايع بعد لحظات بين الركن والمقام وهو موجود معنا الآن وكدلك أخوكم جهيمان بن محمد بن سيف العتيبى وهو موجود أيضا معنا الآن وقد كان الإخوان قبل فى المدينة يدرسون وينصحون الناس (...) فصرنا نطبع الرسائل والكتب ونوزعها على الناس لنبين للناس دينهم فأخرجنا رسالة"رفع الإلتباس" وبعدها ثلاث رسائل .. وبعدها سبع رسائل

وبعدها رسالة"الإمارة والتوحيد"و"دعوة الإخوان"و"الميزان فى حياة الإنسان"وأما هدا الرجل الدى هو المهدى فقد صار من الإخوان مند أكثر من سنتين(..) فلجأنا هدا اليوم إلى بيت الله عز وجل ولم نجد لنا ملجأ فى الأرض إلا هدا البيت العتيق لأننا نعلم أن الله يدافع عنه كما رد عنه الفيل وأصحابه وقد كان الدين فيه مشركين فكيف ونحن ليس لنا دنب عند الناس إلا إننا ندعوهم إلى الرجوع إلى القرآن والحديث والعمل بهما ولو خالف الحكومة ولو خالف المشايخ أهل المراتب والمناصب .


إن الدى سنبايعه اليوم اسمه محمد بن عبد الله وهو من قريش وأبوه من الأشراف وأمه من نسل الحسين بن على ولد فاطمة رضى الله عنهما وجميع الصفات المدكورة فى الأحاديث منطبقة عليه ولله الحمد ومن أراد التثبت من أى شىء من هدا فالمجال مفتوح ونحن إخوانكم نبخل عليكم بشىء إلا أن نقول (فضل الله يؤتيه من يشاء والله دو الفضل العظيم)سورة الجمعة:

ونبشركم أيضا ، يا معشر المسلمين أنه قد رؤى فى المنام المرائى الكثيرة التى لا تحصر فى خروج المهدى وفى بيان أنه هدا الرجل وكدلك من أناس لا يعرفونه من قبل ، فلنا رأوه عرفوه من رؤياهم إياه فى المنام .

ولعله قد بلغتكم بعضها وقد قال النبى (ص)"فى آخر الزمان لا تكاد رؤيتكم تكدب"وقال صلى الله عليه وسلم أيضا"لم يبق من الوحى إلا المبشرات : الرؤية الصالحة ، يراها المؤمن أو ترى له"

(ويعود صوت من يعتقد أنه المدعو جهيمان العتيبى ليعطى التعليمات العسكرية لعصابته ) الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

(نداء) عيد بن إسماعيل ، ردينى .. اسمعوا عيد بن إسماعيل ،وردينى تدهبون مع أحمد الثانى وتأخدوا بعض الإخوان اللى ما معهم أسلحة وتعطوهم وتوزعون عليهم الرشاشات وأسلحة لبعض الإخوان الدين دخلوا بدون أسلحة اجتمعوا بين الركن والمقام ..

ادهب يا عيد إلى الركن والمقام ادهب يا ردينى إلى الركن والمقام ادهب يا أحمد الثانى إلى الركن والمقام

اجتمعوا فى هدا الموقع ، سيظهر واحد من الإخوان تعرفونه ، خلوا مبايعة بعض من الناس ، نحن نعرف ، نعرف الدين دخلوا ونعرف إخواننا الدى يطاردون ورب العالمين يقول (ربنا أخرجنا من هده القرية الظالم أهلها) سورة النساء :

فإدا فهمنا هدا الشىء الدى هو من مهمتكم هده ثم بعد دلك .. (إطلاق رصاص) فهيد بن ردن ، فهيد بن ردن اسمع ! بارك الله فيك ، واسمع يا ابوهلال ، يا بو هلال إلى الركن والمقام .. يا سيف إلى الركن والمقام يا مالك إلى الركن والمقام ادهبوا يا إيها ..

