من يتجرع السم؟.. اجتهاد جديد في ذبح المذبوح!

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
من يتجرع السم؟.. اجتهاد جديد في ذبح المذبوح!


الكاتب :شعبان عبد الرحمن

في مقاله بالشروق يوم الثالث والعشرين من سبتمبر الجاري بعنوان: "مَنْ يتجرع السم لأجل الوطن؟" طالب الأستاذ فهمي هويدي الإخوان المسلمين وأنصارهم بتجرع السم عبر التوقف عن المظاهرات والعودة إلي بيوتهم, وقال ضمن ذلك المقال: "إنني لم أفكر فيما إذا كان ما حدث أهو انقلاب أم ثورة؟, ولست مشغولاً بمن المخطئ ومن المصيب؟ لكنني أزعم أن الوطن والأمة معاً بحاجة إلى طرف شجاع يتقدم لكي يطفئ الحريق, وينقذ مصر من الرياح المسمومة التي هبت عليها, وأطلقت فيها وحوش الغضب والثأر والانتقام ودعوات الاقتلاع والإبادة, وهو ما يدعوني إلى طرح السؤال التالي: من يتجرع السم ليسدي للوطن تلك الخدمة في اللحظة الراهنة؟

إنني لا أتصور عقلاً أن أطالب السلطة القائمة بتلك الخطوة، ليس فقط لأنها معتمدة على الجيش والشرطة, ولكن أيضاً نظراً للتأييد الشعبي الواسع لها، لذلك فإنني أتوجه بالنداء إلى الإخوان المسلمين وحلفائهم، وتلك مغامرة شخصية من جانبي لم أستشر فيها أحداً ولا أعبر فيها عن أحد. في هذا الصدد فإنني أدرك فداحة الثمن الذي دفعه الإخوان، وقدر الظلم الذى وقع عليهم، كما أننى أقدر مشاعر قواعدهم، إلا أنني أثق في حكمتهم ووطنية قياداتهم.." انتهى.

توقفت طويلاً مثل غيري أمام كلمات الأستاذ فهمي، وقبل أن أناقش يجدر بي الإشارة إلى أنني لم أستغرب ما قاله, فقد اعترف الرجل بأن طرحه يُعد "مغامرة" يتحمل هو مسؤوليتها كاملة, ومن جانب آخر فلم يساورني شك في سلامة مقصده ونزاهة تفكيره, وإن كنت أختلف معه - كغيري - في طرحه:

