مسعود عالم الندوي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
العالم الداعية مسعود عالم الندوي (1328 ـ 1373هـ = 1910 ـ 1954 م)


كان من أوائل من عرفتهم من الدعاة ـ غير العرب ـ عام 1368هـ 1949 م عن طريق أستاذنا الشيخ الدكتور تقي الدين الهلالي المغربي الذي أوصاني به خيراً وطلب مني ومن إخواني عبد العزيز الربيعة و عبد الواحد أمان و عمر الدايل و عبدالله الرابح و عبد الهادي الباحسين و عبد الصمد الرديني ، مساعدته في جولته في البلاد العربية، لأنها أول زيارة يقوم بها وقد ذكرها في كتابه (شهور في ديار العرب) بقوله: «.. بعد وصولنا البصرة يوم الخميس 6 رجب 1368هـ الموافق 5/5/1949 م ذهبنا نبحث عن عبد الله العقيل حيث كان الأستاذ الكريم الفاضل الدكتور تقي الدين الهلالي قد أعطانا عنوانه وكان على علم بوصولي لكنه لم يكن يعرف تاريخ الوصول بالضبط ولهذا لم يستطع القدوم لاستقبالنا في الميناء، لقينا الرجل بترحاب وبحب وإخلاص وود، رجل في عنفوان الشباب له مكانة طيبة، سلفي العقيدة ليس بضيق الأفق ولا بقصير النظر، ظل يسأل عن الحال بكل ود ومحبة ويتحقق من أن أمورنا تمضي على ما يرام، عاطفة دينية صادقة، و حماس فياض، لغته سهلة بسيطة مستواها أعلى من اللغة العادية، ربما كان هذا من فيض الأستاذ الهلالي؛ تأثرت كثيراً بهذا الشاب، فما يتصف به من حماس وما بداخله من عاطفة قوية لخدمة الدين أمر يستحق التقدير العظيم.

في صحبة عبدالله العقيل التقيت بعدد من الشباب، حلقة طيبة، تضم طلاب علم، وموظفين في مكاتب رسمية، يعملون في صمت، فإذا ما وجدت أدنى شبهة في انتمائهم إلى حركة دينية مثل الإخوان المسلمين بدأت المحاسبة والمؤاخذة، فالتشدد مع الإخوان المسلمين في العراق ومصر على حد سواء.

وقد رافقنا عبدالله العقيل و عبد الهادي الباحسين إلى الفندق وشرحنا لهما أوضاع الجماعة الإسلامية بالهند وباكستان وأخذا نسخة من كل كتيب باللغتين العربية والإنجليزية من مطبوعات الجماعة الإسلامية وقلت لهما: هذه هدية مشتركة للإخوان بالبصرة.

وفي يوم الجمعة صلينا الجمعة بمسجد المقام بالعشار والتقينا مساء بشباب الإخوان وكان الحديث حول الدعوة الإسلامية وقد امتدح عبد الهادي الباحسين كتاب (النظرية السياسية) وكتاب (الحكومة الإسلامية) للسيد أبو الأعلى المودودي .

وفي يوم السبت جاء عبدالله العقيل عصراً فذهبنا معه إلى مكتب جمعية الآداب الإسلامية في جامع الخضيري بالعشار حيث يتجمع هناك شباب الإخوان يومياً وبعد صلاة المغرب ذهبنا إلى بيت عبد الهادي الباحسين وقد أوضحت للإخوان أسلوب ومنهج الدعوة لدى الجماعة الإسلامية فقالعبد الهادي الباحسين كلاماً كان له أعظم الأثر على قلبي، فقد شرح خطر فكرة القومية العربية وأنها أخطر من القومية الهندية لأن ما كسبه العرب وحصلوا عليه كان عن طريق الإسلام وبسببه فكيف نأتي بها بديلاً عن الإسلام .

وفي يوم الأحد زرنا مدينة الزبير التي تبعد عن البصرة مسافة عشرة أميال تقريباً وتقع في سوق المربد القديم وفيها قبور الزبير بن العوام، وطلحة بن عبيدالله، والحسن البصري، وغيرهم.

