معالم الفكر التربوي للشهيد سيد قطب

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
معالم الفكر التربوي عند سيد قطب من خلال تفسيره في ظلال القرآن

الدكتور - محمود خليل أبو دف

أستاذ أصول التربية المشارك - 1423هـ - 2002م

بسم الله الرحمن الرحيم

ملخص

الأستاذ سيد قطب شاباً

هدفت الدراسة إلى الكشف عن معالم الفكر التربوي عند سيد قطب، من خلال تفسيره في ظلال القرآن، توصلت الدراسة إلى نتائج عديدة يمكن تلخيصها فيما يلي :

  1. تجسد الإعجاز التربوي في القرآن الكريم، من خلال توافقه مع الفطرة الإنسانية وتركيزه على الأساليب العملية في التربية وتوجيهه المتعلمين نحو الانفتاح على خبرات الآخرين والاستفادة من التجارب النافعة .
  2. الفطرة الإنسانية لها استعداد مزدوج للخير والشر وهي عرضة للانحراف والفساد إذا ما خرجت عن ناموس الكون وانغمست في الترف والملذات .
  3. قدم سيد قطب مفهوماً عملياً للتغير الاجتماعي والثقافي، من خلال ربطه بالإرادة الإنسانية وتأكيده على دور التربية فيه وقد انسجم ذلك مع ما ذهبت إليه نظريات علم الاجتماع الحديثة .
  4. القيم في حياة الناس – من حيث المصدر – نوعان قيم السماء وقيم الأرض .
  5. الأسرة المسلمة محضن أساس وفاعل في تربية النشء المسلم ولا يمكن الاستغناء عنه وينبغي العمل على حمايته وتفعيل دوره التربوي.
  6. وجود الجماعة المسلمة، ضرورة شرعية وتربوية، تتمثل في إقامة شرع الله في الأرض وقيادة البشرية وتربية الفرد المسلم ورعاية الأسرة المسلمة .

مقدمة

يمثل الفكر التربوي الإطار النظري، لما يحتاجه المجتمع في بناء نظامه وبرامجه التربوية ووضع أسسها وقواعدها ويشير (الكيلاني) إلى أن النمو الحضاري والنمو الفكري يسيران جنباً إلى جنب، وما الفكر التربوي إلاّ نتاج حضارة عريضة، امتدت على مدار أربعة عشر قرناً من الزمان وقد استمد قوته وحيويته من الدين واستطاع الفكر التربوي الإسلامي، أن ينتج الإنسان الصالح القادر على التكيف مع واقعه (1) .

وتأتي دراسة الفكر التربوي الإسلامي، في كل مرحلة من مراحل التاريخ، لتمكن الدارس من الوقوف على أفضل الأساليب وأجداها، في إعادة صياغة عقلية الإنسان المسلم في ضوء التغيرات، بدلاً من الوقوف جامداً، حيال ما يجري حوله من أحداث (2) .

وقد حوى القرآن الكريم إطاراً عاماً للمعرفة والقيم وتصورات أساسية عن المجتمع وغير ذلك (3)، وكان للقرآن الأثر الكبير، في إعلاء قيم المسلمين وترقية فكرهم وأخلاقهم وضبط سلوكهم وتوجيههم نحو التأمل والتدبر سعياً إلى اكتشاف المجهول، مما أثرى الحياة الفكرية .

وعلى الرغم من أن لكل مجتمع من المجتمعات، فكره التربوي الخاص به وأن ما يصلح لمجتمع لا يصلح لآخر، إلا أن المتفحص لمناهجنا التربوية في العالم العربي يجدها - في كثير من جوانبها – متأثرة بالفكر الغربي (4) . وقد نتج عن ذلك معاناة الواقع التربوي العربي والإسلامي، من الازدواجية الخطيرة، الناتجة عن التبعية وفقدان الأصالة والذاتية، التي ولّدتها العلمانية في جميع مظاهر الحياة واتخذت لها أبعاداً خطيرة، أدت إلى الثنائية والإنشطار في الكيان الاجتماعي والفكري (5) .

وخروجاً من دائرة التخلف والضعف الحضاري والتراجع في مجال الفكر التربوي، كان لا بد من إعادة النظر في تراثنا الثقافي، لنجد فيه ضالتنا ونستلهم منه عوامل نهضتنا من جديد . ويشير (زيغور) أن لكل مرحلة زمنية، سماتها ومنابعها وعلمائها وفكرها المنبثق عن حركتها الحضارية والإنسانية، حيث لا تخلو حقبة من نموٍ في حركة الفكر التربوي الإسلامي، مهما أصابها من الضعف (6) .

وقد عرض (أبو العينين) للاتجاه الإسلامي في الفكر التربوي الحديث واعتبر سيد قطب واحداً من رموزه في مرحلة المجاهدين (المعاناة) وأشار إلى جهوده في المنافحة عن الثقافة الإسلامية والفكر التربوي الإسلامي، ضد النزعات الغربية المتطرفة في مجال الأدب والتربية وغير ذلك (7) فكان رائداً للفكر الإسلامي كما وصفه العديد من الكتاب المعاصرين، ولسيد قطب مؤلفات عديدة متنوعة في الأدب والتربية والاجتماع والاقتصاد والدعوة والسياسة

وكان من أبرز أعماله، تفسيره في ظلال القرآن الكريم، الذي قدم من خلاله تراثاً فكرياً تربوياً، جاء بين سطوره، مختلطاً بآراء وأفكار عديدة ومع ذلك لم يأخذ هذا التفسير، حقه من الدراسة التربوية العلمية إلا ما ندر، في حين اهتم الباحثون بدراسة فكره الاقتصادي والدعوي والأدبي من خلال كتاباته العديدة . ومن هنا تمخضت فكرة الدراسة، علماً بان الباحث قد اهتم بدراسة تفسير الظلال مع بداية الثمانينات وزاد الاهتمام به أكثر قبل ست سنوات، حيث لاحظ غناه بالمضامين التربوية العديدة .

مشكلة الدراسة

في ضوء ما سبق، يمكن صياغة مشكلة الدراسة في السؤال الرئيس التالي:

ما أبرز معالم الفكر التربوي عند سيد قطب من خلال تفسيره في ظلال القرآن الكريم ؟

ويتفرع عن السؤال الرئيس، الأسئلة الفرعية التالية :

  1. ما أهم خصائص المنهج الإسلامي في التربية كما يراها قطب ؟
  2. ما مفهومه عن الطبيعة الإنسانية ؟
  3. ما تصوره عن القيم ؟
  4. ما نظرته للتغير الاجتماعي والثقافي ؟
  5. ما أبرز آرائه حول الأسرة المسلمة كوسيط تربوي وتربية الجماعة المسلمة ؟

أهداف الدراسة

تهدف الدراسة إلى ما يلي :

  1. التعرف إلى خصائص المنهج الإسلامي في التربية كما تصورها قطب في تفسيره.
  2. الكشف عن مفهومه للطبيعة الإنسانية .
  3. إبراز تصوره عن القيم .
  4. الكشف عن نظرته للتغير الاجتماعي والثقافي .
  5. التعرف إلى آرائه حول الأسرة المسلمة كوسيط تربوي وتربية الجماعة المسلمة.

أهمية الدراسة

تكتسب الدراسة أهميتها من خلال ما يلي:

  1. كونها محاولة للكشف عن جوانب تربوية في تراثنا الإسلامي والتأصيل لها مما يعد خطوة نحو بناء نظرية تربوية إسلامية .
  2. يمكن أن يستفيد من نتائج الدراسة أهل التفسير والدعاة والمهتمين بتأصيل العلوم التربوية.
  3. تفتح الدراسة الطريق أمام الباحثين التربويين، لإجراء المزيد من الدراسات حول كتابات سيد قطب .
  4. افتقار البيئة الفلسطينية بشكل خاص والبيئة العربية بشكل عام إلى هذا النوع من الدراسات في حدود علم الباحث .

حدود الدراسة

تدور الدراسة حول تفسير في ظلال القرآن لسيد قطب وتتناول جوانب عديدة من فكره التربوي فيما يخص رؤيته لخصائص المنهج الإسلامي في التربية والطبيعة الإنسانية والقيم والتغير الاجتماعي والثقافي والأسرة المسلمة كوسيط تربوي وتربية الجماعة المسلمة .

مصطلحات الدراسة

تستخدم الدراسة المصطلح التالي:

الفكر التربوي:

يقصد بالفكر "اسم لعملية تردد القوى العاقلة المفكرة في الإنسان، سواء أكان قلباً أو روحاً أو ذهناً بالنظر والتدبر، لطلب المعاني المجهولة أو الوصول إلى الأحكام أو النسب من الأشياء" (8) .وعرف الفكر التربوي، بأنه عبارة عن جزء من فكر إنساني مبدع، يتسم بالديناميكية والتطور المستمر في ميدان التربية ويستند إلى تاريخ المجتمع وفلسفته وثقافته وصفاته وحاجاته (9). ويُعرف الباحث الفكر التربوي هنا بأنه " جملة المفاهيم والآراء والتصورات والمبادئ التربوية المستمدة من الكتاب والسنة والاجتهاد الموافق لروح الإسلام، من خلال إعمال الفكر ".
وأما معالم الفكر التربوي عند سيد قطب فيمكن تعريفها إجرائياً بأنها " جملة من المفاهيم والآراء والتصورات المتضمنة في تفسير الظلال والمتعلقة بخصائص المنهج الإسلامي في التربية والطبيعة الإنسانية والقيم والتغير الاجتماعي والثقافي والأسرة المسلمة كوسيط تربوي وتربية الجماعة المسلمة" .

منهج الدراسة

استخدم الباحث المنهج الوصفي التحليلي للوقوف على الأفكار التربوية التي تضمنها تفسير في ظلال القرآن وذلك من خلال الاستعانة ببعض المعاجم المفهرسة لموضوعات الظلال، في تحديد العديد من العناوين التي يمكن أن يندرج تحتها آراء وأفكار تربوية إضافة إلى وقوف الباحث على مواطن عديدة في تفسير الظلال وتحديد أبرز المعاني التربوية المتضمنة فيه وتصنيفها ومن ثم إدراجها تحت الجوانب الخاصة بها والتي ذكرت في أسئلة الدراسة التي أجاب عنها فيما بعد .

خطوات الدراسة

ستمر الدراسة بالخطوات التالية :

  • ثالثاً: خصائص المنهج الإسلامي في التربية كما يراها سيد قطب .
  • رابعاً: مفهوم الطبيعة الإنسانية عند سيد قطب .
  • سادساً: نظرة سيد قطب للتغير الاجتماعي والثقافي .
  • سابعاً: الأسرة المسلمة كوسيط تربوي .
  • ثامناً: تربية الجماعة المسلمة .

أولاً : حياة سيد قطب

مولده ونشأته

هو سيد قطب إبراهيم حسين شاذلي، ولد في قرية " موشة " إحدى قرى محافظة أسيوط في 9/10/1906م، نشأ في أسرة متدينة وكان لأبويه أثر كبير في تنشئته، حيث تركا لمساتهما على الكثير من جوانب شخصيته وغرسا فيه الإيمان والطهر والعفاف، فوالده كان صالحاً ملتزماً، يرتاد المساجد للصلاة ووالدته كانت محافظة على دينها مؤدية لفرائض الإسلام متصلة بالقرآن وأثرت هذه التربية في نفسه، فنشئ على تعاليم الإسلام وكان حريصاً على أداء الصلوات في المساجد وهو طفلٌ صغير (10) .

أخلاقه وصفاته

جمع سيد قطب العديد من السمات النفسية والفكرية والخلقية الحسنة كان من أبرزها:

المثابرة والاجتهاد والنشاط الدؤوب، تمتعه بذاكرة قوية متّقدة، غيرته الشديدة على دينه، الجود والعطاء والإيثار والتضحية، الانفتاح على المفكرين والأدباء والإعلاميين، الجرأة في قول الحق وعدم المهادنة فيه، الثبات على المبدأ والإصرار على الحق، الاستعلاء على المساومات والإغراءات والزهد في متاع الحياة، الصبر على المحن والرضا بقضاء الله (11).

شخصيات تأثر بها

من الأساتذة الذين أثروا في سيد قطب وحرصوا على غرس الفضائل في نفسه، ناظر المدرسة الذي كان شديد العناية بتربية التلاميذ تربية روحية وخلقية وعدم الوقوف بهم، عند حدود المعلومات المدرسية الجافة (12) .

وكان من أبرز الشخصيات التي أثرت في سيد قطب، العقاد حيث بدأت صلته به في وقت مبكر من حياته، فما أن وطأت قدماه القاهرة وبدأ يتعرف على من فيها، وجد نفسه في مكتبة العقاد الضخمة وكان العقاد علماً من أعلام الأدب والمعرفة والثقافة وقد أسس مدرسة متميزة كان هو رائدها (13) .

وقد لازم سيد قطب صحبة العقاد ونشأ تحت رعايته وكان تلميذه المستوعب وصديقه الحميم ومحاميه في المعارك الأدبية وخليفته في الأدب والنقد وقد دافع عنه بما عنده من قوة وكان مخلصاً وفياً له (14). كما أعجب سيد قطب بالإمام الشهيد حسن البناء، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين واستحسن طريقته في بناء الجماعة على أسس روحية وخلقية ونفسية وفكرية بطريقة متوازية (15).

شخصيته العلمية ومؤلفاته

الأستاذ سيد قطب

تميزت حياته العلمية بالثراء والتنوع، كأديب وناقد ومفكر ومربي، وكان مولعاً بالقراءة وهو صغير، يتردد على بائع كتب في القرية يدعى (العم صالح) وكان سيد زبوناً ممتازاً عنده، يعرفه جيداً ويحتفظ له بأجود الكتب ولم يكن ليبخل على الكتب بالمال، مهما ارتفع سعرها (16) . وحينما كبر سنه وبلغ مرحلة الشباب، ازداد حبه للاطلاع فكان الحد الأدنى لساعات مطالعاته - يومياً – عشر ساعات (17).

