مذابح المسلمين في غزة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


مذابح المسلمين في غزة


مذابح المسلمين في غزة بين أفعال الصليبيين وأفعال الصهاينة

مذابح المسلمين في غزة

الحمد لله العليم الحكيم، اللطيف الخبير، جابر قلوب المنكسرين، وقاصم الجبابرة المتكبِّرين، {هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلَامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ الله عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الحشر: 23].


نَحمده ونشكره في السراء والضراء، فهو المحمود في كل الأحوال، وهو المستعان في النوازل والمصائب، لا يخيب مَن رجاه، ولا يذل من والاه، ولا يعز من عاداه.


وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، لا دافع لأمره، ولا رادَّ لحُكْمِه، ولا هازم لجُنْده {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ} [الصافات: 173].


وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، أعلم الخلق بالله - تعالى - وأتقاهم له، ساومَه المشركون على دينه، فأغرَوْه بالدنيا فلم يطأْطِئ رأسَه لها، ولا ترك شيئا من دينه لأجلِها، وهدَّدوه فلم يأبَهْ بهم، وقال - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((والله إني لا أزَالُ أُجاهِدُهُمْ على الذي بعثني الله له حتَّى يُظْهِرَهُ الله له أو تَنْفَرِدَ هذه السَّالِفةُ))، يعني رقبته الشَّريفة، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليْه، وعلى آله وأصحابِه، كانوا أذلَّة على المؤمنين، أعزَّة على الكافرين، يُجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لوْمة لائم، والتَّابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.


أمَّا بعد:

فاتَّقوا الله - تعالى - وأطيعوه، واستمْسِكوا بدينِكم؛ فلا عزَّ في الدنيا، ولا فلاحَ في الآخرة إلا في طاعة ربكم - سبحانه وتعالى - وتقواه، {وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ} [النور: 52].


أيُّها الناس:

لَم يكن العربُ في جاهليَّتهم أهلَ سيادة ولا سياسة، ولا يعرفون النُّظم والإدارة، بل كانوا قبائل متفرِّقة، وأوْزاع مشتَّتة، يتبع الفرسَ منهم جيرانُ فارس، وجيرانُ الرومان تبعٌ للروم، ومن كانوا وسَط جزيرة العرب بعيدين عن هاتَيْن الدَّولتين العظمَيَين لم يكن لفارس ولا للروم فيهم مطمع، وحاول بعضُ العرب تقليدَ الفُرس والروم في إنْشاء ممالك وتسمَّوا بالملوك، ولكنَّها كانت ممالكَ صغيرة لم تتجاوز أرضَهم التي يقطنونها، ولا قبائلهم التي ينتسبون إليْها.


بل كان العرب في جاهليَّتهم عاجزين عن ردِّ عدوان الأعداء عليهم، أو الانتِصار منهم، ولمَّا غزا أبرهة الكعبة يُريد هدْمَها - وهي أقدَسُ شيء عند العرب آنذاك وأثْمنه وأهمَّه - فرَّت قريش في الجبال هربًا منه، وقال عبد المطلب: "إنِّي أنا رب الإبل وإنَّ للبيت ربًّا سيمنعه".


فلمَّا جاء الله - تعالى - بالإسلام تغيَّر الحال، وأصبحت الأمَّة المستضامة المستباحة أمنعَ أُمَم الأرض وأعزَّها وأقواها، وما ذاك إلا ببركة الإسلام وعزِّه وعلوِّه، وحقَّقت هذه الأمَّة من التوسُّع والفتوح في ثمانين عامًا ما عجزت عن تَحقيقه الأمَّة الرومانيَّة في ثمانمائة عام!


ولأجل ذلك حُسِد المسلمون على نبيِّهم وكتابِهم ودينِهم الذي رفعهم هذه الرفعة، وبوَّأهم تلك المنزلة، كما حُسِدوا على فتوحِهم وتاريخهم الذي يطفح بالعدْل، وينضح بالرحمة، وتجذَّر العداء لأمَّة الإجابة في قلوب أهْل البغْي والاستِكْبار من الأمم الوثنيَّة والكتابيَّة والباطنيَّة النفاقيَّة، لا يعادونَهم لشيء كما يعادونَهم لدينهم، ولا يحاربونَهم على أمرٍ مثلما يحاربونهم على إسلامهم.


