مفهوم القيادة عند الإخوان

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٢:٣٨، ٣ أكتوبر ٢٠١١ بواسطة Rod (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مفهوم القيادة عند الإخوان


بقلم: معاذ عباس السيسي

اخوان اون لاين.jpg

لم نسمع من قبل في العصر الحديث لأي رئيس أو زعيم له ولاية أخرى تُجدد ويتنازل عنها برغبة منه للغير إلا القليل منهم؛ مثل الموقف الذي وقفه الأستاذ المرشد محمد مهدي عاكف مرشد جماعة الإخوان المسلمين، والذي أعلنه منذ أشهر، ونتعجب بدلاً من أن نجد المحللين السياسيين والخبراء والكُتَّاب وغيرهم الذين ينادون بالديمقراطية والشورى، ويحاربون ديكتاتورية الأنظمة وحب السلطان؛ فكان متوقعًا أن نراهم يباركون هذه الخطوة المباركة التي قدَّمها المرشد، إلا أننا وجدنا غير ذلك بعاصفة غاضبة قاموا بليّ عنق الحقيقة، مدعين أن جماعة الإخوان لا ترغب في مرشدهم.

وأتساءل: لو كان هذا الموقف حدث من أي زعيم آخر غير المرشد لوجدنا طبعًا الإجابة واضحة؛ ستقوم الدنيا ولا تقعد، تبارك موقف هذا الزعيم والقائد وحزبه وجماعته، ومع ذلك نرى في الوقت نفسه الذي تُتهم فيه جماعة الإخوان أنها جماعة سياسية فقط؛ فإن كان هذا صحيحًا لأصبح مرشدها سياسيًّا كغيره، وما تنازل عن منصبه السياسي لولع المنصب وحب التمسك بالسلطة، إنما كان تنازل المرشد وعدم رغبته في ولاية أخرى هو تأصيل منهجية دعوة الإخوان بأنها دعوة عقائدية، لا دعوة سلطة تنحصر في حزب أو هيئة لها غاية محدودة إنما هي عقائدية المنهج، دعوية الرسالة، سياسية الحكم والدولة.

والفرد في جماعة الإخوان تربَّى في منهج هذه الدعوة، وعاش من أجل غاية واحدة هي إعلاء كلمة الله في الأرض، وبايع على ذلك، فهو عضو في صفٍّ منتظم، المتقدم فيه كالمتأخر عنه سواء بسواء، وفي حالة تكليفه بالقيادة التزم وقاد، وإن عاد إلى مكانه عاد عضوًا ثابتًا شامخًا؛ سواء كانت عودته برغبة منه أو برأي مجلس شورى الإخوان.

وإن دعوة الإخوان المسلمين كما وضحها مرشدها الأول حسن البنا؛ أنها دعوة منهج وليست دعوة أشخاص، يقوى أو يضعف الشخص بها حسب قربه وفهمه للمنهج أو بعده عنه، والعضو في الجماعة له حقوق وعليه واجبات، فمن حقوقه داخل الجماعة النصح والتوجيه لقيادته وواجباته احترام وطاعة رأي الشورى والعمل بمنهجية هذه الدعوة، وإن كان هناك تباين في الآراء فهذه طبيعة بشرية محمودة، تُرد إلى منهجية الدعوة ويأخذ الصالح منها، نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه، وهذا يطابق ما حدث في انتخابات مكتب الإرشاد الأخيرة، فكان هناك تباين في وجهات النظر التنظيمية في إجراءات الانتخابات، وهي وجهات تُقدر وتُحترم، وفي حالة صحتها يتم بها تعديل اللائحة التي تنظم هذه الإجراءات لصالح الدعوة.

وللأسف عندما أراد أن يصورها البعض بأنها كانت اختلافات على المناصب والزعامة، وقاموا بحملات التشهير ورماها البعض بانهيار الأصول والأخلاق؛ فنرى هذه الاتهامات تذهب سرابًا، فلا تبقى إلا حقيقة واحدة جلية واضحة؛ بأنه لا يوجد عضو مكتب إرشاد بعينه قبل الانتخابات وبعدها، أو عضو مجلس شورى؛ طلب ترشيح نفسه أو تطلَّع في يوم من الأيام إلى منصب المرشد، أو عضوية مكتب الإرشاد، أو عضوية مكتب الشورى، أو أي مقعد قيادي آخر داخل الجماعة.

