ما هو حكم الشرع في اللجوء إلى الذين يزعمون أنهم يصاحبون الجن؟!

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
ما هو حكم الشرع في اللجوء إلى الذين يزعمون أنهم يصاحبون الجن؟!

بقلم: الشيخ محمد عبد الله الخطيب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد فقد شاع بين البعض لضعف تربيتهم التربية الصحيحة، ولضعف عقيدتهم وإيمانهم، واختلاط الأمور عليهم، شاع بينهم التعلق بالسحرة والكُهَّان والمنجمين، فادعوا أنهم يستطيعون أن يعالجوا المرضى، والذين في حياتهم بعض المشاكل الصحية والنفسية، كما ادّعو- كذبًا وزورًا- معرفة الغيب، والقدرة على حلِّ جميع المشاكل التي تنزل بالإنسان، كما زعموا أن في تلاوتهم للقرآن على المريض يذهب عنه هذه الأمور.

والحق أن تلاوة القرآن الكريم والأذكار من الأمور المفيدة للصحيح والسقيم، وهي لا تحتاج إلى شخص آخر، لكي يقوم بهذه المهمة ثم يوزع شريط كاسيت فيه بعض الخزعبلات ثم يتمادى بعد هذه الخطوات بقوله: إن على المريض جِنًّا، وبما أنه هو هذا الكذَّاب يدّعي أنه يصاحب الجن وفي إمكانه أن يستدعيه لعلاج المريض، ويبدأ في سلب أموال المريض، وأحيانًا يكون هو الشيطان الحقيقي الذي يطّلع على العورات، ويتدخل في حياة الناس.

والحق أن كلَّ مسلم ومسلمة مطلوب منه سواء أكان صحيحًا أو مريضًا أن يتلو القرآن بلسانه هو، وأن يتطهر وأن يصلي وأن يذكر الله عز وجل، وأن يتقرب إليه وحده، وأن يبتعد عن هذه الانحرافات والضلالات بتلاوة القرآن وذكر الله عزَّ وجلَّ، وإن كانت المريضة زوجة فليقم الزوج والأولاد بالتلاوة والدعاء وبذكر الله عزَّ وجلَّ ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (الرعد: من الآية 28).

والواجب علينا كمسلمين مؤمنين أن نبتعد تمامًا عن هذه الخرافات والضلالات والجهالات التي يقوم بها بعض المشعوذين والأفّاقين والضالين الذين يتلاعبون بالإنسان، ويزيدونه تعبًا وحيرة وألمًا، ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6)﴾ (الجـن).

وعلى المرضى- شفاهم الله- أن يكونوا مؤمنين مصدقين بقوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ (النحل: من الآية 43).

فليذهب المريض فورًا إلى الطبيب المختص، أو الطبيب النفسي، أو غيره، ويعرض عليه حالته، ويستمع إلى علمه وإلى ما يقول ويثق في كلامه، ويعالج نفسه إن كان صادقًا بالعلاج الذي وصفه له الطبيب، عندئذٍ يكون قد بدأ في الطريق الصحيح الذي يوصله إلى الشفاء، إن شاء الله.

وهؤلاء المنجمون والسحرة والعرّافون الذين يزعمون أنهم يعالجون المرضى هم في أشدِّ الحاجة إلى العلاج والدواء فهم مرضى لأنهم تركوا كتاب الله وراءهم ظِهريًّا وسلكوا الطريق المعوّج، قال تعالى في سورة البقرة: ﴿وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (101) وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ...﴾ (البقرة).

إن كتاب الله عزَّ وجلَّ- وجميع الكتب السماوية- نور من عند مالك السماوات والأرض سبحانه وتعالى: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ (النور: من الآية 35)، فمن ينبذ كتاب الله، ولا يحتكم إليه ولا ينزل على أوامره ويجتنب نواهيه، قد قبض يده من الحق ووضع يده في يد الشيطان، فاتبع الشيطان واتبع الباطل واتبع الهوى قال تعالى: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126)﴾ (طه).

وهذا ما وقع فيه السحرة وغيرهم (الذين تركوا رسالات السماء وساروا وراء الشياطين، وما يفعل هذا الأمر ويدجِّل على عباد الله ويكذب عليهم، ويبيح لنفسه أن يطلع على العورات ويحدث ما يحدث إلا زنديق وشيطان رجيم).

وماذا بعد أن نبذوا رسالات السماء، ونبذوا كتاب الله المصدِّق لما معهم، وماذا يكون وضع أي مخلوق، وفي أي عصر، وفي أي مَصْر، ومع أي نبي ومع أي رسول؟؛ ماذا يكون حاله؟ إنه قبض نفسه عن الحق وأبعدها عنه ووضعها فورًا في يد الشياطين والأبالسة الذين ادعوا وزعموا أنهم يملكون تسخير الجانّ ويصاحبونه وقد كذبوا.

وهناك البعض من ضعاف الإيمان يتعلقون بالكهّان والمنجّمين و(حظك هذا الأسبوع)، ومستقبلك كيف يكون؟، وطلب الزواج، وغيرها من الأمور التي اختص الله سبحانه وتعالى نفسه بعلمها ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (٢٧)﴾ (الجن)، وقال عزَّ وجلَّ: ﴿قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّـهُ ۚ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ(٦٥)﴾ (النمل)، وقال سبحانه: ﴿صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾ (طه: من الآية 69): وقال عز من قائل: ﴿فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (118)﴾ (الأعراف).

فهذه الآيات وأمثالها تبين خسارة الساحر وكلِّ مَن يسلك هذا الطريق ومآله في الدنيا والآخرة، وأنه لا يأتي بخير، وأن ما يتعلمه، أو يُعلِّمه يضرُّ صاحبه، ولا ينفعه كما نبَّه سبحانه أن عملهم بطل، وصحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "اجتنبوا السبع الموبقات" قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: "الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات".

