ما معني تطبيق الشريعة؟

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
ما معني تطبيق الشريعة ؟

موقع إخوان ويكي ويكيبيديا الإخوان المسلمين

بقلم: محمد السيد الصياد


تمهيد

يخلط ُكثيرٌ من النّاس بين تطبيق الشريعة ، وبين الحدود ، فيُخلط –عن عمد أو جهل- بين القضيتين .

فالحدودُ بندٌ صغيرٌ جدا من منظومة كاملة وبنود عديدة ، تمثل الأسس والأركان والدعائم الكبرى التي تُبني –وبُنيت- عليها الدولة الإسلامية وحضارتها .

إجراءات عديدة ومعقدة ، في كافة مجالات الحياة ، العلمية والاجتماعية ، والسياسية والاقتصادية ، علاوة علي العلاقات الدولية والإقليمية وما أشبه .

والدولة عندما يُطلق عليها بأنها دولة تطبق الشريعة وتسير علي شرع الله ، ليس معني ذلك أنها دولة تقيم الحدود فحسب ، ثم تزعم أن نظامها نظام إسلامي محض !!

تطبيق الشريعة معناه الحكم وفقا لكتاب الله الداعي إلي عمارة الدنيا ، والسير / السياحة في الأرض ، لاستلهام العظمة الربانية والعقيدة الإيمانية الصحيحة ، وصناعة الحضارة ، وبناء النهضة في مختلف المجالات وشتى الاتجاهات .

تطبيق الشريعة يعني تطبيق كتاب الله ، أي تطبيق منهج السماء والاستعانة به في كل شئون الأفراد والمجتمعات .

تطبيق الشريعة تعني إقامة نظام يحترم العدالة الاجتماعية والتكافل بين المجتمع ، ويقم العدل بكافة صوره ، وأن لا يُظلم أحدٌ بسبب عقيدته أو مذهبه .

عندما يتحقق العدل بين الناس من غير تفرقة بسبب لون أو جنس أو معتقد ، وعندما يبدع الفنانون في فنهم ، والأطباء في طبهم ، وكلٌ في ميدانه مرابط علي الثغر الذي هو فيه ، وعندما تتألق الدولة بين الأمم ، وتحقق فائضا اقتصاديا معتبرا ، وتوفر لأبنائها التعليم والتثقيف الهادف ... عندما لا تجد فقيرا ، أو عاطلا ، أو عَزَبَا ، فأنت إذن في دولة الإسلام . تلك ليست مدينة أفلاطون ، لكنها دولة الإسلام .. الدستور والواقع !!

فليس لأحد أن يصف أي حكم بالإسلامي ما دام ثمة فجوة بين النظرية والتطبيق، والمثال والواقع، حتى ولو رفع المتشدقون شعار الدين. لأن الحكومة التي ينبغي أن يُطلق عليها حكومة إسلامية هي التي تعتني بالدين ، وتأخذه بالكلية ، وتنظر إليه بشمولية ، فلا تجزئه وتؤمن ببعضه دون بعض ، وهي التي تنفق علي البحث العلمي وتربي أجيالا يعشقون العلم ويسهرون عليه ، وتبُغض الجهل إلي أبنائها ، كذلك تربي أجيالها علي العفة والطهارة واليسر والسماحة وتسخر إعلامها لهذه المهام ، وتنشر فلسفة العدل والحرية.. أجل الحرية بكل معانيها .. حرية الكلمة .. حرية الفعل.. حتى ولو كانت مخالفة لتعاليم الشرع فيجب طرحها ومناقشتها بدلا من كبتها فتؤثر في القلوب الضعيفة ..

الحكومة في الإسلام هي التي تكون قدوة لغيرها .. لشعبها، وللأمم الأخرى.. في العدل والمساواة بين الجماهير، وتداول السلطة وإعطاء الشعب حق الاختيار، وحرية التصرف، حتى لو اختار الشعب نفرا من غير الإسلاميين ليحكمه !!

لأننا نؤمن أن الإسلام لا يخسر معركة يدخلها أبدا ، بيد أن القائمين عليه ربما أساءوا فهمه وتطبيقه وبغضوه إلي الخلائق ، فلا ينبغي آنذاك أن تستمر المهزلة باسم الدين وتحت لواءه كما فُعل من قبل مع الأمويين ومن بعدهم ..

وهؤلاء الذين لم يتفهموا أوامر الشرع ولم يستطيعوا أن يحببوا البشر في دين بارئهم لا يستحقون الحياة ، فضلا عن أن يعيشوا رغدا ويسوقوا الجماهير باسم الدين ، لأننا نرفض أن يتولي أمرنا قيصر جديدا باسم الدين وتحت لوائه كما يقول الشيخ الغزالي رحمه الله .