وسكان الزبير كلهم من القبائل النجدية التي استوطنتها منذ ثلاثة قرون، والحالة الدينية في البلدة طيبة وفيها من العلماء: محمد أمين الشنقيطي و تقي الدين الهلالي و ناصر الأحمد و محمد السند و عبد الله الرابح وغيرهم، وفيها مدرستان أهليتان (مدرسة النجاة الأهلية) و(مدرسة الدويحس الدينية) وفي الزبير جماعة من الشباب المحافظين على دينهم المتحمسين لعقيدتهم كما توجد (مكتبة المنار) التي يشرف عليها عبد العزيز سعد الربيعة وهو شاب ممتاز جداً التقى بي ورحب بي ترحيباً حاراً حيث كان عبد الله العقيل قد أخبره بوجودنا، وبقينا معاً إلى المساء حيث تناولنا العشاء في بيته.

إن الاستقبال الذي شهدناه في البصرة من عبدالله العقيل ثم من عبد العزيز الربيعة في الزبير وما اتصفا به من حسن خلق ومحاولاتهما توفير جميع سبل الراحة لنا بجميع الأشكال أمر لا يمكن لأحد أن يتصوّره لا في الهند ولا في باكستان ورغم هذا فهما دائماً يعتذران ويرددان هذه العبارة: (والله إننا مقصرون).

إن شباب الإخوان المسلمين هم محطّ آمالنا في العراق وتعتبر محاولة هؤلاء الشباب العودة إلى الدين ودعوة الآخرين للدين عمل شجاع وهمة عالية، وسط هذا الجو الذي يسوده خراب الأخلاق ونزعة الابتعاد عن الدين، وهم متحمسون تماماً ومخلصون، والحب الذي يجمعهم يدعو للغبطة والسرور وقد تحدثت مع هؤلاء الشباب لفترة طويلة فمطبوعاتنا تجد قبولاً لديهم ومعظمهم متأثر بها.

بعد المغرب ذهبنا إلى بيت عبدالله العقيل حيث تناولنا بعض الأطعمة والمشروبات فلا يوجد أحد في بيته ليلة الجمعة لأن أسرته تذهب إلى الزبير.

ولا بد أن أشير هنا إلى أن والده وهأسرت قلقون جداً بسبب علاقته بالحركات الدينية وبسبب نشاطه الواسع ومن ناحية أخرى فهو أكثر الشباب هنا تحمساً لقد أعجبني كثيراً أسلوب هذا الشاب ومسلكه وطريقته في التعامل ومن المفرح أيضاً أنه لا يغيب عن نظره قوله تعالى: {وصاحبهما في الدنيا معروفاً}.

وفي الزبير التقيت الحاج محمد العقيل و الحاج سعد الربيعة والحاج فهد الراشد والشيخ عبدالله المزين وقد دعانا هؤلاء جميعاً إلى بيوتهم وزرناهم وتناولنا الطعام فيها.

كما دعانا عبد الصمد الرديني وهو من شباب الإخوان المسلمين بالبصرة إلى تناول طعام الغداء في بيته مع عبدالله العقيل وطالب السامرائي وشباب الإخوان المسلمين في البصرة والزبير...» انتهى.

حدثنا الشيخ الهلالي بقوله: «إنني عملت في ندوة العلماء بلكنهؤ بالهند كمدرّس وأصدرت مع سليمان الندوي مجلة عربية باسم «الضياء» وذلك في 1932 م قبل سفري إلى ألمانيا».

والأستاذ مسعود الندوي من العلماء المتمكّنين في العلوم الإسلامية والعلوم العربية كزميله الشيخ أبي الحسن الندوي ـ رحمهما الله ـ وكان من المؤسسين للجماعة الإسلامية في الهند وباكستان التي يرأسها السيد أبو الأعلى المودودي ، كما أنه مدير دار العروبة للدعوة الإسلامية بباكستان، وقد بدأ الأستاذ مسعود بترجمة مؤلفات المودودي إلى العربية، وكانت ترجمته إلى العربية من أقوى التراجم وأدقها ومن هذه الكتب التي تم ترجمتها سنة 1367هـ 1947 م: الدين القيم، وشهادة الحق، ومنهاج الانقلاب الإسلامي، ونظرية الإسلام السياسية، و الإسلام والجاهلية، ونظام الحياة في الإسلام ، ومعضلات الاقتصاد وحلها في الإسلام.. إلخ.