واليوم نجد المرشد الحالي تنازل لغيره ولم يتراجع، وكذلك الدكتور محمود عزت الذي قيل عنه إنه اليد الحديدية اعتذر رسميًّا عن منصب المرشد، وكذلك ما أُثير حول ترشيح كل من الدكتور رشاد بيومي والدكتور بديع رفعوا اعتذارهم للمكتب، والشورى لها الرأي الأخير في ذلك، وكذلك الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح أبدى عدم رغبته في عضوية مكتب الإرشاد؛ لتفرغه في ميادين العمل الواسعة خارج المكتب، وأعلن ذلك رسميًّا، وكذلك الدكتور حبيب فقد أبدى رأيه بكل وضوح بأسس تنظيمية تفيد الدعوة والجماعة، وهو متمسك برأيه في ذلك، وله كل الاحترام والتقدير، وفي نفس الوقت أعلن بأنه إخواني حتى النخاع، ولا يشك أحد في إخلاصه وجهاده وورعه، وقد طلب بإعفاء نفسه من بعض الأعمال الإدارية، وكذلك موقف كلٍّ من الشيخ الخطيب والأستاذ لاشين أبو شنب والأستاذ صبري عرفة، ومباركتهم لأعضاء المكتب الجدد.

فهذا هو الواقع الذي لا يختلف فيه اثنان، فقد جرى في عرف انتخابات الإخوان أنهم يرشحون من بينهم وبنتيجة الفرز يتم التكليف لا التشريف، بعكس الأحزاب الأخرى يقوم العضو برغبة منه بترشيح نفسه، ويتم التصويت عليه، وبمناسبة عضوية مكتب الإرشاد فأنا كنت لا أعلم نهائيًّا أن والدي الحاج عباس السيسي (رحمه الله) عضو مكتب إرشاد وأمين التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، إلا أثناء التحقيق معي في مكتب أمن الدولة لإحدى الدول العربية في نهاية الثمانينيات، وعندما سألوني أثناء التحقيق عن منصب الوالد في الجماعة، قلت لهم: أنا لم أجد والدي في يوم من الأيام عمل حفلة، سواء في المنزل أو غيره؛ لأنه نال منصبًا في الجماعة؛ ولكن طوال حياتي أراه يدخل السجن ويخرج منه ويدخل ويخرج، وفي كل مرة يزيد قوة وصلابة، ويفيض بدعوة الحب، وجمع حوله قلوب الشباب حبًّا واحترامًا دون أن نعرف منصبًا له.

وكانت مفاجأة لي عندما أثبت لي مكتب التحقيقات عن منصبه في الجماعة، وأنه أحد القيادات البارزة فيها، ونرى بعد ذلك يحدث فيما لا نعلم عنه أيضًا وقتها أنه في التسعينيات اعتذر رسميًّا أمام مكتب الإرشاد أن يرشحه الإخوان لعضوية المكتب المجددة؛ خاصة أنه كان من أكبر الأعضاء سنًّا، وممكن يقع عليه اختيار المرشد، وترك الفرصة لغيره، وكان أول من لُقِّب بعضو مكتب إرشاد سابق.

وأحب أن أذكر هنا موقف الأستاذ حسن الهضيبي المرشد الثاني للجماعة أنه لم يكن عضو مكتب إرشاد ولا مجلس شورى الجماعة، عقب اغتيال مرشدها الأول حسن البنا، ولعلم الجماعة بخصوصية العلاقة بينه وبين البنا، وكان يستشيره في أمور حاسمة تخص الجماعة، وقال ذلك البنا قبل وفاته: (لا يعلم إلا الله متى أعود، فإن قُدِّر لي ألا أعود فإذا احتجتم في غيابي إلى رأي فالتمسوه عند الأستاذ حسن الهضيبي بمحكمة النقض؛ فإنني أحسبه مؤمنًا هادئًا صائب الرأي قوي الإرادة).

وبالفعل قرَّر مكتب الإرشاد وبعد اغتيال البنا أن يتولَّى الأستاذ الهضيبي لمنصب المرشد، ورفض الشيخ فرغلي ومن معه اعتذار الهضيبي لهم؛ ولكن بقوة إصرارهم رشحوه لمنصب المرشد وقبل توليه منصب المرشد مجبرًا، وهو يعلم أن منصب المرشد ليس منصب تشريف بل معرّض إلى المخاطر والتبعات؛ أولها السجون، وآخرها الإعدام فقال بالحرف الواحد: (إني أعلم بأنني أقدم على قيادة دعوة، استشهد قائدها قتلاً واغتيالاً، وعذب أبناؤها وشردوا وسجنوا وأوذوا، وقد لاقوا ما لاقوه، وإني على ما أعتقد في نفسي عدم جدارة بأني أخلف إمامنا المصلح حسن البنا رحمه الله، وأقدم وأنزل على رغبة الإخوان أداء لحق الله عز وجل لا أبتغي إلا وجهه، ولا أستعين إلا بقدرته وقوته وعزته).

