محمد الهادي عطية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٢٠:٠١، ١٩ يناير ٢٠٢٢ بواسطة Lenso90 (نقاش | مساهمات) (حمى "محمد الهادي عطية" ([تعديل=السماح للإداريين فقط] (غير محدد) [النقل=السماح للإداريين فقط] (غير محدد)))
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
محمد الهادي عطية أحد أعلام الإخوان بالسويس


مقدمة

التاريخ الإسلامي مليء بسير العلماء المصلحين الذين كان لهم أثر كبير في صناعة التاريخ والتأثير على المجتمعات حتى بعد مماتهم.

ولقد زخرت الأمة الإسلامية بمن أرشدها إلى حسن طاعة ربها، والدفاع عن شريعتها، والحفاظ على ثوابتها، إلا أنه بين الفنية والأخرى يرحل العلماء والمصلحين، لكنهم رحلوا بعدما تركوا آثار وبصمات في نفوس أبناء هذه الأمة، وتركوا مواقف وتاريخ يضيء ظلمات الدجى أمام الحيارى من شباب وشابات هذه الأوطان المكلومة.

حياته

لم نستطع أن نستدل على تاريخ ميلاد الشيخ محمد الهادي عطية ولا ظروف حياته الأولى، لكننا عرفناه من خلال أول زيارة للإمام البنا لمحافظة السويس عام 1929م.

كان في السويس قاضٍ شرعي هو فضيلة الشيخ محمد أبو السعود الذي قام بحركة علمية طيبة، واستطاع أن يجمع حوله العلماء يتدارسون أمر دينهم ويعظون الناس، فلما عزم الإمام البنا على نقل الدعوة إلى السويس، زار مجلسه، والتقى ببعض الأئمة والعلماء وتعارفوا فيما بينهم، فوجد الإمام البنا منه استعدادًا طيبًا

ثم دُعِي الإمام البنا لزيارة السويس بعد ذلك، فاتصل ببعض هؤلاء الإخوة وهم:

الأستاذ محمد الهادي عطية، والأستاذ حسن السيد، والأستاذ محمد الطاهر منير أفندي، والشيخ عفيفي الشافعي عطوة والتقى بهم، ونتج من هذا اللقاء إنشاء شعبة للإخوان بالأربعين بالسويس، يرأسها الشيخ عفيفي الشافعي، والتي تطورت حتى صارت منطقة بها أكثر من شعبة، ولها دار فخمة، وبناء ضخم عظيم، وفتح الله أبواب الخير فإذا شُعب البحر الأحمر في الغردقة، ورأس غارب والقصير وسفاجة.

يقول الأستاذ البنا:

زرت السويس زيارة عابرة لمقابلة الأستاذ السيد محمد الحافظ التيجاني هناك ورؤية بعض الأصدقاء والمدرسين، وكان هناك إذ ذاك فضيلة الأستاذ الجليل الشيخ محمد أبو السعود القاضي الشرعي، وقد أحدث بها حركة علمية طيبة. وجمع من حوله العلماء يتدارسون ويتذاكرون ويعظون الناس فزرت مجلسه بمسجد الغريب وتحدثت إلى بعض الأئمة والعلماء عن الدعوة ولقيت عرضاً الأستاذ محمد الهادي عطية المحامي الشرعي وصديقه الحميم محمد حسن السيد رحمه الله.
وتحدثنا حديثاً عابراً وإن كنت قد آنست استعداداً طيباً ولن أنسى أبدا "عود ثمر الحناء" فقد زرت في إحدى زيارات السويس منزل أحد الإخوان فوجدت على المنضدة كتاب سفر السعادة للفيروز أبادى وفتحته فإذا بي أقرأ: وكان صلى الله عليه وسلم يحب ثمر الحناء فشعرت بشوق شديد إلى عود من ثمر الحناء اقتداء به صلى الله عليه وسلم وأنى لي به وأنا في بلد غير بلدي ودار غير داري؟
وخرجنا إلى دار الإخوان ووقفت أتحدث إليهم وظهري إلى شباك عليه وبجواره صبية ينظرون وإذا بأحدهم يدعو الشيخ الهادي عطية حتى إذا خرج إليه أعطاه عودا ضخما من ثمر الحناء، وقال له وأنا أسمع: أعط هذا للشيخ المنشد، مشيرا إلي، وجاء الشيخ الهادي يقدم إلي العود قائلاً: هذه هدية صبيان الأربعين إليك، فقلت: وأنا أبتسم: هاتها، فليست هدية الأربعين ولكنها نفحة من ذكريات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظللت مسرورا يومي هذا لهذا التوافق الطيب.