(محاولة إجلاس وإسكات الناس بالقوة ) وأنتم يا جميع الإخوان اجلسوا .. اجلسوا .. وليكن جميع الإخوان بين الركن والمقام ، عقاج بن جار الله ، عفاج بن جار الله.. انتبهوا فى توزيع الإخوان بين الركن والمقام، حتى يتهيأ أمر البيعة تتأخر بعد البيان ، ليكونوا على بينة وعلى ما نبايع الدعوى ما فيها (هزة روس)

المسألة فيها ضرب رشاشات ! المسألة فيها ما تحتاج للمسلمين ، الدى يصدق مع الله فالله يرجى لهم أن يكونوا مع الدين يقاتلون عيسى بن مريم فى صحيفته ولكن لا تخافوا من هؤلاء خافوا من سيئاتكم ،كدلك خدوا العفو وعليكم بالرفق ، ومن تمرد عليكم فكما قال الله جل وعلا (وجزاء سيئة سيئة مثلها)سورة الشورى:

وقال الله (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)سورة البقرة : أما جنود الحكومة فإدا رأيتم أحدا منهم ،يريد أن يرفع يده ،فلا عليكم منهم ،فعليكم أن تطلقوا عليه ، لأن هدا يريد أن يطلق النار بين المسلمين فإدا ..


ولكن ما فى إطلاق نار الآن حتى يؤدن لكم ،إن كان قبل البيعة فما هى إلا (نصب) كما أخدها خالد بن الوليد (غصب) فأما بعد البيعة فيتولاها المهدى ولكن الآن المهدى ما هو جالس ينتظر (نقبل يديه) . هو يطالب مع الإخوان واحد من المطرودين فإدا هدؤؤا الإخوان .

(تمر لحظات يتوقف جهيمان عن متابعة إعطاء تعليماته ثم يعاود ) وكدلك الإخوان كل جهة منهم الجهة الشرقية واللى فيها والجهة الغربية واللى فيها والجهة الجنوبية واللى فيها . كل جهة يجتمعون لا يصيرون أفرادا كل واحد منهم لحالهم يجتمعون كل الجماعة . يجتمعون كل جهة يجتمع بها جماعة كما دكرنا فى السابق.

(ويعود خطيب الزمرة الفاسدة فى إلقاء خطبته ) أيها المسلمون نبشركم فى هدا اليوم المبارك بخروج الرجل المهدى الدى سوف يملأ أرض الله عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا سوف تنتهى .


(أصوات تهليل وتكبير .. ويعود المجرم جهيمان إلى إعطاء تعليماته مرة أخرى ) يا عبد الله بن إسماعيل بن مبيريك اطلع السطوح ..اطلع السطوح أنت والجماعة معك ومعكم درابيل ورشاشات عند المنابر . اطلعوا البيعة ستتأخر قليلا .اطلعوا..

(يكرر النداء)

يدلونكم الإخوان إلى أقرب طريق تطلعون فوق ..

(أصوات وضجيج)'


يامحمد بن مبارك ، يامحمد بن مبارك الدى كان فى المدينة لمادا الجهة الجنوبية خد سليمان وادهب إليها ، فيها باب يحتاج تسكيره محمد بن مبارك الكبير . (يعود خطيب العصابة مرة أخرى)'

الحمد لله إليكم أيها المسلمون بيان الموقف الحق .أنصتوا رحمكم الله حتى تستفيدوا . ثم سوف تخرجون إن شاء الله . سوف يفتح لكم باب وتخرجون . الأبواب مغلقة الأبواب مغلقة . لا أحد يخرج الأبواب مغلقة لا أحد سيخرج انصتوا رحمكم الله .

الحمد لله الدى وعد فقال (ثم إن ربك للدين هاجروا من ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا، إن ربك من بعدها لغفور رحيم . يوم تأتى كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون . وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأداقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون )سورة النحل :

فهجرتهم كانت بعد الفتنة ولو داهنوا لاطمأنوا مع أهل القرية الآمنين وما أشبه حالنا بهم .. ثم بين الله بالآية الآتية ما سيبدلهم به فقال تعالى (وعد الله الدين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الدين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم ..وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدوننى لايشركون بى شيئا )'سورة النور:

فالأمن بدلامن عدم الأنتصار ولو أنهم خافوا وقالوا كما قال أهل مكة"أن تتبع الهدى معك نخطف من أرضا"لأصحابهم ما خافوا منه ولدلك أهل مكة وقعوا فيما خافوا منه على عهد رسول الله (ص)والصلاة والسلام على رسولنا الدى أعلمه ربه بما بعثه فلم يئن دلك من عزمه وقال الله له فى الحديث القدسى"إنما بعثتك لأبتليك وأبتلى بك"