والتاريخ مملوء بالشَّواهد والحوادث التي تشهد لأمَّة الإسلام بالدَّعوة إلى الحقِّ، ورحْمة الخلق، وبسْط العدْل، ورفْع الظلْم، كما تشهد أنَّ أعداء الإسلام لا يتمكَّنون من المسلمين إلا نكَّلوا بِهم وعذَّبوهم أشدَّ العذاب، والأمَّة الكتابيَّة هي أشدُّ الأُمَم على الإسلام والمسلمين كما نطق بذلك تاريخٌ طويل من الدِّماء التي سُفِكَتْ على الدين.


ومَن نظر إلى هذه المذابح اليوم، التي يفعلها الصهاينة في غزَّة وجد أنَّها تكرار لما فعله الصليبيون قبل ألفِ عام من الآن، لا زالت الأحقاد هي الأحقاد، والعداء هو العداء، فيا ليت أمَّتي تُدْرِك ذلك!


قبل ما يقرُب من ألف عام من الآن سارت الأمَّة النصرانيَّة بِجحافِلها من أوربَّة تقصد بيت المقْدِس، فلمَّا بلغوها فعلوا بأهلِها ما لا قدرة لأحد على وصفه، وحضر هذه الحادثة مؤرِّخون صليبيُّون شاركوا في المذابح ودوَّنوا بعْضَ ما شاهدوا، وأنا أنقل لكم بعضًا ممَّا ذكروا:


كتب المؤرخ الصليبي فوشيه الشارتري فقال: "ولو أنك كنت موجودًا هناك لغاصت قدماك حتى العقبين في دماء المذبوحين، ترى ماذا أقول؟ لم نترك منهم أحدًا على قيد الحياة، ولم ينج حتى النساء والأطفال". اهـ كلامه.


وفي غزَّة الآن مشاهد مشابهة، ومناظر مروعة لنساء وأطفال وشيوخ وعجائز يُقْتَلون بالجملة، ويقطَّعون أوصالا، ويحرقون بالقنابل التقليديَّة والعنقوديَّة والفسفوريَّة وغيرها، ويستنْجِدون ولا منجد لهم إلا الله تعالى.

وقال المؤرخ الصليبي ريموند الأجويلري يصف ما شاهد: "بدأ رجالنا يدخلون إلى القدس بجسارة وإقدام، وقد أراقوا من الدماء في ذلك اليوم كميَّة لا يمكن تخيُّلها" وقال: "ما إن استولى رجالُنا على السور والأبراج ... أطاحوا برؤوس أعدائِهم، بينما رشقهم البعض الآخر بالسهام، بِحيث سقطوا من الأبراج، على حين عذَّبهم البعض فترة طويلة بأن قذفوهم في النَّار أحياء، وكانت أكوام الرُّؤوس والأيدي والأرجُل تسترعي النَّظر في شوارع المدينة، وكان المرءُ يشقُّ طريقَه بصعوبة بين جُثَث الرِّجال والخيول، ولكن هذه كانت أمورًا صغيرة إذا قورنت بما جرى في معبد سليمان ... ترى ما الذي حدث هناك؟! إذا ذكرت الحقيقة فإنَّها ستتعدى قدرتكم على التَّصديق؛ ولذا يكفي أن أقول: إنَّه في معبد سليمان كان الرجالُ يخوضون في الدماء حتى ركبهم وحزام ركابهم".


وذكر المؤرخ ميشو: أنَّ المسلمين كانوا يذبحون ذبْح النعام في الشوارع والمنازل، وأنَّهم لم يجدوا مكانًا آمنًا يلوذون به. اهـ.


وها هو التَّاريخ يتجدَّد، فأهل غزَّة الآن لا يجدون مكانًا آمِنًا يلوذون به، فالمدارس والمستشْفيات ومقرَّات الإغاثة، وأماكن الإخْلاء باتتْ هدفًا لطائرات الصَّهاينة وقذائفِهم.


ونقل المؤرِّخ الصَّليبي وليم الصوري عن بني قومه: "أن بيتَ المقدِس أصبح مخاضة واسعة من دماء المسلمين، أثارت خوف الغزاة واشْمِئزازَهم، وأنَّه لم يكن من الممْكِن النظر إلى تلك الأعداد الضخْمة من القتلى دون الإحساس بالرُّعب، ففي كل مكانٍ ترى بقايا جثث القتلى مقطوعي الرؤوس والأيدي، وكانت الأرضُ مغطَّاةً بدماء القتلى". اهـ.