أقبل قطب على حفظ القرآن وهو في السنة الثانية الابتدائية وعمره ثمان سنوات وبعد ثلاث سنوات، أتمّ حفظ القرآن كاملاً وكان يتحدى من يواجهه ويطالبه أن يمتحن حفظه وأن يسمع له ما شاء من السور والآيات (18) . التحق سيد قطب بكلية دار العلوم عام 1929 وتخرج فيها عام 1933، يحمل شهادة البكالوريوس في الآداب (19) .

برزت اهتماماته التربوية وهو طالب في دار العلوم وكان من أسباب عدم رضاه عن مناهج الدراسة فيها، أنها تفتقر إلى موضوعات التربية وعلم النفس (20) .عمل سيد قطب بعد تخرجه مدرساً في مدارس وزارة المعارف لمدة ست سنوات وكان مهتماً بتطوير العملية التربوية في الوزارة، لا ينفك عن تقديم المقترحات، ثم انتقل إلى وزارة المعارف وشغل عدة وظائف فيها، في مراقبة الثقافة وفي التفتيش وفي العام 1949، أوفدته وزارة المعارف إلى أمريكا في بعثة تربوية ميدانية، للاطلاع على مناهج التربية والتعليم هناك وأقام في أمريكا سنة واحدة ثم عاد (21) .

وذكر بعض الباحثين، أن سيد قطب عُيِّن في منصب مستشار ثقافي للضباط الأحرار وكان بإمكانه الوصول إلى أعلى المناصب، لولا اختلافه معهم على أهداف الثورة والتي كانت تتمثل عنده في تطبيق أصول المنهج الإسلامي وفيما بعد، عُرض عليه منصب وزير التربية ولكنه رفض، ليقينه أنه لن يُعطى الحرية الكافية لتطبيق المنهج الإسلامي في العملية التربوية (22) .

وظهر سيد قطب – كمفكر بارز – منذ العام 1953، عندما انتمى لجماعة الإخوان المسلمين، فكانت هذه المرحلة، من أفضل مراحل حياته الإسلامية وأكثرها عطاءً وجهاداً ودعوة وفكراً، حيث أجرى دراسات وألَّف كتباً متميزة وبذا أصبح رائداً للفكر الإسلامي المعاصر، من حيث عرضه وبيانه ومجاهدة الجاهلية به ومن حيث صياغة المسلم على أساسه (23) .

ولقد أشرف سيد قطب على التنظيم الحركي الجديد للإخوان المسلمين، بموافقة حسن الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين وكان الموجه الفكري والتربوي للجماعة (24) .وإذا كان حسن البنا – كما ذهب كشميري – يعد البذرة الصالحة للفكر الإسلامي المعاصر، فإن سيد قطب يمثل الثمرة الناضجة لذلك الفكر المستنير (25) وقد بلغ من آثاره الفكرية – كما أشار العظم – أنه " زرع في كل بيت كتاباً، ينير العقول وفكراً تهتدي به الأجيال" (26) .

وقد اشتهر سيد قطب بغزارة إنتاجه العلمي، حيث خلّف وراءه عدداً من الدراسات الأدبية والفكرية كان من أبرزها :

  1. مهمة الشاعر في الحياة .
  2. نقد كتاب – مستقبل الثقافة في مصر لطه حسين .
  3. التصوير الفني في القرآن .
  4. العدالة الإجتماعية في الإسلام .
  5. معركة الإسلام مع الإلحاد .
  6. السلام العالمي والإسلام .
  7. في ظلال القرآن الكريم .
  8. هذا الدين .
  9. المستقبل لهذا الدين .
  10. خصائص التصور الإسلامي ومقوماته .
  11. الإسلام ومشكلات الحضارة .
  12. معالم في الطريق .

وأورد الخالدي، عناوين لواحدٍ وثلاثين بحثاً لسيد قطب، لم يقدر لها الله أن تنشر فضاعت فيما ضاع من تراثه وأتلفت فيما أتلف من نتاجه بعد محنته الأولى والثانية مع الظالمين (27) .

محنته واستشهاده

الشهيد سيد قطب أمام محكمة الدجوي 1965م

بعد أن انتظم سيد قطب في جماعة الإخوان المسلمين عام 1953، بدأت محنته فكان ضمن ضحايا تنكيل وبطش رجال الثورة بجماعة الإخوان، حيث حكمت عليه محكمة الثورة لمدة خمسة عشر عاماً، قضى معظمها في مستشفى سجن ليمان طرة، لإصابته بأمراض كثيرة، ثم أفرج عنه عام 1964 بعفو صحي، عاش بعدها شهوراً خارج السجن ثمّ أعيد إليه 1965 بتهمة التآمر على قلب نظام الحكم، ثمّ نفذ في حقه حكم الإعدام بتاريخ 29/8/1966 (28) وهكذا مضى سيد قطب شهيداً معتصماً بعقيدته ثابتاً على مبدأه ساخراً من جلاديه

وقد اعتبر بعض أهل العلم والفكر أن

" شهادة الكاتب الإسلامي الكبير والمجاهد العظيم سيد قطب، شهادة ذات عدة جوانب وأن فيها خسارة للعلم والدعوة وخسارة الفكر والأدب والمعارف ولكنها فوق كل هذا، خسارة ذلك القلم الثائر القوي المتدفق كالينبوع العامر بالإيمان، القلم الذي زمجر كالعاصفة والتهب كالشعلة وتحرّق كالشمعة وأشرق كالسيف، ذلك القلم الذي أمسك به العالم العربي، يدافع به عن إسلامه ويهجهم به على أعدائه ويتشرف به بين أقلام أدبائه " (29).

ثانياً : تفسير في ظلال القرآن وقيمته التربوية

غلاف في ظلال القرآن...jpg

استمرت قراءة سيد قطب للقرآن الكريم ومطالعته مدةً طويلة وقد تحدث عن ذلك قائلاً :

" إن الذي يكتب هذه الكلمات، قضى – ولله الحمد والمنّة – في الصحبة الواعية الدارسة لهذا الكتاب خمسة وعشرين عاماً، يجول في جنبات الحقائق الموضوعية لهذا الكتاب في شتى حقول المعرفة الإنسانية، ما طرقته معارف البشر وما لم تطرقه ويقرأ في الوقت ذاته، ما يحاوله البشر من بعض هذه الجوانب ويرى ذلك الفيض الغامر المنفسح الواسع في هذا القرآن " . (30)

ومن خلال القراءة المتأنية لتفسير الظلال، يتضح للقارئ أن سيد قطب، انطلق وهو يكتب تفسيره من ثقافة موسوعية شاملة متعددة الجوانب وفي شتى نواحي المعرفة الإنسانية من آداب وعلوم ومعارف عربية وأجنبية وثقافة دينية وأدبية وتاريخية وسياسية واقتصادية ونفسية وعلمية وقد استخدم هذه الجوانب في تفسيره للقرآن الكريم (31) وقد انعكس ذلك على فكره التربوي، الذي جاء بين سطور تفسيره، معبراً عن روح الإسلام أصيلاً غنياً بالمفاهيم والآراء والتصورات والمبادئ التربوية المتنوعة .

وقد أشار (الخالدي) إلى ابرز الأهداف التربوية لتفسير الظلال والمتمثلة في الآتي:

  1. تزويد المسلم المعاصر بدليل عملي مكتوب، إلى سمات الشخصية الإسلامية المنشودة ولذلك كان يركز –عند تفسيره للآيات– على الجانب العملي لمعناها والإيحاءات الحية التي تقود العاملين في طريق الدعوة والإصلاح ولهذا نراه يركّز كثيراً، على بيان طبيعة الإيمان وحقيقته وقيمته ومقوماته في الحياة الإنسانية وآثاره في النفس والسلوك والحياة على مستوى الفرد والمجتمع .
  2. بيان ملامح وسمات المجتمع الإسلامي، الذي ينشئه القرآن الكريم والتعريف بالأسس القويمة، التي يقوم عليها ورسم الطريق الحركي الجهادي لإنشائه وذلك من منطلق أن الجماعة ضرورية لتربية الأفراد تربية قرآنية ناجحة .
  3. بيان معالم الطريق التي تسلكه الجماعة المسلمة إلى ربّها ورسم سماته وتحديد مراحله والتحذير من الفتن والمغريات والمعوقات فيه (32) .

ومن خلال استقراء تفسير الظلال، يتضح أن سيد قطب قد عالج قضايا تربوية عديدة لعل من أبرزها، التصور الإسلامي عن الإنسان والكون والحياة، خصائص المنهج الإسلامي في التربية، الطبيعة الإنسانية، القيم، التغير الاجتماعي والثقافي، الأسرة المسلمة كوسيط تربوي، تربية الجماعة المسلمة، نظرة الإسلام إلى المعرفة والعلم، جوانب أساسية في تربية الشخصية المسلمة - التربية العقائدية، التربية الأخلاقية، التربية الجهادية، التربية الاجتماعية .

ثالثاً:خصائص المنهج الإسلامي في التربية كما يراها سيد قطب

تناول قطب خصائص المنهج الإسلامي في التربية، بما يجسد نواحي الإعجاز التربوي في هذا المنهج الرباني المستمد من كتاب الله وسنة رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام ويمكن بيان أبرز هذه الخصائص

كما وردت في تفسير الظلال على النحو الآتي :

(أ) الانطلاق من التصور العقائدي:

فالمنهج الإسلامي في التربية، يقوم على أساس إرساء التصور الاعتقادي وجعله المحرك الأول والأكبر في النشاط الإنساني (33) . وتمثل العقيدة الإسلامية " أصل الحياة الكبير، الذي ينبثق منه كل فرعٍ من فروع الخير وتنطلق منه كل ثمرة من ثماره " (34) .

وقد جاءت السنة النبوية، لتؤكد على أهمية العقيدة في التربية، حيث كانت تربيته صلى الله عليه وسلم لأصحابه، مبنية على أسس عظيمة وأصول كبيرة أولها العقيدة الصحيحة التي حواها القرآن الكريم، بما فيه من الآيات التي تدعو إلى التوحيد (35) .

ولكي تؤتي التربية ثمارها فإن

" المنهج الإسلامي في التربية، يربط بين العبادة وحقائق العقيدة في الضمير ويجعل العبادة، وسيلة لاستحياء هذه الحقائق وإيضاحها وتثبيتها في صورة حية، تتخلل المشاعر ولا تقف عند حدود التفكير وقد ثبت أن هذا المنهج وحده، هو أصلح المناهج لإحياء هذه الحقائق ومنحها الحركة في عالم الضمير وعالم السلوك وأن الإدراك النظري وحده لهذه الحقائق لا يحركها حركة دافعة في حياة الفرد ولا في حياة الجماعة " (36) .

(ب) مخاطبة الفطرة الإنسانية بالآيات الكونية:

التربية بالآيات من أساليب التربية الإسلامية الفاعلة ويقصد بها " تربية عقل الإنسان وسمعه وبصره ومشاعره بالآيات، على حسن الإدراك وعلى الاستبصار واستخدام الحواس وإرهافها لتوصله إلى معرفة مسبب الأسباب ومعرفة الحق في كل النتائج والأسباب " (37) .

وقد لخص (النحلاوي) أهم أهداف التربية بالآيات في الآتي:

  1. بيان الحق للإنسان وإظهاره له جلياً .
  2. تقديم البرهان على توحيد الله بالألوهية والربوبية .
  3. ترسيخ الإيمان باليوم الآخر .
  4. تربية الإنسان على الخوف من الله والابتعاد عن المحرمات (38)

ويشير قطب إلى تميز المنهج الإسلامي في التربية، من حيث كونه

" يخاطب الفطرة البشرية بآيات الله الكونية المبثوثة حول الإنسان في هذا الكون والتي يعلم سبحانه أن فيها لغةً مفهومة وإيحاءات مسموعة ولذا لم يلجأ المنهج القرآني إلى الأسلوب الجدلي العقيم، الذي جاء فيما بعد عند المتكلمين والفلاسفة، لأن الله يعلم أن هذا الأسلوب، لا يصل إلى القلوب ولا يدفع إلى حركة ولا يؤدي إلى بناء حياة " (39).

ومن الملاحظ أن القرآن الكريم، يعرض مشاهد عديدة من الكون، ملفتة للنظر تغري الإنسان المتدبر بأن يبحث عن تفسير لها وتشعره بأن هناك دلالة ونتيجة تكمن وراء هذه المظاهر ومن الأمثلة على ذلك ما جاء في قوله عز وجل: " إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ " (البقرة، آية : 164) .

ويلفت قطب انتباهنا إلى أن

" المنهج القرآني يكثر من الربط بين عبودية هذا الكون لله ودعوة البشر إلى الاتساق مع الكون الذي يعيشون فيه والإسلام لله الذي أسلم له الكون والذي يتحرك مسخراً بأمره، ذلك أن هذا الإيقاع بهذه الحقيقة الكونية، كفيل بأن يهز القلب البشري هزّاً وأن يستحثه من داخله، على أن ينخرط في سلك العبادة المستسلمة فلا يكون وحده نشازاً في نظام الوجود كله" (40).

ومن الشواهد على هذا الربط بين عبودية الكون لله ودعوة الإنسان إلى التماثل معها والسير في فلكها، ما جاء في قوله تعالى :

" الرَّحْمَنُ* عَلَّمَ الْقُرْآنَ* خَلَقَ الإِنسَانَ* عَلَّمَهُ الْبَيَانَ* الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ* وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ" (الرحمن، الآيات : 1-6) وفي موضع آخر من كتاب الله الحكيم، تصويرٌ رائع للجبل الخاشع لله عز وجل " لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ " (الحشر، آية: 21) .

