ممدوح الولى يكتب: حكومة مأزومة ماليا
(5/8/2015)
شواهد عديدة بالأسواق تشير الى وجود تعثر مالى حكومى ، منها : تأخر الوفاء بمستحقات المخابز المشاركة بمنظومة توزيع الخبز المدعم ، وتأخر سداد مستحقات شركات توريد سلع البطاقات التموينية ، مثل الزيت الذى انكمشت الكميات المتاحة منه لأصحاب البطاقات التموينية .
وكذلك تأخر سداد مستحقات لشركات مطاحن ومضارب ، والتأخر فى سداد مستحقات المنتجين لقصب السكر بعد تسليمه للمصانع ، وعجز شركة السكر عن سداد كامل القيمة ، ومثل ذلك لمزارعى بنجر السكر ، والتأخر فى سداد مستحقات شركات مقاولات قامت بتنفيذ عمليات لجهات حكومية .
والتأخر فى تدبير الاعتمادات الكافية لاستيراد الأسمدة بعد نقص الانتاج المحلى ، والتأخر فى اعتماد المبالغ الكافية لاستيراد الغاز الطبيعى ، الى جانب أشكال أخرى متعددة فى نفس السياق .
ÖÖ الأثر على السوق : والخطير فى الأمر أن الأثر السلبى لتأخر الوفاء بالمستحقات للشركات الموردة للحكومة ، أو المنفذة لعمليات لصالحها ، لا يقتصر على الجهات صاحبة الحقوق ، ولكنه يمتد الى حلقات أخرى بالسوق .
فتأخر سداد مستحقات شركة مقاولات قال رئيس اتحاد المقاولين أنها تصل الى 5ر1 مليار جنيه ، يعنى عدم تمكنها من سداد ما عليها للموردين لها بالسوق ، ولأن هؤلاء الموردين عليهم مستحقات لجهات أخرى ، فسوف تصاب عدة حلقات للتعامل بالسوق بالاضطراب .
ويمتد الأثر السلبى الى العمالة التى لا تتقاضى كامل حقوقها المالية ، بما ينعكس على جهات تعاملاتهم السلعية والخدمية من محلات بقالة وخضر وفاكهة ونحو ذلك ، وبما يزيد من عوامل ضعف الطلب والركود ، كما قد تكون بعض تلك الشركات صاحبة الحقوق المتأخرة مقترضة من البنوك ، فتتعثر فى السداد للبنوك ، مما يزيد قيمة الفوائد عليها .
ويضعها فى قوائم الشركات المتأخرة فى السداد ، وهو ما يحول دون امكانية اقتراضها من البنوك مستقبلا ، كما قد يتعرض مسؤليها لعقوبات جنائية بدنية بسبب تأخرها فى السداد ، ومن ناحية أخرى تضطر البنوك لزيادة مخصصات القروض المتعثرة ، وتقلل بالتالى من اقراض الشركات والأفراد ، وتفضل اقراض الحكومة المضمونة ، مما يزيد من متاعب الشركات .
وهكذا تتعدد دوامات الآثار السلبية لتأخر الحكومة فى سداد ماعليها ، ولكل نشاط اقتصادى له مستحقات ، حلقاته الخلفية والأمامية التى تتأثر سلبا ، بما يضر بالحالة العامة للسوق .
والأثر الثانى الرئيسى للتأزم المالى الحكومى هو تقليل الحكومة من حجم اعتمادات الاستثمارات الحكومية ، التى التزمت بها عند اعداد الموازنة ، ولقد تعهدت الحكومة بانفاق 2ر67 مليار جنيه على الاستثمارات الحكومية بالعام المالى الحالى ، على البنية الأساسية من طرق وكبارى ومياه شرب ، وصرف صحى واسكان وكهرباء وتعليم وصحة .
وهو ما يعنى انفاق نحو 6ر5 مليار جنيه شهريا خلال شهور العام المالى الحالى ، لكن نتائج الشهور الثمانية الأولى المعلنة ، تشير الى انفاق متوسط شهرى 7ر3 مليار فقط على الاستثمارات الحكومية ، والنتيجة تأخر تحسين مستوى المرافق والخدمات فى أنحاء البلاد .
