من صفات عباد الرحمن (1)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
الحاج فؤاد الهجرسي يكتب : من صفات عباد الرحمن (1)


بقلم: فؤاد الهجرسي

مقدمة

الحمد لله المتفضل بالجود والإحسان, المنعم على عباده بنعم لا يحصيها العد والحسبان, الكريم المنان الذي أسبغ علينا النعم ظاهرة وباطنة , فله الحمد في الأولى والآخرة .

نحمده تعالى ونشكره ، ونصلي على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم, سيد المرسلين وإمام المتقين, وعلى آله وصحبه أجمعين.

فإن مكارم الأخلاق صفة من صفات الأنبياء والصديقين والصالحين، بها تُنال الدرجات، وتُرفع المقامات، وقد خص اللّه جلَّ وعزَّ نبيه محمدًا صلى اللّه عليه وسلم بآية جمعت له محامد الأخلاق ومحاسن الآداب فقال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)﴾ (القلم).

وإن لحسن الخلق في الإسلام مكانة عالية, وتتعدد النصوص في فضل الخلق القويم، والحث على التحلي والتمسك به؛ فلقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا" (سنن الترمذي)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الناس لم يعطوا شيئًا خيرًا من خلق حسن" (صحيح الجامع).

وتأملوا أحبتي الأثر العظيم والثواب الجزيل لمن حسن خلقه؛ به تنال درجة العابدين، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل صائم النهار" (السلسلة الصحيحة).

أحبتي.. فكم من أجور أضعناها بغفلتنا عن حسن الخلق والاعتناء به, وهذه دعوة بأن نحتسب أجر التحلي بالصفات الحسنة، ونقود أنفسنا إلى الأخذ بها والمجاهدة في ذلك.

وما الصفات التي ذكرها الله لعباد الرحمن في سورة الفرقان إلا غيض من فيض؛ ما يجب أن يتحلى به المسلم، لاسيما المسلم الداعية الذي عُقدت أعين الناس بناصيته، ترقـُب حركاته وسكناته، وربما تحصي أنفاسه.

أدعو الله عز وجل أن نستكمل في أنفسنا أخلاق المؤمنين، فيتلقانا الله عز وجل في الفردوس الأعلى بقوله تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ (4 الأنفال).

من صفات عباد الرحمن

قال الله تعالي: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَاخَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا﴾ (63 الفرقان).

1- ﴿وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَٰنِ﴾ هم الذين يقبلهم الرحمن تبارك اسمه عبادًا له، وهم الذين طابت هيئتهم وسيرتهم ومقالتهم، يتواضعون في مشيتهم.. لا يتبخترون ولا يسرعون، بل يقصدون، وإذا أساء إليهم السفهاء لم يجاروهم، بل على مثل من قال الله فيهم: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ﴾ (55 القصص) (تفسير: فتح الرحمن).
وهم الذين أطاعوا الله وعبدوه، وشغلوا أسماعهم وأبصارهم وألسنتهم وقلوبهم بما أمر الله به، أولئك يستحقون اسم العبودية وشرف الانتساب، ومن كان على عكس ذلك يُقال لهم:
﴿أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ﴾ (الأعراف: من الآية 179).
2- ﴿الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا﴾، والمراد: مشيًا تعلوه السكينة والوقار، يُفهم ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم في طريق الصلاة: "إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا" (رواه البخاري ومسلم).
ولعل المراد بالسكينة هنا طمأنينة النفس، ووقار يعلو حال المقبل على الله، يصلي له ويعبده، هذا مع الهمة والنشاط والحرص على عدم الفوت.
ويراد بالسكينة: الخروج من حال الهرولة و"الهرجلة" التي تذهب الوقار، قال صلى الله علية وسلم: "يأيها الناس عليكم بالسكينة؛ فإن البر ليس بالإيضاع "... أي السرعة التي تخل بالوضع.
وتنسحب صفتا الهون والسكينة على خلق الماشي، فضلاً عن صورته وهيئته، فقد قيل (رب ماشٍ هونًا وفي خلقه طبع ذئب أطلس) أي: رمادي اللون أجرب الجلد شديد الافتراس.
3- وليس المراد بالمشي الهون مشية البطيء المريض، فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا مشى، فكأنما ينحط من صعيد وكأن الأرض تُطوى له.
ورأى عمر رضي الله عنه شابًّا يمشي رويدًا، فقال له: (ما لك؟ أأنت مريض قال: لا يا أمير المؤمنين، فعلاه رضي الله بالدرة وأمره أن يمشي بقوة.
4- ومما قاله الإمام الحسن البصري رضي الله عنه في هذا المقام: (إن المؤمنين قوم ذلل، ذلت منهم والله الأسماع والأبصار والقلوب والجوارح؛ حتى لتحسبهم مرضى، وما بالقوم من مرض، وإنهم لأصحاء، ولكنهم دخلهم من الخوف ما لم يدخل غيرهم، منعهم من الدنيا علمهم بالآخرة فقالوا: (الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن)، وأما والله ما أحزنهم حزن الناس ولا تعاظم في نفوسهم شيء طلبوا به الآخرة، أبكاهم الخوف من النار، دارية من يتعز بعزاء الله، تَقطٌعُ نفسه على الدنيا حسرات، ومن لم ير لله نعمة إلا في مطعم أو في مشرب فقد قل علمه وحضر عذابه) .

خلاصة

المشي الهون بكل أبعاده وأماراته، صفة ربانية اختارها رب العباد لأوليائه وأصفيائه، لمن أضافهم إليه إضافة تشريف وتكريم؛ فكونوا أنتم أيها الإخوان الصادقون لتقودوا الناس بحسن أخلاقكم لا بكثير عملكم.

المصدر