معالم وآثار دعوية : قبر الإمام الشهيد حسن البنا

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
معالم وآثار دعوية : قبر الإمام الشهيد حسن البنا


بقلم :أ/ عبده مصطفى دسوقي


قبر الإمام الشهيد حسن البنا

قبر-الإمام-حسن-البنا.png

في قبر ليس محاط بالزخرفة ولا البهرجة، ولا ينم عن أنه يضم أحد زعماء هذا العصر، ولا يحاط بزخارف الدنيا، ولا بهارجها، ولا يوجد به مريدين ماكثين حوله يتبركون به، هو قبر الإمام الشهيد حسن البنا الموجود بمقابر الإمام الشافعي بمصر.

فقد جاء حسن البنا طامعا فى التجديد لهذا الدين وخرج متجردا منها لا يريد سوى رضى الله. لقد ولد حسن البنا في عام 1906، وتوفي في عام 1949م، وخلال هذه السنين التي عاشها استطاع أن يغير الكثير ويربي جيل فهم الإسلام فهما شاملا.

اثنين وأربعين سنة أو يزيد قليلا هي عمر هذا الرجل الذي احدث هذا التغيير الشامل ليس في وطنه فحسب بل في العالم بأسره، ولذا تألبت عليه قوى الشر تريد أن تسكت هذا الصوت العالي، وتخمد هذا الجسد الذي جمع القلوب حوله، وبث الرعب في قلوب المستعمرين، حتى أنه ليلة استشهاده أقامت كثير من المؤسسات الصهيونية والغربية والأفراد الاحتفالات فرحا بموت هذا الرجل (كما وصف ذلك الشهيد سيد قطب.

لقد استطاع الغرب أن يغري رجال السياسة المصريين ويبثوا في روعهم الخوف من هذا الرجل، وأنه بفكره ومنهجه هذا سيقضي على طموحاتهم ومصالحهم، وجاءت الرؤية متوافقة بين الطرفين استعمار يريد الاستقرار ووزراء يخافون على مصالحهم فقتلوا حسن البنا.

ومن اجل ذلك قام محمود فهمي النقراشي بحل الجماعة في 8 ديسمبر 1948م، وعندما حل محله إبراهيم عبدالهادي –رئيس الوزراء المصري آنذاك- قام باعتقال الإخوان عدا الإمام الشهيد وإيداعهم السجون، وسحب المسدس المرخص الخاص به، وقطع خط التليفون حتى لا يتمكن من الاتصال بالخارج، وسحب الجندي المكلف بالحراسة على منزله، واعتقال أخيه اليوزباشي عبد الباسط الذي أحس بالمؤامرة على أخيه وجاء ليحرسه، وسحب السيارة الخاصة به وكانت ملك صهره الأستاذ عبد الحكيم عابدين، وأعد الخطة لاغتيال الإمام الشهيد حتى كانت ليلة السبت 12من فبراير 1949م الموافق 14ربيع الثاني في 1368هـ كان بعض ضباط الداخلية ينتظرون حسن البنا ليفرغوا في صدر رصاصتهم الغادرة ويفروا هربا بالسيارة رقم9979 والتي كانت ملك العميد محمود عبد المجيد، وليحمل حسن البنا وصهره للقصر العيني ليقوم البوليس السياسي بباقي المهمة الموكلة إلية بأن أمر الأطباء بعد إسعاف حسن البنا والذي ظل ينزف حتى فاضت روحه تشتكي إلى ربها ظلم المحتل وأعوانه.

ثم أكمل عبد الرحمن عمار وكيل وزارة الداخلية المهمة بأن قرر بضرورة تشييع الجنازة مباشرة من مشرحة مستشفى قصر العيني، حتى لا تتاح فرصة لتفاقم مشاعر الحزن والألم، وتحسبًا لتدفق المشاعر وانفلات زمام الأمور، لكن تحت إلحاح والد الإمام الشهيد -والذي لم يعلم بالجريمة إلا بعد قتل ولده البكر- وافق عمار على أن تشيع الجثة من غير مظاهرات وأن تدفن في الساعة التاسعة صباحًا.

مدخل الحوش الذي يقع فيه القبر

وهذا يدفعنا للوقوف على علاقة الإمام البنا بجمعية الشبان المسلمين والذي اغتيل الشهيد البنا أمامها والتي كانت أخر مكان يزوره الإمام البنا.

