مدير أعمال الحاجة زينب الغزالي يفتح خزائن أسرارها

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مدير أعمال الحاجة زينب الغزالي يفتح خزائن أسرارها

[10-08-2004]

مقدمة

- بيتها كان مقرًّا لاجتماعات قيادات الجماعة في الخمسينيات

- هدى شعراوي طلبت منها الانضمام إلى الاتحاد النسائي

- نسبها الذي يمتد إلى الصحابة بدا ظاهرًا عليها منذ نشأتها

- حسن الهضيبي طلب منها أن تكف هجومها على الثورة

حوار :محمد هاني

حين يغيب كفاح الرجل يظهر جليًّا كفاح المرأة.. هذا هو المعنى الواضح والبارز في حياة الداعية الحاجة زينب الغزالي، التي نشأت في بيت تحفة الملائكة، ويتسم بطابع إسلامي؛ بسبب والدها الأزهري، وجذورها التي تمتد إلى الصحابة، مثل عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- من ناحية والدها، والحسن بن علي- رضي الله عنهما- من ناحية والدتها، وكان عندها الجرأة في الحق، والسماع إلى العقل قبل القلب، وذلك ما جذب إليها هدى شعراوي حين لمحت فيها الذكاء والحنكة وقوة الشخصية، فطلبت منها الانضمام إلى الاتحاد النسائي رغم صغر سنِّها، وتحولت بعدها من النشاط النسائي إلى النشاط الإسلامي؛ من خلال جمعية السيدات المسلمات، التي وصل عدد فروعها إلى 119 فرعًا على مستوى الجمهورية.

ووهبت وقتها للإمام الشهيد حسن البنا، الذي طلب منها الانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين ، ولكنها رفضت، وقبل استشهاده بثلاثة شهور قبِلَت الانضمام، وظلت الجمعية أيضًا في نشاطها حتى استُشهد الإمام البنا، وقامت ثورة يوليو فأيَّدت الثورة، واستقبلت اللواءَ محمد نجيب في مقرِّ الجمعية ورحَّبت به، وبعد ذلك بدأت الهجوم على الثورة بضَراوة من خلال المجلات والصحف؛

حتى طلب منها الأستاذ حسن الهضيبي أن تكفَّ عن هجومها على الثورة, ثم أُلقي بها في غياهب السجون في عهد جمال عبد الناصر ، الذي كان يشهد بنفسه- ومعه عبد الحكيم عامر - جلسات تعذيبها، وكان يشعر بالتشفِّي فيها، وبقيت صامدةً أمام التعذيب والطغيان صمودًا يصعُب عليه الرجال؛ حتى أذن الله لها بالإفراج عام 1971 م؛ فطافت أرجاء الأرض تدعو وتنشر دعوةَ الإسلام من خلال المؤتمرات والندوات وبعض الكتابات الإسلامية الخاصة بها وخواطرها حول القرآن الكريم.

( إخوان أون لاين ) حاورت الأستاذبدر محمد بدر - مدير تحرير جريدة (آفاق عربية)- الذي اقترب من الحاجة زينب أكثر من خمسة عشر عامًا، خلال عمله معها ليسطِّر لنا قطرات من بحر حياة زينب الغزالي ، فإلى تفاصيل الحوار.