الهادي من قادة الإخوان

اختير الأستاذ محمد الهادي عطية محامي بالسويس كواحد من قيادات الإخوان المسلمين حيث اختير كمندوب للإخوان بالسويس عن مناطق القنال والعريش وسيناء.

وحينما اجتمع مجلس الشورى للإخوان في القاهرة في الفترة من يوم السبت 11 من ذي الحجة 1353هـ الموافق 16 من مارس 1935م حتى يوم الإثنين 13 من ذي الحجة 1353هـ الموافق 18 من مارس 1935 م، كان من ضمن قراراته تأليف لجنة مؤلفة من الشيخ محمد الهادي عطية رئيسًا

وعبد الرحمن أفندي رضا سكرتيرًا، والشيخ محمد العربي والشيخ سيد محمد مطر والشيخ مبارك غنيم والشيخ أحمد منصور والشيخ محمد علي صالح خميس ومحمد أفندي الطاهر منير أعضاء؛ لوضع أول لائحة للحج عند الإخوان المسلمين، والتي اعتمدها مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين.

وفي اليوم الثاني للمؤتمر وكان يوم الجمعة المبارك تفرق حضرات أعضاء مكتب الإرشاد على المساجد فألقى كل منهم كلمته بما فتح الله عليه به، وكان منزل الأستاذ محمد الهادي عطية مكان اجتماع الإخوان بعد الصلاة حيث سبقت إليهم دعوة بتناول طعام الغداء على مائدته سبتمبر 1934م.

وكتب التلمساني بعد مجلس الشورى الثالث:

محمد الهادي عطية أفندي: قوام عربي ووجه حجازي، ثورة في ثورة تعصب للدين بالغ أشد حدود التعصب، هو في ارتجاله أبلغ منه في قراءته وأشد تأثيرًا. وحينما تشكلت الهيئة التأسيسية للإخوان عام 1945م تم اختيار الشيخ محمد الهادي عطية كواحد منها عن مدينة السويس.

سفره لبيروت بلبنان 1935م

أسفر اتصال الأستاذين عبد الرحمن الساعاتي وأسعد الحكيم في رحلتهما إلى الأقطار الشقيقة واتصالهما بالهيئات الإسلامية هناك أن جمعية المقاصد الخيرية قد طلبت إلى المركز العام أن يوفد إليها أحد الإخوان ليقوم بتدريس التشريع والأدب، فوقع الاختيار على الأستاذ محمد الهادي عطية المحامى الشرعي بالسويس والذي سافر إليها في أكتوبر 1935م

ونشرت المجلة بهذا الخصوص هذه الكلمة: الهادي في طريقه إلى بيروت:

