متى نفهم الدروس ونعي العِبَر؟!

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
متى نفهم الدروس ونعي العِبَر؟!
توفيق الواعي.jpg

بقلم: د. توفيق الواعي

الأولى بالضعيف أن يسعى إلى القوة، وأن يتمرَّس على طلبِها وتحصيلِها؛ حتى يشتدَّ عودُه، وتقوى سواعدُه، ويتمرَّن على دفع الضرِّ عن نفسه، وأن يجمع حوله أهلَه وأصحابَه ومحبيه؛ ليكونوا درعًا له وعونًا، وسياجًا له وأمنًا.

أما أن يعمل على إضعافِ نفسِه، وتجهيلِ ذاتِه، وخصومةِ أهله وأصحابه، وخاصةً إذا كان أمامه عدوٌّ، وحولَه ذئاب، فهذه هي الطامة، هذا في الأفراد، فما بالنا بالأمم والسلطات، التي قد يولًّى عليها جُهَّالُها، ويملك أمرَها أصحابُ الأحقادِ والأضغانِ الذين لا همَّ لهم إلا تقطيع الأواصر، وبذر الأحقاد، وغرس الخصومات، وإبعاد المبدعين من الساحة مهما كلَّف ذلك من جهدٍ وعنَتٍ، وكان الأفضل لهم أن يتعلموا من الحوادث، وينفُضوا عن أنفسهم الجهالات، ويزكُّوا عقولَهم، وينيروا أبصارَهم، قبل أن يتعرضوا إلى تصريف شئون بلدانهم وقيادة أمتهم!!

فقيادة الأمم ليست نزهةً أو متعةً يتعرَّض لها الأبلهُ والأحمق، وإنما هي مسئوليةٌ وأمانةٌ لا تُغتصب أو تؤخذ عنوةً من الناس؛ لأنهم أصحاب الحق، يجري كل أمر باختيارهم ورضاهم، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: "نحن لا نولِّي هذا الأمرَ من طلبه"، فكيف بمن قاتل عليه وهو لا يستحقه وغير مؤهل له؟! وقوله لأبي ذر الغفاري: "أنت ضعيفٌ وإنها أمانةٌ تأتي يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها"، ومن هنا يُعرف مقدارُ الجريمةِ التي تُقتَرف في حقِّ الشعوبِ اللاهية عن حقوقها، والجاهلةِ عن مستقبلها وحاضرِها، ولم تجد مَن يبصِّرها أو يربِّيها ويأخذ بيدها.

ولقد فعلت السلطات- غير المؤهَّلة- بالأمة الكثيرَ والكثيرَ، وجلَبت لها الحرمان والشقاء والعداوة والبغضاء، وأدَّى ذلك في كثير من الأحيان إلى الإبادة والاحتراب أو استدعاء الأجنبي، وما الدروس والعبر التي تمر بها الأمة اليوم إلا قوارعُ تُبصر الأعمى، وتفتق الآذان الصماء، وتضيء البصائر الكفيفة، وما فتنة الفصائل الأفغانية التي ظنَّ المخلصون أنها ستنجلي بعد قليلٍ، وستزول العداوةُ بين فصائِلها بعد فترة من الزمن، ولكن النفوس لم تُهيَّأ بعدُ لمعرفة مصالح الأمة، أو تربَّى التربيةَ السليمةَ أخلاقيًّا وإسلاميًّا وسياسيًّا..

ذهبت بها بعيدًا عن الجادة، وازدادت الفتنة وأدَّت إلى الاحتراب، واستولت مؤسسةٌ طلابيةٌ تُسمى طالبان على الحكم، وهم قليلو المعرفةِ بأحوال الدين والدنيا، وقليلو الخبرةِ بأحوال الأمم والشعوب، وسياسات الدول، ومعاملات الفرقاء المختلفين معهم، فزادت الطين بلة، ودخلت القوى الأجنبية، تساعدها الفصائل المعارضة لتقطف الثمار، وتحتل البلاد، وتستولي عليها.

وبدأت أمريكا في تحقيق إستراتيجيتها في العالم الإسلامي، مستغلَّةً الفرصةَ لتنفِّذَ مخططاتِها التي بدأت ب أفغانستان ، وطردت حكومتها العابثة بالقوة، ونصَّبت حكومةً تعمل بإمرتها، وتسير حسب توجهاتها، وتجمع معارضيها، وتذهب بهم إلى سجون جوانتانامو تحت ظروف قاسيةٍ وغير إنسانية، بدون ذنب أو جريرة، وبدون تحقيق أو إدانةٍ أو محاكمةٍ حتى ولو كانت تلك المحاكمة ظالمةً، وذلك تحت سمع العالم وبصر ما يُسمى "حقوق الإنسان" المزعومة، وكل هؤلاء من الشعوب المغلوبة ومن المسلمين طبعًا؛ لأنهم لا حرمةَ لهم أو كرامةَ، ولا دولةَ أو أمةَ تسأل أو تدفع عنهم ببنت شفة.