وفي هذه الأيام قد تنقل عدسات المصوِّرين مشاهدَ من غزَّة لرؤوس مقطَّعة، وأشلاء ممزَّقة، ودماء مسفوكة، وأجسادٍ مَحروقة، وأُسرٍ كاملة تحت ركام البنايات المهدَّمة.

ونقل المؤرخ الأمريكي ديورانت عمَّن حضروا تلك المذابح وشاركوا فيها قولهم: "إنَّ النساء كن يُقتلن طعنًا بالسيوف والحراب، والأطفال الرضَّع يختطفون بأرجلهم من أثداء أمَّهاتِهم، ويُقذف بهم من فوْق الأسوار، أو تهشَّم رؤوسهم بدقِّها بالعمد" وهاهو التاريخ يتجدَّد فأطفال غزة تهشِّم القنابل رؤوسهم، وتخترق أجسادهم الغضَّة لتمزِّقها، وتحرق جلودهم، وتشوي لحومهم، وتُهيل البناء عليهم، يا له من عداءٍ متأصِّل تواطأ فيه اليهود التَّوراتيُّون مع الأصوليِّين الإنجيليِّين، وأعانَهم عليه المنافقون والظالمون.


لقد اختصر الصليبيُّون آنذاك وصْفَ مذابحهم العظيمة في الرِّسالة التي أرسلوها إلى البابا، يخبرونه بما فعلوا قائلين له: "إذا ما أردت أن تعلم ما جرى لأعدائِنا الذين وجدناهم بالمدينة، فثِقْ أنَّه في إيوان سليمان أو معبده كانت خيولُنا تخوض في بحر من دماء الشرقيِّين المتدفِّقة إلى ركبتيها".


والصَّهاينة التوراتيُّون منذ أن تمكَّنوا في بيت المقدِس قبل زُهاء ستِّين سنة، وهم يكرِّرون المذابح بين حين وآخَر، وفعلوا فيما سمِّي بالنَّكبة ما لا يوصف من المذابِح والجرائم، جاء بعضُ وصفِها في عشرات الدراسات والمذكَّرات التي كتبها قادة وجنود صهاينة شاركوا فيها، ثمَّ دوَّنوها بعد أن أنْهوا خدمتهم العسكريَّة.


ومضى تسعةَ عشرَ عامًا على ما سمِّي بالنَّكبة ليستولِي اليهودُ على القدْس وما حولها، فيما عرف بالنَّكسة، وفعلوا من الجرائم والمذابح ما لا يُوصف، وهي مدوَّنة أيضًا.


وبين النَّكبة والنَّكسة افتعلوا مئات الحوادث من القتْل والتَّرويع والتَّعذيب والاستِفْزاز لأهل الأرض المحتلَّة.


ومذبحة غزَّة التي نعيشُ فصولَها الآن هي أكبر مذبحة في داخل فلسطين بعد النَّكسة، وصُورها سيحفظُها التَّاريخ كما حفِظَ غيرها، وسيذكر تَخاذُل المسلمين وهوانَهم وعجزَهم عن نصرة إخوانهم، كما ذكر هوانَ مَن كانوا قبلهم، ومن هان دينُه في قلبه هان على الله تعالى، ومَن هان على الله تعالى هان على الخلق، {وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18]


ما أشبه مجازر النَّكبة ثم النَّكسة ثم غزَّة بمذابح الصليبيِّين قبل ألف عام، إنَّها نفس المذابح، ونفس الأهداف والدَّوافع.


كانت حملة الصليبيِّين آنذاك مدفوعةً بالأهداف الدينيَّة، ومشحونة بالخطب الرنَّانة لمُسْعِرها آنذاك بطرس النَّاسك وأوربان الثاني، ولم يكن الهدف الدنيويُّ المادي غائبًا وهو الذي دفع الملاحدة للمُشاركة في الحملة الصليبية، وخصَّهم أوربان بجزءٍ من خطابه حين ذكر في خطبته أنَّ فلسطين تفيض لبنًا وعسلاً.


وبعد ألف عام من ذلك تقدَّم البشر في العلوم الدنيويَّة، والنُّظم الإداريَّة، واختُرعت الآلة وعاش البشر الثورتَين الصناعيَّة والتجاريَّة ثم ثورة المواصلات والاتِّصال، ووصل الإنسان إلى الفضاء، وبلغ عنان السماء، والمذابح هي المذابح، والعداء للإسلام هو العداء للإسلام، لَم يتغير شيء، فلا عقولُ القوم تطوَّرت كما تطوَّرت دولُهم ونظمُهم، ولم تتطهَّر قلوبُهم من الأحقاد والضَّغائن على الإسلام وأهلِه.


