ميلاد حماس.. وأنوار الحجيج

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
ميلاد حماس .. وأنوار الحجيج
توفيق الواعي.jpg

بقلم: د. توفيق الواعي

يأتي تاريخ ميلاد حماس العشرين أيام الحجيج المباركة، وليالي العشر الأوائل من ذي الحجة التي أقسم القرآن بها، وأشاد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بثوابها وفضلها، فتتقابل عزمات المجاهدين مع نفحات الملبين، وتتعانق تكبيرات الظافرين وتلبيات العابدين، فتتعطر الأجواء القدسية، وتسبح الأرواح في النفحات الربانية، ويسري الضياء في العوالم الندية.

وميلاد الأبطال ليس كميلاد "المهازيل"، وسِيَر الرجال ليست كسِيَر الصغار، وعزائم الأسود تخالف تمامًا أهواءَ القرود، ولئن عميت الأبصار الشرود عن وهج العزائم القوية، وضلَّت البصائر الكفيفة عن الإحساس بالأرواح الفتية؛ فهذا أمرٌ يدعو إلى الأسى والحزن العميق، ولكنَّ قوانين الضلال معروفةٌ، وأفعالَ الضعاف مرصودةٌ، وما أصبحت تخفى على أحدٍ، أو يُخدع بها إنسان، ولله دَرُّ القائل:

لا تَأْسَـفَنَّ عَلَى غَدْرِ الزَّمَانِ لَطَـالَمَا رَقَصَتْ عَلَى جُثَثِ الأُسُودِ كِلاَبُ

لا تَحْسَبَنَّ بَرَقْصِهَا تَعْلُو عَلَى أَسْيَادَهِا فَالأُسْدُ أُسْدٌ وَالكِلاَبُ كِلاَبُ

تَبَقَى الأُسُـودُ مُخِيفَةً فِي أَسْـرِهَا حَتَّى وَإِنْ نَبَحَتْ عَلَيْهَا كِلاَبُ

و حماس - وإن تنكَّر لها الكثيرون، ووقف في وجهها الصَّبوح الظلاميون، وبغى عليها المتهاوون- فهي هي حماس، وهم هم أبطالها الغر الميامين الذين سيُحيون إن شاء الله بشبابِها الأمةَ، ويجدُّون بفتيانِها المسيرةَ الخيَّرةَ الرافعةَ لألوية المجد، المحتسبةَ بجهادها وجهَ الله، والمستعينةَ بحوله وقوته عند الشدائد ومقارعةِ الأهوال.

وهل للمجاهد إلا الله؟!..

بمَـن يستغيث العبدُ إلا بربه؟! ومـَن للفتى عند الشدائد والكُربِ؟!

ومَن مالك الدنيا ومالك أهلها؟! ومَن كاشف البلوى على البعدِ والقرب؟!

ومن يدفع الغمَّاء وقت نزولها؟! وهـل ذاك إلا مـن فعالك يا ربي؟!

وسِيَر الأبطال الصامدين المكافحين دماءٌ تجري في أوصال الأمة، وحياةٌ تسري في أجسادها، وأعلامٌ ترفرف في سماها، وأصواتٌ تجلجل في أرجائها لتعلن الفلاح والصمود والجهاد على التخلُّف والهوان والاستعباد

مُجَاهِدُونَ وِفِي العَلْيَاءِ تَعْرِفُنَا مُتَوَّجُونَ بِنَصْرِ اللهِ وَالدَّينِ

اللهُ أَكْبَرُ فِي البَأْسَاءِ نُعْلِنُهَا كَيْ يَزْدَهِي النَّصُرُ فِي شَتَّى المَيَادِينِ

يعرف المجاهد منهم أنَّ تكاليفَ النصر باهظةٌ، وأنَّ ضريبتَه كبيرةٌ، ولكنَّه راضٍ بها، مصممٌ عليها؛ لأن فيها عزَّ الدنيا وسعادةَ الآخرة والفوز بالجنة، طلَّقوا الدنيا ثلاثًا، وودَّعوا زخرفها، وقصدوا معاليَ الأمور، وليس بناءَ الدور، وأنفقوا في سبيل الله الغاليَ والرخيص، وما سرقوا أقوات الناس ودماءهم، ولا سفحوا أموالهم ومتاعهم، بل آثروهم على أنفسهم، وحملوا همومهم على ظهورهم، وشاركوهم أفراحهم وأتراحهم، وضربوا للناس أمثالهم، ورسموا قدوتهم، وأروهم تضحياتهم.