(ج) تنظيم دوافع الفطرة وعدم محاربتها:

ولد الإنسان مزوداً بدوافع تمثل

" القوى المحركة التي تبعث النشاط في الكائن الحي وتبدئ السلوك وتوجهه نحو هدف أو أهداف معينة والدوافع تؤدي وظائف ضرورية وهامة للكائن الحي، فهي التي تدفعه إلى القيام بإشباع حاجاته الأساسية الضرورية لحياته وبقائه كما تدفعه إلى القيام بكثير من الأفعال الأخرى الهامة والمفيدة له في توافقه" (41) .

وقد أشار قطب إلى أن

" الإسلام لا يحارب دوافع الفطرة ولا يستقذرها، إنما ينظمها ويطهرها ويرفعها عن المستوى الحيواني ويرقيها حتى تصبح المحور الذي يدور عليه الكثير من الآداب النفسية والاجتماعية " (42)

وعلى سبيل المثال فإن الإسلام لم يكبت الغريزة الجنسية كما فعلت المسيحية وإنما عمل على ضبطها والفارق الأساس بين الكبت والضبط يكمن في

" أن الأول عملية ضارة وأما الثاني فعملية واعية،فعملية الضبط لا تتعرض للشهوة في منبتها قبل أن تظهر في الشعور كما يصنع الكبت، لأن ذلك يحبس النشاط الحيوي عن منطقه الطبيعي، فالضبط يتولى عمله بعد أن تخرج الشهوة من ظلمات اللاشعور إلى الشعور وتكون مهمته أن ينظم مسارها وينظفها ويتحكم في القدر الذي يصرح به منها". (43)

ويعمل المنهج الإسلامي على تنظيم الدوافع وتوجيهها بما يحقق مصلحة الفرد والجماعة، من خلال توجيه الإنسان إلى إشباعها عن طريق الحلال المسموح به شرعاً كاللجوء إلى الزواج لإشباع الدافع الجنسي بدلاً من اقتراف الزنا، كما يؤكد الإسلام على تنظيم إشباع الدوافع بأسلوب معتدل بعيداً عن الإسراف (44) .

(د) اعتماد أسلوب التربية بالعمل والممارسة والتجريب :

التربية الإسلامية في طبيعتها تربية عملية، تتحول بها الكلمة إلى عمل إيجابي وسلوك فاضل وقد حث الإسلام على الإيمان المقترن بالعمل الصالح ورغّب فيه " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً " (الكهف، آية : 107) . ويؤكد قطب على أن منهج التربية في الإسلام، منهج واقعي عملي، لا منهج نظري معرفي، مهمته بناء نظرية وعرضها لذاتها (45).

ويقدم قطب تفسيراً تربوياً ونفسياً لطبيعة هذا المنهج في التربية بقوله :

" فقد علم الله أن هذه الخليقة البشرية، لا تصاغ صياغة سليمة ولا تنضج نضجاً صحيحاً ولا تصح وتستقيم على منهج، إلا بذاك النوع من التربية التجريبية الواقعية، التي تحفر في القلوب وتنقش في الأعصاب وتأخذ من النفوس وتعطي، في معترك الحياة ومصطرع الأحداث " (46).

ويكتسب أسلوب التربية بالممارسة والعمل أهميته من خلال كونه :

  1. يؤدي إلى زيادة فهم التلاميذ لما تعلموه .
  2. يحد من الملل الذي يصاب به التلاميذ من كثرة الدراسات النظرية داخل الفصول (47) .
  3. ممارسة الشيء وتطبيقه، عامل قوي في حفظ المعلومة وصيانتها من النسيان ما أمكن (48) .

ومن الملحوظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم - في تربيته لأصحابه رضوان الله عليهم - كان يقرن بين العلم والعمل وقد جاء في الحديث الشريف الذي رواه أبو عبد الرحمن السلمي قال : " حدثنا من كان يقرئنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنهم كانوا يقترئون من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر آيات، فلا يأخذون في العشر الأخرى، حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل قالوا : فعلمنا العلم والعمل " (49) . وقد حذر بعض علماء التربية المسلمين، من الاستظهار الأعمى والحفظ الأصم للعلوم بلا تحليل وتطبيق ومن هؤلاء ابن الجوزي الذي أكد على التطبيق العملي والجمع بين العلم والعمل (50) .

ويذهب قطب إلى أن

" الاتجاه التجريبي الذي قامت عليه الحضارة الصناعية الأوروبية الحاضرة، لما ينشأ ابتداءً في أوروبا وإنما نشأ في الجامعات الإسلامية في الأندلس والمشرق، مستمداً أصوله من التصور الإسلامي وتوجيهاته إلى الكون وطبيعته الواقعية، ثم استقلت النهضة العلمية في أوروبا بهذا المنهج واستمرت تنميه وترقّيه، بينما ركد وترك نهائياً في العالم الإسلامي، بسبب بعده تدريجياً عن الإسلام ". (51)

ولم يُخفِ قطب إعجابه بطريقة المشروع المستخدمة في التعليم الغربي ورأى أنها يمكن أن تخرج بثروة علمية متنوعة، فضلاً عن كونها دراسة عملية لا تختلف كثيراً عن واقع الحياة وقد أوصى بتعديل الخطط والكتب المدرسية في مصر، بحيث تبتعد – قدر المستطاع – عن قاعدة الفصل بين المدرسة والحياة (52).

(هـ) توجيه المسلمين إلى الانفتاح على الخبرات النافعة :

دعا القرآن الكريم المسلمين، إلى الانفتاح على التجارب والخبرات النافعة والاستفادة منها في تعديل سلوكهم وتطوير حياتهم، من خلال النظر في أحوال الأمم السابقة كما جاء في قوله تعالى : " أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَـاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ " (البقرة، آية: 214) . وجاء في التوجيه النبوي الشريف " الكلمة الحكمة ضالة المؤمن، حيث وجدها فهو أحق بها " (53) .

وأشار قطب إلى اهتمام المنهج التربوي الإسلامي بتوجيه المسلمين إلى الانتفاع بخبرات وتجارب الآخرين ممن قبلهم وذلك من خلال قوله : " هكذا خاطب الله الجماعة المسلمة الأولى وهكـذا وجهها إلى تجارب الجماعات المؤمنة قبلها وإلى سنته سبحانه وتعالى في تربية عباده المختارين، الذين ينقل إليهم رايته وينوط بهم أمانته في الأرض" (54).

وما من شك في أن تجارب الآخرين القديمة، تعد من قبيل الخبرات غير المباشرة، التي يمكن أن تحقق درجة من التواصل الثقافي بين الأجيال، في حين يوفر أسلوب التربية بالممارسة والعمل الذي سبق الإشارة إليه خبرات مباشرة، وبذلك يوازن المنهج الإسلامي بين هذين النوعين من الخبرات مما يعني أنه يقدم محتوىً تربوياً ثرياً ومتنوعاً .

(و) التدرج في معالجة السلوكات المنحرفة :

يشير قطب إلى

" منهج القرآن العجيب وهو يأخذ بيد الفطرة الإنسانية خطوة خطوة ومرحلة مرحلة ويصعد بها – في هينة ورفق وفي حيوية كذلك وحرارة وفي وضوح وعلى بصيرة – درجات السلم في المرتقى الصاعد إلى القمة السامقة في المعرفة والرؤية وفي الانفعال والاستجابة وفي التكيف والاستقامة " (55) .

ويوضح قطب لنا القاعدة، التي يقوم عليها مبدأ التدرج في المنهج التربوي الإسلامي، فحينما يتعلق الأمر أو النهي بقاعدة من قواعد التصور الإيماني، فإن الإسلام يقضي فيها قضاءً حاسماً منذ اللحظة الأولى ولكن عندما ينطلق الأمر أو النهي بعادة أو تقليد أو بوضع اجتماعي معقد، فإن الإسلام يتريث ويأخذ المسألة باليسر والرفق والتدرج ويهيئ الظروف الواقعية التي تيسر الطاعة والتنفيذ (56).

ويضرب قطب مثالاً على استخدام التدرج، في معالجة العادات السيئة المألوفة، حيث بدأ القرآن بتحريك الوجدان الديني والمنطق التشريعي في نفوس المسلمين، بأن الإثم في الخمر والميسر أكبر من النفع، ثم كانت الخطوة الثانية بالنهي عن الدخول في الصلاة حالة السكر، إذ من المعروف أن المدمن يشعر بالحاجة إلى ما أدمن عليه من مسكر أو مخدر في الموعد الذي اعتاد تناوله فيه، فإذا تجاوز هذا الوقت بصورة متكررة، فترت هذه العادة وأمكن التغلب عليها، حتى إذا تمت هاتان الخطوتان، جاء النهي الجازم والأخير بتحريم الخمر (57).

رابعاً : مفهوم الطبيعة الإنسانية عند سيد قطب

ما من شك في أن معرفتنا لطبيعة الإنسان وحقيقته ووعينا بخصائصه الفطرية، يساعدنا على التعامل معه بموضوعية وكفاءة ومن ثم يفتح الطريق أمام إطلاق طاقاته وتوجيهها، نحو بناء المجتمع القوي وقد شغل موضوع الطبيعة الإنسانية على مر التاريخ، مساحة واسعة من اهتمام الفلاسفة والتربويين، فجاءت آراؤهم متباينة وكان لسيد قطب اجتهاد وتصور خاص في هذا الموضوع يمكن تلخيصه فيما يلي:

الفطرة الإنسانية مؤمنة في أصلها

يُسلم قطب بأن " الفطرة البشرية في اصلها متناسقة مع ناموس الكون، مسلمة لربها إسلام كل شيء حي " (58)، وعبر عن هذا المضمون قوله تعالى : " فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ " (الروم، آية : 30) . ويعتبر قطب " الدين حاجة فطرية في النفس البشرية، كحاجة الطعام والشراب لحفظ الذات وحاجة النسل لحفظ النوع سواء " (59) .

فليس الطعام والشراب والمسكن والجنس، هي كل مطالب الإنسان الأساسية، فهناك مطالب الروح وحرية الفكر والعقيدة وهي مطالب أساسية، بل هي أعلى في الاعتبار من مطالب الطعام والشراب والجنس، لأنها هي المطالب الزائدة في الإنسان على الحيوان وهي التي تعزز إنسانيته وبإهدارها تهدر إنسانيته (60) .

وهكذا تتميز نظرة قطب إلى حاجات الإنسان، عن كثير من نظريات علم النفس المعاصرة، التي تحدثت عن حاجات عديدة للإنسان، كالحاجة إلى الطمأنينة والحب المتبادل والحاجة إلى النجاح، في حين أغفلت الحاجة إلى العقيدة والتدّين (61) .

ويؤكد قطب على مرونة الطبيعة الإنسانية وقابليتها للتشكيل والتعديل ويقدم تفسيراً منطقياً لذلك، بقوله : " إن البشرية تبدأ طريقها مهتدية مؤمنة موحّدة، ثم تنحرف إلى جاهلية ضالة بكل العوامل المتشابكة المعقدة في تركيب الإنسان ذاته وفي العوامل والعناصر التي تتعامل معها " (62)

وعبر عن هذا المفهوم ما جاء في الحديث القدسي

"وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً " (63) .

ازدواجية الطبيعة الإنسانية

ينظر قطب إلى الطبيعة الإنسانية، على أنها مزدوجة من حيث كون الإنسان خلق من عناصر الطين اللزج المتحول إلى صلصال ثم من النفخة العلوية التي فرّقت بينه وبين سائر الأحياء ومنحته خصائصه الإنسانية ولا انفصال بين هذين العنصرين في تكوين الإنسان (64).

وبناءً على هذه التركيبة، يدرك المنهج الإسلامي ضعف المخلوق البشري الذي تهبط به ثقلة الجسد أحياناً إلى درك الفاحشة وتهيج به فورة اللحم والدم فينزو نزوة الحيوان في حمى الشهوة وتدفعه نزواته وشهواته ورغباته إلى المخالفة عن أمر الله في حمى الاندفاع، فالإسلام يدرك ضعفه فلا يقسو عليه ولا يبادر إلى طرده من رحمة الله، فهو يعلم أن فيه بجانب الضعف قوة وبجانب الثقلة رفرفة وأشواق ربانية، فهو يعطف عليه في لحظة الضعف ويأخذ بيده إلى الصعود ويربت عليه في لحظة العثرة (65) .

ومن قبيل الازدواجية في الكائن البشري، أنه مزود باستعدادات متساوية للخير والشر والهدى والضلال، بحكم تكوينه من طين الأرض ونفخة الله فيه من روحه وهو مع ذلك قادر على التمييز بين ما هو خير وما هو شر (66) وتتفق هذه النطرة، مع ما ذهب إليه (الغزالي) الذي أكّد على أن الطبيعة الإنسانية فيها فطرة طيبة تهفو إلى الخير وتُسر بإدراكه وتأسى للشر وتحزن من ارتكابه وترى في الحق امتداد وجودها وصحة حياتها وفيها إلى جوار ذلك، نزعات تشرد بها عن سواء السبيل وتزين لها فعل ما يعود عليها بالضرر (67) . كما تختلف هذه النظرة الإيجابية إلى الطبيعة الإنسانية، عن نظرة بعض الفلسفات والمدارس الفكرية، التي تعتبر الإنسان محاطاً بالخطيئة منذ قدومه إلى هذا العالم (68) .