ولقد بدأت صلة الإخوان بالشبان المسلمين قبل نشأة جماعة الإخوان المسلمين؛ حيث بدأها الإمام الشهيد حسن البنا؛ حيث كان في فترة وجوده في القاهرة للدراسة في دار العلوم كان يتألم لحال الأمة الإسلامية وضعفها وضعف الدعاة إلى الإسلام أمام هجمات التبشير المتسلطة على الأمة وشبابها، وبدأ يتحرك مع الشيخ الدجوي، والشيخ محب الدين الخطيب وغيرهما، لإيقاظ الأمة من سباتها، وعقدت عدة اجتماعات بهذا الخصوص؛ دُعي فيها لفيفٌ من علماء الأمة ووجهائها المهتمين بحال الإسلام والمسلمين، شارك فيها الإمام البنا بهمة وحماس حتى نقل للعمل إلى الإسماعيلية بعد التخرج من دار العلوم، وبعدها بفترة وجيزة أسفرت الاجتماعات عن إنشاء جمعية الشبان المسلمين، وكان الإمام البنا أول المشتركين فيها، وحرص وهو في الإسماعيلية على المشاركة الإيجابية في جُلِّ أنشطتها.

وكان الإمام الشهيد حريصًا في كل وقتٍ على الاتفاق مع الشبان المسلمين في كثيرٍ من الأعمال والآراء، وأوضح ذلك في رسالة المؤتمر الخامس فقال: "كثيرًا ما يرد على أذهان الناس هذا السؤال: ما الفرق بين جماعة الإخوان وجماعة الشبان؟ ولماذا لا تكونان هيئة واحدة تعملان على منهاج واحد؟.

وأحب قبل الجواب على هذا السؤال أن أؤكد للذين يسرهم وحدة الجهود وتعاون العاملين أن الإخوان والشبان، وبخاصةٍ هنا في القاهرة، لا يشعرون بأنهم في ميدان منافسة، ولكن في ميدان تعاون قوي وثيق، وأن كثيرًا من القضايا الإسلامية العامة يظهر فيها الإخوان والشبان شيئًا واحدًا وجماعة واحدة؛ إذ إن الغاية العامة مشتركة، وهي العمل لما فيه إعزاز الإسلام وإسعاد المسلمين، وإنما تقع فروق يسيرة في أسلوب الدعوة وفي خطة القائمين بها وتوجيه جهودهم في كلتا الجماعتين، وإن الوقت الذي ستظهر فيه الجماعات الإسلامية كلها جبهةً موحدةً غير بعيد على ما أعتقد، والزمن كفيل بتحقيق ذلك إن شاء الله.

وكان أول رئيس للشبان المسلمين هو الأستاذ عبد الحميد بك سعيد، وقد ربطت بينه وبين الإمام الشهيد والإخوان علاقة طيبة، وقد اتفق الاثنان على حرب جمعيات التنصير المنتشرة في مصر، وكثيرًا ما كانت تعقد اجتماعات في الشبان يحضرها الإخوان والعكس للتنسيق في هذا الشأن، وربما تعقد بعض شعب الإخوان محاضراتها ولقاءاتها في دور الشبان؛ نظرًا لسعتها أو كنوعٍ من الود والمحبة، من ذلك المحاضرة التي ألقاها الإمام الشهيد في دار الشبان المسلمين في بنها أثناء رحلةٍ لزيارة بعض شُعَب القليوبية، وكثيرًا ما كانت بيانات الشبان عن القضايا المثارة تُنشَر في جريدة الإخوان المسلمين، من ذلك مقال يوضح اتفاق الشبان والإخوان والأزهر وتعاونهم على حرب فرق التنصير المختلفة؛ فتحت عنوان: "نهضة مباركة واجتماع حافل بدار جمعية الشبان المسلمين"، كتبت جريدة الإخوان توضح الاتفاق والتعاون المشكور بين الإخوان والشبان وغيرهما من الهيئات والأفراد لمكافحة الهجمة الشرسة من المنصِّرين، وقد أدى ذلك التعاون إلى تشكيل لجنة ضمت عشرةً من وجهاء القوم، كان من بينهم الإمام الشهيد؛ للعمل على صد تلك الهجمة.

كما اتفقت الجمعيتان على العمل معًا لمساعدة شعب فلسطين في محنته مع الصهاينة والمحتل البريطاني؛ فاشترك الإمام الشهيد بصفته رئيس الهيئة المركزية للإخوان المسلمين لمساعدة فلسطين، واشترك مع الشبان المسلمين في تكوين هيئة عليا من الشبان والإخوان لمساعدة فلسطين، وقد ورد ذلك في جريدة الإخوان المسلمين.