والأستاذ مسعود الندوي من العلماء الذين يزينهم التواضع والبساطة في المظهر والملبس والحديث والمعاملة، كما هو الشأن الغالب في علماء شبه القارة الهندية، ولكنه على قدر كبير من المعرفة بالعلوم الإسلامية وعلوم اللغة العربية، كما أن له اطلاعاً واسعاً على الأدب العربي شعراً ونثراً، وله إسهامات في الكتابة عن الموضوعات الإسلامية والقضايا المعاصرة باللغتين الأردية والعربية على حد سواء.

وكان رفيقه في رحلته إلى البلاد العربية الأخ محمد عاصم الحداد، الذي تولى أمر إدارة دار العروبة للدعوة الإسلامية بعد وفاة الأستاذ مسعود الندوي .

إن لقاءنا بالأستاذ مسعود عالم الندوي ، يعتبر فاتحة اطلاعنا على فكر الأستاذ المودودي إذ إن الكتب التي اصطحبها بالعربية والمطبوعة في باكستان سنة 1367هـ 1947 م والمذكورة آنفاً، هي أول زاد نتلقاه عن فكر المودودي، كما أننا من خلال الأستاذ مسعود وتلميذه الأخ عاصم، عرفنا الكثير عن الجماعة الإسلامية التي يرأسها المودودي وأدركنا الشبه الكبير بينها وبين جماعة الإخوان المسلمين في العالم العربي.

وحين ذهبتُ إلى مصر للدراسة الجامعية أواخر سنة 1368هـ 1949 م أخذت نسخاً من تلك الكتب، وأطلعت عليها إخواننا الزملاء في الدراسة، فأعجبوا بها غاية الإعجاب واعتبروها ظهيراً لفكر الإخوان المسلمين وكثيرة الشبه ـ إلى حد كبير ـ بما كتبه الأستاذ حسن البنا في رسائله الدعوية والحركية، وتحمسوا لطباعتها بمصر، وقام الأخ عبد العزيز السيسي ـ رحمه الله ـ بطباعتها عن طريق مكتبة الشباب المسلم بالحلمية الجديدة بالقاهرة، وتم توزيعها بأعداد كبيرة في أوساط الإخوان والشباب المثقف بجامعات مصر.

ألّف الأستاذ مسعود الندوي كتابه عن رحلته إلى البلاد العربية (شهور في ديار العرب)، ولكن باللغة الأردية، وقد حدثنا عن هذا الكتاب أستاذنا السيد أبو الحسن الندوي حين زار مصر سنة 1951 م والتقينا به، فإذا به يعرفني من خلال الأستاذ مسعود وقال لي: عرفتك قبل أن أراك، لأن الأستاذ مسعود ذكرك في كتاب رحلته (شهور في ديار العرب) وفي هذا الكتاب يقول مسعود الندوي عن الإخوان المسلمين : «في بغداد شعرنا بوجود حسد شديد بين العلماء، فالطبقة الجديدة منهم طبقة بعيدة عن الدين وينتشر فيها سوء الخلق؛ وفي دائرة الإخوان المسلمين يوجد عدد لا بأس به من الشباب الصالح يتحلون بالشجاعة وفيهم أيضاً عاطفة التضحية.

فهؤلاء الشباب هم محط آمالنا في العراق وتعتبر محاولتهم العودة إلى الدين ودعوة الآخرين للدين عملاً شجاعاً وهمّة عالية وسط هذا الجو الذي يسوده خراب الأخلاق ونزعة الابتعاد عن الدين، وهم متحمّسون تماماً ومخلصون والحب الذي يجمعهم يدعو للغبطة والسرور ففيهم حماس ورغبة في العمل تجمعهم محبة شديدة ويضمهم انسجام يفوق ما نشاهده لدى رفاقنا في الهند وباكستان إلاّ أنهم يفتقدون ما لدى رفاقنا من عمق الفكر وبعد النظر والفهم الصحيح للقضايا وهذا هو الفرق بين الأسلوب الأساسي للدعوة فرئيس جماعتنا المودودي يخلو من العواطف ويعتمد كلية على الفكر والنظر، وعلى العكس منه كان المرحوم حسن البنا الذي كان يميل كلية إلى العواطف والـ حماس ، وقد أدركت ذلك بعد قراءة مذكرات الدعوة والداعية لـ حسن البنا .