ويتحدد اتجاه الإنسان نحو الخير أو الشر – كما يرى قطب – بناءً على مدى استثماره للقوة الواعية المدركة في داخله والتي تناط بها التبعة، فإن استخدم هذه القوة في تزكية نفسه وتطهيرها وتنمية استعداد الخير فيها وتغليبه على استعداد الخير فقد أفلح ومن أظلم هذه القوة وخبأها فقد خاب (69) وهذا ما ينسجم مع التوجيه القرآني " قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا " (الشمس، الآيتان : 9، 10) .

أسباب فساد الفطرة وانحرافها

يتحدث قطب عن فساد الفطرة وانحرافها ويعلل ذلك بخروج الإنسان بنظام حياته عن قاموس الكون وخواء حياته من منهاج الله الذي ينسق حركة الإنسان والكون الذي يعيش فيه ومن ثمّ يعاني من خواء الروح والشقاء والاضطراب (70) ومن الأسباب المسئولة عن فساد الفطرة الإنسانية، الخوض في المتاع طويلاً والترف الذي يفسد القلب ويبلد الحس وينتهي إلى ضعف الحساسية بالله وانطماس البصيرة (71) .

وتلعب الجاهلية دوراً كبيراً في إفساد الفطرة الإنسانية، لكونها تمسخ أذواق الناس وتصوراتهم وموازينهم وتعريهم من التقوى والحياء، إذ تجعل العُري الحيواني تقدماً ورقياً والستر الإنساني تأخراً ورجعية وليس بعد ذلك مسخٌ لفطرة الإنسان وخصائصه (72) .

ولكون الإنسان – بطبعه – شديد الحب للمال والمتاع وأغراض الحياة الدنيا، فإنه لا ينصلح حاله ما لم يخالط الإيمان قلبه فيغير من تصوراته وقيمه واهتماماته ويحيل كنوده وجحوده اعترافاً بفضل الله ويريه القيم الحقيقية التي تستحق الحرص والتنافس والكدح، فالإنسان بغير إيمان يبقى صغير المطامع صغير الاهتمامات مرتكساً في حمأة الأرض، سجيناً في سجن الذات، لا يرفعه إلا الاتصال بعالم أكبر من الأرض وأبعد من حياة الدنيا، عالم يعود إلى الله الأبدي وتتصل فيه الدنيا والآخرة بلا انتهاء (73) .

وجاء في التوجيه النبوي الشريف، إشارة واضحة إلى أثر الإيمان الكبير في استقامة الإنسان والحفاظ على الفطرة من الانحراف حيث روي "عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت يا رسول الله قل لي في [[الإسلام] قولاً لا أسال عنه أحداً بعدك قال : قل آمنت بالله ثم استقم" (74).

وفي ضوء ما سبق ينبغي أن تنطلق العملية التربوية في مدارس المسلمين من عقيدة الإيمان باعتبارها الأساس الأول في تربية الفرد والحفاظ على فطرته سليمة نقية في ظل عالم يموج بالأفكار والأيديولوجيات المنحرفة عن منهاج الله عز وجل .

خامساً : القيم كما يتصورها سيد قطب

الأستاذ سيد قطب في قفص الإتهام

تواجه المجتمعات البشرية على المستويين –الإقليمي والعالمي– خطراً أكبر من الأسلحة الذرية والنووية، إنه خطر الزلازل الجارية في ميادين القيم وسوف يشهد القرن القادم اختفاء ثقافات وذوبان مجتمعات من خلال عمليات الانصهار والتحليل والتركيب الجارية في ميدان القيم (75) .

ويؤكد العديد من الباحثين، أن مشكلة تبلور الشخصية، ترتبط إلى حدٍ بعيد بثقافة كل شعب والقيم التي يحملها ومفهومه عن المحرمات ونظرته إلى ما هو رفيع وإلى ما هو دنيء وهذه المجموعة من المواقف، تشكل قيم كل شعبٍ ولها احترام وقدسية عنده (76) .

وتلعب القيم دوراً كبيراً، في توجيه سلوك الفرد واتجاهاته فيما يتصل بما هو مرغوب فيه أو مرغوب عنه من أشكال السلوك، في ضوء ما تتضمنه القيم من قواعد ومعايير (77) كما أن التربية في حقيقتها عبارة عن " نسق من القيم، يسهم في تشكيل شخصية الفرد وضميره والوازع الداخلي الذي يضبط سلوكه " (78) .

وتعرف القيم من منظور إسلامي بأنها

" مفهوم يدل على مجموعة من المعايير والأحكام تتكون لدى الفرد من خلال تفاعله مع المواقف والخبرات الفردية والاجتماعية، بحيث تمكنه من اختيار أهداف وتوجهات لحياته، يراها جديرة بتوظيف إمكانياته وتتجسد من خلال السلوك العملي أو اللفظي بطريقة مباشرة وغير مباشرة " (79)

وقد أولى قطب اهتماماً بالغاً بموضوع القيم وعالجها بدقة وعمق في مواضع عديدة من تفسيره ويمكن إجمال تصوره للقيم من خلال الجوانب الآتية:

تصنيف القيم

يوجه قطب المسلمين، إلى أن يستمدوا قيمهم وموازينهم في حياتهم الدنيا من المصدر الرباني، حتى لا تكون مقيّدة بملابسات أرضهم ولا بمواصفات حياتهم ولا نابعة من تصوراتهم المقيّدة بهذه المواصفات (80) . وبناءً عليه يصنف قطب القيم – من حيث المصدر – إلى قيم السماء وقيم الأرض والتي منها قيم الجاه والعشيرة والثراء وغيرها من القيم التي تعتز بها الجاهلية (81)، وبذلك ينفرد قطب بهذا التصنيف للقيم، والذي لم نعهده في التصنيفات الإسلامية المعاصرة .

وأما من حيث المجال، فإن سيد قطب يصنف القيم، إلى قيم إيمانية وقيم مادية ويؤكد على العلاقة الارتباطية بينهما، فالقيم الإيمانية ليست منفصلة عن القيم المادية العملية في حياة الناس، فكلتاهما تؤثر في هذه الحياة، سواءٌ عن طريق قدر الله الغيبي المتعلق بعالم الأسباب أو عن طريق الآثار العملية المشهودة، التي يمكن للبشر رؤيتها وضبطها (82) .

فالمجتمع الرباني لا يحتقر القيم المادية، لكون المادة من مقومات خلافة الإنسان في الأرض والاستمتاع بها وفي الوقت نفسه، لا يقبل بأن تهدر في سبيلها كرامة الإنسان ومقوماته، كما هو الحال في المجتمعات الملحدة أو المشركة (83) .

ويضع قطب معياراً للحكم على المجتمعات من حيث التحضر والتخلف، إذ يرى أن المجتمع الذي تسود فيه القيم الإيمانية الإنسانية – كما هي في ميزان الله – فهو المجتمع المتحضر المتقدم وأما المجتمع الذي تسود فيه النزعات والقيم المادية الحيوانية فهو المجتمع المتخلف، مهما بلغ من تقدمٍ في المجال العلمي والاقتصادي (84) .

ويحذر قطب من الوقوع في العبودية للقيم المادية ويرى أن التحرر من ذلك، يكون من خلال وضع هذه القيم في موضعها الحقيقي بلا إغفال ولا مغالاة ورد القيم المادية إلى اعتبارات معنوية ذاتية، كامنة في نفس الفرد، مما يضعف تأثير القيم المادية (85) . وأما بخصوص القيم من حيث أهميتها وترتيبها، فإن قطب يؤكد أن أعلى قيمة في هذا الكون، هي قيمة الإيمان ومن حاز هذه القيمة فله الخير كله ومن فقدها فليس بنافعه شيء (86) .

فالإيمان يمثل القيمة الحقيقية الباقية وأما القيم المادية – المال والمتاع واللذائذ – فهي قيم زائفة زائلة، لا يحرم الطيب منها ولا يصح أن تكون غاية لحياة الإنسان (87) ويعطي قطب تفسيراً موضوعياً لهذا الترتيب القيمي بقوله : إن قيم الإيمان وقيم الفضائل والصلاح والإخلاص، لهي قيمٌ يقوم عليها استخلاف الإنسان في الأرض وهي أعلى وأكرم من جميع القيم المادية، كما أنها تنمي في الإنسان خصائصه الإنسانية، التي ينفرد بها عن الحيوان (88) وبالتالي على الإنسان أن يُعلي هذه القيم مع تحقيقه القيم المادية، بحيث لا تطغى على القيم العليا، وينتقد قطب المذاهب المادية التي تستهزئ بكل القيم الروحية والأدبية في سبيل إعلاء القيم المادية (89)

وبذلك تبدو نظرة قطب للقيم، معتدلة متوازنة إذا ما روعيت في تربيتنا، نتج عنها توازن في شخصية الفرد والمجتمع ومن الملاحظ أن القرآن الكريم، يحذر من الافتتان بالقيم المادية ويلفت الانتباه إلى ضرورة تقدم القيم الإيمانية عليها ويعتبر مخالفة ذلك فسقاً يستوجب العقاب " قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ " (التوبة، آية:24) .

من خلال ما سبق، يمكن القول أن ترتيب السلم القيمي عند قطب، يتفق مع بعض التصنيفات الإسلامية للقيم والتي جعلت القيم الإيمانية على رأس السلم القيمي ومنها على سبيل المثال، تصنيف الهاشمي وعبد السلام (90) وكذلك تصنيف أبو العينين للقيم حيث جعل القيم الروحية (العقدية) المنظمة لعلاقة الإنسان بالله على رأس السلم القيمي الذي صنفه إلى سبع مجالات (91) في حين وضع رمزي القيم المادية في بداية السلم القيمي في تصنيفه الثلاثي من منطلق أن القيم لا تفاضل بينها لأنها نتائج يقصدها الإنسان حين القيام بالعمل، فلا توضع في ميزان واحد ولا تقاس بمقياس واحد (92) .

القيم التي يُقاس بها الناس

يلفت قطب الانتباه، إلى أن الميزان الذي أنزله الله للناس مع الرسل، ليقوموا به القيم كلها، هو التقوى فهي القيمة الوحيدة التي يرجح بها وزن الناس وهي قيمة سماوية بحتة، لا علاقة لها بمواصفات الأرض وملابساتها (93)، وينسجم ذلك مع قوله تعالى : " إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ" (الحجرات، آية : 13) .

وينتقد قطب اهتمام الناس الزائد بقيم الحياة المادية كالمال والبنين والتي يتعبدون بها في الأرض ويَزِنُونْ بها الناس وفي المقابل يذرون القيم الحقيقية التي يفترض أن يوزن الناس على أساسها وهي الصالحات من الأعمال والأقوال والعبادات (94) .

كما يستنكر قطب سلوك الناس الذين يقيِّمون الآخرين بناءً على القيم المادية الظاهرة التي يرونها في أنفسهم، فيسخر الرجل الغني من الرجل الفقير والقوي من الضعيف وذو الأولاد من العقيم وتسخر الجميلة من القبيحة وهذه جميعاً مقاييس فاسدة ليس لها اعتبار في ميزان الله عز وجل (95)، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الاغترار بالمظهر العام وبين أن الله عز وجل لا يقيس الناس بمظاهرهم وأشكالهم وإنما يقيسهم بناءً على قلوبهم وأعمالهم " إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " (96) .

وحينما يعم الفساد وتضطرب الموازين، ينصح قطب بالرجوع إلى تصور ثابت لميزان القيم، يستند إلى قاعدة أخرى غير التي اصطلح عليها في جيل من الأجيال، ألا وهي قاعدة الإيمان بالله، التي ينبثق منها الميزان الصحيح (97) .

القيم بين الثبات والتغير

يناقش قطب موضوع القيم، من حيث الثبات والتغير ويعتقد بأن القيم الإيمانية والإنسانية والأخلاقية، قيـم ثابتة وليست متغيرة لا تستقر على حال، كما يزعم الذين يريدون إشاعة الفوضى في الموازين، بحيث لا يبقى هناك أصل ثابت يُرجع إليه في وزن أو تقييم ويرى أن هذه القيم الثابتة، هي التي تنمي في الإنسان خصائصه التي ينفرد بها عن الحيوان (98) .وأما القيم المتغيرة فهي القيم المادية المرتبطة بمتاع الحياة الدنيا محدودة الأجل والتي سرعان ما تزول وتفنى (99) .

ومن الطبيعي أن يكون في حياة المسلمين، قيم مطلقة ثابتة وقيم أخرى نسبية متغيرة، فالقيم الروحية والخلقية التي مصدرها وحي الله وشرعه، قيم مطلقة وثابتة في كل زمان ومكان لا تتغير ولا تتبدل كالتوحيد والصدق والعفو والعفة وبر الوالدين والإحسان إلى الجار وأما القيم المتغيرة، فهي قيم اجتماعية يصدرها المجتمع وتكون أقرب إلى الاتجاهات والعادات والأعراف منها إلى القيم وبالتالي تخضع للتغيير حسب ما يراه المجتمع (100) .

ومهما يكن فإن القيم المادية، ليست منفصلة عن القيم المعنوية (الإيمانية) ولا ينبغي أن تتعارض معها من منطلق أن الأولى مقاصد وغايات والأخرى وسائل .

سادساً : نظرة سيد قطب للتغير الاجتماعي والثقافي

من البديهي أن التغير سنة كونية وهو أمر واقع وظاهرة عيانية موجودة في كل المستويات ابتداءً من المادة الحسية وانتهاءً بالحياة الاجتماعية والنفسية أو عالم الأفكار عامة وقد رأى كثير من العلماء أن الإيمان نفسه يزيد وينقص وأن النفس، تتقلب بين التزكية والتدسية وأن التحول الفكري يقود إلى التغير في السلوك والاستجابة (101) .وقد أخبر الله سبحانه وتعالى عن نفسه، بأنه لا ينفك عن إحداث الجديد في هذا الكون " كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ " (الرحمن، آية : 29) .

