ممدوح الولي يكتب: الأمان المفقود
(5/2/2015)
روت زميلة صحفية أن حريقا شب بالعمارة التى تسكن بها بمنطقة الهرم بالجيزة مؤخرا ، وأن سكان العمارة ظلوا يتصلون بتليفون المطافى حوالى الساعة ، ولكن لا رد ، وعندما اتصلوا بتليفون النجدة لمساعدتهم بابلاغ المطافى بمعرفتهم ، كان الرد أن هذا ليس من اختصاصهم .
حتى أبلغها السكان بالحريق حيث كانت خارج البيت ، فقامت من خلال زملاءها من مندوبى الداخلية بالاتصال بمساعد وزير الداخلية ، فحضرت عربات المطافى ، لكن تجهيزات المطافىء لم تكن كافية للوصول الى احدى الشقق التى ماتت بها سيدة وطفليها ، بعد حصار النيران لها .
كما كشف الحادث عن عدم التنسيق بين الجهة المسؤولة عن اطفاء الحرائق ، والجهة المسؤلة عن الغاز الطبيعى ، حيث لم يتم فصل الغاز الطبيعى عن العمارة وما يجاورها إلا بعد فترة ، ساهم خلالها الغاز الطبيعى فى امتداد الحريق الى العديد من الشقق المجاورة .
وتروى صحفية شابة أن حادثا أصاب شقيقها ومواطنا معه ، وامتنعت سيارة الاسعاف عن نقل المصابين الى المستشفى ، وقامت أسرة شقيقها بدفع مبلغ مناسب لسائق الاسعاف فقام بنقل شقيقها للمستشفى ، أما المواطن الآخر المصاب بنزيف فلم تقدر أسرته على دفع المبلغ المطلوب وقتها ، مما اضطر ابنه لنقله على موتوسيكل ، لكن المستشفى رفضت دخوله ، وطال وقت الاجراءات لتصعد روحه الى بارئها !
ويشبه ذلك مارواه بعض المصريين عن تعرضهم لحوادث طرق على الطرق المؤدية لمدن جنوب سيناء ، وعندما تحضر عربات الاسعاف يكون سؤال سائقها ، هل المصابين أجانب ؟ وعندما تكون الاجابة بالنفى ، تنصرف عربة الاسعاف تاركة المصاب المصرى فى مكانه !
ÖÖ ولك أن تقارن ذلك الموقف بحمل كل مواطن اسرائيلى بطاقة فى جيبه تحمل اسم فندقا معينا ، وهو اجراء احترازى تقوم به السلطات ، بحيث اذا تعرضت أى أسرة اسرائيلية لحادث يقوم به الفلسطينيون ، يصيب منزلهم ، تتوجه الأسرة مباشرة الى الفندق المحدد للإقامة به حتى يتم حل مشكلتهم .
وهكذا فإن مهمة أية حكومة هى حماية مواطنيها من أى ظرف طارىء ، سواء كان فى صورة حادث طريق أو مرض مفاجىء ، وعلاجه الفورى كما يحدث فى مستشفيات بريطانيا ، دون السؤال هناك عن امتلاكه لنفقات العلاج ، حتى ولو كان شخصا غير انجليزيا موجودا فى زيارة .
كما تمتد مهمة أية حكومة لتنشيط السوق كى يتيح فرصا للعمل ، ومن يتعطل يصرف بدل بطالة حتى يجد عملا ، ومن لم يستطع تدبير غذائه يحصل على كوبونات طعام أو اعانة ، وتتيح طرقا لتمويل الحصول على المسكن المناسب ، والانتقال الى مسكن آخر كلما جد جديد بالأسرة ، وبعد وصوله لسن التقاعد يجد معاشا كريما وعلاجا .
تلك مهمة الحكومات التى تقوم بها من خلال ما تستأديه من ضرائب ، الى جانب توفير خدمات المرافق العامة ، وضمان استمرار تحسن مستوى تلك الخدمات ، وتتبارى السلطات المحلية الحكومية والشعبية فى حل مشاكل المناطق التى تتواجد بها ، وعندما تقصر الحكومات أو المجالس المحلية فى تلك المهمة ، ينتخب الناس حكومات أخرى لتحسين الأوضاع .
ÖÖ أما فى مصر فجانب الجباية متعدد الأوجه ، من ضرائب دخل ومبيعات وجمارك ودمغات ورسوم متنوعة مرتبطة بالخدمات نفسها ، لكن الحصيلة تتجه الى أولويات أخرى لا ترتبط بتأمين حياة الناس ، بل يمكن أن تكون موجة لسرعة الإجهاز على تلك الحياة ، من خلال شراء المزيد من الرصاص المطاطى والرصاص الحى والغاز الخانق وانشاء سجون جديدة .