بهذه المقولة تقدَّم الأستاذ الهضيبي وهو يعلم أن الطريق محفوف بالسجون والمعتقلات والاغتيالات، لم يكن هذا الكلام شعارًا بل كان حقيقة، وتجسد لي هذا المعنى عام 92 عندما قابلت الأستاذ محمد عبد الرحمن الخليفة مراقب عام الإخوان بالأردن، وحكى لي موقفًا للأستاذ المرشد حسن الهضيبي بأنه زارهم في الشام عام 54 مع بعض أعضاء مكتب الإرشاد من مصر، وأثناء زيارته لهم في الشام قام الرئيس عبد الناصر بالقبض على الإخوان، وزجَّ بهم في السجون في مصر، وعندما علم بذلك إخوان الشام، وقالوا لعله من قدر الله أن يتم القبض على الإخوان في مصر وقيادتها هنا عندنا في الشام، فاقترحنا اقتراحًا وتمَّت عليه الموافقة بالإجماع بأن ننشئ مكتبًا جديدًا لمكتب الإرشاد في القدس بديلاً للقاهرة، وفرصة وجود مرشد الجماعة وبعض قيادتها في الخارج، ويتم قيادة الجماعة من خارج مصر بمرشدها وقيادتها، وسررنا بذلك، وعند عرض الاقتراح على الأستاذ الهضيبي فوجئنا بعد صمت هادئ يرد علينا بشكرنا على حرصنا على الدعوة، وشرف نقل مكتب الإرشاد إلى القدس؛ ولكنه اعتذر، وقال بكل صلابة وقوة: لا بد أن نعود ونرجع إلى مصر، وإن هذه الدعوة كالشجرة قامت وتأسست في مصر، فلا بد من تقوية جذورها وهيئتها في مصر حتى تقوى فروعها في العالم واليوم يعيش رجالها الآن داخل السجون والمعتقلات ولا يليق بقيادتها أن تترك الجماعة في هذه المحنة، ويعيشون آمنين خارج مصر؛ فلا بد أن نعود إلى مصر، وإن أدى ذلك إلى دخولنا معهم السجون، وعلقنا على حبال المشانق فلا بد أن تتأصل هذه الدعوة برجالها وقيادتها معًا بنسيج واحد فهي دعوة عقيدة ودولة، وأصر الهضيبي على ذلك، وبالفعل سافر مع الوفد المرافق له، وعقب وصولهم تمَّ اعتقالهم وتم إصدار حكم على الهضيبي 25 عامًا، قضى منهم 18 سنة، وتم الإفراج عنه لظروف صحية.

وكذلك قد يكون مفاجئًا للبعض بأنه كانت هناك شخصية لا يعلم عنها إلا القليل، تولت منصب المرشد الثالث عقب وفاة الهضيبي سنة 72، وظل هذا المرشد الثالث مكلفًا من قبل الجماعة يقود هذه الجماعة بقيادة حكيمة في ظروف حامت بالمخاطر، وتفانى في هذه الدعوة ورعًا وزهدًا، ورغب في عدم الإعلان عن اسمه وبرغبة منه، وسلمها شامخة للأستاذ عمر التلمساني وتُوفي عام 2004م، وأمَّ جنازته المرشد الحالي أ. محمد مهدي عاكف؛ ولعل البعض يتساءل: من هو؟ هو الأستاذ محمد عبد الرازق (المكني) بالشيخ مرزوق رحمه الله.

وننتقل كذلك إلى الأستاذ يوسف ندا المقيم في سويسرا، وأحد قيادات هذه الدعوة، والمفوض من قبل المرشدين بقيام الدور السياسي البارز والمعروف عنه في دور المصالحة والقرب بين الزعماء العرب؛ وهو أحد رجال الأعمال المصريين الناجحين البارزين في الخارج، والذي كتب عنه عمودًا في جريدة (الأهرام) الأستاذ مصطفى أمين بأنه فخر للمصريين في الخارج، ومع ذلك تمت مصادرة جميع أمواله في العالم؛ بتهمة انتمائه إلى جماعة الإخوان المسلمين، ومع ذلك عندما أجرت معه جريدة (المصري اليوم) بتاريخ 6/1/2010م حوارًا قال متواضعًا: "أنا عضو عادي في جماعة الإخوان المسلمين ولست قياديًّا"، مع أنه المفوض والمحنك السياسي البارع الذي لعب دورًا كبيرًا في التوسط لوحدة الزعماء العرب، ونراه مع ذلك يقف ثابتًا شامخًا مستمدًا قوته من الله عز وجل عند مصادرة أمواله.