وجاءت من بعدها العراق التي عانت من الدكتاتورية ما عانت، ومن البغي والظلم والقهر ما لا يتحمله أي شعب، وصبرت وسُحِبت إلى المقاصلِ والتحارب هنا وهناك، في إيران وبعدها في الكويت ، كل ذلك وهي تعيش تحت خطِّ الفقرِ والحرمانِ، والأمراض تفتك ببنيها وأطفالِها، ولا أحدَ من الشعب يستطيع أن يبديَ رأيًا أو يصحِّح خطأً، أو يُبديَ مشورةً، فضلاً عن أن يشارك في حكم أو يختار مَن يمثِّله في شيء، وماذا كانت النتيجة؟! كانت انهيار الدولة واحتلالها، وجاء المحتل ليولِّيَ من يشاء، ويلعب بمن يريد تحت مسمياتِ ودساتير وهمية..

هذا فضلاً عن القتل والاعتقال والتعذيب الذي اقشعرَّ له جلدُ العالم في سجن أبو غريب وإخوته، ولا عزاءَ لأحد في ظل الاستعمار، وتظل الكثير من أنظمة الشرق الأوسط الإسلامي لا تأخذ العبرة أو تتعظ بالدروس والحوادث، وتظن أنها فوق السنن، وتملك الأسباب وتطوع الإرادات.

وما مسألة الانتخابات المصرية وفضائح التزوير- التي تابعها العالم بالصوت والصورة- إلا شاهد عيان على أن هذه الانتخابات البرلمانية التي زُوِّرت بالقهر والأمن والبلطجة والاعتقالات أعطت مؤشراتٍ خطيرةً على حجم الكراهية الرهيب التي يكنُّها الشعب بأكمله للسلطة وللحزب الوطني حاميها ورموزه أجمعين، ولم يرَ الناسُ شخصًا واحدًا لا يكنُّ البغضاءَ والسخطَ عليه.. ما تكلم إنسان مع بني آدم إلا وعبَّر له عن كراهيته واحتقاره للسادةِ الحكام وحزبهم، وهذا السخط عامٌّ في جميع طبقات الشعب الاجتماعية والثقافية، من أرقى الأحياء في المدن إلى أهالي القرى والنجوع، ومن أعالي المثقفين إلى متوسطيهم، وتسبب هذا مع ما سبق في كوارث عديدة:

أولها: هدم المؤسسة القضائية، والعمل على شقِّ صفوفِها إلى قسمين: قسم من الشرفاء الذين استعصَوا على التزوير، ووقفوا برجولة يدافعون عن الحق في وسط العواصف، رغم التهديد والبلطجة، وقسم آخر من المنبطحين والمزوِّرين الذين استعملتهم الحكومة في تزوير النتائج؛ إذ كيف يمكن لرئيس محكمة الاستئناف ورئيس اللجنة العامة بإحدى الدوائر المعروفة أن يزوِّر النتيجةَ جهارًا نهارًا وببرودٍ لافتٍ للنظر- بينما توجد وثائقُ ممضاة بمجموع مفردات اللجان الفرعية من القضاة الآخرين- ما لم يكن بمباركةِ الدولة، بينما تحاول الحكومةُ مساءلةَ القضاة الشرفاء الذين أعلنوا النتائجَ الحقيقيةَ، هؤلاء هم القضاةُ.. شرف الأمة وسند الحق فيها، فما بالنا بسواهم!!

ثانيها: تتهم الحكومة الشعبَ بأنه سلبي ولا يذهب للإدلاء بصوته، فإذا ذهب للإدلاء بصوته طاردته في الطرقات وسدَّت أمامه الطرق، وضربته بالرصاص والقنابل، وجرَّته إلى المعتقلات والسجون، فأين المصداقية؟ وأين شرف الحاكم وقدوته؟ وهل يسمع لقائل أمر بعد ذلك؟!

ثالثها: استعمال البلطجية والمسجَّلين الخطرين.

رابعًا: الإعلام المضلِّل الذي يَبعُد عن الحقائقِ ويدَعُ الناسَ في حيرةٍ من أمرها، وغير ذلك الكثير.

وبعد.. أفلا ترى معي أن هذا هو باب الخراب والخلاف والبغضاء والكراهية التي يطلبها المستعمر، وتكون القاصمة للأمم، وتجلب التطرف والضيق، فلم لا نفهم الدروس ونعي العِبر؟!

المصدر


قالب:روابط توفيق الواعى