نص الحوار

الأستاذ بدر محمد بدر
  • بدايةً.. نود أن نتعرف على الصلة الكريمة بينكم وبين الحاجة زينب الغزالي كيف تمَّت؟ ومتى نشأت؟
تعرفتُ على الداعية زينب الغزالي من خلال قراءتي لكتبها، خاصةً كتاب (أيام من حياتي) عندما صدر في منتصف السبعينيات، وقتها كنتُ في الجامعة في هذه المرحلة، والكتاب كان صدمةً لأمثالي من الشباب الذين لم يتصوروا حدوث هذا الكم الهائل والغريب من التعذيب، خاصةً أنه ضد امرأة!! فالرجل لا يتحمل أن يرى امرأةً تُنتهك أو تُهان، فكيف بامرأة تعمل في مجال الدعوة الإسلامية؟!
وكان لهذا تأثيرٌ هائلٌ، وتمنَّيْت أن أتعرَّف على هذه الشخصية وأقترب منها وأتعرَّف على المزيد من الأحداث التي مرت بها، وبالفعل بعد تخرجي وعملي في مجال الصحافة التقيت بها في حوار صحفي، ثم توطدت العلاقة بعد ذلك فكنتُ أرافقها في بعض الأسفار خارج مصر، وأقوم بأعمال السكرتارية لها في القاهرة لمدة تزيد عن 15 عامًا، وبالتالي توثقت علاقتي بها واقتربت منها أكثر، وأدراكت أن ما نشر في كتاب (أيام من حياتي) كان جزءًا من الحقيقة، ولم يكن الحقيقيةَ كاملةً؛ لأن الحقيقة كانت أكبر وأعنف مما ذكر في الكتاب.
السيدة زينب الغزالي وُلِدت عام 1917 م في شهريناير ، وهو نفس العام الذي وُلد فيه الشيخ محمد الغزالي ، ووُلد فيه الشيخ جاد الحق علي جاد الحق ، وكان الميلاد في قرية تُسمى "ميت يعيش" مركز ميت غمر – بمحافظة الدقهلية، وهذه القرية تبعُد تقريبًا حوالي90 كيلو مترًا عن القاهرة، ونشأت لأبوين كريمَين الشيخ محمد الغزالي وكان عالمًا أزهريًّا، لكنه لم يعمل في مجال الدعوة الإسلامية، فكان يعمل بتجارة القطن، وكانت هذه التجارة هي الرائجة في هذا الوقت، وكانت والدتها ابنةً لعمدة القرية وما جاورها، وكان ترتيب الحاجة زينب في الميلاد بعد أربعة من الأبناء لأبيها، فكانت أول بنت، فحظيَت بعنايةٍ خاصةٍ، وكان والدها- رغم صغر سنها- يأخذها معه في الجلسات التي يحضرها لكبار القرية والشخصيات الهامة، وكان يُشعرها دائمًا أنها "السيدة زينب"، وبالتالي لا يليق بها أن تلعب مع الفتيات أو تعلم أعمال المنزل، فكان يشجِّعها على أن تكون شخصيةً لها دورُها في المجتمع والحياة، وكان يقرأ لها سير الصحابيات، وعلى الأخص السيدة نسيبة بنت كعب المازنية، وكان يعطيها سيفًا خشبيًّا، ويقول لها هيَّا اذهبي لتدافعي عن رسول الله، فتأخذ السيف وهي صغيرةُ السن وتظن أنها مكلَّفة بالدفاع عن رسول الله، فنشأت هذه المعاني في ذهنها، وظلت هي المحور الذي تدور حوله في حياتها، ورغم أن والدها تُوفي سنة 1928 م؛ جرَّاء انتكاسٍ حدَث له في تجارة القطن فخَسِر فيها تجارتَه، وكان عمرها في ذلك الوقت أحد عشر عامًا، إلا أن هذا التأثير القوي العميق لشخصية زينب الغزالي ظل هو المحور الذي تدور حوله إلى الآن.
  • ما حقيقة أن نسبها يمتد إلى الصحابة؟
بالفعل هي قالت إن نسبها من جهة والدها يمتد إلى عمر بن الخطاب، ومن ناحية والدتها يمتد إلى الحسن بن علي، وكانت تقول إن أحد الأمراء الذين فتحوا مصر كان يُدعي الأمير الجبيلي، وربما هناك إحدى القرى في الشرقية تُدعى قرية (الجبيلي)، وكان من بين الأمور التي أثَّرت في حياتها أن والدها رأي رؤيةً عبارة عن أنه كان يحملها ثم سقطت منه على الأرض، وعندما همَّ بالتقاطها وجدَها لم تصل إلى الأرض ووجد من يرفعها ويعطيها له، ويقول له: أنا جدُّها عمر بن الخطاب، فظلَّت هذه الرؤية تؤثِّر بشكل كبير فيها، وعاشت تدافع عن الإسلام .