وقد تولَّى رياسة الجمعية بعد الدكتور عبد الحميد بك سعيد اللواء محمد صالح حرب باشا، الذي كان يعتبر نفسه تلميذًا لحسن البنا رغم فارق السن بينهما، فأعطاه ودعوة الإخوان كل الحب والتأييد، ووقف بجواره في كثيرٍ من المواقف، وكان يقول للإخوان: "أنا واحد منكم؛ لا أحب أن يحدث لكم أبدًا أي محنة تلم بكم، أو ملمة تنزل بالدعوة أو الجماعة".

السادس، فتوجَّه المؤتمرون إلى الأزهر الشريف تتقدمهم جوالة الإخوان المسلمين بموسيقاها وأعلامها لأداء صلاة الجمعة، وبعد أداء الصلاة تعاقب خطباء الإخوان على المنبر المبارك يشيدون بدعوة الإخوان المسلمين ويهيبون بالناس أن ينضموا إلى معسكرهم المجاهد في سبيل الإسلام الحنيف.

وعقب الصلاة خرج طابور الجوالة في استعراضٍ كشفي إلى دار الشبان المسلمين بشارع الملكة نازلي؛ حيث كان في استقبالهم معالي اللواء محمد صالح حرب باشا رئيس الدار الذي ألقى كلمة ترحيب؛ حيًّا فيها الإخوان ودعوتهم وقائدهم، ووجَّه إليهم كلمته وحثَّهم على العمل والأمل والجهاد النفسي والعملي حتى يكونوا أهلاً لتحقيق الغايات التي آمنوا بها وعملوا لها، فردَّ عليه الأستاذ أحمد السكري بكلمةٍ شكَره فيها وشكر جمعية الشبان المسلمين شقيقة الإخوان، ثم واصل الطابور سيره حتى وصل إلى ميدان الحلمية الجديدة حيث المركز العام.

كان الإخوان يشجعون على انتشار جمعيات الشبان في أنحاء القطر لما فيه من زيادة العاملين للإسلام، فقد رحب الإخوان بإنشاء شعبة للشبان المسلمين بالمنصورة، وقالت (النذير): "يسرنا أن يتم هذا المشروع النافع بكل خير، فليس أحب إلى الإخوان المسلمين من أن يروا جهود العاملين تتوجه إلى إيقاظ الشعور الإسلامي، والعمل لنشر تعاليم الإسلام الحنيف بين الناس".

وعندما أصدر النقراشي باشا قرارًا بحل جماعة الإخوان المسلمين في 8 ديسمبر 1948م استنكر صالح حرب باشا رئيس جمعية الشبان المسلمين قرار الحل، قال: "لم يجازف الإنجليز بحل الوفد المصري رغم اتهام بعض أعضائه باغتيال السردار السير لي ستاك باشا حاكم السودان والحكم عليهم بالإعدام ورغم حوادث الاغتيال المتعددة التي نسبها الإنجليز للوفد المصري واعتُقل بسببها مكرم عبيد والدكتور أحمد ماهر ومحمود فهمي النقراشي وإبراهيم عبد الهادي وغيرهم، على الرغم من ذلك كله.. فقد بقى الوفد المصري ولم يُحَلّ ولكن السعديين المصريين حلوا جمعية الإخوان".

ولم تُنشَر كلمات صالح حرب إلا في 19 من نوفمبر عام 1949م في جريدة (الكتلة) بعد استقالة إبراهيم عبد الهادي وتولي حسين سري باشا رئاسة الوزراء.

وقد صورت صحيفة"الكتلة" الأمر بقولها:" القبض على المعزين، ومنع الصلاة على جثمان الفقيد، ومنع تلاوة القرآن على روحه".

وبعد أن نقل الجثمان إلى بيته في ظل حراسة مشددة و سيارات مملوءة برجال البوليس المسلحين ، قام والده بتغسيله وتجهيزه.

وظل حصار البوليس مضروبًا حول البيت وحده، بل حول الجثة نفسها، لا يسمحون لإنسان بالاقتراب منها مهما كانت صلته بالفقيد.

وانتهي الوالد من تغسيل الجثمان وطلب بمن يحمله فما كان من رد الداخلية إلا أن قالت فليحمله النساء وخرج النعش محمولا على أكتاف النساء، وسارت الجنازة حتى جامع "قيسون" والذي قامت الداخلية بمنع أي شخص من التواجد فيه حتى العمال، وصلى الوالد وحده على جثمان ولده الشهيد.