هجرة في سبيل الله والعمل لدعوته شاء الله أن يقوم أسبق المسلمين بهذا العمل الأستاذ الهادي. ويصدر هذا العدد وفضيلة الأستاذ قد ألقى عصا التسيار ببيروت حيث يقوم بتدريس الشريعة الإسلامية والفلسفة والآداب بكلية المقاصد الخيرية، ويعمل في القطر الشقيق على تقوية أواصر المحبة والإخاء ونشر دعوة الفضائل والأخلاق الكريمة.
برح فضيلته السويس يوم الأربعاء الماضي فودعه على محطة السكة الحديد رجال الإخوان المسلمين هناك وكلهم تقدير لفضله وأسىً على فراقه ولوعة لبعده، لا يخففها عنهم إلا معرفتهم أنه يسافر مجاهدا في سبيل الله ليعد ميداناً كريماً من ميادين العمل للدعوة النبيلة. ومر فضيلته بالإسماعيلية فإذا على محطتها رجال الإخوان المسلمين يتقدمهم فضيلة نائبهم الأستاذ الشيخ محمد فرغلي وتتلوهم فرقة الرحلات، فكان وداعاً وكانت مناجاة وكان حديثا كله الحب المقيم والعطف الكريم.
وفي القنطرة حيث ترابط كتيبة الإخوان كذلك زودهم فضيلة الأستاذ بنصائحه الغالية بقدر ما فاضت به قلوبهم من محبة خالصة وتقدير جم لأخ من خيرة إخوانهم وداعية كريم من أفضل دعاتهم، وكذلك كان الأستاذ يرى في كل بلد إخوانا وفي كل محطة يقف فيها القطار جنداً وأعواناً، ونعتقد أنه سيلقى مثل ذلك وأكبر وأجل من حضرات الإخوان الكرام رجال المقاصد الخيرية ببيروت.
وإنما الأستاذ الهادي خير كله حيثما حل، ونستودع الله دينه وأمانته وخواتيم عمله ونسأل الله له تمام التوفيق وكمال العناية وأن نراه على خير ما نحب أن يكون، ونظنه ليس في حاجة إلى من يذكره بواجبه القدسي نحو جريدة الإخوان المسلمين.

و يقول محمود عبدالحليم:

في مؤتمر المنصورة أذكر أنه كان من بين حاضري هذا المؤتمر الأخ الكريم الأستاذ محمد الهادي عطية وكان محاميا شرعيا كبيرا وأستاذا للشريعة فى كلية المقاصد الخيرية ببيروت وكان إذ ذاك فى سن يناهز الستين فرأيناه ينتصب واقفا حين سمع كلام الأستاذ المرشد ويخرج من جيبه علبة سجاير ويفتحها ويلقى بما فيها على الأرض ويدوسه بقدمه ويعلن أنه طلق التدخين منذ اللحظة .
وقد أخبرني بعد خروجنا من المؤتمر أنه ظل يدخن أربعين عاما وكان يدخن فى ذلك الوقت فى اليوم الواحد أربعين سيجارة ... وقد كنت أنا حريصا على متابعة هذا الأخ الكريم لأعرف عواقب هذا الامتناع المفاجئ دون تدرج فأخبرني فى لقائي به بعد عدة أشهر بأن شيئا مما يشاع من انهيار أو صداع أو شئ من ذلك لم يصبه ..
ومعنى هذا أن العزيمة الماضية وثقة المرء فى نفسه وفى سلامة الطريق الذي يسلكه كل ذلك يكسبه مناعة ضد العوارض التي تصيب ضعفاء العزيمة الذين يدفعون إلى طريق سلكوا فيه راغمين محرجين . سلكوا فيه ونفوسهم لازالت تتلفت إلى وراء بشوق ولهفة.

مما كتبه الهادي عطية 1935

منهاج الإخوان المسلمين وغايتهم الإصلاحية

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيدًا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي أنزل عليه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، وعلى آله وصحبه السادة الأعلام الذين رفعوا لواء الإسلام وجاهدوا في الله حق جهاده فكانوا من المفلحين.

أيها الإخوة الكرام:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد فدعوني أتحدث إليكم عن أنفسكم وغايتكم ومنهاجكم وعملكم فترة من الزمن، إن هي طالت قليلاً فلن تسأموا حديثي ولن تجدوه مملولاً، لأنه حديث عن أنفسكم وأعمالكم، وما أصبر الإنسان على استماع الأحاديث عن نفسه، بل ما أشد تشوق النفوس لاستماع مثل هذه الأحاديث.

دعوني أيها الإخوان الكرام أتحدث إليكم عن منهاجكم وغايتكم وعملكم، فليس يجمل بنا أن نغفل حساب أنفسنا أو ننسى تعرف خطواتنا ونتبين حقيقة أمرنا، لعلنا نكون على خير فنضاعفه وندأب في السعي لنبلغ غايته، أو على غير ذلك فنتحرى الخير حيث كان ونعمل لإدراكه والفوز به مستعينين بالله العلي الأعلى الفعال لما يريد فهو وحده حسبنا وولي توفيقنا إلى ما يحبه ويرضاه.