رسالة للآباء والأمهات

  • ما الدروس المستفادة من هذه التربية والنشأة؟
الدرس هو أن الآباء والأمهات عليهم أن يغرسوا في الأطفال حبَّ المسئولية، وأن لهم رسالة، وأنهم منوط بهم دورٌ مهمٌّ، وأن يُحبِّبوهم في هذا الطريق بأن تصبح داعيةً، ولقد رأيت بنفسي إحدى الفتيات تتصل بـ" زينب الغزالي " في فترة من الفترات، وتقول لها إن والدتي تُوفيت لكنها كانت دائمًا تقول لي أتمني أن تكوني مثل زينب الغزالي ، فأنا أريد أن أعرف من هي زينب الغزالي، وهذه الفتاة ما زالت على صلةٍ بها الآن، وهي تدرس في الأزهر، وهذا من تأثير أن يكون للأب والأم قضيةٌ يندِبوا أبناءهم للعمل فيها ومن خلالها.
  • كيف قضت فترة الصبا والشباب، خاصةً أنها مُنعت من التعليم من قِبَل شقيقها الأكبر؟
في فترة الصبا والنضح كان والدُها يشجِّعها على أن تتحدث في مجالس القوم، وكانت لها خطبةٌ ترحيبيه لضيوف والدها، وكان يحملها على كتفيه وهي بنتٌ صغيرةٌ؛
لترحب بهم، وكان هذا التأثير هائلاً في حياة زينب الغزالي، فخرجت بعد وفاة والدها للمدارس والتعليم، وكانت فصيحةً وتتحدث دائمًا في طابور الصباح، وتُلقي بعض الكلمات والأناشيد، فهذا كان يثير حفيظة أشقائها، وبالتالي عندما توفِّي الوالد لاقَت كثيرًا من الضغط من شقيقِها سعد الدين الغزالي- الشقيق الأكبر لها- وكان مهندسًا ولكنه تُوفِّي في السبعينيات، وكان موكلاً برعاية الأسرة بعد وفاة والده، فعندما دخلت المرحلة الثانوية خرجت منها بناءً على طلبه، ولكنها لم تسكت، وحاولت أن تكتب وتقرأ وتتثقَّف ثقافةً عامةً، وهذا أهَّلها لأن ترسل بعض الرسائل الشهيرة في ذلك الوقت، مثل رسالتها للكاتب الكبير عباس محمود العقاد، وردَّ عليها وهي مازالت في سن صغير، وكانت تبحث دائمًا عن أن يكون لها رسالةٌ في الحياة.
وكانت لا تدخل المطبخ حسب طلب والدها، ولا تقوم بأعمال البيت، وبعد ذلك جاءوا من القرية إلى القاهرة بعد وفاة الوالد، واستقروا في حي السيدة زينب، وفي هذه الفترة أعلنت هدى شعراوي- رئيس الاتحاد النسائي- عن مسابقة لاختيار ممرضات يذهبْن إلى فرنسا لتعلم التمريض ويَعُدن إلى مصر لممارسة المهنة، وتقدمت زينب للاشتراك والتقت بهدى شعراوي، وعندما علمت أصول عائلتها رفضت سفرها؛
لأن هذه الدورات للفقيرات فقط، لكنها لمحت فيها ذكاءً وشخصيةً قويةً، فطلبت منها أن تنضم إلى الاتحاد النسائي وهي بنت السابعة عشر عامًا، بل إنها سرعان ما اختارتها عضوًا في مجلس إدارة الاتحاد، وكان الاتحاد يضم زوجات كبار شخصيات الدولة، ما بين لواءات ووزراء ومسئولين، وبالتالي كان وجود شخصية صغيرة السن أمرًا مثيرًا..!!
لكن كانت هدى شعراوي تدعمها وتُشعر أنها خليفتها، وكُلِّفت بعد ذلك من قِبَل هدى شعراوي ومعها سيدتان أخريان وهما حواء إدريس وسيزا نبراوي لحضور حلقات في الأزهر تتحدث عن دور المرأة في الإسلام، وكانت هذه المرحلة هي من المراحل الهامة في حياة زينب الغزالي؛
حيث بدأت تستمع إلى العلماء وإلى الشيوخ، وطلب منها الشيخ المتحدث في هذه الحلقات أن تنتظر حتى ينتهي هو من محاضراته على مدى عدة أيام، ثم يعطيها الفرصة لتعلِّق على هذه المحاضرات بما ترى أنها تؤيد أو ترفض ما يقول، وبالفعل انتظرت حتى انتهاء المحاضرات، لكنها شعرت أن هذه المحاضرات أثَّرت فيها، وأنها بدأت تكشف لها عن بعض الجوانب الإسلامية التي أحبتها، وبالتالي انفعلت أكثر بهذه المحاضرات، وبدأت تتعرَّف على الكثير من علماء الازهر، ثم كانت تتقلَّب بين أن تستمر في الاتحاد النسائي وبين أن تبحث عن مجال آخر، إلى أن حدث حادث شخصي لها بأن قامت والدتها بالضغط عليها لتعلمها كيف تطبخ وتنظف البيت، لكنها أخطأت في إشعال الموقد فاشتعلت النار في جسدها كله ونُقِلت إلى المستشفى؛
لكنها نذَرت لله نذرًا إن خرجت من هذا الحريق بلا أثر في وجهها وفي جسمها أن تتفرَّغ للدعوة الإسلامية، وأن تؤسس عملاً للدعوة الإسلامية، وكانت هذه نقطة تحوُّل أساسية هي مؤهَّله لها، لكنها كانت تنظر إلى الكيفية.
وبالفعل عقدت العزم وهي في هذا المرض أن تؤسس عملاً للدعوة الإسلامية، وبالفعل أعدت مسودَّة جمعية السيدات المسلمات كأول جمعية إسلامية نسائية تعمل في مجال الدعوة الإسلامية وتعمل في زيادة الوعي الإسلامي، وكان ذلك في ربيع الأول 1356 هـ= 1937 م، وكان عمرها في ذلك الوقت حوالي عشرين عامًا، ونذرت ألا تتزوج حتى تحقق طموحها في إشهار هذه الجمعية ودعمها، وأعلنت عن تأسيس هذه الجمعية من كلية الشريعة بالأزهر بالدراسة، وكانت في هذا الوقت على صلة بعدد من علماء الأزهر، منهم الشيخ مأمون الشناوي- الذي أصبح شيخًا للأزهر بعد ذلك- وبالفعل بدأت هذه الصلةُ تقوي بينها وبين الكثير من علماء الأزهر الذين ساعدوها في استكمال الجوانب الثقافية والعلمية الإسلامية من الحديث والسيرة والتاريخ، وما إلى ذلك، وهذا ما شجعها على أن تواصل الدور الإسلامي الذي استشعرت أهميته بعد ذلك.
الإمام حسن البنا
التقت الحاجة زينب الغزالي بالإمام الشهيد ربما سنة 1940 م أو 1941 م، هي لا تذكر تحديدًا التوقيت بالضبط، وكانت قد سمعت عن دعوته لكن لم يكن الاحتكاك قويًّا..
إنما أرسل لها من يطلبها لكي تلتقي به، وقال لها انضمي إلى دعوة ( الإخوان ) وتصبحي مسئولة عن قسم الأخوات المسلمات ، لكنها كانت تشعر أن هذه الجمعية هي نبضات قلبها وحبَّات عرقها، لا تريد بها شيئًا آخر، فافترقا على أن يعمل كلٌّ في مجاله، لكن الشيخ حسن البنا كان يتابعها ويتابع أعمالها إلى أن كان اللقاء الأخير في سنة 1948 م قبل استشهاد البنا ببضعة أشهر قالت له:
إنني جئت إليك الآن عارية من كل شيء إلا ارتباطي بالإسلام وبايَعَتْه على أن تعمل معه، وأن تحل جمعية السيدات المسلمات ، لكنه أشار عليها أن تُبقي على الجمعية؛ لأن الحاجة إلى الجمعية أقوى من حاجته إليها في المرة السابقة، وبالفعل تسارعت الأحداث إلى أن استُشهد حسن البنا ، وكانت تشعر أن الأفضل لها أن تبدأ معه قبل ذلك حتى يكون العمل معه أكثر تأثيرًا.