والأثر الثالث هو لجوء الحكومة لرفع أسعار الخدمات التى تحتكرها ، مثل زيادة أسعار الكهرباء ومياه الشرب فى يوليو القادم ، وصرف البنزين بالكروت فى خطة سابقة على زيادة سعره ، وصرف البتوجاز بالبطاقات لزيادة سعر الأنابيب الإضافية ، وفرض ضريبة القيمة المضافة ، لرفع معدل الضريبة على بعض السلع الخاضعة لضريبة المبيعات ، وزيادة عدد السلع والخدمات الخاضعة لتلك الضريبة .
ÖÖ عجز الموازنة سبب رئيسى : والسبب الرئيسى لتأخر وفاء الجهات الحكومة لما عليها من التزامات هو العجز بالموازنة ، بسبب زيادة المصروفات عن الايرادات ، واذا كانت وزارة المالية قد توقعت بلوغ العجز الكلى بالموازنة خلال العام المالى الحالى 240 مليار جنيه .
فقد بلغ العجز الكلى خلال الشهور الثمانية الأولى من ذلك العام المالى 186مليار جنيه ، بمتوسط شهرى 2ر23 مليار جنيه ، وهو ما يعنى فى حالة استمرار نفس المعدلات ، احتمال بلوغ العجز خلال العام المالى الحالى 279 مليار جنيه .
وتأتى تلك الزيادة فى العجز عن الأرقام السابق تقديرها ، بسبب تحميل وزارة المالية أعباءا إضافية ، فهناك رقم محدد بالموازنة لمساندة الهيئات الاقتصادية الخاسرة مثل السكة الحديد واتحاد الاذاعة والتلفزيون وغيرها ، لكن الحكومة تضطر لزيادة مخصصات بعض الجهات باعتمادات اضافية كلما جد جديد ، بما يزيد المصروفات .
وبالطبع لا يستطيع وزير المالية المعين من قبل الحكومة ، التأخر عن تدبير المبالغ التى يتم طلبها لمواجهة الاحتياجات الطارئة لوزارة الداخلية أو الكهرباء ، أو للاضطرابات العمالية أو نحو ذلك .
ومن هنا تقوم الحكومة بسداد معظم نفقات أجور شركات الغزل والنسيج الحكومية الخاسرة ، وكذلك المرتبات الشهرية للعاملين باتحاد الاذاعة والتلفزيون ، ومرتبات غالبية المؤسسات الصحفية القومية . كما تقوم بصرف أرباح للعاملين بكثير من الشركات الخاسرة مثل الحديد والصلب وغزل المحلة ، وللمؤسسات الصحفية القومية الخاسرة وغيرها ، لامتصاص غضب هؤلاء العاملين والحفاظ على ولاءهم للنظام الحاكم .
ومن هنا تستمر الحكومة فى الاقتراض لسداد العجز بالموازنة ، خاصة من الداخل ، حيث تستمر فى اصدار أذون وسندات الخزانة ، والاقتراض من البنوك والبنك المركزى وطبع النقود ، حتى بلغت الزيادة فى الدين العام الداخلى خلال 18 شهرا من مجىء نظام الثالث من يوليو 2013 ، نحو 397 مليار جنيه بمتوسط شهرى 22 مليار جنيه .
والنتيجة زيادة الدين العام الداخلى ، ليصل بنهاية العام الماضى 1925 مليار جنيه ، مما يتطلب تخصص حوالى 41 % من الانفاق بالموازنة لفوائد وأقساط الديون المحلية والخارجية ، وبالتالى استمرار العجز بالموازنة واستمرار الاقتراض ، والبقاء فى تلك الدوامة خلال السنوات المقبلة .
ÖÖ ظروف مساعدة غير كافية : وحتى لا تتعلل الحكومة بالظروف الدولية وارتفاع الأسعار العالمية والدعم ، كمبررات لارتفاع مصروفاتها ، فقد شهدت الفترة من ابريل من العام الماضى وحتى ابريل من العام الحالى ، انخفاضا لمؤشر أسعار الغذاء بالعالم ، الذى تعلنه منظمة الأغذية والزراعة بنسبة 19 % .