إنَّ مذابح غزَّة الآن هي مذابح الصَّليبيِّين من قبل، وسجون الأعداء هي ديوان التَّحقيق ومحاكم التَّفتيش فيما سُمِّي بالقرون الوسطى، فصدقَ الله العظيم وكذبَ المنافقون، ما أعظم القرآن! وما أجلَّه من كتاب! وما أدقَّه من ديوان! ما أصدق أخبارَه! وما أعظم بيانَه! حين بيَّن لنا فيه ربُّنا - جلَّ جلالُه - عداوة أهل الكتاب لنا، وأنَّها عداوة أبديَّة دينيَّة، لا يختلف في عداوتهم الدينيُّ منهم عن الدنيوي، ولكن تَختلف الأهداف والدَّوافع، وأمَّا النتيجة فواحدة، قال الله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ} [البقرة: 109]، وفي آيةٍ أخرى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} [آل عمران: 100] ورأينا هذه الآيات البينات واقعًا مريرًا يتكرَّر في كل زمان، وفي أماكن عدَّة من الأرض.


وأمَّا المنافقون الذين ينفُون هذه العداوة؛ ليخدِّروا الأمَّة ويسلموها لأعدائها، فلا يعدو حالُهم اليوم حالَ من وُصِفوا في القرآن قبل أربعةَ عشَرَ قرنًا، فإنَّهم ينحازون للعدو بأفعالهم وأقوالهم، ويعتذِرون له، ويسوِّغون مذابحه، ويدعون الضحيَّة للاستِسْلام إلى سكِّين الجزَّار، بل ويفرحون أشدَّ الفرح بِمصاب المسلمين، قال الله - تعالى - فيهم: {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران: 118] وفي آية أخرى: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا} [آل عمران: 120] وفي آية ثالثة: {هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} [المنافقون: 4] إنَّهم مع الكفَّار بشتَّى أصنافهم لا يخرجون عن قول الله - تعالى -: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال: 73].


لقد قال المنافقون في قتلى أحُد: {لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا} [آل عمران: 156]، وهم الآن يقولونَها في قتلى غزَّة، يقولون: لو ما فعلوا كذا لما كان كذا، ولو أطاعونا لما حوربوا وقُتلوا، وهم يعلمون أنَّ تلك المذبحة لم تكن أوَّل مذابح العدو الصهيوني، ولن تكون آخِرَها متى ما قدر على تكرارها، وما فتَّ في عضُد الأمَّة أمثال هؤلاء المخلفين المخذِّلين، الذين يساوون بين الانتِحار وردِّ العدوان.


وما نشاهده من ثبات الغزاويين قد قلب حسابات العدوِّ رأسًا على عقب، وفضح اليهود ببيان ضعْفِهم وعجْزِهم، وفضَح المُمالِئِين لهم الذين كانوا يتمنَّون إنْهاء مهمَّة الذَّبح بأسرعَ من ذلك، وفضَح المنظَّمات الدوليَّة التي وثق بها كثيرٌ من النَّاس، وأثبت أنَّ راية الحقِّ أقوى راية، وأنَّ خيار الجهاد هو الخيار الصَّحيح لردِّ العدوان، ورفْع الذل والهوان، وأنَّ الأعداء لا يعرِفون إلا مبدأ القوَّة، ولا يعترِفون إلا بالأقْوياء.

لقد كان ثبات الغزاويين، وخور اليهود وجبنُهم أمرًا عجيبًا، لم يفهمِ الكفَّار والمنافقون سرَّه ولن يفهموه أبدًا، {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ الله وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 249].


لقد حاصر اليهود سماء غزَّة وأرْضَها، وأحرقوها بكلِّ أنواع الأسلحة، ولكنَّهم عجزوا عن اقتِحامها والاستيلاء عليها، وهم مدجَّجون بأنواع الأسلحة، متترِّسون خلف دبَّاباتهم وآلياتهم، مدعومون بالطَّائرات والأقمار الاصطِناعية، يخافون قومًا لا يَملكون من السِّلاح إلا أخفَّه وأضْعفه!