مراحل من المحن

  • هل ذلك يدل على استقلال الفكر النسائي في ذلك الوقت؟
هو طلب منها ذلك لأن الإخوان كانوا قد دخلوا في هذه الفترة في مراحل من المحن، وكانت ظهرت قضية (السيارة الجيب)، وبعض أحداث الاغتيالات، ويدخلون في صدام مع الحكومة، فربما كان يرى أن بقاء الجمعية سوف يكون له دورٌ رسميٌّ أو غيرُ رسميٍّ على الساحة، فيضيف إلى العمل الإسلامي باعتبار أن الجماعة كانت مقبلةً على فترة عصيبة من قبل أن تفقد هذا المنبر.
  • كان ذلك قبل حل الجماعة أم بعدها؟
كان قبل حل الجماعة.
تقول إن الجمعية انتشرت في تلك الفترة، وأصبح لها فروع كثيرة، وصلة زينب الغزالي بعلماء الأزهر أتاحت لها فرصة العمل من خلال المساجد القاهرية والمساجد في المحافظات بشكل كبير، فكانت لها دروس أسبوعية في مسجد أحمد بن طولون، ومسجد الإمام الشافعي، والأزهر الشريف ومساجد هذه المنطقة، واستطاعت أن تؤسس لجمعية السيدات المسلمات بعض العمل المؤسسي، منها أنها أنشأت مشغلاً للفتيات، ومعهدًا للوعظ، وكان يلتحق به الواعظات لمدة ستة أشهر للدراسة الشرعية ثم تنطلق للتدريس والخطابة، ووصل عدد فروع الجمعية إلى 119 فرعًا على مستوى الجمهورية، وكان أغلب هذه الفروع في القاهرة، وبالتالي ارتبطت في هذ الفترة ببعض شيوخ الأزهر كالشيخ محمود أبو العيون، والشيخ عبد ربه مفتاح، والشيخ عبد المجيد اللبان، والشيخ مصطفى المراغي، والشيخ مصطفى عبد الرازق.
  • ولكن في فترة الأربعينيات كان خروج المرأة من بيتها قليلاً، فكيف انتشرت الجمعية وانتشر نشاطها؟
كانت هناك دعوات من الاتجاهات العلمانية والاتجاهات غير المتدينة بأن يكون للمرأة دور في الحياة، فكانت الحاجة زينب تستفيد من هذه المساحات فكان هناك مستويات للمرأة تتعامل مع القضايا العامة، بل إنها كانت تخرج أحيانًا في مسيرات نسائية كمسيرة 1953 م للردِّ على مؤتمر السلام الذي عُقد في فيينا في ذلك الوقت، ونُشِرت صور المسيرات بصحيفة (الأهرام)، فكانت هناك قطاعات من النساء تتحرك مع هذه الجمعية ولكن ليس ببنفس الحال الذي نحن عليه الآن.
هي شعرت أن الدعوة الإسلامية مقبلةٌ على مِحَن، ولا بد أن يكون لها صوت فأسَّست مجلة السيدات المسلمات سنة 1951 م، وكانت تصدر شهريةً، ثم توقفت فترةً، ثم أعيدت مرةً أخرى حتى أوقفها عبد الناصر عام 1957 م، وكانت تقوم بدور اجتماعي في فترة الخمسينيات.
  • بذلك بدء العداء مع عبد الناصر رغم أن الحاجة زينب كانت مؤيدة لانقلاب 1952 م..؟!
الكل أيَّد الانقلاب في البداية؛ لأن الشعب كان يرغب في التغيير والتحرر من هذا الفساد وهذه الملكية التي وصلت إلى مرحلة الضعف، ولكنها كانت أسرع المهاجمات للثورة حتى طلب منها المرشد العام المستشار حسن الهضيبي أن تكفَّ قليلاً عن الهجوم عن الثورة؛ حتى لا يتم تضييق الخناق على الجماعة، وإني رأيت بنفسي كيف كانت تهاجم الإنجليز في مصر، وكيف كانت تهاجم القصر الملكي والأحزاب العملاء، وكيف كانت تهاجم الثورة على تنصُّلها من الديمقراطية وحقوق الإنسان والتزامها بتطبيق الشريعة، وكيف كانت تهاجمها وبضراوة شديدة جدًّا، ونجحت في أن تؤسس عملاً إعلاميًّا في هذه الفترة، وامتدَّ هذا النشاط حتى عام 1954 م بعد محنة الإخوان الذين أُضيروا في هذه المِحَن، وتعطيهم من الدعم المادي والعيني ما يجعلهم بعيدين عن الضغط السُّلطَوي.


