مشروع التجديد الحضاري عند "الإخوان المسلمون" (الجزء الثالث)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مشروع التجديد الحضاري عند "الإخوان المسلمون" (الجزء الثالث)


بقلم: ح.ع

خاص موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين (إخوان ويكي)

أفكار الإصلاح في العالم الإسلامي

الشهيد الإمام حسن البنا مع أعيان سوريا

انطلاقًا من مبدأ اجتماعية المعرفة لابد من النظر إلى أفكار الإمام حسن البنا (1906-1949م) في ضوء أفكار الإصلاح في العالم الإسلامي آنذاك والتي تؤرخ بسقوط دولة الخلافة العثمانية (1229- 1924م/626-1342هـ) وما سبقه من تأسيس للتخلف العلمي وما فرضته من انغلاق وجمود فكري على العالم الإسلامي في ظل ضعف الدولة العثمانية، وما تلاه من الاتصال المباشر بالغرب

وما أحدثه من صدمة فكرية لدى كثير من مثقفينا الذين رأوا في "المجتمع الجديد" بكل ما يحمل من قيم واتجاهات وأنماط سلوكية نموذجاً للنهضة والتقدم، بعيداً عن دراسة العوامل السسيولوجية والنفسية "لحادث التقدم الغربي" وظواهره الفكرية والسياسية التي ارتبطت بوجوده – مثل فصل الزمني عن المقدس – والاحتلال المادي لوجدان وعقل الإنسان الغربي، ...وهو مالم تعرفه البيئة النفسية والثقافية والاجتماعية الإسلامية.

وقد ترتب على ذلك الانبهار الدعوة إلى إسقاط مقدمات وأسباب نهضة المجتمع الغربي بظروفه وبيئته وتاريخية حضارته الوسطى والقديمة والحديثة على المجتمع الإسلامي، فكان الناتج الطبيعي عدم تفاعل القادم من الغرب مع الحاضر الإسلامي، وبدلاً من أن يعني هؤلاء المثقفون الذين اتصلوا بالواقع الغربي بتطوير العقل المسلم ومنهجه وأدواته أو ابتكار مناهج وأدوات تتلاءم مع ظرفه الاجتماعي راح في سهولة ينقل مناهج وأدوات ابتكرها غيره أو كانت نتاجاً إبداعياً لما حملته ظروف اجتماعية مغايرة إلى الواقع الإسلامي ببنيته الثقافية والمجتمعية دون مراعاة للفوارق والاختلافات الجوهرية بين الواقعين (الغربي والإسلامي).

وقد أدى هذا "الاستيراد الذهني" للعمليات الفكرية والمنهجية بعد بلوغ نضجها في العقلية الغربية وجود تعارض واضح الملامح والتفاصيل بين المشروع الحضاري الغربي الذي تم بالفعل واكتمل بناؤه، والمشروع الإسلامي الباحث عن "ذهنيات إسلامية" تمتلئ بأهدافه وتبحث عن الآليات المعرفية والعملية من أجل تحقيق تلك الأهداف، الأمر الذي من شأنه العمل تشخيص الواقع بأمانة ودقة ثم بذل قصارى الجهد من أجل ابتكار الآليات المعرفية والعملية لتحقيق النهضة المنشودة .

والمتأمل للمشروع الإسلامي والذي بدأ بحركة إصلاحية فردية ثم حركات جماعية منذ بداية الضعف في الخلافة العثمانية وبداية عصر النهضة الأوروبية والاحتلال العسكري والثقافي للعالم الإسلامي، يجد أن برنامج هذه المشروعات كان يهدف إلى إيقاظ الوعي الإسلامي بالاستعمار الأجنبي وضرورة العمل على تحقيق الاستقلال وبدا ذلك واضحاً في حركة السيد جمال الدين الأفغاني (1838م – 1896م - 1254 هـ - 1314هـ)، ومحمد عبده (1266هـ- 1323م - 1845م – 1905هـ) اللذين أصدرا "العروة الوثقى" والتي كانت الإعلام الأول لهذا المشروع حيث احتوت مقالاتها علي تشخيص أحوال العالم الإسلامي وبيان أسباب تعثره واستندت هذه المقالات في منهجها إلى الأصول الإسلامية مع ربطها بواقع الأمة في هذه الفترة.