وهذا يدل على عظم جريمة السحر وخطره بألوانه المختلفة، فهو من الموبقات أي المهلكات، وهو قرين الشرك.

أيها الإخوة.. إن هذا الأصل الذي تحدَّث عنه الإمام الشهيد حسن البنا في إيجاز، ودقة عجيبة يقوم على قاعدتين في غاية الأهمية؛ الأولى: هي تجريد التوحيد لله تبارك، وتعالى بحيث يعتقد المسلم اعتقادًا جازمًا ألاّ دافع، ولا مانع غير الله عزَّ وجلَّ، ولا ضار ولا نافع غير الله سبحانه، وأن الأمور كلها بيديه سبحانه وتعالى، وأن مَن عداه أو ما عداه لا يملكون لأنفسهم- فضلاً عن غيرهم- ضرًّا ولا نفعًا ولا موتًا، ولا حياةً، ولا نشورًا كما قال تعالى: ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ (17) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18)﴾ (الأنعام)، وقال سبحانه: ﴿قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38)﴾ (الزمر).

فلا يجوز شرعًا واعتقادًا الاعتماد على أحد غير الله سبحانه، ولا التوكل إلا عليه فهو النافع الضار، ولقد قالها أبو الأنبياء عليه السلام كما حكى القرآن عنه: ﴿الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (٨١) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (٨٢)﴾ (الشعراء).

والقاعدة الثانية التي يقوم عليها هذا الأصل هي: رعاية سنن الله تعالى في الخلق والحياة والإنسان واحترام نظام الأسباب والمسببات الذي أقام الله عليه نظام هذا الكون، بتصرف عن (موقف الإسلام من الإلهام والكشف) للشيخ الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله.

تحذير شديد من هذه الأمراض:

إن الإسلام "الدين الخاتم" كما حذَّر من الكهنة، والأبالسة، ومدَّعِي علم الغيب، والشياطين والمنجّمين وأمثالهم، حذَّر كذلك من السحر والسحرة، والأحاديث الواردة في هذا الباب كثير مثل "من أتى عرّافًا فسأله عن شيء فصدّقه بما قال لم تقبل له صلاة أربعين يومًا"، والعرّاف هو الذي يزعم معرفة الغائب، وجاء أيضًا في الحديث "من أتى كاهنًا فسأله فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم" وأن الغيب لا يعلمه إلاّ الله.

لا مكان في الإسلام أبدًا لمنجم، ولا ساحر، ولا عرّاف، ولا كاهن، وهذا عليه إجماع أئمة الأمة في سائر الأعصار.

كما اتفق علماء الإسلام على كشف هؤلاء، وعلى مطاردتهم، وبيان حقيقتهم ليتجنبهم الناس، فهم بحق ضائعون مضيعون، محادّون لله ولرسوله وللمؤمنين لا يتقون الله ولا يخافون من عذابه بل يتجرأون على الحق سبحانه وتعالى.

أيها المربون.. خذوا إخوانكم بما أخذهم الله به وربّوهم على ما ربّاهم عليه، واسلكوا بهم الطريق الصحيح الذي أمركم الله به، واملئوا فراغ القلوب بالإيمان فإن القلب الفراغ من العقيدة يقبل كلَّ شيء ونعوذ بالله من هذا.

ونصيحتي للجميع:

أولاً: مَن يتعلق بهذه الأمراض ويقترب منها عليه أن يتوب إلى ربه وأن يستغفر وأن يندم على ما قدَّم من يداه، وأن يشعر بأنه فرَّط في جنب الله، وأن يعتمد على الله وحده وأن يسلك طريقه المستقيم، وأن يقترب من سيد الخلق صلى الله عليه وسلم وأن يعرف الحلال من الحرام.

ثانيًا: لا بدَّ أن يفهم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بدقة، ولا عذر له في ذلك عند الله و"الحلال بيّن والحرام بيّن".

ونصيحتي للذين يصدقون هؤلاء الناس، ويجرون وراءهم ويخربون بيوتهم بعد أن خربوا عقولهم، وقلوبهم أن يسارعوا إلى التوبة الخالصة من هذه الآثام، وأن يكثروا من لوم نفوسهم على ما وقع منهم.

ثالثًا: الترك الفوري لهذه الجاهليات، وإلا فالمحاسبة الشديدة، فإن تابوا توبةً خالصةً ورجعوا، وإلا فالميدان واسع، وعليهم أن يذهبوا إلى من يماثلهم ويريحوا إخوانهم من تضييع وقتهم في إقناعهم.

رابعًا: يجب أن نبتعد عن الشرك وأسبابه، فالرياء وهو من الشرك أخفى من دبيب النمل وإبليس مادٌّ خرطومه إلى قلب ابن آدم، كما جاء في الأثر فإن ذكر الله خنس وهرب، وإن نسى ذكر الله التقم قلبه بخرطومه فصرفه كيف شاء.

وفي النهاية أذكر الجميع بقول الله عزَّ وجلَّ على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ ۗ وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّـهِ مِن شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (٣)﴾ (إبراهيم).

ونختم بهذا الدعاء: اللهم إنا نعوذ بك من كل شيء، ومن كلِّ ما يخالف شرعك، أو يوقع في غضبك، كما نسألك اللهم أن توفقنا وجميع المسلمين إلى الفقه في دينك، والثبات عليه، ونسألك أن تعيذنا جميعًا من مضلات الفتن، ومن شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا.

والحمد لله رب العالمين..