وزارة ائتلافية

كان أسرة الحاجة زينب الغزالي تشكِّل وزارةً ائتلافية؛ لأنها جمعت أشتاتًا من المتاقضات، فكان لها شقيق وهو محمد الغزالي كان ينتمي إلى الإخوان المسلمين ، وينتمي في نفس الوقت إلى الجمعية الشرعية ولكنه يؤمن بفكر الإخوان المسلمين ، وكان لها شقيق يساري وهو عبد المنعم الغزالي وكان صحفيًّا بجريدة الأهرام، ولكنه في أواخر حياته كان ملتزمًا، وكانت لها شقيقة ناصرية، ومن المفارقات أنها أقامت سرادقًا لتقبل العزاء في وفاة عبد الناصر، وكان لها شقيق يُدعى سيف الدين الغزالي وهو أحد أركان الوفد ودخل لعضوية مجلس الشعب عن الوفد، وكان لها شقيق على مبادئ الحزب الوطني القديم (حزب مصطفى كامل)، فكانت جميع الأطياف موجودةً بالعائلة، وكانت لها شقيقه متدينة تَديُّنًا عاديًّا دون أي اتجاهات، ومع ذلك كنت ألمس احترامًا عامًّا بينهم وخاصةً للحاجة "زينب"؛ لأنها تمثل الرأي الصحيح الذي يعرف ربه.
  • كم عدد أشقائها؟
محمد الغزالي ، وعلي الغزالي، وسعد الدين الغزالي، وسيف الدين الغزالي، وعبد المنعم الغزالي، وحكمت الغزالي (الناصرية)، وحياة الغزالي التي لا تزال ترافقها حتى الآن، وبذلك تصبح الوزارة 8 أفراد.