كما أكدت هذه المقالات (1) على دور التربية الإسلامية لتحقيق الانتماء الإسلامي ومواجهة موجات التبشير والتغريب ورسمت – أيضاً – هذه المقالات – ملامح التغيير السياسي والاجتماعي المطلوب في الأمة الإسلامية.ثم كان لمحمد عبده – بعد ذلك – فلسفته الإصلاحية التي كانت تقوم علي إحياء دور العقل وتصحيح الفهم الديني الذي أصابه الجمود، والدعوة إلي فتح باب الاجتهاد في المعاملات، ثم ظهر بعد ذلك رشيد رضا الذي تتلمذ علي يد الشيخ محمد عبده الذي أنشأ مجلة "المنار" والتي بدأت على صفحاتها تظهر أفكاره الإصلاحية التي كانت امتدادًا للشيخ محمد عبده.

وفي الجزائر كانت جهود بن باديس (1889 - 1940م) في حماية الشخصية الجزائرية من التغريب، بتحريم التجنس بجنسية المحتل وذكر في نص هذه الفتوى أن "التجنس بجنسية غير إسلامية يقتضي رفض أحكام الشريعة، ومن رفض حكماً واحداً من أحكام الشريعة عد مرتداً عن الإسلام بالإجماع (2)، فالمتجنس مرتد بالإجماع" ، بالإضافة إلى جهوده التربوية والثقافية في بناء وتشكيل الشخصية المسلمة المؤمنة بالمشروع الحضاري الإسلامي، وتهيئتها لأداء دورها الفاعل في هذا المشروع.من خلال تأسيسه لجمعية العلماء المسلمين.

ثم كانت أفكار "سيد قطب" (1906-1966م) التي اهتمت بإشكالية "الدولة الإسلامية" في الوجود الإنساني فأكد على مفهوم "الحاكمية" في الوقت الذي انتشرت فيه – في الستينيات – أفكار "حركة البعث" في العراق وسوريا وتسلمت فيهما السلطة، وكذلك اعتناق السلطة في مصر الأفكار "الاشتراكية" ووجود "الأحزاب الاشتراكية" "والشيوعية" وتنظيماتها الطلائعية المختلفة، بالإضافة إلى وجود عديد من الحكومات الإسلامية التي توجهت إلي إقامة تحالفات إستراتيجية كاملة بينها وبين الغرب (الاتحاد السوفيتي سابقاً – الأمريكي) مع الاتجاه شبه التام لفصل الدين عن شئون الدولة.

وتأكدت أهمية الأفكار التي طرحها سيد قطب خاصة في كتابة الشهير "معالم في الطريق" حينما أكد فيه على ضرورة قطع جميع العلائق بالأنظمة الوضعية وأفرد تصوره "للحكومة الإسلامية" المنشودة التي تستمد كل مقوماتها من النظام الإسلامي الرشيد، ثم هو يبرز في كتاباته الأخرى التصور الإسلامي لمفهوم العدالة الاجتماعية الغائب في الأفكار والأنظمة الوضعية في العالم الإسلامي، وقد كانت لأفكار سيد قطب ردود فعل واسعة في العالم الإسلامي ما بين مؤيد ومعارض في قربها أو بُعدها عن المشروع الإسلامي، خاصة أولئك الذين يرون هذه الأفكار من منظور تجريدي فلسفي بعيداً عن التطورات الاجتماعية والسياسية للمجتمعات الإسلامية حينئذ .

وتعد أفكار سيد قطب امتداداً للمفكر الباكستاني "أبوالأعلي المودودي" (1903 -1979م) الذي كانت كتاباته تدور حول "المحور السياسي" في المشروع الإسلامي، ويرى المودودي أن الخصائص الأولية للدولة الإسلامية تتلخص في ثلاث: (3)

(أ) ليس لفرد أو أسرة أو طبقة أو حزب أو لسائر القاطنين في الدولة نصيب من الحاكمية فإن الحاكم الحقيقي هو الله والسلطة الحقيقية المختصة بذاته لله وحده والذين من دونه في هذه المعمورة إنما هم رعايا في سلطانه العظيم.
(ب) ليس لأحد، من دون الله شيء من أمر التشريع، والمسلمون جميعًا ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا لا يستطيعوا أن يشرعوا قانوناً .
(ج) إن الدولة الإسلامية لا يؤسس بنيانها إلا على ذلك القانون الذي جاء به النبي من عند ربه مهما تغيرت الظروف والأحوال .

