مصر وحماس والتباسات العلاقة بينهما

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

أدى موقف حركة حماس الأخير بطرحها للعديد من الملاحظات بشأن محتوى الورقة المصرية للمصالحة التي كانت القاهرة قد قدمتها لحركتي فتح وحماس، وتأجيل حماس التوقيع عليها، لنشوء حالة جديدة من الفتور الساخن في العلاقات المصرية الحمساوية، وهي حالة ليست عابرة في مسار العلاقات بين كل من مصر وحماس. بل تلخص علاقة و"شراكة مفروضة" ذات خصوصية مرتبطة بخصوصية الحال الفلسطينية وفرادة الدور المصري بالنسبة لقطاع غزة من زاوية الجغرافيا السياسية ومن زاوية الدور المصري الإقليمي بشكل عام. فكيف نفهم الرؤية المصرية وفلسفة العلاقة مع حركة حماس؟


مصر وتطمينات حماس

في محطات العلاقة بين مصر وحماس يدرك كل مراقب للعلاقة بينهما بأنها فاترة في غالب الأحوال، وتزداد فتوراً أحياناً كثيرة، وتقل فتوراً في أحايين، ولكنها تبقى فاترة بكل الحالات، ويرافقها دوماً تبادل للشك والريبة وفقدان للثقة المتبادلة، بينما بدا التأرجح المتواصل فيها متصلاً دائماً ولو بخيط رفيع في أسوأ اللحظات، حيث تدرك مصر بأن أمنها القومي يمتد إلى قطاع غزة حيث يتنامى مشروع إسلامي "مبهم" من الوجهة المصرية في قطاع غزة وجنوباً من مصر. وتدرك أيضاً أن الوصول إلى قطاع غزة يفترض بالضرورة وجود علاقة مباشرة مع حركة حماس حتى ولو وصلت التباينات معها إلى درجة كبيرة.

كما تدرك حركة حماس في الوقت ذاته بأن المعبر الوحيد لموقع أساسي من مواقع انتشارها ووجودها على الأرض (قطاع غزة) يمر عبر البوابة المصرية، ففرضت الجغرافيا ديكتاتوريتها على الواقع العام الذي تواجهه حركة حماس، خصوصاً في ظل الحصار الإسرائيلي والكماشة المطبقة على قطاع غزة بقرار إسرائيلي وعربي أيضاً منذ أكثر من أربع سنوات مضت.

فقد صاغت مصر الرسمية علاقاتها مع حركة حماس على أساس مخاوفها المعتادة من الحركة الإسلامية الإخوانية، وخشيتها من أن نجاح نموذج حركة حماس في قطاع غزة قد يؤثر على وضعها الداخلي لما يقدمه من جرعات تشجيع وتحفيز لحركة الإخوان المسلمين في مصر، أو من حيث إضعاف المسارين اللذين يتبناهما النظام في مصر (المسار العلماني الموالي للغرب ومسار التسوية القائمة بصيغتها المعروفة).

وفي هذا المجال لا تغيب انعكاسات حالة الخصام والعلاقة المتوترة الدائمة بين النظام المصري والإخوان المسلمين في مصر على العلاقة مع حركة حماس، وهم الذين تربطهم علاقات الأشقاء مع حركة حماس، في الوقت الذي طمأنت فيه حركة حماس مصر الرسمية عبر أكثر من مناسبة، مؤكدة أن مشروعها المقاوم مستقل ومركز في الداخل الفلسطيني، وأنه ينبغي أن يُنظر لفعلها المقاوم في فلسطين كعامل ضغط لانتزاع الحقوق الوطنية الفلسطينية وليس العكس.

ومع ذلك فمصر الرسمية تتعامل بحساسية شديدة مع الحركات الإسلامية عموماً بما فيها حركة حماس، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بالإخوان المسلمين الذين يمثلون المعارضة الأقوى في الداخل المصري، والوريث المحتمل للنظام، والذين تعترف حركة حماس بوضوح وجرأة بالانتماء إليهم روحياً وعقائدياً وتتمثل فيهم القيم والأهداف البعيدة.

وعلى هذا فقد كان صعود حركة حماس في فلسطين، واتساع شعبيتها وفوزها في الانتخابات التشريعية في الضفة الغربية وقطاع غزة عام 2006 أمراً غير مرغوب من الوجهة الرسمية المصرية. لكن مقتضيات العمل المصري في الساحة الفلسطينية جعلت نظام الحكم في مصر يتجنب الدخول في أي صراع مكشوف وشفاف مع حركة حماس.

فمصر يحكمها نظام علماني عقد معاهدة سلام مع الدولة العبرية الصهيونية، وتربطه أكثر من علاقة صداقة مع الولايات المتحدة الأميركية، ويدعم هذا النظام اللون المسيطر على زمام الأمور في الجناح التقليدي للحركة الوطنية الفلسطينية القابض على سلطة القرار في منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية التي تعيش أزماتها الصعبة مع حركة حماس.