غايتنا: أيها الإخوان الكرام، أنتم إنما تعملون لغاية معينة ومنهاج مرسوم محدود، فلستم كغيركم تعملون قتلاً للوقت أو مسايرة للناس أو دفعًا للوم أو مجاراة للتيار أو منافسة لغيركم أو تعليلاً للنفس وتسكينًا للضمير، أو إرضاء لشهوة جامحة قاتلة للنفوس تلك هي شهوة حب الظهور. لستم لشيء من هذا كله تعملون أيها الإخوان المحترمون، ولهذا فقد أحببت أن أوضح لكم منهاجكم من جديد حتى تعملوا على ضوء هذا المنهاج.

أنتم تريدون أيها الإخوان "أن تجددوا الأمة" تريدون أن تنشئوها تنشئة أخرى وتخلقوها خلقًا جديدًا، فما أسمى ما تريدون وما أجل ما تبتغون، لكن هذا كلام مجمل له عدة نواح وله تأويلات شتى فيمكنكم أن تفهموا تفصيله وتعرفوا تأويله وتقولوا إنا نريد بل

ويمكنكم كذلك أن تتبينوا وعورة السبيل إلى هذه الغاية السامية وما يتطلبه الوصول إليها من احتمال العناء والصبر على الضراء وتوطين النفس على اجتياز العقبات التي تعترضكم وتخطي الصعاب التي تقوم في طريقكم لا تنكصون على أعقابكم بل تسيرون قدمًا إلى غايتكم لا تهنون ولا تفزعون وتقولون إننا نريد.

أيها الإخوان الكرام: إن الأمة التي نسيت الإسلام وأهملت تعاليمه، وقنعت منه بالقشر دون اللب ولم تعد تعرف منه إلا تلك الأعمال الآلية، أما روح الإسلام فإنها بمعزل عن فهمهم، هذه الأمة يا معشر الإخوان لابد أن تعود سريعًا إلى حظيرة الإسلام، ولابد أن تتمسك بتعاليمه القويمة وتلتزم أحكامه المستقيمة ولابد لهذه الأمة أن تفهم جيدًا روح الإسلام وإلى أي شيء يدعو الناس، وإلى أي غاية سامية يريد أن يصل بهم؟ وأي حياة طيبة يريد أن يحيا بنو الإنسان؟

وإن الأمة التي وقفت الآن في مفترق الطرق يجذبها الإسلام إليه بما فيه من متانة وقوة وروحانية وعظمة وتحاول أن تنتزعها منه المدنية الغربية بما فيها من زخرف باطل وبهرجة خداعة ومتعة فانية ولذة عاجلة وبهيمية صرفة، هذه الأمة يجب أن تكون للإسلام وحده فهو المدنية الصحيحة.

يمكنكم أن تقولوا هذا وغيره في تفسير هذه الكلمة الجامعة "نريد تجديد الأمة" ويمكنكم كذلك أن تفهموا من الأمة مصر وحدها، ومصر ومعها العالم الإسلامي الذي جمعه الإسلام وربط أطرافه فإن لكل جزء من أجزائه ما للآخر في نفوسنا من القداسة والحب ومقاسمة الشعور والعواطف، أو إننا نعتقد بحق أن الإسلام عقيدة وجنسية، وقد أرشدنا الله تبارك وتعالى إلى هذه الحقيقة بقوله جل ذكره: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) "الحجرات: 10"

ليس هذا فقط أيها الإخوان بل إن الأخوة الإسلامية نعمة منه تعالى قد أنعم بها على عباده المؤمنين وذلك قوله عز وجل: (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) "آل عمران: 103" ويمكنكم أن تفهموا من الأمة مصر والعالم الإسلامي ومعهما العالم كله الذي فرض الله على المسلمين إبلاغه تعاليم الإسلام وإسعاده والترفيه عليه بتلك التعاليم الحكيمة.