ويسلم قطب بأن الفطرة الإنسانية، فطرت على حب التغيير والتبديل والانتقال من حال إلى حال ومن مكان إلى مكان ومن نظام إلى نظام وبذلك يندفع الإنسان نحو تغيير واقع الحياة ويكشف عن مجاهيل الأرض ويبدع في نظم المجتمع وأشكال المادة وبذلك تتطور الحياة وترتقي وهذا ما يتناسب مع موقع الإنسان كخليفة على الأرض وطبيعة دوره فيها، الذي يستدعي تحوير الحياة وتطويرها حتى تبلغ الكمال (102).

وبناءً عليه فإن "مهمة الإسلام دائماً، أن يدفع بالحياة إلى التمييز والتطور والرقي وأن يدفع بالطاقات البشرية إلى الإنشاء والانطلاق والارتفاع" (103).

مفهوم التغير الاجتماعي والثقافي :

يقصد بالتغير " التبدل من حال إلى حالٍ غير الأولى وهو بذلك حركة قد تكون إلى الخير وقد تكون إلى الشر " (104) .ويمكن تعريف التغير الاجتماعي والثقافي بأنه عبارة عن " إحداث تحولات على بنية ووظائف الأنظمة الاجتماعية والثقافية بدون إصدار أي أحكام قيمية عليها " .

فالتغير الاجتماعي تحولات تحدث في النظام الاجتماعي، أي في بناء ووظائف المجتمع المتعددة والمختلفة، بينما يحدث التغير الثقافي في كل فروع الثقافة - المعرفة والمعتقدات والقيم والأخلاق والفن والعرف والعادات التي حصل عليها الإنسان لكونه في مجتمع (105) وأيّاً كان الأمر فإنه ليس بالإمكان، الفصل بين عناصر التغير الاجتماعي والثقافي، فإذا ما حدث تغيرٌ في واحد منهما، استدعى ذلك – غالباً - تغييراً في الآخر .

وقد أولى قطب اهتماماً كبيراً بموضوع التغير، من حيث مقاصده والمبادئ التي يقوم عليها ووسائله ويمكن بيان ذلك على النحو التالي :

(أ) مقاصد التغيير:

يتحدث قطب بصورة مستفيضة عن الواقع الجاهلي الذي تعيشه البشرية اليوم والذي يظهر فيه التدهور الخلقي والانحلال الاجتماعي وتتآكل في ظله إنسانية الإنسان وتتحلل آدميته وهو يلهث وراء الحيوان ليلحق بعالمه الهابط (106) .وقد تغلغلت الجاهلية في التقاليد والعادات والأخلاق والعلاقات، فهي نظام حياة مناقض للنظام الإسلامي وواقع متخلف (107) .فالجاهلية –كما يراها قطب– عبارة عن " كل منهج تتمثل فيه عبودية البشر للبشر" (108).
وقد عبر عن هذا الواقع السلبي في حياة المسلمين الاجتماعية والثقافية، ما جاء في حديث الرسول عليه الصلاة والسلام حينما أخر أصحابه قائلاً لهم : "خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم إن بعدهم قوماً يشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السُمن " (109) .
وفي ضوء ما سبق، يحدد قطب الهدف من التغيير الذي ينشده بقوله : " إن مهمتنا الأولى هي تغيير هذا الواقع الجاهلي من أساسه، هذا الواقع الذي يصطدم اصطداماً أساسياً بالمنهج الإسلامي وبالتصور الإسلامي والذي يحرمنا بالقهر والضغط، أن نعيش كما يريد لنا المنهج الإلهي " (110) .
فالتغيير الذي ينشده قطب، يستهدف استبدال وجه العالم الحالي بعالم آخر، يُقر فيه سلطان الله وحده ويُبطل سلطان الطواغيت، إنه العالم الذي يولد فيه الإنسان الحر الكريم، المتحرر من العبودية لغير الله (111) .وينتقد قطب بعض المفكرين، الذين يتصورون أن الواقع الجاهلي هو الأصل الذي يجب على دين الله، أن يطابق نفسه عليه وأن يغير في أحكامه، حتى يصبح مقبولاً لدى الآخرين (112) .
ويرى قطب أن تحقيق هذا الهدف، لا يكون بمجاراة الجاهلية والسير معها خطوات في أول الطريق، كما أنه لن يكون بمقاطعتها والانعزال عنها وإنما يكون من خلال المخالطة مع التمييز والأخذ والعطاء مع الترفع والصدع بالحق في مودة والاستعلاء بالإيمان في تواضع (113).

ويتضح مما سبق، أن التغير الذي يتطلع إليه قطب، هو تغير شامل يستهدف الأصول والفروع ويأتي على جميع مجالات الحياة الاجتماعية والثقافية، كما يتبين أن منهج قطب في التغيير، قائم على الاعتدال والتوازن بعيداً عن التعصب الأعمى والانغلاق السلبي، على الرغم من إقراره بفساد الواقع الجاهلي واصطدامه مع دين الله .

(ب‌) المبادئ التي يقوم عليها التغيير:

هناك جملة من المبادئ، التي ارتأى قطب ضرورة مراعاتها في عملية التغيير المنشودة وهي تنسجم مع طبيعة المنهج الإسلامي، ويمكن تلخيص أبرزها فيما يلي :
(1) الاستبقاء على عناصر ثابتة :
فهناك سنن للحياة ثابتة، تتحرك الحياة في مجالها ولكنها لا تخرج عن إطارها والذين تشغلهم الظواهر المتغيرة عن تدبر الحقائق الثابتة، لا يفطنون لهذا القانون الإلهي الذي يجمع بين الثبات والتغير في صلب الحياة ومن ثم، فإن التطور المستمر لا يمنع أن تكون هناك قواعد ثابتة، فالثبات والتغير متلازمان في كل زاوية من زوايا الكون وفي كل جانب من جوانب الحياة (114) .
ومن الطبيعي في ضوء الإيمان بالقيم الثابتة المطلقة، أن يكون هناك عناصر ثابتة في الحياة لا تتغير، ذلك أن تغييرها يعني الانحراف عن منهاج الله وما من شك في أن المجتمع الإسلامي، في حاجة إلى التغير والثبات في آن واحد، فالتغير ضروري لمواكبة روح العصر المتجدد وتمكين الإنسان من التكيف معه وأما الثبات فهو الذي يحفظ على المجتمع تماسكه وهويته واستقراره .
(2) التغيير عملية إنسانية تربوية :
ينتقد قطب تلك السلبية الذليلة، التي تفرضها المذاهب المادية على الإنسان، فتجعل منه عنصراً سلبياً إزاء الحتميات الجبارة، حتمية الاقتصاد وحتمية التاريخ وحتمية التطور، إلى آخر الحتميات التي ليس للكائن الإنساني إزاءها حول ولا قوة (115) .
وقد أكّد القرآن الكريم، على إرادة الإنسان ودوره في عملية التغيير سواءً كان ذلك في الاتجاه الإيجابي أو السلبي، ويتضح ذلك من خلال قوله عز وجل : " ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" (الأنفال، آية:53) .
ويعقب قطب على الآية قائلاً :
" إن من عدل الله في معاملة العباد، أنه لا يسلبهم نعمة وهبهم إياها، إلا بعد أن يغيروا نواياهم ويبدلوا سلوكهم ويقلبوا أوضاعهم ويستحقوا أن يغير ما بهم مما أعطاهم إياه . للابتلاء والاختبار من النعمة التي لم يشكروها ومن الجانب الآخر، يكرم هذا المخلوق الإنساني، حين يجعل قدر الله به ينفذ ويجري عن طريق حركة هذا الإنسان وعمله ويجعل التغيير القدري في حياة الناس، مبنياً على التغيير الواقعي في قلوبهم ونواياهم وسلوكهم وعملهم وأوضاعهم التي يختارونها لأنفسهم ومن هذا الجانب، تتبين فاعلية الإنسان في مصير نفسه وفي مصير الأحداث من حوله" (116).
ويشير (حسنه) إلى أن
" اكتشاف دور الإنسان وفاعليته في منهج التغيير بدرجة كافية وحسم هذه القضية، أصبح من الضرورات الملحة للعقل المسلم، ذلك أن العقيدة الإسلامية، جعلت الإنسان مدار الحركة التغييرية ومحورها وأوكلت إليه مهمة التغيير والبناء وكلّفته بتحقيق الخلافة على هذه الأرض " (117) .
ولئن كان التغيير مسئولية الإنسان كفرد، إلا أنه كذلك سنة جماعية، وقد عبر عن ذلك قوله تعالى :
" إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ" (الرعد، آية : 110) .فعلى الرغم من أن تغيير ما بالأنفس أساس تغيير المجتمع، إلا أن الفردية وحدها ليس لها حظٌ في التغيير الشامل، الذي يقوم على العمل الجماعي، وليس على أساس المجهودات الفردية غير المنسّقة والتي –أحياناً – ما تكون متضاربة، ولا تؤدي إلى الغرض المطلوب (118).
ومن هنا جاءت دعوة قطب، إلى تضافر الجهود والقوى والإرادات المخلصة وتعاونها جميعاً، حتى يحدث التغيير المنشود، فالفرد ما لم يفجر طاقته والمجتمع ما لم يستغل جميع أبناءه المخلصين، فلن يستطيع أن يخرج من وضعه السيئ إلى وضع أكثر رقياً، ذلك أن المجتمع الجاهلي لا يتحرك كأفراد وإنما يتحرك ككائن عضوي ومن ثم لا يمكن مواجهة هذا الكيان، إلا في صورة تجمع ولاؤه بعضه لبعض وإلا وقعت الفتنة في الأرض وحل الفساد فيها وطغت الجاهلية على الإسلام وذلك أفسد الفساد (119) .
وحتى تؤتي عملية التغيير أكلها –بصورتها الفردية والجماعية– يؤكد قطب على ضرورة الانطلاق من التربية كعامل أساس في التغيير القائم على بصيرة ويضرب مثالاً لذلك، الفترة المكية التي كانت فترة تربية وإعداد لقومٍ في بيئة معينة وقد كان من أبرز أهدافها، تعويد الفرد العربي على الصبر على ما لا يصبر عليه عادةً، من الضيم يقع على شخصه أو على من يلوذون به وتربيته كذلك على ضبط انفعالاته
فلا يندفع لأول مؤثر ولا يهيج لأول مهيّج وتربيته كذلك على أن يتبع مجتمعاً منظماً له قيادة يرجع إليها في كل أمر من أمور حياته ولا يتصرف إلا وفق ما تأمره وقد كان هذا، هو حجر الأساس في إعداد شخصية العربي لإنشاء المجتمع المسلم (120) ولا يقف دور التربية في عملية التغيير، عند تهيأة الأفراد لقبوله والتعامل الواعي مع برنامجه وإنما يتعدى ذلك الدور التوجيهي إلى دور تصحيحي ونقدي، وقد أشار (الرشدان) إلى دور التربية الحيوي، في فترة التغيير والمتمثل في إعادة البناء والفحص المستمر للآراء والأفكار والمعتقدات والمؤسسات (121) .
(3) مرحلية التغيير وتدرجه :
يؤمن قطب بأن التغيير الناجح، يقوم على أساس مراعاة التدرج، فهو يبدأ بالفرد حين يغير ما بنفسه فيصبح داخله نظيفاً وقلبه صالحاً ويتبع ذلك تغيير الأسرة ثم المجتمع، حينما يغير الناس من مشاعرهم وأعمالهم وواقع حياتهم فيغير الله ما بهم (122) .
(4) المعصية من أسباب التغير للأسوأ :
يشير قطب إلى أن المعصية، لا يترتب عليها ذنب وعقاب في الآخرة فحسب وإنما يتعدى ذلك إلى كونها سبباً من أسباب هلاك الأمم وتغيير أحوال المجتمعات نحو الأسوأ وهذه سنة ماضية، تصير إليها الأمم حين تفشو فيها الذنوب، كذلك هي جانب من التفسير الإسلامي للتاريخ (123) .
وقد ساق القرآن الكريم مثلاً رائعاً، يبرز من خلاله مواطن القوة والضعف في المجتمعات ويقدم تفسيراً لتبدل حالها من النعيم إلى الشقاء " وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ" (النحل، آية : 112) .