وبعد الانتهاء حملت الشرطة الجثة ووارته التراب في حراسة مشددة في مقابر الإمام الشافعي، وفي الليل منع المعزين من تقديم واجب العزاء ومن كان يصل كان مصيره الاعتقال والسجن.

وظلت الحراسة حول القبر لمدة ستة أشهر لخوف الوزارة من أن يأتي الإخوان وينقلوا جثمان حسن البنا لمكان أخر، ومما ذكر أن جنازة جاءت من مكان بعيد فوصلت المقابر متأخرة فرآها طاقم الحراسة المكلف بحراسة القبر فقبض عليهم ظانين أنهم من الإخوان وأن الجثة جثة حسن البنا.

هذا القبر الذي ظلت تزوره امرأة مكلومة فجعت في وأيدها هي والدة الإمام الشهيد حيث ظلت تزوره حتى توفاها الله.

وقد زاره رجال الثورة أثناء توتر العلاقة بينهم وبين قادة الإخوان في محاولة لكسب باقي الإخوان وذلك عام 1954م ولم تتكرر هذه الزيارة طيلة حكم عبدالناصر مما يدفعنا لوضع علامة استفهام على ذلك؟.

ومما قاله عبدالناصر: "إنني أذكر هذه السنين والآمال التي كنا نعمل من أجل تحقيقها، أذكرها وأرى بينكم مَن يستطيع أن يذكر معي هذا التاريخ وهذه الأيام، ويذكر في نفس الوقت الآمالَ العظام التي كنا نتوخاها ونعتبرها أحلامًا بعيدة.

نعم أذكر في هذا الوقت، وفي مثل هذا المكان كيف كان حسن البنا يلتقي مع الجميع ليعمل الجميع في سبيل المبادئ العالية والأهداف السامية، لا في سبيل الأشخاص ولا الأفراد ولا الدنيا.. ثم قال: وأُشهد الله أني أعمل- إن كنت أعمل- لتنفيذ هذه المبادئ، وأفنى فيها وأجاهد في سبيلها".

وقال صلاح سالم:

"إن هذه الأخلاق العالية والصفات الحميدة قد اجتمعت وتمثلت في شخص أستاذٍ كبير، ورجل أُجلُّه وأحترمه، واعترفَ بفضله العالم الإسلامي كله، وقد أحبه الجميع من أجل المثل العليا التي عمل لها، والتي سنسير عليها إلى أن يتحقق لنا ما نريده من مجد وكرامة في أخوة حقيقية وإيمان أكيد، رعاكم الله ووحد بين قلوبكم وجمع بينكم على الخير".

دفن حسن البنا في مدفن هو الآن عبارة عن قبر محاط بسور عليه بوابة حديدية متواضعة عليها قفل يعلوه الصدى بينما تحمل بوابة المقبرة نقش "هذا قبر الشهيد حسن البنا"، كما أنه موجود عليه كثير من الكتابات التي توضح نوعيات وأماكن من قاموا بزيارة هذا القبر من الإخوان سواء من بولاق الدكرور أو المنوفية وإمبابة وغيرهم، كما كتب عليه قول الله تعالى: "مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا " [الأحزاب: 23].


رجال الثورة على قبر الإمام البنا

مات الإمام الشهيد حسن البنا منذ ما يزيد عن الستين عاما بعد أن ترك شجرة يانعة تؤتي ثمارها الزكية وتفوح بعبيرها في كل مكان من العالم الآن، وتحققت أمنيته التي كان يحلم بها في صغره "أن يكون مرشدا معلما".


للمزيد

1-أحمد عادل كمال: النقط فوق الحروف، الزهراء للإعلام العربي، مصر.

2-جمعة أمين عبد العزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين (ظروف النشأة وشخصية الإمام المؤسس)، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2003م.

3-أنور الجندي: حسن البنا.. الداعية الإمام والمجدد والشهيد، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى، 1421ﻫ- 2000م.


موضوعات ذات صلة

موضوعات ذات أهمية عن الإمام البنا

الإصلاح الإجتماعي عند البنا

قضايا المرأة والأسرة

محاربة الفساد

نظرات في التربية والتعليم

الإصلاح السياسي عند البنا

الإخوان بين الدين والسياسة

الإخوان ووحدة الأمة

قضايا سياسية

مطالب الإخوان بتطبيق الشريعة

محاربة الاحتلال

الإمام البنا والقضية الفلسطينية

تراث الإمام البنا في موسم الحج

موضوعات متنوعة عن الإمام البنا