موسم الحج والأمل في المستقبل

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
موسم الحج والأمل في المستقبل

20-12-2005

بقلم فضيلة الشيخ محمد عبد الله الخطيب*

اجتماع ملايين في موسم الحج يُعطى بُعدًا آخر من أبعادِ هذه الفريضة، أمامنا أمةٌ واحدة في صعيد واحد يجمعها التوحيد ويقويها، وكل فردٍ فيها يتمنَّى ذلك اليومَ الموعود الذي ستنهض فيه هذه الأمة، وتعرف دورها، وتميز بين عدوها وصديقها، ومهما طال الزمن، واشتدَّ ظلام الليل، فهذا الموقف العظيم في عرفات، وفي الطواف حول الكعبة، ورمي الجمار، يستحيل أن يضيع في الهواء، بل نحن ننظر إليهم ونُباهي بهم العالم، بل نتخلص من عقدة النقص التي تمكَّنت من البعضِ، وهم يرون الكيان الصهيوني وأمريكا بقوتها المادية، فلا يرون في أمتهم غير السلبيات.

وإذا كانت هذه الملايين في الحج يباهي بهم ربُّ العالمين ملائكته، فيقول "انظروا إلى عبادي جاءوني شُعثًا غُبرًا ضاحين.. أُشهدكم أني قد غفرت لهم".. يجب أن نُصحح النظر، وننظر إلى الإيجابياتِ وننهض ونُجدد الأمل في هذه الرسالة، ونعود إلى الطريق، ويومها تعود فلسطين التي لن تضيع أبدًا إن شاء الله، وستنتصر العراق وأفغانستان، وسيعمُّ الأمن والسلام.

لبيك اللهم لبيك

الحجُّ فريضةٌ من فرائضِ هذا الدين، وهو حقٌّ لله تعالى، يقول سبحانه ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾ (آل عمران: من الآية 97)، وفي موسم الحج نزل على إمام المرسلين- صلى الله عليه وسلم-: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا﴾ (المائدة: من الآية 3).

يقول الإمام البنا- عليه الرضوان-: "ما أجمل عظمة الربوبية، وما أعظم فضل الألوهية، وما أجمل أن يتفضل الله على عبادِهِ، فيدعوهم إلى بيتِهِ العتيق ليغفرَ ذنوبهم، ويُطهِّر قلوبهم، ويُضاعِف أجورَهم، ويُجدد أرواحهم، ويمنحهم من فيضِ فضله ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

وما أجمل أن يتفتح المؤمن على هذا النداء العلوي، ويتلقاه كما تتلقى الزهرة قطرات الندى، فيحيا به ويسعد، ويتجهز من فورِهِ لإجابةِ دعوة الله، وينضم إلى وفدِهِ الكريم، مُهاجرًا إلى حرمه المقدس، وبيته الأمين، هاتفًا من أعماقِ قلبه "لبيك اللهم لبيك".

أخي الكريم: إن كنت ممن سمعوا هذا النداء، فأجابوا الدعاء وقُدِّر لهم أن يكونوا في وفدِ الله تبارك وتعالى، فاعلم أنها غُرة السعادة، وفاتحة الخير كله، وعنوان رضوان الله، فما دعاك إلا وهو يُحبك، وما ناداك إلا ليمنحك ﴿وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (البقرة: من الآية 268) فهنئ نفسك بهذا الفضلِ المبين، وتقبل تهنئة إخوانك المحبين، واذكرنا بصالح الدعوات المشرقة، وإن حالت دون ذلك الحوائل، فصاحب الحجاجَ بقلبك، ورافقهم في جميعِ المناسك بروحك، فإنَّ لك مثل ثوابهم إن شاء الله.

هذه التلبية، بهذا الهتاف الحبيب في الحج، ليس لبشر إنما هي لربِّ الأرضِ والسماء، لا يملأ أُذنيك إلا التكبير والتقديس والتمجيد، لله وحده؛ طلبًا لمرضاتِهِ، ورغبةً في ثوابه، وخوفًا من عقابِهِ.

يقول الحق سبحانه: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمْ الأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31) ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)﴾ (الحج).

مكانة البيت الحرام

المسلمون جميعًا في مشارقِ الأرض ومغاربها يُولُّون وجوههم شطرَ البيت، في كل صلاةٍ تُقام في قاراتِ الأرض جميعها، والحق تبارك وتعالى أراد تكريم هذه الأمة، بحملِ الرسالة الخاتمة للعالمين.

من فوائد الحج

آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول- صلى الله عليه وسلم-، كثيرة في هذا المجال.. قال تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ (البقرة: من الآية 196)، وقال سبحانه: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)﴾ (الحج).

عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "العمرةُ إلى العمرةِ، كفارةٌ لِمَا بينهُمَا من الذنوبِ، والحجُّ المبرورُ ليسَ لَهُ جزاءٌ إلا الجنَّة" أخرجه البخارى ومسلم.

وقال- صلى الله عليه وسلم-: "مَن حجَّ فلم يرفُث ولم يَفسُق رَجَعَ كيومِ ولدته أُمَّه" (رواه البخاري وأحمد).

وأما زيارة مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فمطلوبة وقُربة من الله تبارك وتعالى، فقد روى الدار قطني بإسناده عن ابن عمر قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "مَن حجَّ فزارَ قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي" ورُويَ بهذا المعنى آثار أخرى.

وذهب بعض العلماء إلى تضعيف هذه الآثار ولم يأخذوا بها، على أنَّ زيارة القبور عامة مطلوبة بقوله- صلى الله عليه وسلم-: "كنتُ قد نهيتكم عن زيارةِ القبور فزوروا القبور فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة" رواه ابن ماجه عن ابن مسعود، وفي حديث آخر عن أنس "كنتُ نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها، فإنها ترق القلب وتدمع العين وتذكر الآخرة ولا تقولوا هجرًا" رواه الحاكم.

فإذا صحَّ طلب زيارة قبور عوام المؤمنين فقبور الأولياء أولى بذلك لما فيها من زيادة العظة، وقبر الرسول صلى الله عليه وسلم أولى لما فيه من زيادة العظة والبركة معًا.

والاحتجاج على المنع بحديث "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى" رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة وغيرهم.. الحجاج في غير موضع الخلاف، فإنَّ الحديث إنما يضع حجة لمنع شد الرحال لمسجدٍ غير الثلاثة المذكورة، وأما ما عدا ذلك من الأغراض الجائزة شرعًا فلا يكون الحديث حُجة في منع شدِّ الرحال لها، وقد أطال كثيرٌ من الباحثين في هذا الذي ذكرت خلاصته، ﴿وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ (الأحزاب: من الآية 4).


المصدر

إخوان اون لاين