ومن جهة ثانية فإن مصر اختارت مسار التسوية والسلام مع "إسرائيل" وتدعم القوى الفلسطينية التي اختطّت مساراً مماثلاً، وترى أن العمل المقاوم كما تتبناه حركة حماس وغالبية القوى والفصائل الفلسطينية في هذه المرحلة لا يخدم الواقعية السياسية، ولا يفهم حقيقة موازين القوى على الأرض، والتي تقتضي العمل من خلال الوسائل الدبلوماسية فقط، لانتزاع جانب من الحقوق الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية على أراضي الضفة الغربية والقدس والقطاع.

البراغماتية السياسية والشراكة المقيتة ومع ذلك، فإن البراغماتية السياسية تفرض نوعاً من الشراكة ولو كانت مقيتة بين مصر وحركة حماس، فمصر هي التي تقف على الحدود مع غزة وتشكل البوابة العربية الوحيدة نحوها عبر تحكمها بمعبر رفح، الشريان الحيوي لقطاع غزة، بالرغم من ارتباط مصر باتفاقية المعبر (السيئة والمجحفة بحق الفلسطينيين) التي عقدت العام 2005 برعاية كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية في حينها، فهذه الاتفاقية جعلت معبر رفح معبراً إقليمياً دولياً (بدلاً من أن يكون معبراً مصرياً فلسطينياً) يتحكم بفتحه وإغلاقه عدة لاعبين أبرزهم إسرائيل التي وضعت مسمار جحا في هذه الاتفاقية من خلال المراقبة لكل القادمين والذاهبين عبر الكاميرات، ومن خلال التحكم بحركة المراقبين الدوليين المقيمين في إسرائيل، وهي التي تمنعهم أو تسمح لهم بالذهاب إلى المعبر، وذهابهم شرط ضروري لكي يفتح المعبر ويقوم بعمله، وهو ما وضع مصر الرسمية في نهاية الأمر في إحراجات واسعة، لتصبح بشكل أو بآخر مساهمة بحصار الفلسطينيين في قطاع غزة، وهو الحصار الذي دق أبواب مصر عبر معبر رفح في حادثة التحطيم الشهيرة التي تعرض لها المعبر على أيدي المواطنين الفلسطينيين المحاصرين في القطاع، وهو أمر مازال متوقعاً في ظل الحصار الراهن.

وبالتأكيد فإن الاستجابة المصرية والتمسك باتفاقية المعبر حتى في أوج عمليات القصف الجوي البربري المجنون من قبل سلاح الجو الإسرائيلي لقطاع غزة من أقصاه إلى أقصاه، ولو على حساب تجويع الفلسطينيين وزيادة معاناتهم، فاقمت من تعقيدات العلاقات المصرية مع حركة حماس وباقي القوى الفلسطينية، وساهمت بتوليد المزيد من الريبة والشكوك في المواقف المتبادلة بين مصر وغالبية الفصائل الفلسطينية بما فيها العديد من الفصائل المنضوية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية كالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي تعتبر القوة الثانية في ائتلاف منظمة التحرير الفلسطينية.


حماس واستحالة تجاهل مصر

وبرغم كل ذلك، تدرك حركة حماس أن مصر تمثل بوابة رسمية وهامة للوصول إلى الشرعية العربية، وأنها مدخل مهم لاكتساب الشرعية في العالم الإسلامي ودول العالم الثالث، ليس بسبب من قوة حضور النظام على المستوى العربي والدولي، بل بسبب موقع مصر ودورها التاريخي بغض النظر عن طبيعة النظام القائم فيها وسياساته. كما تدرك حركة حماس خطورة استعداء مصر لكونها المتنفس الوحيد لقطاع غزة، وبسبب تشابك علاقاتها ونفوذها.

وتدرك حركة حماس أيضاً، أنه مهما كان الخلاف مع النظام المصري مستحكماً، فإن مصر في المعادلة العربية (وبغض النظر عن النظام القائم فيها مرة أخرى) بإمكاناتها المادية والبشرية الهائلة وبانتمائها العربي والإسلامي تظل ذخراً لفلسطين ولقضيتها.

وعليه، تميزت مواقف حركة حماس في التعاطي مع مصر بالكثير من المرونة والديناميكية والحرص الكبير على سلاستها حتى في أسوأ الظروف التي عاشها الفلسطينيون في قطاع غزة إبان العدوان الهمجي الإسرائيلي الأخير، وسعت إلى توظيف العديد من نقاط التقاطع لطمأنة النظام المصري، وإظهار روح المسؤولية تجاه المصالح الوطنية الفلسطينية والمصرية.