سِرُّ ذلك تجِدونه في قول الله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [البقرة: 96] وقوله سبحانه: {لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ} [الحشر: 14]. وهذا يفسِّر قلَّة الانتِحار في اليهود حتَّى بين ملاحدتِهم، خلافًا للأُمم الأخرى، وفي أدبيَّات اليهود التي يؤمنون بها: "كلب حي خير من أسد ميت"، فكانوا هم الكلابَ الحيَّة وكان قتلى غزة أُسدًا ميتة، {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ الله وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ المُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 169 - 171].


نَحسب قتلى غزَّة كذلك، والله حسيبُهم، ولا نزكِّي على الله - تعالى - أحدًا.

للدين قوَّة دافعة للتَّضحية والفداء، وهو من أهمِّ أسباب الإقْدام والشجاعة، وللدُّنيا لذَّة تدعو للدَّعة والركون، وهي من أهمِّ أسباب الإحْجام والخوْف الذي يُنْتِج الذلَّ والهوان؛ ولذا كان الدينيُّون ينتصِرون في حروبِهم على الدنيويِّين، سواء كان دينُهم حقًّا أم كان دينًا باطلا، والنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فسَّر الوهن بأنَّه حبُّ الدُّنيا وكراهية الموت.


والتَّاريخ المقروء والواقع المشهود، يدلاَّن على أنَّ الذين يُحاربون عن عقيدة يُنصرون على من يقاتلون لأجل الدنيا.


ولأهميَّة ذلك عمدت الجيوش الحديثة إلى ترْسيخ ما يسمَّى بالعقيدة العسكريَّة، والاهتِمام بالجوانب المعنويَّة للجنْد، واستغلُّوا الدينَ في هذا الجانب، مع أنَّ بناء الجيوش الحديثة هو بناءٌ مادِّي علْماني لا يأبَهُ بالدين، وإنَّما استغلُّوه لمَّا احتاجوا إليه في رفْع معنويات الجند.


وقد أدرك صهاينة أهل الكتاب أهميَّة الدين في الانتِصار وحسْم الحروب، فجعلوه متوازيًا مع البناء العسكريِّ المادِّي إنْ لَم يكُن متقدِّمًا عليْه، وتلْمذوا أطفالَهم في مدارسهم على أساطيرهم، وشحنوهم بالعداوة الدينيَّة على غيرهم، وخصوصًا على أمَّة الإسلام.


إنَّ الفكر العسكريَّ الصهيوني يرتكِز في مبادئه القتاليَّة على العقيدة الدينيَّة اليهوديَّة؛ حيث إشعال الحروب والعنف والوحشيَّة، والبطش والإرهاب والهمجية، والغدر ونقض العهود، وترسيخًا لهذا الفكر العسكري بذل المؤرِّخون العسكريُّون اليهود غايةَ جُهودِهم لإخْراج ما أسمَوْه بـ "التاريخ العسكري اليهودي" وذهبوا يربِطون بين معارك اليهود في الماضي السحيق وبين حروب "دولة إسرائيل" في الزَّمن الحاضر؛ ليُقْنِعوا أنفُسَهم قبل غيرهم بأنَّهم أصحاب مهمَّة مقدَّسة.


يقول أحد قادتهم العسكريين: "كنا نشعر أنَّنا في جانب الله"، ويضيف: "إنَّ جيشَنا ليستْ مهمَّته الأساسيَّة حماية الصِّناعات، وإنَّما رسالتُه حماية المقدَّسات، وعلى هذا الأساس يتدرَّب ويقاتل"، ويقول الحاخام تسوفي يهوذا: "إنَّ الجيش الإسرائيلي كله مقدس؛ لأنَّه يمثل حكم شعب الله على أرْضِه".


ومذابح غزَّة الأخيرة هي من المذابح المقدَّسة في دينِهم المحرَّف، جاء في أرْبعة مواضع من أسفارِهم التي حرَّفها رهبانُهم ذكرُ غزَّة، والتبشيرُ بقتْل من فيها من الرجال والنساء والصبيان، ونقلت عدسات التَّصوير أثناءَ تدميرِهم لغزَّة صُورًا لبعْضِ الجند يرتِّلون أجزاءً من كتُبِهم تحثُّهم على تدْمير غزَّة لإرضاء الله تعالى حسب معتقدهم، كما نقلت صورًا أُخرى لجندٍ يُباركون دبَّاباتِهم فيقرؤون شيئًا من التوراة قُبيل محاولتهم اجتياح غزَّة.