(ج) وسائل التغيير الاجتماعي والثقافي:

عرض قطب لجملة من وسائل التغيير الشامل نحو الأفضل، جميعها يقوم على أساس الإرادة الإنسانية والفعل البشري كما يسير وفق الإرادة الإلهية وتتلخص هذه الوسائل فيما يلي :

(1) تصحيح العقيدة:
الإسلام – بطبيعته – لا يبدأ التغيير من المنطلقات المادية والدوافع الأولية والاحتياجات الآنية، فهي – مع أهميتها – تبقى تابعة للمنطلقات المعنوية، التي تشكل القوام الأساس لإنسانية الإنسان، لذلك يبدأ التغيير من ضبط المعتقدات، من خلال ربطها بخالقها وموجدها عز وجل، مما يحقق الارتقاء الروحي، الذي يقود القيم والسلوك في الاتجاه الصحيح (124) .
ويؤكد قطب على أن التغيير، يبدأ بتصحيح العقيدة واجتثاث التصور الاعتقادي الجاهلي من جذوره وبهذه الطريقة، يستمر الناس على التغير الإيجابي فلا يعودون إلى سابق وضعهم بعد أن عرفوا إلههم الحق، إذ بدون العقيدة لا ينجح مع الفطرة البشرية تهذيبٌ أو إصلاح (125) .
ويلحظ من خلال استقراء المرحلة المكية في الدعوة الإسلامية، أن الرسول صلى الله عليه وسلم، اهتم اهتماماً بالغاً، بغرس وترسيخ أصول العقيدة الإسلامية في نفوس المسلمين الأوائل وقد استغرق ذلك ثلاثة عشر عاماً حتى أتت هذه التربية ثمارها (126) .
(2) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
يؤكد قطب على أن التغيير لا يتحقق، ما لم تُوجد جماعة تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فمنهج الله في الأرض، ليس وعظاً وإرشاداً وبياناً فقط ولكنه تحقيق للمعروف ونفي للمنكر من حياة البشر وصيانة تقاليد الجماعة، من أن يعبث بها كل ذي هوى وهذا التكليف ليس بالهيّن ولا البسيط ولا تفلح الأمة حتى يسود الخير فيها ويكون المعروف معروفاً والمنكر منكراً (127) .
ويكتسب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قيمته التربوية، من خلال كونه متضمناً لأهم المعايير الإسلامية لتقويم السلوك الفردي والجماعي، كما أنه يهيئ الظروف الاجتماعية الصحية اللازمة لتربية الشخصية المسلمة (128) .
(3) الجهاد (القتال) :
لا يستبعد قطب استخدام وسيلة القتال، إلى جانب الجهاد باللسان لإحداث التغيير وتبديل الواقع السلبي ويتضح ذلك من خلال قوله : " كلا والله : إن هذا الدين لا يقوم، إلا بجهدٍ وجهاد ولا يصلح إلا بعمل وكفاح ولا بد لهذا الدين من أهلٍ، يبذلون جهدهم لرد الناس إليه ولإقامة شريعة الله في حياة الناس، لا بد من جهاد بالحسنى حين يكون الظالمون أفراداً ضالين يحتاجون إلى الإرشاد والإثارة وبالقوة حين تكون القوة الباغية في طريق الناس تصدهم عن الهدى وتعطل دين الله أن يوجد وتعوق شريعة الله أن تقوم " (129) .
وينسجم هذا المنهج الشامل في التغيير مع السنة النبوية، حيث جاء في الحديث الشريف " ما من نبيٍ بعثه الله في أمةٍ من قبلي، إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم أنها تخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردلٍ" (130) .
وإذا كان الجهاد بالقوة وسيلة من وسائل تغيير الواقع الفاسد في حياة الأمة، فإن في تركه إضعافاً للأمة وإذلالاً لها، حتى تصبح نهباً للأمم من حولها يمارس في حقها كل أشكال التداعي والتسلط السياسي والاقتصادي والثقافي وهذا ما أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم وحدث بالفعل لأمتنا الإسلامية المعاصرة " يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفقٍ كما تداعى الأكلة على قصعتها قال : قلنا يا رسول الله أمن قلةٍ بنا يومئذٍ قال : أنتم يومئذٍ كثير ولكن تكونون غثاءً كغثاء السيل، ينتزع المهابة من قلوب عدوكم ويجعل في قلوبكم الوهن قال : قلنا: وما الوهن قال : حب الحياة وكراهية الموت " (131) .

سابعاً : الأسرة المسلمة كوسيط تربوي

يأتي الاهتمام بالأسرة اليوم، مواكباً لما تقوم به من وظائف حيوية في حياة الأفراد والمجتمعات فهي

"المؤسسة الفريدة في تربيتها وتنشئتها للأجيال الطالعة ولا يمكن لمؤسسة أخرى أن تباشر مهامها في عملية التنشئة الاجتماعية بنفس المقدرة والكفاءة، فالأسرة تتوسط بين الفرد والمجتمع، فمن ناحية تنقل ثقافة المجتمع إلى الأفراد ومن ناحية أخرى، تزود أفرادها بالأدوار التي تمكنهم من التفاعل والتعامل مع المؤسسة الاجتماعية " (132) .

ويشير قطب إلى أن الطفل الإنساني في حاجة ماسة إلى رعاية الأسرة وملازمة الأبوين، أكثر من حاجة أي طفل لحيوان آخر وذلك لأن الطفل الإنساني هو أطول الأحياء طفولة من غيره، كما أن مرحلة الطفولة هي فترة إعداد وتهيئة وتدريب للدور المطلوب من كل حي باقي حياته، ولما كانت وظيفة الإنسان هي أكبر وظيفة ودوره في الأسرة أعظم دور، امتدت طفولته لتحسين إعداده وتدريبه للمستقبل (133).

وتكتسب الأسرة أهميتها التربوية، من خلال كونها المؤسسة الأولى في الحياة الإنسانية وهي تزاول تنشئة العنصر الإنساني وهو أكرم عناصر هذا الكون في التصور الإسلامي (134) .

ويؤكد قطب على أن الأسرة، لا يمكن أن يناظرها – كمحضن تربوي – أي جهاز وقد عبر عن ذلك بقوله

" فقد أثبتت التجارب العملية، أن أي جهاز غير جهاز الأسرة، لا يعوض عنها ولا يقوم مقامها، بل لا يخلو من أضرار مفسدة لتكوين الطفل وبخاصة نظام المحاضن الجماعية، التي أرادت بعض المذاهب المصطنعة المتعسّفة، أن تستعيض بها عن نظام الأسرة في ثورتها الجامحة الشاردة ضد النظام الفطري الصالح القويم الذي قبله الله للإنسان " (135) .

ويشير قطب إلى الآثار السلبية الناتجة عن إقصاء الطفل الصغير – في بدايات حياته – عن الأسرة فيقول:

" إن الطفل الذي يحرم من محضن الأسرة، ينشأ شاذاً غير طبيعي في كثير من جوانب حياته، مهما توافرت له وسائل الراحة والتربية في غير محيط الأسرة" (136).

ويشير قطب إلى أن الوالدين، يندفعان – بالفطرة – إلى رعاية الأولاد وهما يضحيان بكل شيء حتى بالذات، ليمتص الأولاد كل رحيق وكل عافية وكل جهدٍ واهتمام منهما وهما سعيدان بذلك (137) .فالوالدان يقومان برعاية الأولاد رعاية تلقائية، مندفعة بذاتها لا تحتاج إلى مثير ولذا تتكرر في القرآن الكريم وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، الوصية بالإحسان إلى الوالدين ولا ترد وصية الوالدين بالأولاد إلا نادراً وبمناسبة حالات معينة (138) .

وما من شكٍّ في أن الآباء، فطروا على حب الأبناء وهم يدعون ربهم أن يرزقهم الذرية وقد عبر عن ذلك قوله تعالى – على لسان زكريا عليه السلام : " هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء " (آل عمران، آية : 38) .

ويؤكد قطب على المفهوم الشامل للرعاية الأسرية، فهي لا تقتصر على الجانب البيولوجي الجسدي فحسب، بل تتعداه إلى جوانب أخرى حيوية ومطلوبة وقد لخص أبرز الوظائف التربوية للأسرة، في تنمية النشء جسدياً وروحياً وعاطفياً، كما أنها مطالبة بتزويد النشء، برصيد من المعرفة الإنسانية والتجارب التي تؤهله في حياة المجتمع الإنساني والمشاركة في حمل تبعته (139) .

وحتى تقوم الأسرة المسلمة بوظائفها التربوية تجاه الأبناء، لا بد من توافر بعض المقومات في الأبوين، وعلى رأسها الالتزام بالإسلام ولذا يوصي قطب الرجل المسلم، بأن يبحث عن الفتاة الصالحة الأمينة إذا أراد أن يبني بيتاً مسلماً (140) .

وما من شك في أن التزام الزوجين بالدين " يشكل قاعدة للتفاهم بينهما ويوحد ميولهما واتجاهاتهما وأهدافهما ورغباتهما وسيجدان فيه - دائماً – المرجع الذي يحتكمان إليه ويطمئنان لحلوله السليمة " (141) وهكذا يكون الأبوان أقدر على أداء دورهما تجاه تربية النشء في ظل الاستقامة على منهاج الله والتدين الإيجابي، فلا تنازع في هذا الدور ولا تناقض ينعكس سلباً على تربية الأبناء .

وينصح قطب المرأة المسلمة، بأن لا تفني جهدها في العمل خارج البيت، على حساب رعاية الأبناء، مما يعني التضحية بالصحة النفسية للطفل، الذي هو أغلى ذخيرة على وجه الأرض (142) .ويرى قطب أن الأم المكدودة بالعمل والكسب، لا يمكن أن تمنح الطفولة الناشئة حقها ورعايتها ويذكر بأن الإسلام، أوجب على الرجل النفقة وجعلها فريضة عليه، كي يتاح للأمم من الجهد والوقت وهدوء البال، ما تشرف به على النشء (143) .

ويرى الباحث أن لا غضاضة في عمل المرأة خارج البيت لا سيما في ظل وطأة الظروف الاقتصادية الصعبة، طالما كان هذا العمل نافعاً ونظيفاً يمكنها من الحفاظ على كرامتها وعفتها وتوازن بين واجباتها في البيت وعملها خارجه ومن خلال التجارب الواقعية، يتضح أن هناك الكثير من النساء المسلمات العاملات، لم يمنعهن العمل من الوفاء بالتزاماتهن تجاه البيت وتنشئة الأبناء، طالما توفر لديهن الوعي بدورهن وانطلقن في أدائه من الوازع الديني واستشعار المسئولية أمام الله عز وجل .

ويشير قطب إلى أن " الأصل في التقاء الزوجين، هو السكن والاطمئنان والاستقرار ليظل السكون والأمن جو المحضن الذي تنمو فيه الفراخ الزغب وينتج فيه المحصول البشري الثمين ويؤهل فيه الجيل الناشئ لحمل تراث التمدن البشري والإضافة إليه " (144) . ويحذر قطب من مخاطر انتفاء الاستقرار في البيت المسلم وتصدعه وانهياره مما يؤدي إلى تشريد الأبناء وتعريضهم إلى الأمراض النفسية والعصبية (145) .

ويرى قطب أن مراعاة مبدأ القوامة للرجل، من الوسائل التي تكفل رصانة البناء الأسري وتُمكن الزوجين من أداء دورهما في تربية الأبناء وأما الأطفال الذين يعيشون في مؤسسة عائلية، القوامة فيها ليست للأب، قلما ينشأون أسوياء كما أنهم أكثر عرضة للانحراف الخلقي والشذوذ في تكوينهم النفسي والعصبي وسلوكهم العملي (146) .

ويبين قطب أن القوامة بالنسبة للرجل، لا تعني إلغاء شخصية المرأة في البيت ولا في المجتمع الإنساني، فهي بالنسبة للرجل ذات مضمون أخلاقي ووظيفة داخل كيان الأسرة لإدارة هذه المؤسسة وصيانتها (147) . ومن الجدير ذكره في هذا المقام أن " دور القوامة لا يتحقق والأمر المطلوب في سلوك الأهل، لا يبرز إلا إذا كان الرجل ذا شخصية قوية جذابة محببة وخلق نبيل وتسامح وإغضاء عن الهفوات الصغيرة ووقوف حازم عند حدود الله " (148) .

ثامناً : تربية الجماعة المسلمة

اعتاد الباحثون في مجال التربية بشكل عام الحديث عن تربية الفرد في إطار الجماعة ولكن قطب في ظلاله، تطرق في مواضع عديدة لتربية الجماعة المسلمة وإعدادها لمهامها ووظائفها وله تصور خاص حول هذه القضية يمكن توضيحه من خلال الجوانب التالية :

مبررات الحاجة للجماعة المسلمة وأهميتها

يؤكد قطب على أن طبيعة الإسلام، هي التي تقتضي قيام الجماعة المسلمة، التي يهيمن عليها الإسلام ويتحقق بها وجوده الواقعي، فهو مبني على أساس أن تكون هناك جماعة الإسلام، عقيدتها وشريعتها ونظام حياتها الإسلام وهي بذلك تعد المحضن الذي يحمي التصور الإسلامي ويحتضن فكرة الإسلام وأخلاقه وآدابه في صورة واقعية (149) .

إن قيام هذه الجماعة، ضرورة من ضرورات المنهج الإلهي، فهي الوسط الذي يتنفس فيه هذا المنهج وهي تشكل البيئة التي ينمو فيها الخير والحق بلا كبير جهدٍ ولا ينمو فيها الشر والباطل، إلا بعد عسرٍ ومشقة (150) .

وهكذا يبدو أن هناك مبررات شرعية وتربوية لوجود الجماعة المسلمة كوسيط فاعل من أجل تحقيق أهداف الإسلام وبناء الفرد والمجتمع على أسس إسلامية، وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن جماعة الإخوان المسلمين – التي ينتمي إليها قطب – من أكثر الجماعات الإسلامية المعاصرة التي اعتمدت في سيرها منهاجاً تربوياً ذا معالم واضحة لتربية أفرادها انطلاقاً من اعتقادها بأن الإنسان لا بد له من مربي والعضو الذي يريد السير في الجماعة لا بد أن يربيه واحداً منها، قد تخرج من قبله، إذ بدون تربية ومربي لا تصلح الأمور (151) .

خصائص تربية الجماعة

يعرض قطب لجملة من الخصائص، التي يرى ضرورة توافرها في المنهاج الذي تتربى عليه الجماعة المسلمة وتنسجم هذه الخصائص مع طبيعة المنهاج التربوي الإسلامي من جانب، ومن جانب آخر تتناسب مع الأدوار المناطة بهذه الجماعة .فالمنهاج الذي تتربى عليه الجماعة المسلمة، شامل يهتم ببناء التصور الإيماني المتميز عن التصورات المنحرفة في المجتمع (152) .