أجل. لكم أن تقولوا كل هذا وما أنتم فيه بمبالغين أليس هذا ما أمركم به ربكم حين خاطبكم بقوله جل شأنه: (وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) "آل عمران: 104" أليس هذا هو الذي من أجله كانت الأمة الإسلامية خير أمة أخرجت للناس؟ وأخيرًا أليست هذه هي مهمة المسلم؟

ألا ما أشقها من مهمة وما أجلها، لكن هذا وحده لا يكفي في تحديد المنهج ورسم الغاية فإنه لم يخرج عن أنه كلام عام وجمل مرصوفة وعبارات منمقة وألفاظ مزوقة، فتعالوا إلى التحديد الدقيق، تعالوا نحصر بحثنا في نقاط معينة محدودة يتكون من مجموعها إصلاحنا المنشود ويتبين من جملتها السبيل إلى غايتنا المبتغاة.

وليكن بحثنا في النواحي الآتية:

  1. الناحية الدينية
  2. الناحية الاجتماعية.
  3. الناحية الخلقية.
  4. الناحية العلمية.
  5. الناحية الاقتصادية.
  6. وأخيرًا الناحية الوطنية.

إذ ما من شك في أن الإسلام وهو دستورنا الأساسي المسلم به من الجميع قد طرق كل ناحية من هذه النواحي واستوعبها جميعها، فلم يهمل منها ناحية ويعني بناحية، فلنتكلم إذن عن كل ناحية منها على حدة في شيء من الإيجاز والإجمال إذ يعوزنا الوقت الطويل للإطناب والتفصيل.

إصلاحنا المنشود

أ.الناحية الدينية: إن الفكرة الدينية لم تعد في نفوس المسلمين واضحة جلية كما كانت من قبل، وأصبحوا لا يفهمونها فهمًا صحيحًا، ولم يعودوا يفقهون أنها وحي من الله وليست كلام إنسان في وقته، لم يعودوا يفقهون أنها عمل وعمل للدهر كله وللحياة كلها عاجلها وآجلها.

ولقد فهم المسلمون الأولون الفكرة الدينية على حقيقتها فأضاءت نفوسهم وملأ اليقين بها أفئدتهم، لأنهم فهموا الإيمان على حقيقته وعرفوا المؤمن بمعناه الصحيح الذي بينه العليم الحكيم بقوله جل وعلا: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِككَ هُمُ الصَّادِقُونَ) "الحجرات: 15".

على هذا النحو فهم المسلمون الأولون الفكرة الدينية فكانت في نفوسهم واضحة جلية، ولكن العصور المتعاقبة وأحداث الزمن المتتابعة وطغيان المادة كل هذا جعلها تخفت فلا تكاد تدرك. وكذلك أصبح الشعور الإسلامي ضعيفًا جدًا، والاعتزاز بالإسلام لم يعد له أثر في النفوس، ونسي المسلمون قوله تعالى: (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ) "آل عمران: 139".

كذلك صار الاتجاه الإسلامي مختلفًا بحسب اختلاف وجهات نظر المسلمين اليوم للإسلام، فلكل جماعة من المسلمين، بل لكل فرد من المسلمين في الإسلام اليوم وجهة نظر تخالف وجهة نظر غيره، وما أراهم جميعًا قد نظروا النظر الصحيح، ولا أدركوا من الإسلام حقيقته ولا فهموا روحه فهم جميعًا كما قال الشاعر:

وكل يدعي وصلاً بليلى

وليلى لا تقر لهم بذاك

ولا جدل في أن هذا الاختلاف في الاتجاه من أقوى العوامل في إضعاف قوة المسلمين وتفريق شملهم واختلال صفوفهم، وعائق قوي لاجتماعهم وإنه لمن أكبر العوامل التي مكنت لعدوهم وجعلته يستطيل عليهم.