وأثناء الضرب الجوي الهمَجي صدرت فتاوى وبيانات من حاخامات ومجامع دينيَّة تؤيِّد الضَّرب بشدَّة، وتُجيز عدم استثناء أحدٍ من القتْل، وتُبيح استِهْداف الأطفال والنِّساء، زاعمين أنَّ قتلهم يُرضي الله تعالى عنهم، وكبير حاخاماتهم مردخاي الياهو - وهو أكبر مرجعيَّة دينيَّة للحركة الصهيونية الدينية - قد ادَّعى أنَّه يتوجَّب عليهم إبادة الفلسطينيين، حتَّى الذين لا يُقاتلون المحتلِّين، وزعم - أخزاه الله تعالى - أنَّ هذه ليست مجرَّد فتوى، بل: "فريضة من الرَّبِّ يتوجَّب على اليهود تنفيذُها"، وقال الحاخام عوفاديا يوسف: "إنَّ الله ندم ندمًا شديدًا بعدما خلق العرب المسلمين، وتمنَّى لو أنَّه لم يخلقْهم؛ ولهذا فإنَّ القضاء عليهم أمر يسرُّ الرَّبَّ" تعالى الله عن إفْكِهم وكذِبِهم علوًّا كبيرًا.


وأثناء قصْف غزَّة وتدميرها خرج حاخام فلوريدا (إيلي لازير) على شاشات التلْفزة فرحًا، يذكر أنَّ تدمير غزَّة تدعو إليه كتُبُهم، وهو من فرائض شريعتهم.


وآخر منهم يُدعى (ليبرمان) أفتى بوجوب تدْمير غزَّة بالقنابل النوويَّة.


وأظهر استِطْلاع للرَّأْي الشعبي اليهودي في إسرائيل، أنَّ تسعة من كلِّ عشَرة يهود يؤيِّدون المجازر الإسرائيلية ضدَّ الأطفال والنساء والشيوخ في غزَّة.


وهناك عشرات الدراسات الجادَّة للمناهج اليهودية في شتَّى مراحل التَّعليم من الروضة إلى التعليم العالي، وفي مدارس دينيَّة وغير دينيَّة، قام بها عرب وعجم، ويهود وغير يهود، تصل إلى نتيجة واحدة هي: أنَّ عقيدة القتل والتدمير للنَّاس عامَّة، وللمسلمين خاصَّة هي الفريضة الأهم التي يخرج بها دارس هذه المناهج، وهي تغذِّي أحقادها بمئات النصوص والقصص من التوراة والتلمود والأسفار اليهودية، في الوقْت الذي يخدعُنا فيه دعاة السَّلام، وأرباب العجز والاستسلام، ويخدِّروا الأمَّة بالوعود الخياليَّة الكاذبة بتعايُش سلمي، وإخاء حَميم بين الإيمان والكفر، وبين الحقِّ والباطل؛ ليسلِّموا رقابَ المسلمين وبلدانِهم لقتلة أنبياء الله تعالى، عليهم السلام، ويُريدون تَجريد هذه الأمَّة من قوَّتِها الدينيَّة الدَّافعة للتضحية والفداء التي هي سبب العزَّة والكرامة، وحفظ الدين والدنيا، وذلك بإفساد عقائد المسلمين وأخلاقهم، وإذابة الولاء والبراء، وتحويل العباد من عبوديَّتهم لله تعالى إلى عبادة الشهوات، حتَّى طالبوا بترْك آيات الكتاب المبين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد.


إنَّ الصهاينة اليهود قد هزموا بعقائدهم الخرافيَّة هذه جموعًا من الجيوش العربية يوم أنْ ركَن العرب إلى عرقهم، وفاخروا بعصبيَّتهم، ونسُوا ربَّهم، وطرحوا دينَهم؛ لأنَّ اليهود كانوا يعتزُّون بدينهم المحرَّف، ويقاتلون عن عقيدة، فهزموا مَن كانوا يقاتلون عن عصبيَّة عرقيَّة.