لكنها بالمقابل (أي حركة حماس) كانت تتصرف باستقلالية عالية، عندما يتعلق الأمر بهويتها السياسية والأيديولوجية، أو عندما ترى أن النظام في مصر أخذ يمارس الضغط عليها لصالح مسارات لا تؤمن بها كمسارات التسوية بصيغتها الراهنة، أو فرض شروط الرباعية الدولية عليها، أو عمل ترتيبات تنتقص ما تسميه حركة حماس من "حقوقها في الساحة الفلسطينية" والدليل على ذلك أن حركة حماس رفضت التوقيع على الورقة المصرية الأخيرة في الثاني والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول 2010، فتماسكت مع نفسها وانسجمت مع ذاتها ومواقفها وبما دار في مسارات الحوار الفلسطيني في القاهرة في جولاته السبع، وتجاوبت مع الحلول الوسط التي تم ابتكارها تجاه القضايا الخلافية مع حركة فتح، وهي حلول ترى حركة حماس أن الورقة المصرية قفزت عليها، وتحايلت عليها، عندما قدمت صيغا وتخريجات وتدويرات لقضايا الخلاف لا أكثر ولا أقل، دون أن تقدم حلولا ناجعة طبقاً لما كان قد تم الاتفاق عليه في الجولات الحوارية السبع التي عقدت في القاهرة منذ فبراير/ شباط 2009، خصوصاً بالنسبة لملف المعتقلين السياسيين والانتخابات والأمن, حيث طلبت حركة حماس البدء بتحديد قوائم وأسماء المعتقلين بعد التوقيع على اتفاق المصالحة, مع "ضمانات مكتوبة" من حركة "فتح" والسلطة الفلسطينية بالإفراج "الفعلي" عنهم، وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية على أسس مهنية ووطنية بعيداً، وعلى نظام "الرزمة والتوازي" في التطبيق بين الضفة الغربية والقدس والقطاع.


مصر الضرورة

من هنا فإن حركة حماس كما هو حال باقي القوى الفلسطينية تقريباً من أقصاها إلى أقصاها، تدرك بأن مصر ضرورة للحال الفلسطينية، وضرورة لإنجاح الحوار والوصول للمصالحة المنشودة، وتحتاج لأسانيد الدعم العربية، ومن هنا فإن الرعاية العربية (وتحديداً من دول التأثير والفعل السياسي) ضرورية لإيصال المصالحة إلى مرساها النهائي.

وانطلاقاً من المعطيات إياها، ندرك أن مصر تدفع بكل طاقاتها لإنجاز التوافق الفلسطيني، وإنجاح العملية التصالحية، لكن الطامة الكبرى في الموقف المصري مازالت تتمثل في انحياز الجانب المصري في بعض القضايا السياسية لرؤية سياسية تسعى لتوجيه دفة ومسار المصالحة، وهي رؤية لا تجد صدى عند جميع القوى الفلسطينية كحركتي حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحتى قطاعات من قيادات وكوادر حركة فتح.

ومن هنا فان إحداث اختراق حقيقي في العملية التصالحية، ينتظر اجتراح تعديلات إبداعية لحل استعصاءات الورقة المصرية الأخيرة، وعندها يمكن للقاهرة أن تتخلص من عقدة الفشل في الموضوع الفلسطيني، في الوقت الذي نجحت فيه دولة قطر بحل العديد من الملفات (الموضوع اللبناني مثلاً).

أخيراً، ومهماً يكن الخلاف بين مصر وأي من الفصائل الفلسطينية الأساسية على وجه التحديد كحركتي حماس والجهاد الإسلامي وحركة فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين... فإن مصر لا تقطع "شعرة معاوية" مع الفصائل الفاعلة على الساحة، لأنها عند ذلك ستخسر دورها "الأبوي" وستخسر قدرتها على الإمساك بخيوط وتشابكات الوضع الفلسطيني.

كما أن الفصائل الفلسطينية مجتمعة تدرك أيضاً أن مصر ليست اسماً أو رقماً أو جغرافيا فقط، وليست طارئة على الحالة الفلسطينية، بل هي أيضاً ضرورة قومية للفلسطينيين.

ومن هنا نستطيع القول بأن المرحلة التالية تنتظر دوراً مصرياً ملحوظاً لحل المشاكل التي اعترضت مضمون الورقة المصرية الأخيرة، وصولاً لإنجاز المصالح الوطنية الفلسطينية، والسير باتجاه انتخابات تشريعية ورئاسية موحدة في فلسطين بديلاً عن موعد الرابع والعشرين من يناير/ كانون الثاني 2010 الذي جاء في المرسوم الذي أصدره الرئيس محمود عباس.