وإذا كان ذلك كذلك فعلينا أيها الإخوان الكرام أن نفكر جيدًا في أنجع الوسائل لتقوية الشعور الإسلامي في نفوس الشعوب الإسلامية من جهة، ولتوحيد الاتجاه الذي نتجه إليه من جهة أخرى، وهذا يتطلب علاجًا طويلاً للموضوعات الآتية:

  1. إصلاح الأزهر الشريف والجامعات الإسلامية الكبرى كجامع الزيتونة بتونس والجامعة الإسلامية بفلسطين وكلية الشريعة بالأعظمية بالعراق.
  2. إصلاح الطرق الصوفية.
  3. إصلاح الخطابة والوعظ.
  4. تخرج الأئمة والوعاظ الصالحين الذين يؤثرون بأعمالهم وأرواحهم أكثر مما يؤثرون بأقوالهم.
  5. تجديد الكتب الدينية بما يتناسب مع روح العصر.
  6. تعميم تعليم الدين في المدارس المدنية وإصلاح مناهجه في المدارس الدينية.
  7. وضع أصول وقواعد إسلامية للتوفيق بين الطوائف الإسلامية المختلفة.
  8. محاربة البدع.
  9. محاربة روح التعصب للرأي.

ب. الناحية الاجتماعية: الكلام في الناحية الاجتماعية يتطلب الكلام في ثلاثة أشياء وهي: الأسرة، الموبقات، العادات الفاسدة، وهاكم القول في هذه الأشياء موجزًا:

1.الأسرة: الأسرة الإسلامية مهدمة الكيان متداعية البنيان، مهددة بالفناء، بعيدة عن الإسلام في جميع شئونها. فعلينا معشر الإخوان أن نفكر جيدًا في إصلاح الأسرة وتقويم أودها وطبعها بطابع إسلامي بحت في كل شيء، وإلا فلن نظفر من جهودنا المضنية بغير النصب والفناء ولن نجني من متاعبنا الكثيرة غير الحسرة والشقاء.

وإصلاح الأسرة يتطلب بحث مسائل كثيرة متشعبة منها:

المرأة: تعليمها وسفورها وحجابها واختلاطها بغيرها والتبرج والزينة ووظيفتها في المنزل كأم ومربية.

الزواج: مسهلاته ومعوقاته ووسائل حمل الشبان والشابات عليه.

الطلاق: وضع نظام إسلامي صحيح لإيقاعه والقضاء على فوضى الطلاق التي تهدد الأسرة الإسلامية.

المنزل: نظامه - أثاثه - روح التقليد فيه - تجانسه - القرمانات والأجنبيات - البعد عنه والقرار فيه.

2.الموبقات: فشت في الأمة الإسلامية الآن منكرات مهلكات، وبوائق جائحات دوامها محق للأمة وفناء خطر يتهدد العقيدة، ويكاد يمحوا من النفس أثرها. فعلينا أن نعمل على القضاء عليها وإنقاذ الأمة منها بكل الوسائل الممكنة، وبكل ما وهبنا الله من حول وقوة، ومن تلك الموبقات الماحقات:

  • الخمر وما إليها من سائر المخدرات والعقاقير السامة المهلكة كالكوكايين والمورفين.
  • البغاء بنوعيه العلني والسري.
  • المقامرة - الجرائم - التخنث وما صار إليه الشباب من الرخاوة المعيبة.
  • الملاهي بأنواعها من غناء ورقص وتمثيل.
  • المقاهي والأندية - الزار.

3. العادات الفاسدة: وفي الأمم الإسلامية كذلك عادات فاسدة يأباها الإسلام وتنفر منها تعاليمه وآدابه. وقد كان حتمًا مقضيًا عليها أن تعتاد هذه العادات بعد أن نبذت تعاليم الدين الحكيم وأعرضت عن آدابه العالية وصدفت عن هديه العظيم.

كان حتمًا أن تعتاد هذه العادات وتدرج في طريقها الحزن وأقسم لو بقيت الأمم الإسلامية ترعى هذه العادات وتجري على سنتها فلابد أن تنتهي بها إلى عاقبة وخيمة ولابد أن تجر عليها شر النكبات؛ فواجب علينا إذن أن نبين للناس مبلغ ما في تلك العادات من ضر وما تعقبه من شر وما في البعد عنها والانسلاخ منها من فائدة، واجب علينا أن نحارب تلك العادات الممقوتة بكل وسيلة ممكنة وإن نبذل ما استطعنا من جهد في سبيل القضاء عليها ومن تلك العادات:

الملبس: نوعه، شكله، المطاعم، التحايا والمحادثات والمحاورات، التعارف، المآتم، الأفراح إلى غير ذلك من العادات السيئة التي لا يعرفها الإسلام والتي ليست منه في شيء.