ينتشي الإنسان ويثبت جنانه عند مشاهدة بطولاتهم وأعمالهم، وكم أقف إجلالاً لشابٍّ قسامي ذي عقليةٍ فذَّةٍ وعزيمةٍ حربيةٍ فريدةٍ!!، هو "نضال فتحي رباح"، ولا غروَ؛ فهو صانع صاروخ القسام، أول صاروخ صُنع في فلسطين، وصاحب الباع الطويل في وضع المواد المتفجرة التي كان لها الفضل في ردع اليهود وإرهابهم.

كم أقف احترامًا وتقديرًا لهذه العقلية الذكية، وهذا الإخلاص والإيمان المشتعل حين أقرأ وصيَّته قبل استشهاده التي يقول فيها: "الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على قائد المجاهدين، محمد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.

فهذه وصيتي أدعو إلى الالتزام بها وبما يأتي في نصوصها، ولن أشقَّ عليكم إن شاء الله.

أولاً: بعد استشهادي خذوني إلى بيتنا في الشجاعية لتودعني أمي وأحبابي هناك مهما كان جسدي وإن كنت أشلاءً، وليدعُ لي كل مَن يرافقني بأن يغفر الله لي وأن أكون من الشهداء الأحياء.

ثانيًا: أن يدفنني أحبابي في المقبرة الشرقية "مقبرة الشهداء"، وإن كان هناك قبرٌ فارغٌ بجوار قبر أخي الشهيد محمد فهذا جيد، وإن كانت الظروف صعبةً فليأخذْني بعض الرجال إلى المقبرة الشرقية، ولا مجالَ لأحدٍ لمخالفة ذلك، ولو اضطر الأمر فليأخذْني رجلٌ على بعير إلى تلك المقبرة؛ لأن روحي معلقةٌ هناك من أول يومٍ دفنت فيه أخي وحبيبي الشهيد عماد عقل.

ثالثًا: الصلاة عليَّ في المسجد العمري والدعاء لي بالمغفرة.

رابعًا: عدم إطلاق الرصاص أثناء التشييع، وأن يلتزم الجميع بتعاليم الإسلام .

خامسًا: ألا يُصنَع لي طعام؛ لأن الأموال يجب أن توجَّه للجهاد، ويجب أن تبقى الأموال في يد حركة حماس لتنفقها فيما هو أهم، وهو العتاد للمجاهدين.

سادسًا: الترحُّم على روحي، وكل مَن قرأ القرآن الكريم كاملاً وأهداه لروحي فسأطلب من الله أن أكون له شفيعًا.

سابعًا: الشهيد يُشفَّع في سبعين من أهله والله يزيد، وأنا أدعو إخواننا أصحاب رءوس الأموال من كل البلاد أن يقدِّموا الدعم لحركة حماس وللشيخ أحمد ياسين؛ لأن المال عصب المجاهدين، وسأطلب من الله أن يُشفعِّني في كلِّ مَن يُقدِّم ذلك الدعم إن شاء الله.

ثامنًا: أطلب من الجميع أن يسامحني، وكل مَن أخطأت في حقه يومًا ما بقصدٍ أو بدون قصدٍ، فأنا أتوسل إليه ليسامحني، وأنا سامحت الجميع دون استثناء.

تاسعًا: هذا الزمان زمن المهدي، فأنا أبايعه من الآن متى ظهر.

عاشرًا: أدعو الله أن يُقطَّع جسدي في سبيله إربًا؛ عله يغفر لي ذنوبي، وأن أكون من الشهداء، وأن يدخلني الفردوس الأعلى.

آمين يا رب العالمين، وسلامي إلى جميع إخوتي وأبناء عائلتي وكل من عرفني.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".

وبعد، فسلامُ عليك أيها البطل الهمام، وسلامٌ عليك يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تُبعث حيًّا.

المصدر

قالب:روابط توفيق الواعى