وإذا تقابل أهل العقيدة الصحيحة مع غيرهم، وانتخى أهل الإسلام بإسلامهم، غلبوا غيرهم وهزموهم بإذن الله تعالى، كما وقع لابن تاشفين مع كاثوليك الأندلُس، ولصلاح الدين مع الصليبيين، ولقطز مع التتر، ولمحمدٍ الفاتح مع البيزنطيين، ووقع في التاريخ المعاصر في كثيرٍ من ديار أهل الإسلام التي احتُلَّت واستُعْمِرت، ورفع فيها المقاومون للاحتِلال رايةَ الحقِّ في قتالِهم لأعدائهم، فطردوا الإنجليز والفرنسيِّين والطليان وغيرهم، من مصر والهنْد والشَّام وبلاد المغرب العربي، وكسر الأفغانُ الروس، وهزم أهلُ الصومال الإثيوبيين، ودوَّخ العراقيُّون والأفغان صهاينةَ النصارى، وكانت آخر ملاحم أهلِ الحقِّ والهُدى ملحمة غزَّة الباسلة، التي انتهت بنصْرٍ مؤزَّر، وإن رغِمت أنوف الكافرين والمنافقين والكارهين، ثبت فيها رجالُهم ونساؤُهم وأطفالُهم بتثبيت الله تعالى لهم.


ونُقلت صور من البطولات تُذَكِّر بأمْجاد أهل الإسلام السَّالفة، ووصف أحد الغزِّيين ثباتَ نسائهم، فقال: إنَّ من أحد أسباب صمودِنا في غزَّة نساءنا، فإحداهنَّ قدَّمت ثلاثةً من خيرة أبنائِها ثم قالت: "بل كلُّ أبنائي سيكونون شُهداء في سبيل الله تعالى" وأحضروا أحدَهم مضرجًا بدمائه بين يديها فخاطبته قائلة: "يا بني، والله إنك لعزيزٌ على قلبي ولكنَّ الله تعالى أعزُّ منك"، ثم يقول ناقل كلامِها: مثل هذه المرأة شدَّت من أزْرِنا، وألْهبت مشاعِرَنا، وأثارت الحميَّة الدينيَّة في قلوبنا.


ثم يتحدَّث عن ولدٍ له أُصيب رأسُه في أوَّل القصف، فلمَّا تَماثل للشِّفاء قالت له أمُّه: لقد أعددْناك لحربٍ أكبر ممَّا مرَّ بك، يقول: فماذا سأقول أنا من بعدها؟ وماذا سيقول الرجال وقد وقف نساؤُهم هذه المواقف البطولية في هذه الحرب؟!


فجزى الله تعالى هؤلاء النسوة خيرَ الجزاء، وعوَّضهنَّ عمَّا فقدن من فلذات أكبادِهِنَّ خيرًا ممَّا فقدن، وتقبل قتلاهن في الشهداء، إنَّه سميع مجيب


إنْ كان للمتديِّنين من أهل الكتاب نبوءاتٌ دينيَّة خرافيَّة يستقونَها من كتُبهم المحرَّفة، فيحوِّلونَها إلى واقع عملي مُشاهد، فإنَّ للملاحدة الدنيويِّين عندهم مشاريع دنيويَّة استعماريَّة للهيمنة على الشرق الإسلامي، واستِلابه ثقافيًّا وسياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا، وهنا يلتقي الدين مع الدنيا، والعلماني مع المتدين، في الفكر الصهيوني بشقَّيْه اليهودي والنصراني، وهو ما يُلاحظ في حروبِهم التي سعروها في بلاد المسلمين، وآخرُها مذابح غزَّة؛ إذْ وقف الديني فيها مع الدنيوي، وتراصَّت صفوفُهم خلف غايةٍ واحدة، وإنِ اختلفتْ دوافِعُهم لهذه الغاية؛ فالمتديِّنون منهم ينشدون تحقيق نبوءاتهم، والعلمانيون منهم يريدون فرض سطوتهم على بلاد المسلمين واستلابها.


وأمَّا في بلاد المسلمين فعلى العكس من ذلك؛ إذ إنَّ العلْمانيين الدنيويِّين في حالة تصادُم مع الدينيِّين، ويتحيَّزون للأعداء المحتلِّين المستعمرين ضدَّ إخوانِهم وأوْطانهم، وخياناتُهم ليست تَخفى على أحد، ودلالاتهم على عورات المسلمين باتتْ مكشوفة معلومة، وفي مذابح غزَّة ظهر تَوَاطؤُهم مع العدوِّ الغاشم ضدَّ إخوانِهم، وهذا ما بعث الطُّمأنينة والارتِياح لدى اليهود أثناء الحرب، حتَّى حظِيت مقالاتُهم الصفيقة بالمواقع الحكوميَّة الرَّسمية للدَّولة الصهْيونيَّة على الشبكة العالمية، وكانوا في حميتهم للجرائم الصهيونيَّة والدفاع عنها أشدَّ حماسةً من الصهاينة أنفُسهم.