ويطالعنا مالك بن نبي (1905-1973م) بمجموعة من الأفكار التي دشنها حول "استعادة الدور الحضاري" للأمة الإسلامية والتي فقدته لأنها تخلت عن شروط هذا الدور الحضاري ومن ثم فقدت معه الريادة الحضارية حيث يرى مالك أن "لكل حضارة شروطاً نفسية وزمنية تقوم عليها وهذه الشروط لا تحقق مجرد ثقافة مهنية

بل ثقافة جذرية تغير فنياً معالم الذات ومنطلقة من كيان الإسلام الحضاري لذلك فإن تمسك الإنسان المسلم بتعاليم ومبادئ القرآن، جعلته مشيداً لأعظم حضارة عرفها التاريخ، فإذا ما وهنت الدفعة القرآنية، توقف العالم الإسلامي وما كان لأي معوض زمني أن يقوم خلال التاريخ، مقام المنبع الوحيد للطاقة الإنسانية، ألا وهو الإيمان، ولذا لم تستطع النهضة الحديثة، أن تمنح العالم الإسلامي "حركة" لم يعد هو في ذاته يملك مصدرها. (4)

وهذا ما جعل مالك بن نبي يرفض النقل والاقتباس للأفكار والمناهج الغربية وأكد على ضرورة الاستقلال الفكري واستعادة الأصالة في ميدان الأفكار، فالفكر الإسلامي قد وضع حلولاً لمشكلات العالم الإسلامي، وما يعانيه إنسان العصر الحديث من قضايا ومواقف، وأنه يجب الرجوع إلى القرآن الكريم الذي وضع حلولاً للمشكلات التي تواجه الإنسان.

وفي الهند يؤسس أبوالأعلي المودودي (1903-1979) الجماعة الإسلامية (1941م)، ويحدد الغاية العامة والنهائية للجماعة الإسلامية في كتابه "موجز تاريخ تجديد علوم الدين وإحيائه وواقع المسلمين وسبيل النهوض بهم" هو "تأسيس نظام للحياة مبناه على طاعة الله عز وجل والإيمان بالآخرة وإتباع الرسل والأنبياء". (5)

ويكون ذلك عن طريق برنامج يتضمن:

  1. تطهير الأفكار وتعهدها بالغرس والتنمية...مع نقد الغرب وعلومه وفنونه ونظامه للثقافة والمدنية.
  2. استخلاص الأفراد الصالحين وجمعهم في نظام واحد وتربيتهم.
  3. السعي في الإصلاح الاجتماعي.
  4. إصلاح الحكم والإدارة.

كما ظهرت أفكار " إسلامية المعرفة" على يد إسماعيل الفاروقي (1921-1986م) والذي قاد تياراً فكرياً يهدف إلى إعادة اكتشاف "النموذج المعرفي التوحيدي" في منطلقاته ومبادئه ليمثل مدخلًا معرفيًّا للإصلاح التربوي الحضاري في العالم العربي والإسلامي لحل إشكاليتين أساسيتين: قصور المنهجية التقليدية أو الجمود في حركة الفكر الإسلامي، التعارضات والازدواجيات. (الوحي والعقل-الفكر والعمل-الثقافي والديني) .

ويعرف هذا المشروع "إسلامية المعرفة" بأنها: جانب أساسي و أوَّلِّي في بناء الإطار القِيَمِي والحضاري للفرد والمجتمع، يختص بالفكر والتصور والمحتوى الإنساني القيمي والفلسفي و كيفية بنائه وتركيبه وعلاقاته في العقل والنفس والضمير.... "وإسلامية المعرفة" تعني – أيضًا – منهجية إسلامية قويمة شاملة تلتزم توجيه الوحي ولا تُعطل دور العقل؛ بل تمثل مقاصد الوحي و قِيَمِه وغاياته وتدرس وتدرك وتمثل موضوع اهتمام الوحي وإرشاده وهو الفرد والمجتمع الإنساني والبناء والإعمار الحضاري. (6)

وفي إيران ينطلق على شريعتي (1933-1977م) من "محورية الدين"، و"مركزيته" الحضارية في إبراز "الإسلام" كمنهج فكري وتربوي وحضاري ، وأهم ما عني به هو وضع منهجية للتعرف على الإسلام، وذلك لأنه يرى أن المنهج (له أهمية أعظم من الفلسفة والعلم)، كما أنه العامل الأساسي في "إيجاد التقدم أو الانحطاط"

ومن هنا فقد رأى أنه من الضروري وضع منهج لمعرفة الإسلام، وأهم قواعد هذا المنهج هي: شمولية الإسلام في مقابل المحدودية: فالإسلام ليس دينًا محدودًا في جانب واحد من جوانب الحياة أو الكون أو الإنسان، بل له جوانب متعددة وشاملة، فالإسلام يوضح العلاقة بين الإنسان وربه في منهج علائقي، ويوضح أبعاد الحياة الإنسانية، وطريقة المعيشة على الأرض، وللإسلام بعد حضاري فهو دين الحضارة والتمدن.

