مراحل إدمان الانقلاب سفك دماء المصريين

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مراحل إدمان الانقلاب سفك دماء المصريين


مراحل إدمان الانقلاب سفك دماء المصريين.jpg

رانيا قناوي

(14 أغسطس 2017)

مقدمة

مع الذكرى الرابعة لمذبحة رابعة العدوية، لم يجن المصريون على مدار أربع سنوات كاملة، إلا أن الموت أصبح الموت قريبا إلى درجة غير مسبوقة من كل المصريين. ولم يعد هناك منزل أو شارع أو حي أو فرية أو مدينة في مصر إلا تحتوي على أحد ضحايا السفاح السيسي

سواء قتلته الميلشيات في الشوارع أو بسبب الإهمال، أو المرض، وكانت مجزرة فض اعتصام رابعة والنهضة ذروة الإجرام، حيث تضمنتا العدد الأكبر والمأساة الأشد التي ما زالت تداعياتها مستمرة حتى اليوم على آلاف الأسر التي شرد أبناؤها أو قتلوا أو فقدوا أو أصيبوا.

فمنذ أول يوم فكر شباب مصر في الثورة على نظام المخلوع حسني مبارك، لم يجد العسكر والأمن المتحكم في شعب مصر إلا الدم لإرهاب المعارضين، فقمعهم في ميدان التحرير يوم الثلاثاء 25 يناير، واعتقل منهم العشرات، ولم يتوقف الشباب عن ثورتهم وجاءت جمعة الغضب الحاسمة، التي راح ضحيتها العشرات وأريقت الدماء بشوارع مصر، وسقطت الداخلية.

واستمر الإجرام حتى بعد تولي الرئيس محمد مرسي مقاليد الحكم، حيث تم إطلاق عصابات "بلاك بلوك" التي عاثت في مصر قتلا وتخريبا وحرقا.

الرقص على الدماء

ويرى متابعون أن الأخطر في مذبحة رابعة، وما تلاها من مجازر حتى اليوم، هو رقص بعض المصريين على الدماء؛ مما تسبب في لعنة مازال المصريون يدفعون ثمنها حتى الآن، بعد أن أصبح المصري إما قتيلا أو في قائمة انتظار الموت والقتل، لتثبت لعنة الدماء أنها الوحيدة التي إذا سلطها الله على عباده لم يجنوا بعدها سوى الفقر والجوع والمرض.

ولعل من آثار لعنة الدماء التي كان المصريون يجرمونها ويحرمونها، حتى أن المصريين القدماء كانوا من شدة تقديسهم للموت، كانوا يقومون ببناء وتشييد المعابد والمقابر، أن السيسي نجح في إهانة قدسية الموت، وحرض على سفك الدماء، حينما قام بحشد مؤيديه للرقص احتفالا بالتفويض على دماء رابعة، ونزلت النساء أمام باب اللجان للاحتفال بآلاف القتلى والضحايا الذين سفك السيسي دماءهم.

ولم يدخر النظام أي وسيلة ممكنة للتنكيل بمعارضيه من رافضي الانقلاب، من حملات الاعتقالات الممنهجة والعشوائية، إلى القتل على الهوية في وضح النهار خلال المسيرات الرافضة للنظام، حتى أنّه تعمّد القتل الطبي العمد للمعتقلين من رافضي الانقلاب، ومنهم عدد كبير من الذين شاركوا في اعتصامي النهضة ورابعة العدوية، بالإضافة إلى التوسع في التصفيات الجسدية بحق قيادات وشباب الإسلاميين، والتي تحولت إلى نهج مستقر لدى أجهزة أمن الانقلاب في ظل عدم وجود رادع لمثل هذه الجرائم.

إدمان القتل

وفي ظلّ تجاهل تام للقوانين، بات الانقلاب يقْدم بشكل كبير على التصفيات الجسدية، واتسعت دائرة إدمان السيسي وعصابته للدماء، وشملت جميع المصريين، حتى الذين أيدوا السيسي دفعوا الثمن من دماء أبنائهم، في السجون والشوارع.

وكان من أبرز الحوادث التي قمعت فيها شرطة السيسي المصريين وسفكت دماءهم، حادثة قتل سائق الدرب الأحمر، التي قام فيه أمين شرطة بإطلاق النار على سائق سيارة سوزوكي نقل صغيرة، حينما رفض السائق بلطجة أمين الشرطة في عدم دفع الأجرة المتفق عليها، بل وصلت الجرأة أن قام أمين الشرطة بقتله أمام باب مديرية أمن القاهرة.