ويمكن أن لا يكون رأيي صحيحاً تماماً، ولكن هذا لا يعني أيضاً أن فهمه للدين لم يكن صحيحاً فالإخوان لا يكتفون ـ مثل جماعة مولانا الياس التبليغية ـ بنطق كلمة الشهادة فقط، بل يوجد في دعوتهم تصور شامل وجامع للدين» انتهى.

كمـا ألّف الأستـاذ مسعـود كتاباً عن المصلح المجدد الإمـام محمـد بن عبد الوهاب ، ودافع عنه، ورد كيد الذين تطاولوا عليه كذباً وزوراً، وبيَّن دعوته وأهدافها، وأنها دعوة سلفية تتخذ الكتاب والسُّنَّة منهجها، وتتصدى للبدع والخرافات وما أُلصق بالدين وليس منه، وقد أحدث هذا الكتاب أثره في القارة الهندية لأن الكثير من المسلمين قد شوهت في أذهانهم حركة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب نتيجة كتابات بعض الجهلة والمرتزقة وأدعياء العلم.

وصفوة القول: إن الأستاذ مسعود عالم الندوي، رجل اجتمعت فيه صفات عدة، فهو عالم وداعية وأديب وكاتب ومؤلف ومترجم، فضلاً عن أنه رحالة يجوب الأقطار ويتصل بالدعاة والعاملين في الحقل الإسلامي بكل مكان، ويدعو إلى توحيد جهود العاملين للتصدي لأعداء المسلمين الذين أجمعوا أمرهم على حرب الإسلام والمسلمين.

ومسعود عالم يُنسب إلى الندوي، لأنه خريج ندوة العلماء بلكنو بالهند، وهو من زملاء علماء الندوة وأبي الحسن الندوي وغيرهم ممن سبقهم أو زاملهم أو أتى بعدهم، فكلهم ولله الحمد علماء غيورون على الإسلام ، دعاة إلى الله يعنون بالعربية عناية تامة، باعتبارها لغة القرآن الكريم والنبي العظيم ولذا نجد معظم الندويين أدباء باللغة العربية، وكتاباتهم وخطبهم ومحاضراتهم في غاية البلاغة والفصاحة بخلاف الكثيرين من علماء الهند، رغم تبحرهم في العلوم الإسلامية الأخرى.

وأخيراً فقد كان للأستاذ مسعود عالم الندوي فضله في التعريف بفكر المودودي والجماعة الإسلامية بين المسلمين خاصة في البلاد العربية وعلى الأخص وسط العاملين في الحقل الإسلامي بعد أن قام بترجمة أكثر مؤلفات السيد أبي الأعلى المودودي ونشرها كما أن له مؤلفات كثيرة باللغة الأردية وباللغة العربية منها كتاب (نظرة إجمالية في تاريخ الدعوة الإسلامية في الهند وباكستان) وكتاب (الشيخ محمد بن عبد الوهاب الداعية المظلوم والمفترى عليه) وكتاب (شهور في ديار العرب) الذي قام بترجمته من الأردية الدكتور سمير عبد الحميد إبراهيم الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وقامت بطباعته مكتبة الملك عبد العزيز العامة بالرياض وذلك بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس المملكة العربية السعودية سنة 1419هـ 1999 م.

والأستاذمسعود عالم الندوي من المهتمين بنشر اللغة العربية وآدابها باعتبارها لغة القرآن الكريم حتى إنه سمى الدار التي تتولى طباعة الكتب الإسلامية (دار العروبة للدعوة الإسلامية) وهو مديرها ويساعده الأستاذ محمد عاصم الحداد رفيقه في الرحلة إلى البلاد العربية والحج والذي تولى الإدارة بعد وفاة الشيخ مسعود الندوي ثم بعد وفاة الأستاذ محمد عاصم الحداد تولى إدارة دار العروبة للدعوة الإسلامية الأستاذ خليل أحمد الحامدي رحمهم الله جميعاً وجزاهم كل خير على ما قدموا.

نسأل الله المولى القدير أن يتقبل عمل أستاذنا مسعود الندوي وأن يجزيه عن الإسلام والمسلمين خير ما يجزي عباده الصالحين، وأن يتغمده برحمته ورضوانه، ويجمعنا وإياه في جنته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.