محمد طلبة رضوان يكتب: دولة عبد الناصر التي تحتقر العمال من يومها؟

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
محمد طلبة رضوان يكتب: دولة عبد الناصر التي تحتقر العمال من يومها؟


(5/13/2015)

محمد طلبة رضوان

لولا مصطفى باشا النحاس، ما كان عبد الناصر، ورفاقه، وما كانت ثورة يوليو، أبناء الفقراء كانوا محرومين من دخول الجيش المصري، وقع النحاس معاهدة 36، التي سمحت لعيالنا، بمزاحمة أصحاب المعالي، والسمو، كان من المفترض أن يغير ذلك من التركيبة الاجتماعية للجيش المصري، إلا أن معاشرة "ابن البوسطجي" لـ "ابن الباشا"، لم تزد الأول إلا حقدا، ورغبة "شخصية" في أن يحل محل الأخير، هنا يخبرنا المؤرخ المصري الكبير حسين مؤنس أن مصر بعد يوليو انتقلت من "الباشوات" إلى السوبر باشوات"، جاء العساكر ليحطموا أصنام الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية القديمة، ويفتحوا الطريق أمام استعباد جديد، وسجود لأصنام جديدة، ولكن تحت شعارات الوطنية، والعزة، والكرامة، وارفع رأسك يا أخي .. لأنك نور "عنينا" !!

في الأربعينيات، كانت الحياة السياسية في مصر تمور بالصراعات، أحزاب، وتنافس، ووزارات تسقط، فوزارات تقوم، حراك طلابي ثوري، تفاعلات اجتماعية تشير إلى غد بغير محتل، وحدة الشعور الوطني لم تكن تحتاج إلى "ميديا" كاذبة، كانت نزهات الضباط الانجليز في شوارع المحروسة وحدها كافية بغليان الدم في عروق كل المصريين، باستثناء "حزب الكنبة"، و"المواطنون الشرفاء" الذين لم يخل منهم عصر، على كل حال.

ومن أكثر التيارات السياسية، ثورية، في ذلك الوقت، كانت التيارات اليسارية، أغلبها كان سريا، مثقفون، وعمال، وطلبة، كان البوليس السياسي يخشاهم، خشية أمن الدولة للإخوان الآن، كانوا كما يصورهم سيدنا نجيب محفوظ في "السكرية"، مسممين بأفكارهم، قولا وفعلا، ابن التاجر، اذا كان شيوعيا، تزوج من بنت عامل المطبعة، ولم يبال، بنت الباشا إذا آمنت، تزوجت من زميلها الفلاح، تذويب الفارق بين الطبقات كان دينا ودنيا ومنهاج حياة !!

قامت يوليو، وبين رفاق عبد الناصر الشيوعي الحقيقي، والشيوعي التايواني، عبد الناصر كان من هذا النوع الأخير، تحالف مع الإخوان في البداية، كان يريد زخما شعبيا لانقلاب عسكري أرادوه ثورة، وافق الإخوان، وكانوا عساكر العسكر، في الشارع، والجامعة، والمساجد، والصحف، بيان يوليو الأول، كتبه سيد قطب، على أحد الأقوال، سرعان ما انتهى شهر العسل، تباينت الأحلام، ناصر يرد دولته والإخوان يريدون الخلافة، سجنهم، وعلقهم على المشانق، وظل في أثرهم إلى اليوم الأخير.

خالد محيي الدين كان شيوعيا حقيقيا، رئيسه في الحزب كان عاملا، "ميكانيكي"، وكان عبد الناصر يعايره بذلك قائلا: ازاي تكون ضابط في الجيش ورئيسك ميكانيكي!!

لم يحترم ناصر العمال يوما، كما لم يحترم الإخوان، أو الليبراليين، أو حتى النحاس باشا الذي كان سببا في ارتقائه هو ومن معه في السلم الاجتماعي، لم ينخلص عبد الناصر يوما إلا إلى عبد الناصر، ومشروعه، وزعامته، سعى، ونال ما أراد.