ففى البداية ابتلاه بأهل مكة فعادوه هو وأصحابه وأخرجوهم من ديارهم وفى آخر الأمر ابتلى الله به أهل مكة لتطهير طواغيتهم ولابد لمن سلك مسلكهم أن تصيبه ما أصابهم . الأبتلاء فى بداية الأمر ثم النصر فى النهاية والتمكين والآن تبدأ ببيان أشياء وعد النبى بها (ص)أمته وهى كثيرة منها كثرة الخبث فى الأرض ونتيجته الهلاك للصالح والطالح وإنهم يستحلون القتال فى البيت

(صوت إطلاق رصاص)'

وهو سبب لهلكة العرب ، وكدلك جعل الله لكل داء دواء وقد أخبر أن الأرض تملأ جورا وظلما ثم يجعل الله فى تطهيرها سبا وهو رجل صالح قد دكر صفاته و حاله وصفة أعدائه وصفة مناصريه .. فالآن ندكر لكم أحاديث تبين لك ما مضى دكره وأعلم أننا لا ندكر إلا ما ثبت من النبى (ص)ثم بعد دلك تبين لك صفة هدا الرجل وصفة أعدائه ومن معه من ملأ ..ثم ندكر لك الأدلة بعدها ليسهل عليك فهمها وحفظها وإليك أول الأحاديث :

روى البخارى وغيره من حديث زينب رضى الله عنها قالت استيقظ النبى (ص)محمر الوجه وهو يقول لا إله إلا الله ويل للعرب من ضر قد اقترب فتح اليوم من قلب يأجوج ومأجوج .مثل هده قيل أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال نعم إدا كثر الخبث.

انتبه يا أخى ،فإن هناك فرق بين الصالح والمصلح فإن الصالح هو الدى صالح فى نفسه فقط وأما المصلح فهو الصالح فى نفسه والمصلح لغيره .. فالمصلح لا يهلك من أهلك الناس ولا يحصل للناس هلكة حتى يتميزعنهم ولا يحصل لهم نصر حتى يتميز عنهم ..

والأدلة من الكتاب والسنة كثيرة ومنها قول الله تعالى (وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون ) سورة هود:

فما قال وأهلها الصالحون إنما قال أهلها مصلحون وفى النصر قال (فلأيدنا الدين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين ) سورة الصف:

الحديث الثانى :

أخرجه أحمد ، وهو صحيح عن أبى قتادة رضى الله عنه قال :"قال رسول الله (ص) يبايع لرجل بين الركن والمقام ولن يستحل البيت إلا أهله فإدا استحلوا فلا يسأل عن هلكة العرب ثم يأتى الحبشة فيخربونه خرابا لا يعمر أبدا وهم (صوت إطلاق رصاص كثيف)الدين يستخرجون كنزه"

فالشاهد فى هدا الحديث الأستحلال ويظهر أن سببه البيعة وهو يعرف من حال علماء الحكام الدين يبايعون من تولاهم ويقاتلون من خالفهم ويرون أنه خارجى ويستدلون فى الحديث"إدا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما"والخليفة الشرعى هو من اجتمع فيه شرطان أن يكون قرشيا وأن يكون مقيما لدين الله جل وعلا وهدا قد سجل فى"رسالة الإمارة".

الحديث الثالث :

أخرجه أبو داود ، وهو صحيح ، عن ابن مسعود رضى الله عنه قال : قال رسول الله (ص)"لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله دلك اليوم حتى يبعث فيه رجل من أهل بيتى يوافق اسمه اسمى واسم ابيه اسم ابى يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما"..

الحديث الرابع :

روى أحمد وأبو داود عن أبى سعيد قال :"قال رسول الله (ص) المهدى منى أجلى الجبهة أقنى الأنف يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما يملك سبع سنين"وهو حديث حسن .

فالآن نبين لك حاله من البدايه ثم نبين حال أعدائه وصفاتهم وحال الطائفة التى معه لتكون على بينة فحاله لابد فيه من عجة شروط :

أولا: أن يكون اسمه محمد بن عبد الله ويكون أقنى الأنف أجلى الجبهة . ثانيا: أن يكون قرشيا من أهل بيت رسول الله (ص) ثالثا: أن يلود بالبيت . رابعا: أن يكون أعداؤه من أمة محمد (ص) خامسا: أن يكون مهلكهم فى البيداء فى القفر . سادسا: أن تكون الطائفة التى معه ، أن يكون لها صفتان تكون هاتان الصفتان متوفرتين فى هدا الرجل ولولا هاتان الصفتان لادعت كل طائفة هدا الشىء ولادت بالبيت وجاءت من السوق بقرشى له

مثل هدا الاسم أولا أن يلودون بالبيت ولا يكون اللواد إلا خوفا من شىء هو عدم القدرة فى دفنه . ثانيا : أن يخسف بعدوهم فى موضع واحد وهو البيداء وتكون صفة عدو الرجل والطائفة واحدة .