لقد كان هؤلاء المنافقون أيَّام القصف المكثَّف على غزَّة يُخذِّلون في المسلمين ويُرجفون، ويَفُتُّون في عضدهم، ويدعونَهم للاستِسْلام بلا شروط، في الوقْت الذي يلتفِتون فيه إلى الصَّهاينة يدعونَهم إلى سرعة إنْجاز المهمَّة، وتعجيل ذبْح المسلمين!


فلمَّا أخزى الله تعالى الصهاينة، وثبَّت بمنِّه وكرمه المجاهدين المرابطين في غزَّة، وعجز الصَّهاينة عن اقتحامها، وردَّهم الله تعالى على أعقابِهم خاسرين، وظهر نصر المؤمنين، ساء ذلك المنافقين على عادتِهم، فانقلبوا إلى وعَّاظٍ مُشْفِقين، يتحدَّثون عن الدِّماء التي سُفِكتْ في غزَّة جراء القصْف، وعن الأشلاء التي مُزِّقت، وعن الأطفال الذين قُتلوا ويُتِّموا، وعن النساء التي رُملت، وعن الجرحى والمصابين، وقد كانوا وقت القصف يروْن ذلك، ولم تتحرَّك قلوبُهم، بل كانوا يعتذِرون للصهاينة.


إنَّ قلوبَهم ما تحرَّكت على الدِّماء والأشْلاء واليتامى والأيامى، إلاَّ لما خُذِل الجيش الصهيوني الذي كانوا يؤمِّلون نصره، وانتصرت الفئة المؤمنة التي كانوا يرْجون فناءها.


إنَّهم لا يريدون الإقْرار بنصر الفئة المؤمنة؛ لأنَّهم يكرهون لها أن تنتصِر مع أنَّ عشرات الكتَّاب الصهاينة اعترفوا بهزيمةِ جيْشِهم وانتِصار أهل غزَّة عليْهم، ومن قبل دعَوا للاستِسْلام، وقبول ما يسمَّى بعملية السلام، مع إقْرار زعماء الصهاينة وكبارهم بأنَّ من حقِّ الفلسطينيين أن يُدافعوا عن أرضهم، وأن يُخْرِجوا المحتلَّ منها، يقول رئيس أوَّل حكومة إسرائيلية ديفيد بن غوريون: "لو كنتُ زعيمًا عربيًّا لما وقَّعت معاهدة سلام مع إسرائيل، طبيعي لقد أخذنا بلادَهم"، وقالت ليا رابين، أرملة رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين: "نحنُ استخْدمْنا الإرهاب لتأسيس دولتِنا، لماذا عليْنا أن نتوقَّع أن يكون الفلسطينيُّون مختلفين".


وفي حرب غزَّة الأخيرة كتب الصهيوني يوسي ساريد مقالاً، ذكر فيه أنَّه ألقى سؤالا على طلبته فقال: ماذا ستفعل لو كنتَ فلسطينيًّا؟ فأجابه شاب يهودي بقوله: "لو كنتُ فلسطينيًّا لقاتلتُ اليهود حتَّى الإبادة، وبكل الوسائل، وكلُّ مَن يقول لك خلافَ ذلك فهو يكذب عليك" ثم عقَّب الكاتب على كلام الشَّابِّ بقوله: "لقد ذكَّرني جوابُه هذا بكلامٍ كنتُ قد سمِعْتُه قبل عشر سنوات من وزير دفاعِنا (باراك) حين سأله جدعون ليفي: ماذا ستصنع لو كنت فلسطينيًّا؟ فأجابه باراك بقوله: "بصدق! كنت سأنضمُّ إلى منظمة إرهابية".


فهؤلاء الصهاينة يقرُّون بحق أعدائهم في مقاومتهم، في الوقْت الذي يستنكِر صهاينة العرب وليبراليُّوهم حقَّ الفلسطينيين في الدفاع عن دينهم وحرُماتِهم وبلادهم، ويستكْثِرون على القلَّة المستضعفة نصرًا مؤزَّرًا، ولا يريدون من الأمَّة سوى الخنوع والذُّلِّ والهوان، كما خنعوا هم لأعداء الإسلام حتَّى انتعلوهم وامتهنوهم، وصدق ربُّنا - جل جلاله - حين قال فيهم: {هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المنافقون: 4].


وقد جاء في الحديث عن النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((إنَّ أخوف ما أخافُ عليكم بعدي كلَّ منافق عليم اللسان))؛ رواه أحمد.