علاقتها بالملوك

  • هل من الممكن أن نلقي الضوء حول نشاطها السياسي فيما بعد الثورة؟
كانت ترى في المملكة العربية السعودية التي قد بدأ نجمها يلمع أنها الدولة التي تطبق الإسلام وتدافع عن الإسلام ، وكانت قوية العلاقة بحكام السعودية، مثل الملك عبد العزيز، ثم على علاقة قوية بالملك سعود، لدرجة أنها كتبت كتابًا اسمه (ملك وآمال شعب)، وضمنت في هذا الكتاب رؤيتها لآمال المسلمين في أن تكون هناك دولة تحكم بالإسلام وتدافع عن الإسلام وتمثل الإسلام في حركاته، وكانت هذه العلاقات لها بُعدُها؛ لأنها كانت تذهب إلى السعودية للحجِّ سنويًّا والعمرة ما بين الحين والحين، أي حوالي 39 حجة و100 عمرة، ومنذ ذلك الوقت تفتَّحت عيناها على حب العمل السياسي والاندماج فيه، من خلال المقالات والكتب والاتصالات، فدعت على سبيل المثال اللواء محمد نجيب لزيارة جمعية السيدات المسلمات، واستقبلته ونشرت هذه الصورة في المجلات.
وكانت تأمل كثيرًا في أن يكون هؤلاء الضباط من العاملين لله ولتطبيق الشريعة، لكنها سرعان ما اكتشفت هذه النوايا السيئة، فبدأت بالهجوم الشديد على مجلس قيادة الثورة، وفي فترة الخمسينيات انشغلت بأن تضمد الجراح، وأن تزور الأسر الإخوانية التي راح ذووهم ضحايا لسجون عبد الناصر، وأن تكون على علاقة قوية بأسرة الأستاذ حسن الهضيبي- المرشد الثاني لجماعة الإخوان- وبالفعل استطاعت أن تأخذ منه إذنًا بأن يتحركوا مرةً أخرى لإعادة تنظيم الإخوان مرةً أخرى، وبالفعل كان بيتُها منذ موسم الحج سنة 1957 م ملاذًا لقيادات الإخوان ، فيأتون إليها ويتحركون من خلالها، وبدأت في التنظيم حتى اكتشف هذا الأمر في سنة 1965 م فدخلت السجن، وقد حاولت المخابرات أن تغتالها لكنها لم تنجح، وأصيبت بكسر في ساقها ظل أثره حتى الآن؛ لأنها قُبض عليها بعد ذلك فلم يُعالج هذا الكسر، ودخلت الحاجة زينب ضمن القضية المعروفة بتنظيم 1965 م، وطالبت النيابة بإعدامها لكنها حصلت على أشغال شاقة مؤبدة، وذلك في أغسطس سنة 1965 م، ثم خرجت في أغسطس سنة 1971 م بعد وساطات كثيرة كوساطة الملك فيصل ب السعودية ، وبالفعل خرجت بقرار عفو من رئيس الجمهوريةمحمد أنور السادات وخرجت بعدها بثلاثة أشهر السيدة حميدة قطب التي كانت تقضي 10 سنوات في السجن، ثم واصلت زينب الغزالي العمل في مجال الدعوة والكتابة حضور المؤتمرات وبدأت في تأليف الكتب.


عبد الناصر يشهد تعذيبها

هي ذكرت ذلك، والأمر في النهاية عندها، وهي التي كانت في السجن ولا مصلحة لديها في أن تكذب في شيء أو أن تقول أمرًا غير صحيح، ولكني عندما سألتها قالت لي إنها كتبت في هذا الكتاب بعض ما تعرضت له وليس كل ما تعرضت له، لكنها كانت تقول إنها لم تكن تتصور مطلقًا أن تُؤذى ولو بورد؛ أي لا يضربها أحد ولو بوردة، لكنها تحملت أبشع صنوف التعذيب، وكانت تأخذ حلقات التعذيب، وهي المرأة التي لم يعنفها أحد قط، فتحملت هذه الفترة وهي راضية وخرجت وهي أشد عزمًا وقوةً من هذه المِحَن الصعبة.
  • كيف تعلق على حضور رئيس جمهورية جلسات تعذيب امرأة؟
رئيس الجمهورية في هذه الفترة كان يتصور أنه الحاكم الأول والأوحد الذي لا ينبغي ولا يجوز لأحد أن يعارضه، فكلما نقلوا له- في تقديري- أن هناك من يتمسك بما آمن به رغم تعذيبه وما زال قويًّا, فكأنه أراد أن يُشاهد مَن هذا الذي يقف في وجهه ويصمد كل هذا الصمود أمام هذا التعذيب الشديد، فأنا أظن أن حضوره كان نوعًا من التشفي بأن يرى هؤلاء يعذبون ويُجلدون، ولا يجد غضاضةً في ذلك، وأنا لا أتصور مطلقًا أن رئيس الدولة يكون بمعزل عما يجري إن لم يكن بأمر منه شخصيًا، وهذا في تقديري هو الأرجح أو على الأقل بموافقة ضمنية منه.
  • نُقِلَ عن الحاجة زينب أنها كانت بعد كل جلسة تعذيب كانت تقف وتبصق في وجه شمس بدران !!
هي كانت تشعر أنها صاحبة حق، وأن صاحب الحق له مطلق الحرية في أن يواجه مَن يعتدي عليه، خاصةً وأنهم ضعاف لا يفعلون ذلك من منطلق مبادئ أو قيم، وهي كانت تستشعر هذا الضعف فكانت ترد عليهم ردودًا قويةً وصارمةً وهادئةً ضد جبروتهم وطغيانهم, وهذه القوة لم تفت في عضدها بل كانت شامخةً، وهي تواجه وتستشعر أنها ستنال إحدى الحسنيين، إما أن تخرج وهي صاحبة إرادة وعزيمة وإما أن تستشهد، وكان هذا حبيبًا إليها.