وقد استهدفت التربية الربانية للجماعة المسلمة، الجانب الاجتماعي من خلال اجتثاث تقاليد المجتمع الجاهلية وترسيخ الآداب الاجتماعية لدى أفرادها وكذلك تربية مشاعرهم وعواطفهم وأخلاقهم (153) . وتربية الجماعة المسلمة – كما يؤكد قطب – يجب ألا تكون منعزلة عن واقع المجتمع ومعترك الأحداث، باستثناء العزلة الشعورية بالتصور الإيماني (154) .

وحينما تكون تربية الجماعة، متصلة بواقع المجتمع ومتفاعلة مع أحداثه، فإن ذلك يترتب عليه أن تكون تربيتها متجددة متطورة تستجيب لمتطلبات التغير الحادث في بنية المجتمع الاجتماعية والثقافية ومن ثم تصبح أكثر تأثيراً وحيوية وقدرة على أداء وظائفها المنشودة .

ولكون الطبيعة البشرية، في حاجة دوماً إلى علاج ما يطرأ عليها من الضعف والحرص والشح والتقصير والغضب - مهما بلغ مجموعها من التفوق في الإيمان والتربية - كانت حاجة الجماعة المسلمة إلى تربية دائمة (155) .

أهداف تربية الجماعة المسلمة

يحدد قطب هدفين أساسيين لتربية الجماعة المسلمة، هدف قريب يتمثل في إعدادها لأداء دورها التربوي المتمثل في بناء الفرد المسلم، الذي لا يُبنى بعيداً عن الجماعة (156) وهذا ما ينسجم مع طبيعة التربية الإسلامية، فهي عملية اجتماعية لا تنبت من فراغ، لكون الفرد المسلم يعيش في إطار اجتماعي معين، يؤثر فيه ويتأثر به وترتبط مطالبة وحاجاته بديناميات هذا النظام (157) .ويندرج تحت هذا الدور، بناء البيت المسلم وحمايته لكونه المحضن الذي تتم فيه الوقاية من النار وهو عبارة عن قلعة يعيش فيها الرجل المسلم والمرأة المسلمة ومن ثم لا ينبغي أن يُترك ليُهاجَم من قبل العناصر المفسدة والجائرة (158) .

ومن الطبيعي أن المحافظة على البيت المسلم نقياً ملتزماً، يعد عاملاً قوياً من عوامل نجاح دوره في تربية النشء وحينما تكون الجماعة المسلمة مطالبة برعايته، فإن ذلك يعكس درجة عالية من التعاون والتساند والتكامل بين محاضن التربية المسئولة عن إعداد الجيل المسلم.وأما الهدف البعيد المرجو من وراء تربية الجماعة المسلمة –كما ذهب قطب – فهو إعدادها لقيادة البشرية بكل ضعفها ونقصها وشهواتها ونزواتها وانحرافها – قيادة راشدة فاعلة (159) .

ويفصح قطب عن هذا الهدف أكثر من خلال قوله : لقد جاء هذا القرآن ليربي أمة ويقيم لها نظاماً تحمله إلى مشارق الأرض ومغاربها وتعلم به البشرية وفق المنهاج الكامل (160) ولكي تستطيع الجماعة المسلمة، أن تقود البشرية كافة، كان لا بد من تميزها وتفوقها التربوي والذي لا يتحقق إلا من خلال تربية أصيلة مستمدة من كتاب الله الكريم، فهو مصدر المعرفة والتربية والتوجيه للجماعة المسلمة، كذلك من الضروري توافر المربي القدوة الهين اللين المتواضع الذي يكون له منزلة في نفوس من يربيهم (161) .

وهكذا يبدو أن سيد قطب يطرح مفهومـاً جديداً – يمكن أن يُطلق عليه، التربية العالمية في مقابل مفهوم عولمة التربية الذي يطرح اليوم بقوة وكأنه يريد أن يقول لنا : إن النمط التربوي الإسلامي، هو النمط الذي يستحق التعميم لكونه لا يصطدم مع الفطرة الإنسانية كما أنه يحمل بين طياته كل أسباب الهداية والسعادة والتحضر والرقي للفرد والمجتمع والناس جميعاً كما يفهم من خلال قوله عز وجل : " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ " (الأنبياء، آية : 107) .وجاء في محكم التنزيل : " أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ " (يونس، آية : 35) .

النتائج

توصلت الدراسة إلى جملة من النتائج، يمكن تلخيص أبرزها فيما يلي :

  1. أبرزت الدراسة الإعجاز التربوي في المنهج الإسلامي والذي تجسد من خلال توافقه مع الفطرة الإنسانية وتقديره لحاجاتها ودوافعها وحرصه على توجيهها نحو الخير وتركيزه على الأساليب العملية في التربية من خلال دعوة الإنسان إلى التأمل في الآيات الكونية وحثه على الملاحظة والممارسة والتجريب ودعوته إلى الانفتاح على خبرات الآخرين النافعة مما يعني تقديم خبرات تربوية مباشرة وغير مباشرة تثري المعرفة الإنسانية .
  2. لم يختلف قطب في نظرته للطبيعة الإنسانية من حيث جنوحها إلى الخير أو الشر عن نظرة العلماء المسلمين فهو يرى أن لها استعداداً مزدوجاً لهما، وقد قدم تفسيراً خاصاً لفساد الفطرة الإنسانية، لم يتطرق إليه علماء التربية المسلمون، حيث اعتبر خروج الطبيعة الإنسانية عن ناموس الكون وانغماسها في الترف والتأثر بعوامل الجاهلية من أكثر العوامل المسببة في إفسادها وانحرافها .
  3. لقطب تصنيف خاص للقيم حسب مصدرها، حيث ذهب إلى أن القيم نوعان قيم السماء وقيم الأرض وقد جعل القيم الإيمانية على رأس السلم القيمي وهذا ما ذهبت إليه معظم الدراسات الإسلامية المعاصرة التي عالجت موضوع القيم .
  4. قدم قطب مفهوماً جديداً للتغير الشامل الذي يتجاوز حد المجتمع إلى العالم بأسره، من خلال استبدال النظام الجاهلي بالنظام الإسلامي وفق عملية مدروسة ومتدرجة.
  5. التغير الاجتماعي والثقافي، ليس ظاهرة حتمية، بل هو عملية يشكل الإنسان فيها عنصراً أساساً كعامل من عوامل التغيير كما أن التربية هي أداة فاعلة في إحداثه وهذا ما ينسجم مع النظريات الحديثة التي تطرقت إلى عوامل التغيير وزيادة على ذلك لم يغفل قطب الجانب الديني في تفسير عوامل التغيير حيث أكد على أنه لا يحدث بعيداً عن مشيئة الله وإرادته كما لم يستبعد استخدام القوة (القتال) كنوع من أنواع الجهاد المشروع وفقاً لما جاء في الكتاب والسنة .
  6. أولى قطب اهتماماً بالغاً بالأسرة المسلمة كعنصر حيوي في المجتمع وأكّد على دورها التربوي الشامل والمتكامل الذي لا يمكن أن يستعاض عنه من خلال أي مؤسسة أخرى وقد حذر من إرهاق المرأة بالعمل خارج البيت، على حساب واجباتها تجاه تنشئة الأبناء واعتبر ذلك خسارة كبيرة وفادحة .
  7. وجود الجماعة المسلمة يعد ضرورة شرعية، تتمثل في إقامة شرع الله في الأرض وقيادة البشرية، كما يشكل ضرورة تربوية تتجسد في كون هذه الجماعة، هي المسئولة عن تربية الفرد المسلم ورعاية الأسرة المسلمة ومن أجل ذلك كان لا بد من أن تتربى تربية أصيلة مستمدة من كتاب الله عز وجل.

أقوالٌ حكيمة

مما لا شك فيه أن كتابات سيد قطب، تقع في زمرة تلك الآثار المبدعة الموحية، التي نعثر خلالها على تعابير وكلمات رائعة يهتز لها الوجدان وتطرب لها الآذان لما تتضمن من حقائق ومعاني أصيلة خالدة يمكن أن تشكلَ نبراساً يهتدي به الناس ويعتبرون

وإليك أيها القارئ مقتطفات من أقوال الشهيد الملهم:

  • " إنه إله واحد يتجه إليه المسلم وجهة واحدة يستقر عليها قلبه، فلا تتفرق به السبل، ولا تتعدد به القبل…" (الظلال، ج1، ص 207).
  • " الإسلام ليس كلمة باللسان، إنما هو نظام حياة ومنهج عمل، وإنكار جزء منه كإنكار الكل" (الظلال، ج1، ص 328) .
  • " والبشرية إما أن تعيش – كما يريدها الإسلام – أناسي تتجمع على زاد الروح وسمة القلب وعلامة الشعور .. وإما أن تعيش قطعاناً خلف سياج الحدود الأرضية، أو حدود الجنس واللون .. وكلها حدود مما يقام للماشية في المراعي كي لا يختلط قطيعٌ بقطيع" (الظلال، ج1، ص 413) .
  • " الكون كتاب الله المنظور . والقرآن كتاب الله المقروء " (الظلال، ج1، ص 349) .
  • "ولا بد من بصر ينظر وبصيرة تتدبر، لتبرز العبرة وتعيها القلوب، وإلا فالعبرة تمر في كل لحظة في الليل والنهار " (الظلال، ج1، ص 372) .
  • " هذا هو الطريق:إيمان وجهاد.. محنة وابتلاء.. وصبر وثبات.. وتوجه إلى الله وحده .. ثم يجئ النصر . ثم يجئ النعيم .. " (الظلال، ج1، ص 219) .
  • " الشدائد تستجيش مكنون القوى ومذخور الطاقة " (الظلال، ج1، ص 145) .
  • " الإسلام يتعامل مع النفس البشرية بجملة ما فيها من مزاج فريد مؤلف من القبضة من الطين والنفخة من روح الله . وبجملة ما فيها من استعدادات وطاقات . وبواقعيتها المثالية، أو مثاليتها الواقعية، التي تضع قدميها على الأرض، وترف بروحها إلى السماء، دون تناقض ودون انفصام " (الظلال، ج2، ص 770) .
  • "لا عبرة بكلمات تقال فتكذبها الأفعال" (الظلال، ج1، ص 732).
  • " الأمم تربى بالأحداث " (الظلال، ج1، ص 461) .
  • " إن المسلم قبل أن ينطلق للجهاد في المعركة يكون قد خاض معركة الجهاد الأكبر في نفسه مع الشيطان .. مع هواه وشهواته.. مع مطامعه ورغباته" (معالم في الطريق، ص ص 75، 76).
  • " إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة، ليرفض أن يكتب حرفاً يقرّ به حكم طاغية .. فإن كنت مسجوناً بحق فأنا أرضى حكم الحق وإن كنت مسجوناً بباطل فأنا أكبر من أن أسترحم الباطل " (العظم، رائد الفكر، ص 46).