1- الواضح من مجمل كلامه تأييده - ضمناً - للانقلاب العسكري, أو على الأقل تسليمه بالواقع الذي صنعه ذلك الانقلاب، وبالتالي حثه للآخرين على التعامل معه بالإذعان لما يفرضه من فروض الطاعة العسكرية, فالرجل لا يعنيه إذا كان ما حدث "انقلاب" أم " ثورة", وإنما يعنيه عودة الهدوء إلى مصر, وهو ليس مشغولاً بمن المخطئ ومن المصيب؟ وإنما شغله الشاغل "الوطن" وهي كلمة حق أريد بها - في الحقيقة - تشريع الظلم وتقنين الجبروت والاعتراف بالفراعنة الجدد.
وتجاهله لمن المخطئ ومن المصيب, لا يعدو أن يكون احتقاراً لتلك الجثث الطاهرة المتراكمة والمحترقة والمجروفة بين القمامة في أبشع مجازر عرفها التاريخ الإنساني, ثم يطلب بعد ذلك مِن المذبوح المقتول؛ المسفوح دمه, المعتقل تحت الأرض, المفترى عليه عبر إعلام الزور والضلال أن يتجرع السم, ويعود إلى بيته، ذلك إن تركوه يعود!
لو كان شغله الشاغل "الوطن" لانشغل أولاً بما حدث ووصل مع نفسه إلى توصيف ما جرى: "انقلاب" أم " ثورة", ولحكَّم ضميره المهني والوطني، وساعتها سيدرك ببساطة أن المتسبب الحقيقي فيما وصل إليه الوطن هو ذلك الانقلاب على رئيس انتخبه الشعب، ثم إن الرياح المسمومة التي هبت على الوطن هي أيضاً رياح الانقلاب الهوجاء التي أطلقت وحوش الغضب العلماني المتطرف, وكلاب ثأر وانتقام الدولة العميقة بكل ألوانها ودعوات الاقتلاع والإبادة الطائفية الصهيونية.
وكل ذلك تم توجيهه دفعة واحدة ضد الإخوان ومؤيديهم، وكل الأحرار، لتحصد منهم في ساحات الاعتصام السلمي آلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين، وفي مقدمتهم قادة الإخوان ومرشديهم السابق والحالي, وانقلب الحال مع جماعة الإخوان من مقر؛ كان مقصداً لكل القوى السياسية, وممثلي دول العالم يهرولون إليه، إلى وكر للإرهاب، وأصبح قادة الإخوان الذين كان الجميع يتسابق للقائهم وخطب ودهم إلى إرهابيين يستحقون السجن تحت الأرض!.
ألم تدرك ذلك يا أستاذ فهمي؟ وأنت الذي نتعلم منك التحليل والاستقراء والاستنتاج والوصول إلى الحقيقة المجردة دون لأي أو نصب؟ ماذا جرى؟!
2- لم يطالب هويدي السلطة الانقلابية بشيء, ليس فقط لأنها معتمدة على الجيش والشرطة ولكن أيضاً نظراً للتأييد الشعبي الواسع - من وجهة نظره - الذي تحظي به, والمفترض وفق منطقه أن "سلطة" بهذا الوضع الذي صوره هي في عنفوانها وفي وضع أقوى من الإخوان بكثير, وبالتالي يكون منطقياً مطالبتها هي بتجرع ذلك السم, فلن يضيرها تجرع براميل منه, ولكنه مال على الطرف المفترى عليه ليطالبه بذلك, حتى ينتهي من الوجود وتخلو الساحة تماماً للسلطة الانقلابية لتفعل بمصر ما يحلو لها, المهم أن تخلو الساحة تماماً من الإخوان المسلمين, مالكم كيف تحكمون؟!
3- لم ينكر أحد من معارضي الانقلاب أنه حظي بتأييد شعبي، فالرئيس "محمد مرسي" فاز بنسبة 51% ويعارضه 49%، وهم جزء كبير من الشعب, فلماذا لا ينعي هويدي على الانقلاب عدم لجوئه لذلك التأييد الجماهيري الواسع لتغيير مرسي عبر صناديق الانتخابات, بدلاً من عزله بقوة السلاح, وسجنه, ثم تجريد وحملة اجتثاث من الوجود لتياره, لو كان الانقلاب مطمئناً لجماهيريته الواسعة لما لجأ لتلك المجازر لفرض هيمنته.
ثم إن التأييد الواسع هذا انحسر ومازال ينحسر، ويستطيع أ. فهمي أن يرصد ذلك بسهولة, وهو الخبير المحترف في رصد وقراءة ما يدور.
4- إن الأستاذ فهمي وهو يطلق دعوة تجرع السم للإخوان، تجاهل جوانب المشهد وتفاصيله المهمة التي يعيشها المجتمع أو الوطن الملهوف عليه, شلال دماء مازال ينزف، وآلاف المعتقلين يواجهون الموت البطيء خلف القضبان, وبابا النصارى لأول مرة في تاريخ الكنيسة يدعم جزر مسلمين, ومازال يحرض على المزيد, ويمارس الشحن الطائفي للمسلمين قبل المسحيين، ويخوض حرباً سياسية ضد جماعة الإخوان, ودستور مُستفتَى عليه تم إلغاؤه, ويقوم خمسون فرداً, كلهم مشاركون في الانقلاب أو مؤيدون له - أي من لون واحد - يقومون بصياغة دستور جديد شواهده تؤكد أن المخطط يتجه لتذويب هُوية مصر وخلعها من جذورها الإسلامية.

لماذا يتجاهل هويدي كل ذلك ويطالب الإخوان بتجرع السم؟!

أخشى أن تكون قناعة الأستاذ فهمي هويدي باتت كقناعة صديقه هيكل الذي تؤكد كلماته عبر حواراته الأخيرة عدم اعترافه بشيء اسمه الديمقراطية وتجاهله لشيء اسمه "الشعب".

المسألة لم تعد تجرع سم ولا دروساً من الخوميني, وإنما المسألة باتت في تلك الحملة الناعمة الهادئة التي تقودها أطرافا مشبوهة، وتسعى لإخراج الإخوان والقوى المعارضة للانقلاب من الساحة تماماً بهدوء وبالذوق، بعد أن فشلت أشنع المذابح في ذلك, ولا يمكن أن أعتبر الأستاذ فهمي هويدي من تلك الأطراف, ولكني أعتبر مغامرته "فاشلة" في هذا الاتجاه.

أقترح عليك الذهاب بمبادرتك أو مغامرتك لمدارس مصر الابتدائية والإعدادية والثانوية؛ لتستمع إلى الردود العفوية عليها من الجيل القادم.

المصدر