محاولة اغتصاب

  • نُقِلَ أيضًا أنها تعرضت لمحاولة هتك عرض، وأنها دافعت عن نفسها حتى أغمي على الجندي الذي حاول ذلك معها؟
تعرضت لمحاولة اغتصاب، وكان ذلك جزءًا من محاولة إهانتها وإذلالها والضغط عليها بأسلوب قذر؛ لكنها كانت تستعين بالله، وتردد أسماء الله الحسني، ولعل الله عز وجل علم صدقها فمنع هذا الجندي المكلف بأن يُؤذيها، وبالفعل لم يمسَّها.
  • نُقِلَ عن الكاتب الكبير مصطفى أمين أنه وجد في مكتب الرئيس السادات شكوى من جندي كان مجندًا في السجن الحربي في عهد عبد الناصر، وعندما لم يتمكن هذا الجندي من اغتصاب الحاجة زينب تمَّ إخصاؤه وطالب بتعويض عن ذلك، والرئيس السادات صرف له تعويضًا قدره خمسمائة جنيه.. هل لكم أن تؤكدوا هذه المعلومة؟
ربما حدث ذلك.. ولكني لم أقرأ ذلك، والحاجة زينب لم تذكر ذلك في كتابها ولم أسمعه منها، ولكن مصطفى أمين بالطبع دائرة معرفته أوسع مني، وربما يكون ذلك صحيحًا.
  • ما أبرز المواقف التي حدثت للحاجة زينب أثناء المعتقل، وما الدروس التي نخرج بها من هذه الأحداث؟
الدرس الأول والأكبر هو أن الصلة بالله سبحانه وتعالى والصدق في الالتزام لا بد أن يكون له عند الله عز وجل منزلة تدفع عن الشخص ما يمكن أن يتعرض له من إذلال وإيذاء وقهر، ويخرجه سليمًا معافًا أو يلقى الله شهيدًا، وبالتأكيد فالصدق هو الذي منحها كل هذه القوة، وأنها كانت على يقين من أنها على طريق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وربما رأت كثيرًا من الرؤى التي تدعم هذا، وأنها تسير في الطريق الصحيح، وتعرف تهافت وضعف وهوان مَن يقومون بتعذيبها فكانت تستصحب القرآن الكريم والذكر والدعاء، وتتعلق بالله.. كل هذا كان يمنحها هذه القوة الهائلة التي عبَرت بها هذه المحنة الشديدة دون أن يكون هناك خسائر نفسية، وأعتقد أن هذا هو الدرس الأكبر في وقت هذه المحن.