ج. الناحية الخلقية: في العالم الإسلامي الآن نقائص خلقية في الناحية الشخصية وفي الناحية الاجتماعية، وقد حلت هذه النقائص الخلقية محل الفضائل الإسلامية التي ندب الإسلام إليها وأوصى بها وحث عليها الدين وحض على التخلق بها والتحلي بحلي كمالها، ولهذا كان حتمًا علينا أن نعود بالناس إلى تلك الفضائل ونبين لهم ما فيها من جمال وجلال ونقفهم على مبلغ ما اشتملت عليه من خير وكمال.

ومن تلك الفضائل السامية التي دعا الإسلام إليها الإيثار الكرامة، اليقين بالله والثقة بالنفس، الوفاء، الكرم والسخاء والنظام، العدل حب الحق، الثبات على المبدأ، فهذه الفضائل وغيرها مما دعا الإسلام إلى الأخذ بها وحث عليها. ولو أن الأمم الإسلامية تمسكت بها وأشربت في قلبها حبها لاستردت مجدها ولاستعادت عظمتها.

د.الناحية العلمية: في الأمم الإسلامية كثير من الأميين فلهذا فشا الجهل فيهم، وخمدت الفكرة العامة في نفوسهم وإن كانوا ليسوا سواء في هذه الناحية، إذ أن هناك تفاوتًا فبعض هذه الفكرة أرقى في نفوس بعض الأفراد منها في نفوس البعض الآخر.

ولكي تكون الأمة الإسلامية أمة حية يجب أن نوقظ فكرتها بالعلم: وتغذي روحها بالمعرفة، ولهذا يجب أن يشمل منهاجنا الإصلاحي الأمور الآتية:

نشر التعليم بين طبقات الأمة، وقرن التربية بالتعليم، العناية بالناحية الاستقلالية من التربية، العناية بدراسة التاريخ دراسة تامة وخصوصًا التاريخ الإسلامي وسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وسيرة الخلفاء الراشدين والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، إصلاح الصحافة، تنشيط حركة التأليف والنشر، محاربة الدعايات الفاسدة، والنهوض باللغة العربية التي هي لغة القرآن الكريم ومفتاح فهمه.

هـ.الناحية الاقتصادية: إن النظام الاقتصادي في الأمم الإسلامية نظام فاسد معلول لا يرتكز على أساس صحيح في أية ناحية من نواحيه، ومعظم الأمم الإسلامية بيد غير المسلمين والثروة الإسلامية مهددة بديون الأجانب واللمرابين.

وهل يتصور الإنسان أن الأرض المنزرعة في القطر المصري لا تكاد تفي لسداد دينه الأهلي، إذ لأنها جميعًا في الواقع ملك لغير المصريين، وهم إنما يعملون فيها أقل كثيرًا من الأجراء، هذا إلى الإغراق في التعامل بالربا، والإسراف المعيب جدًا في الكماليات، بله المحرمات، وهذا على ما أعتقد من أوضح الواضحات وليس يحتاج إلى بيان.

ولإصلاح هذا النظام الفاسد، وتركيزه وجعله مستقرًا ثابتًا لابد من دراسة عميقة وبحث دقيق لموضوعات كثيرة من أهمها:

الزكاة جباية وصرفًا، الامتناع عن التعامل بالربا بتاتًا، تعود خلق الاقتصاد وبثه في الأمة، وتعديل نظام المصارف "البنوك" الإسلامية بما يتفق مع تشريع الإسلام وقصر التعامل عليها وحدها، والإقبال على كل ما هو إسلامي ومقاطعة كل ما هو غير إسلامي، مهما كلفنا ذلك، مزاحمة الشركات الأجنبية وتخليص مرافق البلاد، منها بناء المشروعات الاقتصادية النافعة وإيجاد عمل للعاطلين من المتعلمين والصناع وغيرهم، تسوية الديون.