وهدا يفهم من الحديثين الآتيين :

الحديث الأول :

أخرج البخارى ومسلم عن عائشة رضى الله عنها قالت (.....) رسول الله (ص) فى المنام فقلنا يا رسول لقد صنعت فى منامك شيئا لم تكن تفعله فقال :

"العجيب أن أناسا من أمتى يأمون هدا البيت برجل من قريش قد لجأ بالبيت حتى إدا كانوا فى البيداء خسف بهم .فقلنا :يا رسول الله أن الطريق قد تجمع الناس .فقال نعم فيهم المستصغر ،والمجبور ،وابن السبيل يهلكون واحد ويدكرون مصادر شتى يبعثهم الله على نياتهم"

الحديث الثانى: أخرج مسلم عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله (ص) قال"سيلود بهدا البيت - يعنى الكعبة- قوم ليست لهم منعة ولا عدد ولا عدة يبعث إليهم جيش حتى إدا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم"

فاجتمعت هاتان الصفتان فى هدين الحديثين ، ويظهر أن سبب الغزو هو البيعة والتجمع لأنه لو كانوا بعدا ،وكانوا غير مجتمعين لم يحتاجوا أن يرسل جيش ،والشاهد من الحديث المتقدم دكره أنه يبايع الرجل بين الركن والمقام ولم يستحل هدا البيت إلا أهله ، فإدا استحلوه فلا تسأل عن هلكة العرب . ويفهم من هدا أنه لا يطلب البيعة وإنما يبايعه القوم من غير طلب منه لها.

وإليك صفة ما يقع لهدا الجيش وكيف يعدكم لتأخدوا الخير من الشر.. قال مسلم فى حديث حفصة قالت: سمعت رسول الله (ص) يقول"ليؤمن هدا البيت جيش بغزوته حتى إدا كانوا ببيداء من الأرض تخسف بهم فلا ينطق الشرير الدى يخبر عنه"ثم بعد دلك ، فأعلم أن الوحى قد انقطع ولم يبق إلا المبشرات وهى الؤيا".

قال الرسول (ص) :تكاد رؤيا المؤمن فى آخر الزمان لا تكدب ..رواه البخارى ومسلم .. وأقر صوادق الرؤيا إدا وافق السنة كما ورد فى حديث ليلة القدر . وقال رسول الله (ص)"ارى رؤياكم قد تواطأت"

فأقول بعد دكر الأدلة المتقدمة وانطباقها على الإخوان الموجودين اليوم وعلى رجل منهم فقد وردت قرائن المسلمين فى هدا الرجل على ثلاثة أحوال:

القسم الأول :جاء فى مرائى أناس لا يعرفونه فعرض عليهم فى المنام أن هدا هو المهدى فقابلوه فى اليقظة وعرفوه بعلامات ظاهرة فيه .

القسم الثانى : رأوه أن المهدى سيخرج قريبا .

القسم الثالث : رأوا تاريخ بيعته ورأوه يبايع له بين الركن والمقام وغالبهم لا يعرف هدا الرجل ، وقد بلغت أكثر من العشرين بل أكثر من الخمسين رؤيا إلى هدا اليوم ويقوم بجمعها من أصحاب الرؤيا ثلاثة من الإخوان ومن أراد التبين من دلك فليسأل فهو (مراس بن ملعاط الغامدى)و(يوسف أكبر آل رضا)و.. (صوت لغط وضجيج شديدين ومحاولة المجرمين تهدئة المصلين وإسكاتهم).

(بعد دلك يأتى صوت –غير واضح تماما – يفهم منه أنه صوت المدعو جهيمان العتيبى زعيم العصابة ، وهو ينادى فى الناس لمبايعة (مهديهم المزعوم).. من حوله أصوات تكبير وتهليل من زمرته يتخلل دلك أصوات إطلاق رصاص متواصلة وشديدة .. إلى أن ينقطع التسجيل .. )