وقد مثلت فكرة (العودة إلى الذات) بعدًا إستراتيجيًا مهمًا في فكر شريعتي وارتبطت من ناحية أخرى بفكرة بناء الذات، وهي نفس الأفكار تقريباً التي ظهرت عند أصحاب الاتجاه الإسلامي في فترة الستينيات، لاسيما سيد قطب، وقد حملت إحدى كتابات شريعتي نفس هذا العنوان "العودة إلى الذات" ، بينما أوضحت كتابات أخرى مفاهيم أساسية في بناء الذات، أهمها: "بناء الذات الثورية"، "النباهة والاستحمار" .وقد تضمنت هذه المؤلفات عدة أفكار ومفاهيم وطروحات أسهمت بشكل جلي في تحديد "الهوية الحضارية الإسلامية" مجتمعًا وأفرادًا ومؤسسات.

أما محمد باقر الصدر (1935-1980م) فانشغل بمواجهة حضارية مع النموذج المعرفي المادي الغربي بمدرستيه الشيوعية والرأسمالية، من خلال المنهج النقدي المتفحص الدقيق لهذا النموذج من ناحية، وتأسيسًا للنموذج المعرفي التوحيدي من ناحية أخرى، وظهر ذلك واضحًا في " فلسفتنا" و" الأسس المنطقية للاستقراء" والمدرسة القرآنية" و" الإسلام يقود الحياة" ، كما ساهم أيضًا في تطوير علم أصول الفقه من خلال تجديد قواعده والأصول التي يقوم عليها في " دروس في علم الأصول" .

وكانت دعوة حسن البنا (1906-1949م) إلى إنشاء جماعة "الإخوان المسلمين" تطورًا في الفكر الإسلامي الذي بدأ يعتمد على العمل الجماعي أكثر منه إلى الجهود الفردية، وقامت هذه الجماعة مستهدفة في البداية هدفًا مباشرًا قريبًا هو الجهاد ضد الاستعمار الأجنبي في البلاد، وهدفًا إستراتيجيًا لعمل الجماعة وهو إقامة الخلافة الإسلامية، وقدمت الجماعة في هذا الميدان الحضاري مشروعًا تجديديًا له جوانبه التربوية والثقافية والأخلاقية، وهو ما سوف نعرض له في الأقسام التالية لهذه الدراسة.

المراجع

(1)بكر، عبد الجواد السيد. "تحليل مضمون العروة الوثقى"، المسلم المعاصر، السنة العشرون، العدد 77، 1995، ص45 – 46.

(2)حميداتو، مصطفى محمد. عبد الحميد بن باديس وجهوده التربوية، (مقدمة عمر عبيد حسنة) ، كتاب الأمة، قطر، السنة السابعة عشرة، العدد 57، يونيو 1997م ، ص33.

(3)المودودي، أبو الأعلي. نظرية الإسلام السياسية، القاهرة، دار الفكر د. ت، ص 28 – 29.

(4)الخطيب، سليمان. فلسفة الحضارة عند مالك بن نبي: دراسة إسلامية في ضوء الواقع المعاصر، القاهرة: المعهد العالمي للفكر الإسلامي 1993، ص 292 .

(5)المودودي، أبو الأعلى. موجز تاريخ تجديد علوم الدين وإحيائه وواقع المسلمين وسبيل النهوض بهم . ترجمة: محمد عاصم الحداد، الجزائر:دار الشهاب،1963 ص142.

(6)المعهد العالمي للفكر الإسلامي. إسلامية المعرفة المبادئ العامة – خطة العمل – الانجازات، الإصدار الثاني، فرجينيا، 1986م، ص167.

وانظر –أيضاً- حول مشروع إسلامية المعرفة عمر، السيد. "مداخل الإصلاح في الأمة: جدالات الديني والسياسي"في: الإصلاح في الأمة بين الداخل والخارج، تقرير أمتي في العالم، القاهرة، مركز الحضارة للدراسات السياسية، 2006م، ص77 .

للمزيد عن دور الإخوان في الإصلاح

كتب متعلقة

من رسائل الإمام حسن البنا

ملفات وأبحاث متعلقة

مقالات متعلقة

الإصلاح السياسي:

الإصلاح الإجتماعي ومحاربة الفساد:

تابع مقالات متعلقة

رؤية الإمام البنا لنهضة الأمة

قضايا المرأة والأسرة:

الإخوان وإصلاح التعليم:

موقف الإخوان من الوطنية:

متفرقات:

أحداث في صور

.