والشاهد مما سبق كنماذج للإخوان في جنديتهم وقيادتهم من ثباتهم في مواقفهم لإيمانهم بالمنهج الذي آمنوا به وعاشوا له؛ كما قالها الإمام البنا: "أيها الإخوان كونوا عبادًا قبل أن تكونوا قوادًا، تصل بكم العبادة إلى أفضل قيادة".

وأحب أن أوضح أن جماعة الإخوان المسلمين هي جماعة من المسلمين، وليست جماعة المسلمين، ولم تدع إلى اسمها في يوم من الأيام؛ ولكنها تدعو لإعلاء كلمة الله من خلال منهج الإخوان؛ فإن الإسلام الذي آمنت به كل لا يتجزأ، يأخذ كله أو يترك كله، فهو نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعًا ﴿إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)﴾ (الأنعام).

وعقيدة قلب المسلم إما أن تكون إسلامًا لا شرك فيه.. أو إشراكًا لا إسلام فيه.. وفي النهاية نحن بشر، ويحكمنا منهج نرجع إليه.

وأما الذين لهم وجهات نظر، وجمدوا أنفسهم داخل الجماعة أو بعدوا عنها ولهم اعتراضات؛ فإن الجماعة تحترمهم وتترك العنان لهم مع النصح وعاطفة الحب لهم، وهي بمثابة الأم الحنون؛ فإن فرط الابن وبعد عن الأم فإنها ستلاحقه بحنانها وعطفها، ومن هنا لم نجد أن الجماعة الأم نالت من أحد أبنائها في يوم من الأيام، وإن كان تعرَّض لها بإساءة، ومع ذلك فإنها تركت أبوابها مفتوحة للجميع؛ لأنها دعوة عقيدة ومنهج.

وأقول بكل حب من وجد لنفسه ميدانًا يراه مناسبًا، وقام بتحديد غايته للإصلاح فوجب عليه أن يعمل، ويخلص لتلك الغاية التي اختارها بنفسه، ويجاهد من أجلها؛ فإن إصلاحه وإخلاصه من خلال غايته سيستفيد منه المجتمع بجميع الصور؛ سواء خدمة للوطن أو من خلال رسالة دعوة الإصلاح، ووجب عليه أن يشغل نفسه بهذه الغاية عن انشغاله بأخطاء وعيوب الآخرين التي لا تقدم، ولكن قد تؤخر، ولكن يحق له نصيحة الآخرين وحتى تقبل منه؛ فيجب أن تكون بأخلاق الناصح وحرص الأمين، أما إذا فرَّغ نفسه لنقد الجماعة التي تركها وعدم انشغاله بالغاية التي اختارها فسيخسر نفسه ويحرم أمته منه.

ومن هنا يجب أن نضع أنفسنا جميعًا أبناء هذه الأمة الذين يعملون لخدمة الوطن أو للإصلاح؛ سواء من خلال أنظمة أو جماعات أو هيئات أن نزن أنفسنا جميعًا على ميزان واحد وهو ميزان قول الله عز وجل: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)﴾ (الكهف).

فنخشى من حظ النفس التي قد تسول في الإنسان منا أن نظن أننا نصنع حسنًا، ونكون في الواقع الأخسرين أعمالاً في موقف بين يدي الله، من الصعب أن نعود للدنيا حتى نصحح أعمالنا؛ وحيث إن الأمة تمر بظروف عصيبة، ومع ذلك نجد نبضاتها قوية وفي حاجة لمن ينقذها من السبات.. فلنفتح أيدينا جميعًا برباط الحب والود؛ فإن في هذه الأمة مناجم من قلوب، فابحثوا عنها أن يتراكم عليها غبار الزمن؛ فلنتكاتف جميعًا برفع هذا الغبار عن تلك القلوب الطيبة؛ فهي أمل هذه الأمة في الصلاح والإصلاح.


المصدر


للمزيد عن الحاج عباس السيسي

مؤلفاته

مقالات متعلقة

تابع مقالات متعلقة

متعلقات أخري

وصلات فيديو