وسبق تلك الواقعة، اقتحام رجال الأمن شقة الناشط السلفي مجدي بسيوني، وقتله بدم بارد في سريره، ومن ثم اصطحاب الجثة معهم. وقبلها، قتل الميلشيات 9 من قادة الإخوان بمدينة 6 أكتوبر، عقب الادّعاء بتبادل إطلاق النيران مع رجال أمن الانقلاب.

وتجلى إدمان الدماء في مساعي الانقلاب في تعديل القوانين لتتيح له القتل خارج القانون، في ظلّ تجاهله للإجراءات القانونية التي تحدّ من تسلّطه على معارضيه.

حصاد الدم

وفي هذا الإطار، قال الكاتب الصحفي وائل قنديل، إن "مذبحة رابعة" كانت الموقف الذي استسلم فيه الجميع لفكرة الحياة من دون ضمير فتحول الوطن إلى بحيرة دماء، لم تجف حتى الآن، ولم تكن مذبحة ميدان رابعة العدوية جريمة محلية الصنع، ولا كانت، فقط، جريمةً ارتكبها باحثون في مصر عن السلطة، أو مجرد إجراء إجرامي لازم لحسم صراع، وانتزاع مكسب سياسي.

وأوضح قنديل خلال مقاله اليوم الاثنين، أن أهم محطات حصاد الدماء هي اقتلاع واجتثاث، وتغيير للبنية النفسية للمواطن العربي، ليس في مصر وحدها، من أجل فرض معادلاتٍ جديدة، في السياسة وفي الاقتصاد وفي الاجتماع السياسي

موضحا أنه كان إجراءا مقصوداً في ذاته، وليس فقط وسيلةً للحكم والهيمنة، ذلك أنها كانت الجسر الذي عبرت عليه قوات مكافحة الضمير الإنساني، وقتل العقل الجمعي، أو بالحد الأدنى هدمه وتخريبه، لكي يقبل ما يأتي لاحقاً من قيم ومرتكزات ومفاهيم جديدة للوطن والوطنية والمواطنة.

وتساءل:

"هل كان يمكن تخيّل أن تتحول المقاومة العربية إلى"إرهاب" بنظر الرسميين العرب، الساعين إلى استرضاء الكيان الصهيوني، لو لم تقع مجزرة رابعة العدوية؟ هل كان أحدٌ يتصور أن العرب يعادون حركة حماس طلباً لرضا إسرائيل، لو لم تكن هناك رابعة؟".

وقال إن الحاصل أن الجريمة، فكراً وتنفيذاً وسلوكاً، تحولت إلى أحد مرتكزات السياسة العربية الجديدة، بحيث صارت سلاحاً مشهراً طوال الوقت للإخضاع والسيطرة، ولم تكن زلة لسان تلك التي نطق بها السعودي عبد الرحمن الراشد، مدير قناة العربية السابق، وهو يهدّد قطر بمصير معتصمي ميدان رابعة العدوية، إن لم تذعن لتهديدات دول الحصار وضغوطها.

ونبه على أن "رابعة" تنتقل من كونها جريمة دم تؤرق ما بقي حياً من الضمير الإنساني، إلى سلاح رادع وفتاك يباهي به الذين يملكونه، ولا يجدون غضاضة في الاعتراف بحيازته والتلويح به، موضحا أن أهم نتائج رابعة كانت القضاء على "الإنسان"، من خلال محو قدرته على التفكير الأخلاقي وإيمانه بقيم مثل العدل والخير والحق والجمال

أو بالأحرى فرض أنماط فاسدة من هذه القيم وزرعها فيه، بالإلحاح المتواصل عليها، والتخويف المستمر من التمسّك باعتناق عكسها، ليسود، في نهاية المطاف، نموذج المواطن الوغد الذي يهتف للقوي ويصفّق للفائز، ويلعب أدواراً إضافية في انتهاك الضحية، طلباً للنجاة، وقرباناً للباطش المسيطر.

وأكد أن مذبحة رابعة كانت الموقف الذي استسلم فيه الجميع لفكرة الحياة من دون ضمير، ولو لوقت مستقطع، بعضهم خوفاً، وبعضهم طمعاً، وجلهم من باب الانتهازية، وصاروا قناصة، مثل المجموعات التي تمركزت أعلى البنايات المطلة على الاعتصام، وصبت رصاصها على النساء والأطفال والرجال والشيوخ، لينتهي الأمر بأن الدماء طالت الكل الذي ضغط على الزناد، وحرّض بالقلم، والذي قصف بالميكروفون، والذي صمت، رعباً، والذي رقص انتشاءً، والذي صفّق إيثاراً للسلامة، فتحول الوطن إلى بحيرة دماء، لم تجف حتى الآن

المصدر