و.الناحية الوطنية: أعتقد أنه لا يمكن أن تتحقق المطالب السابقة ولا تلك الأمنيات التي ألمحنا إليها في بحثنا هذا ولا أن نفوز بغرضنا الأسمى من الإصلاحات ما دامت يد الاستعمار آخذة بخناق الأمم الإسلامية قابضة على أعناقها، وما دامت قيودها وأغلالها تحيط بهم من كل جانب وتطوقهم من كل ناحية، فإن الغاصب أشد الناس كراهية لرقي المغصوبين لأنهم إذا ما رقوا وإذا عرفوا حقوقهم فكروا في رفع يد الغاصب عن أعناقهم، وعملوا للخلاص من الظلم الواقع منه عليهم، وجدوا ليفوزوا بحقهم الذي جعله الله لهم من الحرية.

هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن الإسلام يأبى أن يكون المسلم محكومًا لغيره خاضعًا لأحكام سواه (وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) "النساء: 141" وبناء على هذا النص الحكيم المنبئ بعزة المسلم الدال على عظمته أخذ فقهاء الإسلام رحمهم الله تعالى عدم جواز شهادة الكافر على المسلم لأن في الشهادة معنى الولاية، ولم يجعل الله سبحانه وتعالى لغير المسلم ولاية على المسلم.

لهذا وجب علينا أن نفكر في طمأنينة نفوس الأمم الإسلامية وبث الهدوء فيها من هذه الناحية ولا يعني بها منهج ولا شك أبتر لا يؤدي إلى إصلاح الأمة التي وضع لها.

هذا أيها الإخوان المحترمون تصوير موجز جدًا للمنهاج الذي تريدون تحقيقه لتجددوا الأمة الإسلامية المحبوبة، وهو كما رأيتم منهاج مستمد من المنهج الإسلامي الذي وضعه الله العليم الحكيم لسعادة الإنسان في حياتيه الأولى والآخرة، وهو بعينه المنهج الذي سار المسلمون في الصدر الأول عليه فكان لهم ما كان من العزة والمنعة والمجد والعظمة

وبسبب أخذهم به ساحت جيوشهم في الأرض تكتسح الممالك العاتية وتدوخ الدول الظالمة وتنشر عدل الإسلام على ربوع المعمورة وقد تم لهم ذلك في زمن قصير ما كان يكفي لتخطيط تلك البلدان التي افتتحوها فكأنهم كانوا في رحلة رياضية لكن مع هذا منهاج يستنفذ مجهود أمم كثيرة ويستغرق السنين الطوال ولكنه أمر لابد منه وإنه ليسير على من يسره الله عليه وحسبنا منه أن نضع الأساس فنكون قد أدينا الأمانة وقمنا بمهمتنا كمسلمين والله سبحانه لا يضيع أجر العاملين.

أيضا كان يحرر الأخ محمد الهادي عطية باب من صحائف المجد بصحيفة الإخوان، ويتناول فيه التاريخ الإسلامي بأسلوب قصصي بديع ليس بتسلسل الأحداث، ويستنبط الدروس من خلال هذه القصص بشكل بسيط وتلقائي مثل: "كيف أسلم أسد الله حمزة بن عبد المطلب".

زوجة الهادي عطية على الدرب

كانت زوجة الشيخ الهادي عطية مثله في العمل الدعوي حيث كتبت في صحف الإخوان بعض المقالات جاء في بعضها: تحت عنوان "المرأة". وأيضا مقال بعنوان: "عزة المؤمن وحمية العربي" بقلم محمد الهادي عطية، ذكر فيه قصة نصرة المعتصم للمرأة التي استنجدت به. ويقارن ذلك بحال المسلمين - وخصوصًا في مصر - شعوبًا وحكومات، وموقفهم تجاه إخوانهم في فلسطين.

المصادر

  1. جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية – السنة الثالثة – العدد 29 – 1 شعبان 1354هـ - 29 أكتوبر 1935م.
  2. جمعة أمين عبدالعزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، الكتاب الثالث، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2003م.
  3. جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية – السنة الثانية – العدد 41 – الخميس 16 ذي الحجة 1353هـ - 21 مارس 1935م.
  4. محمود عبدالحليم: الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، دار الدعوة للطبع والنشر والتوزيع، الإسكندرية، 1999م.