من مسافة 7 أمتار.. رصاصة متفجرة اختطفت حياة "الهرباوي"

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

غزة - المركز الفلسطيني للإعلام (خاص)


بصدره العاري وصل الشاب "أحمد الهرباوي" أول المتظاهرين إلى أحد الثكنات العسكرية للاحتلال في موقع "نحال عوز"، أحكم لثامه فوق وجهه، وأشعل فتيل الزجاجة الحارقة وألقاها، وعندما أتبعها بالثانية أطلق الجندي المتمركز في "الثكنة" رصاصة متفجرة عليه اخترقت صدره وخرجت من ظهره فسقط مضرجاً في دمائه.


وكان الشهيد "أحمد يحيى الهرباوي" 19 سنة من مخيم النصيرات وهو أحد طلاب كلية الصحافة والإعلام بغزة، استشهد برصاصة متفجرة من العيار الثقيل أطلقها عليه أحد الجنود من مسافة لا تتجاوز 7 أمتار خلال مواجهات مساء الجمعة على حدود بلدة "الشجاعية" شرق غزة.


ونعت حركة الجهاد الإسلامي وحركة حماس الشهيد في مخيم النصيرات عبر مكبرات الصوت قبل أن يصل جثمانه لمنزله ويودعه أهله، ثم يصلي عليه آلاف المواطنين في مسجد "سيد قطب" ويوارى الثرى في مقبرة "الشهداء" بقرية الزوايدة وسط القطاع.


"الوداع"

صلى "أحمد الهرباوي" الفجر في جماعة ثم توجه لمدينة غزة فصلى الجمعة في المسجد "العمري" وشارك في مسيرة جماهيرية لحركة الجهاد الإسلامي نصرةً لقضية القدس ومؤازرةً للانتفاضة، ثم توجه للحدود قابضاً على زجاجاته الحارقة التي أعدها بيديه.


في خيمة العزاء المجاورة لمنزل الشهيد "أحمد الهرباوي" يناجي "يحيى الهرباوي" روح ابنه فيقول: "سلّم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى النبيين والصديقين والشهداء، كنت أتمنى الشهادة قبله، قديما كانوا يقولوا أحمد ابن يحيى لكن اليوم يعرفونني أنني يحيى والد أحمد!".


ويؤكد "يحيى الهرباوي" والد الشهيد "أحمد" أن الانتفاضة التي انطلقت تحتاج إلى من يقودها ويوجهها الوجهة الصحيحة حتى لا تنحرف عن مسارها فكسر "إسرائيل" ليس مستحيل! لكن المحظور أن تقع الانتفاضة بيد من يريدون تجيير التضحيات لمصلحتهم-كما يقول.


ويضيف: "قضيتنا مرتبطة بالتضحية والشهداء، وبدون شهداء وجرحى ودفع ثمن لن يكون تقدم في قضيتنا، ابني ما دفعه للتوجه للحدود هي غيرة على الدماء في القدس وقتل الشبان بدون سبب".


آخر حوار دار بين الشهيد ووالدته أخبرها فيه أنه سيخرج للمشاركة في مسيرة الجهاد الإسلامي ثم سيتوجه بعدها لحدود بلدة الشجاعية وأوصاها ألا تخبر والده لكن الأخيرة أخبرت زوجها.


ويتابع: "تحدثت معه وشعرت أنه مودعاً لن يعود للبيت فقلت له أنت لن تعود للبيت! ستتجه للحدود ولن تعود، فابتسم ثم غادر البيت وحدث بعدها ما حدث".


يصف يحيى شخصية ابنه الذي يحتل الترتيب الرابع بين أشقائه بأنها هادئة، محبوب دائم الحركة والنشاط بين جيرانه وأصدقائه مشيراً أن الشهادة درجة يتمنى كل فلسطيني مقاوم بلوغها لكن الله يصطفي من يشاء.


"الأصدقاء"

في الركن الشرقي من خيمة العزاء يتحلّق خمسة شبان من أصدقاء الشهيد "أحمد" المقربين يتبادلون حديث الذكريات ويتناقلون على هواتفهم المحمولة صوراً له قبيل استشهاده وهو ملثم ممسكاً بالزجاجات الحارقة، وصوراً أخرى لحظة استشهاده، وغيرها وهو في أنفاسه الأخيرة.


صبيحة يوم الجمعة الماضي أبدى صاحب محل البقالة المجاورة لبيته "نافذ أبو قمر" استغرابه من إلحاح "أحمد" وهو يبحث عن زجاجات فارغة تبين فيما بعد أنه يريدها ليصنع منها زجاجات حارقة "مولوتوف".


ويضيف: "كنت مستغرباً من تصرفاته! قبلها بيوم كان قد نشر على صفحته على فيسبوك أنه يريد أن يطعن يهودا ثم يستشهد غضباً من جرائم الاحتلال في القدس والضفة، سألته أين ستذهب قال لي سأذهب لموقع كسوفيم ثم تركني وذهب".


أما "محمود علي" الذي يعتبره الجميع أقرب الأصدقاء للشهيد "الهرباوي" فيبدو واجماً في طابور المعزين الذي جاؤوا لتقديم الواجب في رحيل أعز أصدقائه عن الدنيا.


ويقول: "أحمد بطبيعته هادئ محب للوطن، دائماً يحدثني عن المقاومة وكان كلما يرى استشهاد شاب في الضفة يغضب ويحدثني، في آخر يوم طلب مني مصاري وقال سأعيدهم لك المغرب".


توجه "محمود وأحمد" إلى "سوبرماركت أبو دلال" للبحث عن زجاجات عصير صالحة لصناعة "المولوتوف" ثم ملأ العبوات الفارغة بالبنزين وطلب مني أن نلتقط صورة "سلفي" أسماها "سلفي قبل الشهادة" ثم ضحك، حلوة.


ويبدو "صائب عيد" أكثر الأصدقاء المتأثرين برحيل الشهيد "الهرباوي" فقد أمضيا طوال خمس سنوات أوقاتاً طويلة زملاء في كلية الصحافة والإعلام وهواية التصوير وجلسا ساعات طويلة في المخيم.


يطيل صائب النظر لأسفل قبل أن يضيف: "كان يخطط من أسبوع ويريد أن يفعل شيئا، يريد أن ينتقم للشهداء فيقتل مستوطنا ثم يستشهد، كنت أحاول أن أثنيه عن ما يريد ولكن دون فائدة!".


جمع القدر بينهما على حدود "الشجاعية" وخلال تصوير "صائب" للشبان الغاضبين شاهد "أحمد" وهو أول شاب اقترب من الحدود ثم أشعل زجاجة "مولوتوف" وألقاها ثم كرر الثانية فأشعلت خط من النيران على بعد 7 أمتار من الحدود.


ويضيف: "حاولت أن أرجعه في البداية فرفض بشكل غريب لم أعهده عليه، قال اتركني أريد أن استشهد، عرفته يحب المزاح لكن في تلك الساعة قال لي عندما رأيت الجنود رأيت شيئاً مفزعاً، ثم أشعل الزجاجات، وعندما أصيب بقينا 45 دقيقة ينزف وهو يتشاهد".


ولازال آلاف المواطنين من سكان مخيم النصيرات يتوافدون إلى خيمة العزاء المجاورة لمنزل الشهيد "الهرباوي" يصافحون والده الذي يحتفظ برباطة جأش عالية ويتحدثون عن قصة استشهاده التي اختطف فيها أحد الجنود حياته برصاصة متفجرة من العيار الثقيل.