هوامش الدراسة

  1. الكيلاني، ماجد عرسان : تطور مفهوم النظرية التربوية، دار ابن كثير، دمشق، 1985، ص 265-268 .
  2. النباهين، علي: أصول التربية الإسلامية، جامعة الأزهر، غزة، 1995، ص 8-12.
  3. علي، سعيد إسماعيل : رؤية إسلامية لقضايا تربوية، دار الفكر، القاهرة، 1993، ص253.
  4. العمايرة، محمد حسن: الفكر التربوي الإسلامي، دار المسيرة، عمان، 2000، ص 142.
  5. خياط، محمد : " التحدي الإعلامي في مجال التربية "، دراسات تربوية واجتماعية، كلية التربية، جامعة حلوان، العدد الأول، 1996، ص 57.
  6. زيغور، شفيق: الفكر التربوي عند العلموي، دار إقرأ، بيروت، 1986، ص8.
  7. أبو العينين، علي خليل: أصول الفكر التربوي الحديث، دار الفكر العربي، القاهرة، 1986، ص334.
  8. العلواني، طه : الأزمة الفكرية المعاصرة، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، فرجينيا، 1992، ص 27 .
  9. مصطفى، شريف : " الفكر التربوي الإسلامي "، مجلة المعلم الطالب، دائرة التربية والتعليم، الأونروا، عمان، 1990، ص 239 .
  10. الخالدي، صلاح عبد الفتاح : سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد، دار القلم، دمشق، 1999، ص 15-55 .
  11. المرجع السابق، ص 124-329 .
  12. قطب، سيد: طفل من القرية، الدار السعودية للنشر، جدة، ب.ت، ص ص 52، 53.
  13. الخالدي، (مرجع سابق)، ص 36-137 .
  14. كشميري، (مرجع سابق)، ص 57 .
  15. الخالدي، (مرجع سابق)، ص 330 .
  16. قطب، (مرجع سابق) ، ص 129 .
  17. الخالدي، صلاح عبد الفتاح: سيد قطب الشهيد الحي، مكتبة الأقصى، عمان، 1969، ص17.
  18. قطب، (مرجع سابق)، ص 41 .
  19. الخالدي، سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد، (مرجع سابق)، ص 15.
  20. قطب، سيد: نقد كتاب مستقبل الثقافة في مصر، ط2، الدار السعودية، جدة، 1969، ص 63.
  21. الخالدي، سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد، (مرجع سابق)، ص 15.
  22. مسلم، عدنان أيوب، " المراحل التكوينية في حياة سيد قطب " ، ملخص رسالة دكتوراه، جامعة متشغان، الولايات المتحدة، عرض وتعليق (حسن حسين صافي)، مجلة هدى الإسلام، القدس، العدد (3)، 1985، ص 63 .
  23. الخالدي، سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد، (مرجع سابق)، ص ص 281، 282.
  24. المرجع السابق، ص 17 .
  25. كشميري، (مرجع سابق)، ص 181 .
  26. العظم، يوسف: سيد قطب رائد الفكر الإسلامي، حياته ومدرسته وآثاره، دار القلم، دمشق، 1980، ص 329-332 .
  27. الخالدي، سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد، (مرجع سابق)، ص 575.
  28. المرجع السابق، ص ص 16، 17 .
  29. كشميري، (مرجع سابق) ، ص 184 .
  30. قطب، سيد : في ظلال القرآن، ج3، دار الشروق، بيروت، 1980، ص 1422 .
  31. الخالدي، صلاح عبد الفتاح: مدخل إلى ظلال القرآن، دار المنارة، جدة، 1986، ص82.
  32. المرجع السابق، ص 100-108 .
  33. قطب، في ظلال القرآن، (مرجع سابق)، ج3، ص 1468 .
  34. المرجع السابق، ج6، ص 3966 .
  35. المالكي، محمد علوي : " أصول التربية الإسلامية " ، مجلة منار الإسلام، العدد (2)، 1995، ص 114 .
  36. قطب، في ظلال القرآن، (مرجع سابق)، ج6، ص 3946 .
  37. النحلاوي، عبد الرحمن: التربية بالآيات، دار الفكر المعاصر، بيروت، 1989، ص ص 37، 38.
  38. المرجع السابق، ص 71-88 .
  39. قطب، في ظلال القرآن، (مرجع سابق) ، ج4، ص 1766 .
  40. المرجع السابق، ص 1307 .
  41. نجاتي، محمد عثمان: القرآن وعلم النفس، ط4، دار الشروق، القاهرة، 1989، ص85.
  42. قطب، في ظلال القرآن، (مرجع سابق) ، ج4، ص 2489 .
  43. قطب، محمد: الإنسان بين المادية والإسلام، دار الشروق، بيروت، 1983، ص 91.
  44. نجاتي، محمد عثمان: الحديث النبوي وعلم النفس، ط4، دار الشروق، القاهرة، 2000، ص 284.
  45. قطب، في ظلال القرآن، (مرجع سابق) ، ج4، ص 1478 .
  46. المرجع السابق، ج5، ص 2832 .
  47. محمود، إبراهيم وجيه: التعلم، أسسه ونظرياته وتطبيقاته، دار المعرفة الجامعية، 1990، ص 80.
  48. شلهوب، فؤاد، المعلم الأول صلى الله عليه وسلم قدوة لكل معلم ومعلمة، دار القاسم للنشر والتوزيع، الرياض، 1996، ص ص 89، 90 .
  49. بن حنبل، أحمد: مسند الإمام أحمد بن حنبل، ج18، المكتب الإسلامي، بيروت، ص 9.
  50. الغزولي، عبد العزيز بين هاشم : ابن الجوزي، الإمام المربي والواعظ البليغ والعالم المُتفنّن، دار القلم، دمشق، 2000، ص 115 .
  51. قطب، في ظلال القرآن، (مرجع سابق) ، ج1، ص ص 129، 130 .
  52. قطب، سيد، "الكتب المدرسية تبتعد عن الحياة" ، مجلة التربية المعاصرة، رابطة التربية الحديثة، القاهرة، العدد 32، 1994، ص ص 5، 6، نقلاً عن مجلة الشئون الاجتماعية، عدد 8، 1940.
  53. ابن ماجة، الحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني : سنن ابن ماجة، تحقيق (محمد عبد الباقي)، ج2، دار الفكر، ب.ت، ص 1395 .
  54. قطب، في ظلال القرآن، (مرجع سابق) ، ج1، ص 218 .
  55. المرجع السابق، ج3، ص 1422 .
  56. المرجع السابق، ج1، ص 229 .
  57. المرجع السابق، ص 129، ص 229 .
  58. المرجع السابق، ص 422 .
  59. قطب، سيد : مقومات التصور الإسلامي، دار الشروق، القاهرة، 1986، ص 102.
  60. قطب، في ظلال القرآن، (مرجع سابق) ، ج4، ص ص 2143، 2144.
  61. ناصر، إبراهيم : مقدمة في التربية، دار عمّار، عمّان، 1990، ص ص 62، 63.
  62. قطب، في ظلال القرآن (مرجع سابق) ، ج3، ص 1304 .
  63. مسلم، الإمام أبي الحسن : صحيح مسلم تحقيق (محمد عبد الباقي) ، ج4، دار إحياء الكتب العربية، 1955، ص 2197.
  64. قطب، في ظلال القرآن، (مرجع سابق) ، ج4، ص 2139 .
  65. المرجع السابق، ج1، ص ص 476، 477 .
  66. المرجع السابق، ج6، ص 4917 .
  67. الغزالي، محمد : خلق المسلم، دار القلم، دمشق، 1980، ص 23 .
  68. صالح، عبد الرحمن وآخرون : مدخل إلى التربية الإسلامية وطرق تدريسها، دار الفرقان، الأردن، 1991، ص 36 .
  69. قطب، في ظلال القرآن، (مرجع سابق) ، ج6، ص 3918 .
  70. المرجع السابق، ج1، ص 422 .
  71. المرجع السابق، ج4، ص 2381 .
  72. المرجع السابق، ج3، ص 1283 .
  73. المرجع السابق، ج6، ص 3958 .
  74. مسلم، (مرجع سابق) ، ج1، ص 65 .
  75. الكيلاني، ماجد عرسان: فلسفة التربية الإسلامية، مكتبة هادي، مكة المكرمة، 1988، ص 300.
  76. عرب، محمد : الشخصية اليهودية، اتحاد الكتاب العربي، دمشق، 1983، ص 7.
  77. خليفة، عبد اللطيف محمد، ارتقاء نسق القيم، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، العدد 160، 1992، ص 16 .
  78. عبد الغفار، أحلام رجب : "التطور القيمي لطلاب كلية التربية النوعية" ، التربية المعاصرة، القاهرة، عدد 30، 1994، ص 179 .
  79. أبو العينين، علي خليل : القيم الإسلامية والتربية، مكتبة إبراهيم حلبي، المدينة المنورة، 1988، ص 34 .
  80. قطب، في ظلال القرآن، (مرجع سابق) ، ج6، ص 3823 .
  81. المرجع السابق، ج5، ص 3186 .
  82. المرجع السابق، ج4، ص 1903-1905 .
  83. المرجع السابق، ج3، ص 2258 .
  84. المرجع السابق، الصفحة نفسها .
  85. قطب، سيد: العدالة الإجتماعية في الإسلام، ط12، دار الشروق، القاهرة، 1989، ص 38.
  86. قطب، في ظلال القرآن، (مرجع سابق) ، ج5، ص 2674 .
  87. المرجع السابق، ج4، ص 2267 .
  88. المرجع السابق، ج1، ص ص 60، 61، ج3، ص 1258 .
  89. المرجع السابق، ج1، ص 61 .
  90. الهاشمي، عبد الحميد، عبد السلام، فاروق : "البناء القيمي للشخصية كما ورد في القرآن الكريم" ندوة خبراء أسس التربية، مكة المكرمة، 1980، ص 16 من البحث .
  91. أبو العينين، القيم الإسلامية والتربية، (مرجع سابق) ، ص 209 .
  92. رمزي، عبد القار هاشم: الدراسات الإنسانية في ميزان الرؤية الإسلامية – دراسة مقارنة، دار الثقافة، الدوحة، 1984، ص ص 39، 40 .
  93. قطب، في ظلال القرآن، (مرجع سابق) ، ج3، ص 3823 .
  94. المرجع السابق، ج4، ص 2272 .
  95. المرجع السابق، ج6، ص 3344 .
  96. مسلم، (مرجع سابق) ، ج4، ص 1987 .
  97. قطب، في ظلال القرآن، (مرجع سابق) ج1، ص 477 .
  98. المرج السابق، ج3، ص 1258 .
  99. المرجع السابق، ج5، ص ص 3161، 3162 .
  100. خياط، محمد جميل بن علي : المبادئ والقيم في التربية الإسلامية، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، 1996، ص 35 .
  101. حسنه، عمر عبد: رؤية في منهجية التغيير، المكتب الإسلامي، بيروت،1994، ص27.
  102. قطب، في ظلال القرآن، (مرجع سابق) ، ج4، ص 2296.
  103. قطب، سيد : في التاريخ فكرة ومنهاج، دار الشروق، بيروت، 1974، ص 16 .
  104. الأسمر، أحمد رجب : فلسفة التربية الإسلامية – انتماء وارتقاء، دار الفرقان للنشر والتوزيع، عمان، 1997، ص 311.
  105. بدران، شبل، محفوظ، فاروق، أسس التربية، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1977، ص 106 .
  106. قطب، في ظلال القرآن، (مرجع سابق) ، ج1، ص ص 510، 511.
  107. المرجع السابق، ص 845 .
  108. المرجع السابق، ص 557 .
  109. البخاري، عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري، دار الفكر، ج2، ب.ت، ص ص 287، 288 .
  110. قطب، سيد : معالم في الطريق، دار الشروق، بيروت، ب.ت، ص 99.
  111. قطب، في ظلال القرآن، (مرجع سابق) ، ج3، ص 1255.
  112. المرجع السابق، ج4، ص 2011 .
  113. قطب، معالم في الطريق، (مرجع سابق)، ص 161 .
  114. قطب، في ظلال القرآن، (مرجع سابق) ج5، ص 3188-3189.
  115. المرجع السابق، ج3، ص 1536 .
  116. المرجع السابق، ص ص 1535، 1536 .
  117. حسنة، (مرجع سابق)، ص 17 .
  118. مطر، سيف الإسلام علي: "دور التربية الإسلامية في التغير الاجتماعي" ، المؤتمر الخامس للتربية، القاهرة، 8-13 مارس، 1987، ص 482 .
  119. قطب، في ظلال القرآن، (مرجع سابق) ، ج3، ص 1559.
  120. المرجع السابق، ج2، ص 714 .
  121. الرشدان، عبد الله : علم الاجتماع التربوي، دار عمار للنشر والتوزيع، عمان، 1984، ص257 .
  122. قطب، في ظلال القرآن، (مرجع سابق)، ج4، ص 2049، ج6، ص 3619 .
  123. المرجع السابق، ج2، ص 1038 .
  124. الأسمر، (مرجع سابق) ، ص 315 .
  125. قطب، في ظلال القرآن، (مرجع سابق) ، ج2، ص 973 .
  126. الحمد، أحمد بن ناصر بن محمد : العقيدة نبع التربية، مكتبة التراث، مكة المكرمة، 1988، ص 43 .
  127. قطب، في ظلال القرآن، (مرجع سابق) ، ج1، ص ص 447، 448.
  128. علي، سعيد إسماعيل: أصول التربية الإسلامية، دار الفكر العربي، القاهرة، 1993، ص 179.
  129. قطب، في ظلال القرآن، (مرجع سابق)، ج6، ص ص 992، 993.
  130. مسلم، (مرجع سابق)، ج1، ص 70 .
  131. بن حنبل، (مرجع سابق) ، ج5، ص 278 .
  132. الشخيبي، علي السيد وآخرون : الأصول الاجتماعية للتربية، كلية التربية، جامعة عين شمس، 1998، ص 75 .
  133. قطب، في ظلال القرآن، (مرجع سابق)، ج1، ص 235 .
  134. المرجع السابق، ج2، ص 650 .
  135. المرجع السابق، ج1، ص 235 .
  136. المرجع السابق، ج2، ص 650 .
  137. المرجع السابق، ج4، ص 2221 .
  138. المرجع السابق، ج6، ص 3261 .
  139. المرجع السابق، ج1، ص 235، ج2، ص 620 .
  140. المرجع السابق، ج6، ص 3619 .
  141. التميمي، عز الدين الخطيب: فقه الأسرة في الإسلام، المركز الثقافي الإسلامي، عمان، 1985، ص 37 .
  142. قطب، في ظلال القرآن، (مرجع سابق) ، ج1، ص 2361.
  143. قطب، سيد :السلام العالمي والإسلام، دار الشروق، القاهرة، ب.ت، ص 67 .
  144. قطب، في ظلال القرآن، (مرجع سابق) ج3، ص 1412 .
  145. المرجع السابق، ج2، ص 653 .
  146. المرجع السابق، ص ص 651، 652 .
  147. المرجع السابق، ص 653 .
  148. مسلمي، مصطفى : تربية الأسرة المسلمة في ضوء سورة التحريم، دار المنارة، مكة المكرمة، 1991، ص 66 .
  149. قطب، في ظلال القرآن، (مرجع سابق) ، ج6، ص 2620.
  150. المرجع السابق، ج1، ص ص 444، 445 .
  151. حوى، سعيد : المدخل إلى الدعوة الإسلامية، ط2، جمعية عمال المطابع التعاونية، عمان، 1979، ص 104 .
  152. قطب، في ظلال القرآن، (مرجع سابق) ، ج6، ص 3536.
  153. المرجع السابق، ج1، ص 39، ج2، ص 663، ج6، ص 2534 .
  154. المرجع السابق، ج6، ص 3536 .
  155. المرجع السابق، ج2، ص 741، ج6، ص 3554 .
  156. المرجع السابق، ج6، ص 3552 .
  157. بركات، لطفي: الطبيعة البشرية في القرآن الكريم، دار المريخ، الرياض، 1969، ص 23.
  158. قطب، في ظلال القرآن، (مرجع سابق) ، ج6، ص 3620.
  159. المرجع السابق، ج1، ص 484 .
  160. المرجع السابق، ج4، ص 2253 .
  161. المرجع السابق، ج2، ص 758، ج3، ص 1423، ج4، ص 2535.

للمزيد عن الأستاذ سيد قطب

كتب ودراسات في سيرتة

مؤلفاتة

مقالات متعلقة

متعلقات أخري

وصلات خارجية

مقالات متعلقة

.

تابع وصلات خارجية

مقالات متعلقة

متعلقات

شهادات

بعض أقوال أهل العلم فى الشهيد سيد قطب

.

وصلات فيديو

.