محكمة الفيوم

  • بعد خروجها من السجن هل عادت مرةً أخرى لممارسة العمل السياسي أم توقفت؟
لقد تمََّ الضغط عليها في السجن ليس بالتعذيب البدني فقط، ولكن أيضًا بالتعذيب النفسي فهم أكرهوا زوجها- وهو رجل أعمال يُدعى الحاج محمد سالم سالم - على تطليقها، وأرسلوا لها ورقة طلاقها في السجن كنوع من التحطيم النفسي، وهي كانت تحبه وهو كان يحبها كثيرًا، لكنها كانت في قرارة نفسها تُدرك أنه مكرَه على ذلك، وأن هذا الطلاق لم يقع، وبالفعل عندما خرجت وهو كان قد تُوفي بعد اعتقالها ببضعة أشهر- سنة 1971م وجدت أمانةً في محكمة الفيوم التي كان يتبعها زوجها فعندما فتحتها وجدت ورقةً يشهد فيها أمام الله أنها زوجته إلى يوم القيامة، وأن لن يطلقها، وأن ما حدث كان قهرًا، وبالتالي رد لها هذا البعد النفسي الذي فقدته، وعندما خرجت كانت قوية وصلبة وشديدة الاعتزاز أنها لم تضعف في أي مرحلة في حياتها، وبدأت تشارك في المؤتمرات الدولية كمؤتمر الجزائر الذي كان يعقد سنويًّا، وسافرت إلى عشرات الدول في فترة السبعينيات والثمانينيات ما بين أوروبا وآسيا وأمريكا، وتمَّ تكريمها في بلدان كثيرة؛ حتى إنها كُرِّمت من الاتحاد الإسلامي الأوروبي مؤخرًا منذ عامين، وكُرِّمت من نقابة أطباء الإسكندرية منذ عام، وهي تكرم لأنها رائدة في هذا المجال، وهي صاحبة تاريخ طويل وعريض في الدفاع عن الإسلام ، وزارت تقريبًا أغلب الولايات في أمريكا وأكثر من عشر دول أوروبية، وكذلك السعودية والأردن وباكستان والسودان والكويت والجزائر والمغرب.
عندما خرجت من المعتقل عام 1971 م عرض عليها الملك فيصل أن تذهب إلى السعودية ، ويقدم لها راتبًا شهريًا ضخمًا، وأن تظل في السعودية ؛ لكنها أبت، وقالت إنها ستظل في مصر ؛
لأنها محضن الدعوة وبلد الدعوة، وتحتاج مَن يتحركون فيها بين الناس، وبالفعل عاشت حياتها ليست ثرية وليست فقيرة ولكنها عاشت "مستورة"، بعيدًا عن الشعور بأن أحدًا يكافئها على ما حدث لها، حتى إنها رفضت أن ترفع قضية تعويض رغم أن الرئيس السادات أرسل لها مستشارًا قضائيًا يقول لها اطلبي ما شئت وسنعطيك، وكان السادات يريد أن يكشف ما جرى ليهدم المرحلة السابقة من حياة عبد الناصر ويستفيد هو من الناحية السياسية؛ لكنها قالت: لا تعوضني ملايين الدنيا عن ضربة سوط واحدة في سبيل الله، فأنا سآخذ أجري من الله سبحانه وتعالى، ورفضت تمامًا أن ترفع قضية رغم أنها لو رفعت قضية لربحتها.
  • يقال إنها أتمت تفسير القرآن الكريم.. ما مدى صحة ذلك؟
لقد كان القرآن ملاذَها في السجن، فكانت تكتب بعض العبارات وبعض الآراء التي كانت تخطر لها في تفسيره؛ ولكن أخذ منها هذا التفسير ولم تكمله، ولكنها عندما خرجت بدأت تستعيد هذه المعاني مرةً ثانية، وبالفعل كتبت تفسيرًا اسمه ( نظرات في كتاب الله ) طُبع منه الجزء الأول والجزء الثاني ما زال قيد الطباعة.
  • هل تمَّت مراجعته من قِبَل أحد علماء التفسير؟
راجعه الدكتور عبد الحي الفرماوي
  • هل الحاجة زينب ما زالت تمارس بعض الأنشطة؟
لا.. لأنها تقدمت في السن، وتدخل في مرحلة الشيخوخة، فمنذ بضع سنوات وهي متوقفة عن أنشطتها.
لعل الشخصيات لا تتكرر، فلماذا لم يتكرر حسن البنا ؟! قد تتكرر شخصيات قريبة أو شبيهة فيها بعض هذه الصفات، وأنا أظن أن زينب الغزالي لم تتكرر، وربما لن تتكرر، ولكن سوف تكون هناك تلميذات تسير على خطى زينب الغزالي وعددهن كثير، لكن ربما لا يأخذْن شهرة زينب الغزالي التي خرجت في ظروف معينة وكان لها هذا الحضور العام.
  • هل لديكم أية إضافة أخرى؟
لو ألقينا الضوء على الجانب الاجتماعي فهي تزوجت مرتين ولم تنجب، ولها من الكتب حوالي عشرة تقريبًا مثل: (إلى ابنتي) جزئين، و( مشكلات الشباب والفتيات في مرحلة المراهقة ) جزئين أيضًا، و( نحو بعث جديد ) ( أيام من حياتي ) ( نظرات في كتاب الله ) ( نظرات في الدين والحياة ) و( شرح الأربعين النووية )، وإسهامات كثيرة في الصحف والمجلات والمؤتمرات العلمية والدعوية، كانت تعقد جلسة في بيتها كدرس أسبوعي، وكانت تتلقى الفتاوى وترد عليها، وتحرص على أن تكون كلها لله، ففي رمضان كانت تتفرغ للعبادة المطلقة للصلاة وقراءة القرآن والذكر، فهي عاشت للإسلام كل هذه الحياة الزاخرة بالجهاد والصبر والعطاء... نسأل الله أن يبارك هذا الجهاد، وأن يبارك في عطائها إن شاء الله.
رحم الله الفقيدة الغالية جزاء ما قدمت للدعوة الإسلامية وجزاء صبرها على البلاء في سبيل إعلاء كلمة الله وأسكنها الله فسيح جناته مع "النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا.

المصدر

للمزيد عن الحاجة زينب الغزالي

روابط داخلية

كتب متعلقة

مؤلفاتها

مقالات متعلقة

.

متعلقات أخرى

.

وصلات خارجية

مقالات متعلقة

.

تابع مقالات خارجية

.

تابع مقالات متعلقة

أخبار متعلقة

وصلات فيديو