لتظل مشاكل حوادث الطرق والبطالة والفقر وتدهور الخدمات الصحية ، وانقطاع المياه والكهرباء والمعاشات المتدنية ، وبقاء ملايين الفقراء حتى اليوم بلا اعانات، بدعوى قلة المخصصات الكافية لمواجهة تلك المشاكل .
الى جانب تعطيل الدستور الجديد ، والمناداة بسحب الجنسية عن المعارضين ، وحرق الكتب ، والاعلام الذى يحمل وجهة نظر واحدة ، والقضاء المسيس ، والشرطة التى لا تجد رقيبا على تصرفاتها ، والجيش المتدخل فى الاقتصاد والسياسة ، والقوانين المتوالية لكبت الرأى من منع للتظاهر واحالة للمعاش لمن يُضرب عن العمل ، والاتهام بالارهاب شخصا كان أم كيانا .
حتى أصبح الاطلاع على الهوية فى نقاط التفتيش المروية ، لا يقتصر على الاطلاع على بطاقات الهوية وتفتيش حقيبة السيارة ، بل يمتد الى استعراض مضمون الهاتف الخاص أو جهاز الكمبيوتر ، وامتد الحصار الى الحساب الخاص على مواقع التواصل الاجتماعى ، وتلفيق التهم المتعددة لمن يجدون فى حساباتهم صورة لشعار رابعة أو صورة لرئيس سابق ، لا فرق فى ذلك بين صغير وكبير ، طفلا أو امرأة .
ÖÖ ومن الطبيعى ألا يساعد هذا المناخ على الانتاج أو حتى على الرغبة فى استمرار الإقامة بالبلد ، ولهذا زاد السفر للخارج لمن استطاع الى ذلك سبيلا ، سواء بالسماح بالسفر أصلا ، أو القدرة على تكاليفه ، كما زادت حالات الانتحار ، أما حالات الاحباط فهى الأكثر انتشارا .
ورغم ذلك يستمر القائمون على الأمور فى تريد مقولات : نزاهة القضاء وعدم تدخلهم به ، وحرية الرأى والاعلام المكفولة ، الى جانب تراجع معدلات البطالة عدة مرات فى عهدهم ، وزيادة معدلات النمو الاقتصادى ، والاستثمارات الضخمة التى جاءوا بها .
ÖÖ واذا كان هذا هو وضع المواطن العادى حاليا ، فما بالنا بوضع المواطن الذى يحمل أفكارا ، لا تتوافق مع النظام الحاكم منذ الثالث من يوليو 2013 ، إن الأمر أصبح أكثر وحشية ودموية ، بداية من اطلاق المطاطى والرصاص الحى ، الى القصف بالطائرات سواء كان ذلك بالميادين العامة بالمدن ، أو بالقرى الى جانب نسف البيوت وتجريف المزارع .
وما بين ذلك من اعتقال يتم تجديده تلقائيا ، وحجز بأقسام الشرطة فى ظل أوضاع غير انسانية بالمرة ، وتعذيب أفضى الى موت البعض ، وأحكام مشددة تتنافى مع نصوص قانون الطفل ، لم يسبق اتخاذها من قبل تجاه الطلاب والطالبات فى العقود الماضية ، الى جانب التنكيل بأساتذة جامعات وعمداء كليات ومسؤلين سابقين .
واقتحام البيوت وتكسير محتوياتها ، وسلب الأموال والمقتنيات ، واقتياد الرهائن ، والمحاكمات العسكرية للمدنيين ، والفصل من العمل ، وامتد الأمر الى التحفظ على الأموال والشركات رغم تعارض ذلك مع نصوص قانون الاستثمار وتسببه فى الإساءة لمناخ الاستثمار ، والتحفظ على أموال الجمعيات الخيرية .
ولا يكفى حرق الأب المعارض أو قتل ابنته أو ابنه ، بل يمتد الأمر لاعتقال آخرين من أبنائه ، والغرامات الباهظة لأفراد أسر لا تجد قوت يومها ، وحتى هذا أيضا لا يكفى فهناك التشويه الاعلامى ، والاتهام بأبشع الاتهامات بصرف النظر عن مدى صحتها .
ÖÖ تلك هى صورة مصر الآن ، افتقاد للأمن والأمان ، وقمع واستبداد ، وفشل متوالى فى مواجهة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية المزمنة ، وتفاقم لحدة تلك المشاكل ، وإضافة لمشاكل جديدة .
المصدر
- مقال:ممدوح الولي يكتب: الأمان المفقود موقع: الشرقية أون لاين