مجانين وأغبياء لا يشعرون ولا يعقلون

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مجانين وأغبياء لا يشعرون ولا يعقلون
توفيق الواعي.jpg

بقلم: د. توفيق الواعي

من المعروف والمقرر أن الغبي له منطقه الذي يقتنع به، والمجنون له حجته التي يُؤمن بها، فقد تجد غبيًا يقتنع أنه ألمعي زمانه، وعبقري دهره، وهو نكبة الأيام، ولعبة الليل والنهار، وقد تقابل مجنونًا يدَّعي أنه خالد بن الوليد، أو طارق بن زياد، ولله في خلقه شئون، وهذا شيءٌ وعاه التاريخ، وسجَّلته آياتُ القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمْ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ (13)﴾ (البقرة).

ولقد عاصرنا حقبًا ظهرت فيها شخوصٌ تتحلى بكميةٍ من الغباء غير مسبوقة، وتتصف بقدرٍ من الجنون و تدَّعي النبوغ والعبقرية المطلقة، بحيث تلغي عقول الشعوب وأحلامها، وطاقاتها وجهدها، فلا يصدر أي شيء إلا من فمها، ولا يُرْجَع في صغيرٍ ولا كبيرٍ إلا إليها، ثم سوَّلت لهم أنفسهم تقمص شخصياتٍ تاريخيةٍ باهرة كصلاح الدين وغيره، فقلتُ: سبحان الله! كم من بلايا تحمل الرزايا، وكم من مصائب تحمل الأمم إلى أقدارها المحتومة، ومصائرها المعلومة، والحقيقة أنه لا يرد هذا القدر إلا قدرٌ مثله، قدر الحق الأبلج، وقدر الشعوب، تحمله وتجاهد من أجله، وتصونه من عبث العابثين، وغباء الجاهلين، وسفه المجانين.

وحكايات الأغبياء كثيرة رغم أنها غريبة، ولكنها تدل على كمية الحمق التي تصاحب البعض.. يقولون: كان أحد الحمقى يسوق عشرة حمير، فركب واحدًا منها، ثم عدَّ الحميرَ وهو راكبٌ، فإذا هي تسعة، فنزل وعدَّها فإذا هي عشرة، فقال: "أمشي وأربح حمارًا"، وظل يمشي حتى كاد يتلف نفسه إلى أن بلغ قريته!

ومن ذلك أنه كان هناك رجلٌ اسمه "جون حمار"، فألحَّت عليه زوجته أن يُغيِّر اسمه، فجاءها في يومٍ وأخبرها أنه قد غيَّر اسمه، ففرحت كثيرًا وشكرته كثيرًا وقالت له: ما الاسم الجديد الذي سميت به نفسك؟ فقال: "ألون حمار"! وهذا المثل يُطلق ليدل على أن الغباءَ هو هو لا يتغير، ويقابله في المثل الشعبي عندنا: "المنحوس منحوس ولو علَّقت في رقبته فانوس"، و"كأنك يا أبو زيد ما غزيت".

ومما يُقال ليلقي ظلالاً على عمق فلسفة الغباء للمرضى النفسيين الذين يعسر شفاؤهم: نظر الطبيبُ إلى مريضه النفساني الجالس أمامه، وأخذ يعالجه دون جدوى؛ لأن المريضَ يظن أنه مومياء لا يحتاج أن يأكل أو يشرب ويكاد لهذا يهلك، وهذا مما يجعل المستشفى تطعمه إجباريًّا عن طريق الحقن بالجلوكوز، وفي مرةٍ أراد الطبيب أن يستدرجه بحيلةٍ حتى يقنعه أنه بشرٌ حي وليس مومياء، فسأله الطبيب: هل تستطيع المومياء المُحنَّطة أن تقطر دمًا، فأجابه المريض: بالطبع لا، وعلى الفور التقط الطبيب المشرط وجرح إصبع المريض، فهتف المريض: "يا للعجب هناك بالفعل مومياء تقطر دمًا؟!".

وفي بعض الأحيان تكون هناك حججٌ معينةٌ لسدِّ عجزٍ معينٍ أو سترِ عيبٍ فاضحٍ، أو تهرُّبٍ من تبعةٍ معينةٍ فتنطلق تُعبِّر عن ذلك، من هذا قولهم: قال الساكن لصاحب المنزل: إن سقف المنزل قد خرب وينزل علينا الماء، فأرى أن تصلحه، فقال له صاحب المنزل: كيف أصلحه والمطر ينزل؟ قال له: حسنًا أصلحه بعد توقف المطر، فقال صاحب المنزل: بعد توقف المطر لا داعي لإصلاحه؛ لأن المطر لا ينزل، وبالتالي لا يسقط عليك الماء!

وهذا يشبه عندنا ما يروونه عن الخطيب الذي ليس عنده من العلم ذرة واحدة، فقال للناس: هل تدرون ما أنا قائل؟ فقالوا: لا ندري، فقال: وكيف أخطب لمَن لا يدرون شيئًا، فهم لا يستطيعون فهم ما أقول؟ فانصرف الناس في ذهول، وفي المرة الثانية صعد المنبر وقال للناس: هل تدرون ما أنا قائل؟ قالوا: نعم ندري، يريدون بذلك أن يُغيِّروا قولهم الأول علَّهم يسمعون شيئًا، فقال لهم الخطيب: ما دمتم تعلمون ما أقول فلا داعي للقول أو الكلام!

وعندما لا تكون هناك حقيقة تُعرف، أو خطة تُتبع، أو إستراتيجية يُسار عليها، وعندما تسير الأمور تبعًا لتصوراتٍ مضحكة، وضحالةٍ محزنة، وطفولةٍ فكريةٍ مزرية، يُترجم هذا إلى إلماحات، وإشارات وتوريات مبهمة، تدل على عمق الغباء الذي أضاع الحقوق، ووزَّع الجهود.

من ذلك أنه كان هناك رجلٌ يسير في شارعٍ معتمٍ في الليل فرأى طفلاً صغيرًا يبحث بعنايةٍ عن شيء ما.. فاقترب منه الرجل مشفقًا وسأله: عمَّ تبحثُ يا بني؟ فرد الطفل: أبحثُ عن قطعة نقود أضعتها هنا في الشارع، فسارع الرجل يبحث مع الطفل عن القطعة، وبعد بحثٍ دءوبٍ من الرجل والطفل معًا، لم يعثرا على شيء، وعندما تعب الرجل ويئس من العثور على قطعة النقود المفقودة، سأل الطفلَ ثانيةً: هل أنت متأكدٌ أنك أضعتها هنا؟ فردَّ الطفل: لا.. ولكني أبحثُ هنا حيث يوجد ضوء في هذا الجزء من الشارع؟!

فيا حسرةً على شعوبٍ ضاعت، ومقدراتٍ هلكت، وطاقاتٍ تبددت، وقديمًا قالوا في "توما" الذي ادَّعى الحكمة وهو بعيدٌ عنها بُعد المشرقَيْن، قال حمار الحكيم "توما": لو أنصف الدهر ما كنت أُركب لأنني جاهلٌ بسيطٌ وصاحبي جهله مركب.

ويا حسرةً على راكب الحمار "توما"، وهو لم يبلغ فهم حماره، ويا حسرةً على دهرٍ تربَّع فيه هؤلاء، ويا حسرةً على شعوبٍ تُطحَن، وأممٍ تسرح كالأنعام، وتُساق كالشياه ليس لها من الأمر شيء.. نسأل الله العافية.

المصدر

قالب:روابط توفيق الواعى