كان الخطر الحقيقي على ثورة يوليو، هو التنظيمات اليسارية، ذلك لأن منهم ماركسيين، مثقفين وعمالا، وأنهم لا يستكبرون، ظلوا على ولاءاتهم الأولى حتى هذه اللحظة، رفضوا حركة يوليو لأنها بالأساس انقلابا عسكريا، وانخرطوا في نشاطات ضد النظام كان من الممكن أن تؤول لثورة اجتماعية حقيقية، لم يكن لدى قطاعات منهم مانعا للتحالف مع الإخوان، كانوا عصبة، في مواجهة دولة لم تستقر أركانها بعد، جننوا العساكر في الخمسينات، ودفعوا الثمن من حرياتهم، اعتقالات، وتعذيب، و"مرمطة"، الجدول كله، دون جدوى.

هنا كان خيار "ناصر" هو المصالح مقابل بيع القضية، اشتراهم، أو بالأحرى، تودد إلى "الغلابة" منهم، واشترى من المثقفين من هو معروض للبيع !

تحالف عبد الناصر مع الروس، تبنى توجها سوفيتيا، حتى في عمارة البرج، ومبنى التليفزيون، كان "العمال" هم وردة الجاكيت المدني الجديد على "جتة" البكباشي الذي صار ورفاقه باشوات الزمان الجمهوري !!

ليس معنى هذا أن كل اليسار باع، لو باعوا فمن أين عرفنا وتعلمنا هذا الكلام، شاع في أدبيات اليسار أن ما فعله "ناصر" مع الرفاق، هو ثمن الصلح، خرجوا من المعتقلات إلى الجرائد رؤساء تحرير، وأقسام، وظلوا يتوارثنوها جيلا بعد جيل، إلى يومنا هذا، وإلى المصانع عمالا، وإلى البرلمان، مثقفين وعمالا وفلاحين، أكلوا وشبعوا، وسكتوا.

لعل ذلك يخبرك لماذا باع أبو عيطة، وحسام عيسى، وعبد الحليم قنديل، واشتغل حمدين عند العساكر محلل انتخابات، صلة فلول اليسار بالدولة العميقة وشبكات مصالحها، وامتداداتها، وجذورها، أكبر مما تتصور، ولئن كانوا قد انحازوا لثورة لم يصنعوها، ضد نظام قلل من مصالحهم لصالح طبقة جديدة من رجال الأعمال، وريث السادات وتحالفاته المختلفة التي لم تعد بحاجة ملحة إليهم، فهم في النهاية جزء من هذا النظام، ويساريتهم المزعومة جزء من ماضي، تذكاري، قديم، تناثر منهم كحبات الكحول، في النادي اليوناني، وبارات الخواجة اليوناني، وستديوهات مدينة الإنتاج الرأسمالي، وصار هو الآخر، وردة على جاكيت اليساري المتقاعد.

ليكن العمال سوى "مطية" الدولة العسكرية، دولة الشعارات العمالية، والتوجهات الإقطاعية، عبد الناصر في حياته الشخصية كان يسخر منهم مع أصدقائه، يستأجرهم ليضربوا السنهوري باشا في مجلس الدولة بالجزمة، وحين يحذره أحد رفاقه من الرأي العام، يضحك ساخرا ويقول اشتريته بـ 3 آلاف جنيها، يجعل من امتيازاته ثمنا لزعامته واستمراره، فما أن يرحل حتى يصبح حرمانهم من هذه الامتيازات أسهل من سرقة الجنرال لأموال أبو تريكة.

وزير في دولة ناصر، يقول أن أبناء عمال النظافة مخلوقات أقل، هكذا كان يراهم ناصر، لكنه كان أذكى من هذا "الغشيم"، هذه هي انحيازات دولة "الباشوات" التي تحكمنا، من أراد أن يغيرها فلا يفرح بإقالة الذيل، إنما بإزالة الرأس، والله غالب.

المصدر