كما انخفضت أسعار البترول بالعام منذ يونيو من العام الماضى وحتى الآن لما يقارب النصف ، كما بدأت الحكومة منذ بداية العام المالى برنامجا لخفض الدعم الموجه للمشتقات البترولية ، من بنزين وسولار ومازوت وبتوجاز وغاز طبيعى والكهرباء .
إلا أنه على الجانب الآخر فقد أثر انخفاض سعر البترول عالميا ، على انخفاض المعونات العربية للحكومة ، كما أدى نقص انتاج الغاز الطبيعى محليا الى بدء استيراده ، مما حمل الحكومة تكلفة بند اضافي للاستيراد لم يكن موجودا منذ سنوات .
كذلك تسبب توجيه الكميات المتاحة من الغاز الطبيعى الى محطات الكهرباء ، لنقص الكميات الموجهة منه لشركات الأسمدة ، الأمر الذى دفع الحكومة لاستيراد كميات من السماد ، كما تستعد الحكومة لاستيراد الفحم الى جانب المشتقات البترولية الأخرى .
ÖÖ التوقعات المستقبلية مزيد من التعثر :
رغم دعاوى بعض المصرفيين ان اجراءات البنك المركزى لوضع حد أقصى للايداعات الدولارية بالبنوك قد ضاعفت حصيلة البنوك منها ، فقد أكدت بيانات البنك المركزى الخاصة بشهر فبراير الماضى ، وهو الشهر الذى تمت فيه تلك الاجراءات ، أن الزيادة بالودائع البنوك بالعملات الأجنبية بلغت 56 مليون دولار فقط خلال الشهر
لكنه بعد قيام البنوك بسداد بعض الالتزامات بالعملات الأجنبية خلال الشهر ، فقد انخفض صافى العملات الأجنبية بالجهاز المصرفى ، عما كان عليه فى يناير بنحو 661 مليون دولار ، مستمرا فى الانخفاض للشهر السادس على التوالى .
وفى ضوء استمرار شكوى الشركات من نقص العملات الأجنبية بالسوق ، رغم وصول الودائع الخليجية البالغة 6 مليار دولار ، واقتطاع البنك المركزى نحو 766 مليون دولار من تلك الودائع الخليجية ، خلال أقل من عشرة أيام من وصولها ، وكذلك استمرار الحكومة فى الاقتراض سواء من البنك الدولى .
أو من بنك التنمية الاسلامى أو من الصناديق العربية ، واقتراض بنوك عامة من الخارج ، وعزم الحكومة على اصدار سندات بالخارج ، وهو ما يشير الى المأزق الذى تواجهه الحكومة لمواجهة المدفوعات بالنقد الأجنبى ، من استيراد سلعى وخدمى وسداد لأقساط وفوائد الدين الخارجى .
خاصة وأن نقص الدولار وعدم توافر المستلزمات للشركات الانتاجية قد أدى لنقص الصادرات ، ولنقص كميات العديد من السلع بالسوق ، وكذلك ارتفاع الأسعار للعديد من السلع ، مما زاد من معدلات التضخم بالسوق ، فى وقت تستعد فيه الحكومة لاقرار ضريبة القيمة المضافة لزيادة مواردها ، والتى قالت الحكومة أنها سترفع من معدلات التضخم .
وكلما زاد التضخم هرب المستثمرون ، وكلما زاد السخط الشعبى على النظام الحاكم منذ الثالث من يوليو 2013 ، خاصة مع اقتراب مرور عام على تولى رأس النظام الحالى ، وعدم تحقق ما وعد به من تحسين لأحوال المصريين ، بل لقد ازدادت معاناتهم المعيشية ، وانتقصت حرياتهم فى ظل النظام الحالى .
المصدر
- مقال:ممدوح الولى يكتب: حكومة مأزومة ماليا موقع: الشرقية أون لاين