مجدي مغيرة يكتب: حين يحتكر الدجال حُبَّ الوطن

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مجدي مغيرة يكتب: حين يحتكر الدجال حُبَّ الوطن


مجدي مغيرة

( 21 نوفمبر 2017)


حب الأوطان أمر فطري في نفوس البشر، فالإنسان لا ينسى المكان الذي ولد فيه، وعاش في أكنافه، وتربى على خيرات ، ونمت فيه معارفه، وتكونت صداقاته، وهو ما عبر عنه أحد الشعراء حين قال:

وحبَّبَ أوطانَ الرجالِ إِليهمُ

مآربُ قضَّاها الشبابُ هُنَاكَا

إِذا ذَكَروا أوطانهم ذكَّرَتْهُمُ

عهودَ الصِّبا فيها فَحنُّوا لذاكَا

فإذا أضفنا لذلك أن هذا الوطن له تاريخ عظيم، وحضارة باذخة، وانتصارات ضخمة، وإنجازات فخمة؛ فهو مما يزيد الإنسانَ تعلقا به.

ومصر بلد لها النصيب الأوفى من كل هذا، فهي بلد الخيرات، وبلد الحضارات، وهي الموطن الذي ما إن استقر فيه المهاجرون قديما حتى قرَّ قرارهم على البقاء فيه حتى الممات، ويكفيك ما قاله الرحالة ابن بطوطة قديما، أو المؤرخون كالمقريزي أو ما قاله ابن خلدون عندما رأى القاهرة للمرة الأولى في حياته: “من لم ير القاهرة لم يعرف عز الإسلام فهي حاضرة الدنيا وبستان العالم ومحشر الأمم ومدرج الذر من البشر، وإيوان الإسلام وكرسي الملك” .

وقد كان معروفا عن المصريين أنهم أكثر شعوب الأرض استقرارا في بلادهم، وعدم الرغبة في التحول عنها إلى غيرها، حتى عندما ألجأتهم الحاجة إلى السفر بحثا عن رزق كريم، كانت هجرة أغلبهم هجرة مؤقتة، فهو يسافر للعمل لفترة من الوقت، ثم يعود بمدخراته لبلده، ليبني فيها ويعمر؛ حبا في بلده، وعشقا للحياة فيها.

لكن مع سيطرة العسكر على مقاليد البلاد بدأنا نسمع عن نوع آخر من حب الوطن!

بدأنا نسمع أن حبَّ الزعيم المُفَدَّى الذي أذل النفوس وقهر الأرواح من حبك لبلدك! وأن خضوعك لظلمه وقهره يعني إخلاصك لوطنك! وأن مقاومة طغيانه تعني خيانتك لبلدك! والجهر بكلمة الحق في وجهه تعني سعيك لخراب البلد!، وكشف ألاعيبه تعني تعاونك مع جهات أجنبية بما يضر الأمن القومي للبلاد!

صار حب الوطن لا يتعدى كونه أغنياتٍ يصبونها في آذان الناس ليل نهار، دون أن يكون المقابل لهذا الحب رغيفَ خبزٍ يشبع البطن، أو كوب ماء نظيف يروي العطش، أو مستشفىً يعالج مرضه دون أن يقطع من لحمه الحي ليشتري العلاج ويدفع أجر المعالِج، أو مأوى كريما يعيش فيه الإنسان مع أسرته كما تعيش كل شعوب الأرض!

صار حب الوطن مثل صكوك الغفران، يمنحونها لمن يدفع، ويحرمون منها من يرفض دفع الثمن!

فمن يصفق لهم، ويبرر لهم، ويطبل لهم، ومن يشيطن خصومهم، ويقتل منافسيهم، ويصفهم بما ليس فيهم، فيشبههم بالأنبياء والخلفاء والقادة العظماء، هؤلاء مواطنون شرفاء يستحقون عطايا الوطن من أرض ليست من حقهم، ومال ليس ناتجا عن جهدهم، ومناصب لا تناسبها قدراتهم .

أما من ينطق بكلمة الحق في وجوههم، ويكشف للناس زيفهم، ويظهر سرقاتهم، ويبرهن على عجزهم ويفضح فشلهم، ويريد أن يحرر بلاده من سيطرة الشرق والغرب الذين أنابوهم ليعملوا بالوكالة عنهم، فهؤلاء خونة؛ خانوا وطنهم التي نبتت منه أجسادهم وتفتحت فيه عقولهم!

لقد بالغ هؤلاء في الحديث عن حب الوطن إلى حد السفه والسخف أملا منهم في التعويض عن الغباء الذي يلاحقهم في كل قراراتهم، والفشل الذي يلازم كل إنجازاتهم، والخسائر التي تلحق بكل خطواتهم .

بالغوا في الحديث عن حب الوطن حتى رأيناهم يبحثون عن كل ساقطة ولاقطة لهذا أو ذاك ليحاسبوه عليها حسابا مبالغا فيه؛ ليدعوا من خلاله حرصا على وطنهم، وحبا لتراب أرضهم!

إن الوطن ليس ملكا لأحد أبنائه دون الآخرين، وليس “عزبة” لأحدهم يفعل بها ما يشاء، وليس “تكية” يُدخِلون إليها من رضوا عنه، ويحَرِّمونها على من غضبوا عليه.

الوطن يا سادة هو ملكٌ الجميع، وكل من يحتكره لنفسه، ويحرم الآخرين من العيش بكرامة على أرضه هو المخرب لهذا الوطن، هو من يهين الوطن، هو من يجعل الوطن خرابا يبابا تعشش فيه خفافيش الظلام، وتنعق فيه غربان النفاق، ويكون مأوىً للفئران والعقارب والحيات والحشرات التي لا تعيش إلا على النجاسات، وإذ يصير الوطن كذلك يكون جحيما لكل شريف عفيف، وطاردا لكل عقل نظيف، ومنطلقا للهجرات الشرعية وغير الشرعية التي يستعذب فيها الشباب الموت لعله يجد مكاناً آخرَ في أرضٍ أخرى ليحافظ فيه على أدنى مقومات إنسانيته، لأن وطنه صار كما قال الشاعر :

وطنٌ ولكنْ للغريبِ وأمةٌ .. ملهى الطغاةِ وملعبُ الأضدادِ

لا أدري متى يكون الوطن ملاذا آمنا لجميع أبنائه؟

ولا أدري متى يكون مظلة جامعة لجميع طوائفه وطبقاته؟

فهل بذلك أطلب المستحيل؟!

أم أن المستحيل هو السكوت على الظلم؟ والرضا بالخيانة؟ وهو العيش الذليل في ظل القهر والاستعباد؟

هيهات هيهات السكوت … أيها الظالم

رُوَيـدَكَ! لا يخدعنْك الربيـعُ وصحوُ الفَضـاءِ، وضوءُ الصبــاحْ

ففي الأفُقِ الرحبِ هولُ الظلام وقصفُ الرُّعودِ، وعَصْفُ الرِّياحْ

حـذارِ! فتحـت الرّمـادِ اللهيــبُ ومَـن يَبْذُرِ الشَّــوكَ يَجْـنِ الجراحْ

المصدر