وهذا كله يحتاج إلي تفصيل وبيان :

الدولة في الإسلام .. المفهوم والمهام

الدولة في الإسلام هي مجموعة المؤسسات التي تدير شئون الأفراد ، وفقا لكتاب الله عز وجل .

وهي مكونة من الشعب والأرض والسلطة . الشعب فيها يختار سلطته التي تحكمه ببرنامجها التي تذيعه وتدعو إليه .

ونريد هنا أن نقرر ملمحا مهما للغاية : الشيوعي يصارح بمرجعيته الشيوعية ويُسمح له بدخول المعارك الانتخابية في أكثر دول العالم رأسمالية ، ومعروفٌ أن الحزب الشيوعي لو وصل إلي سدة الحكم في أي بلد رأسمالي ، سوف يغير القوانين والتشريعات بما يلائم برنامجه ، ولا يُعد ذلك افتئاتا علي القانون ، لأن الشعب هو الذي اختاره من أجل ذلك البرنامج الذي يرفعه ، بل وللحزب الفائز أن يغير الدستور عن طريق الاستفتاء الشعبي . هذه هي القواعد الحاكمة للعملية الديمقراطية في العالم كله . والإسلاميون لا يشذون عنها . فلو وصل الإسلاميون إلي الحكم .. معني ذلك أن الشعب لا يريد شخوصهم ، إنما يريد برامجهم ، فطبيعي أن يشرعوا تشريعات تتوافق وتلك البرامج . وسنزيد تلك النقطة بيانا لاحقا .

والدولة في الإسلام لا تجور علي حق الأفراد . والأفراد كذلك لا يجورون علي حقوق الدولة .

فلكل فرد أن يتملك ما شاء ما دام المال محترما حلالا أُخذ بحقه ، ويؤدي حقه .

والأفراد لا يجورون علي حقوق الدولة بسن القوانين التي تخدم مصالحهم ، وتبيح الاحتكار والربا وما أشبه .


معالم الدولة الإسلامية

1- حرية الأفراد

للأفراد حرية تامة وكاملة ومطلقة في الدولة الإسلامية . فلكل فرد أن يبدي رأيه ، ويمارس معتقده ، ويفعل ما يحلو له ما دام في إطار القانون العام والدستور الحاكم ، الذي لم يُفرض علي الشعب إلا بعد سَنّه والموافقة عليه من النواب الذين جاءوا من قبل الشعب وبموافقته .
وهذا أمرٌ مكفول ومتعارف عليه في جميع دول العالم ، المتقدم ، والفارق بين الدول المتقدمة وبين غيرها في هذه الناحية أمران :
  • الأول: أن الدول الديكتاتورية لا تحترم القانون وتضرب به عرض الحائط ، هذا إذا سلمنا بسلامة القانون وتشريعاته.
  • الثاني: أن تلك الدول وهذه الأنظمة المستبدة ، جلها ، لا تضع القوانين التي تتوافق وهوية المجتمع وطبيعته ، وتكوينه الفكري ، ونسقه العام . ومن البدهيات في تقنين القوانين أن توضع من قبل الشعب عن طريق نوابه . ولا تُفرض عليه فرضا .
إذن معني الحرية ، أن يمارس الجميع حقوقه في الرأي والتعبير ، في القول والفعل ، في إطار القانون الذي ينبثق من رغبة المجتمع في المُشَرِّعين الذين أتي بهم ذلك المجتمع في برلمانه . ولا يجوز لفئة أيا كانت أن تفرض رؤيتها علي الأغلبية في المجتمع .
وفي ذلك يقول الفيلسوف السياسي الكبير إمام عبد الفتاح إمام : وهذا البناء السياسي الراسخ هو الذي يحكم فيه الشعب نفسه بنفسه ، ويكون فيه السيد "صاحب السلطة" ، فلا يُفرض عليه قانون ، ولا تشريع لم يشارك فيه ، بل يقوم هو نفسه بسن القوانين والنظم ، والقواعد ، والتشريعات التي يطيعها ، ويخضع لها سلوكه –عن طريق نوابه- ، فيكون بذلك حرا حرية حقيقية ، لأنّ الحرية الحقة لا تعني الانفلات من القوانين ، أو الخروج علي القواعد والنظم ، كما يظن "الفوضويون" ، وإنما هي تعني أن أطيع القانون الذي أضعه بنفسي لنفسي ، فلا يمدني في هذه الحالة سوي ذاتي ، سوي إرادتي الحرة . فالحرية هي –كما قال كانط بحق- الاستقلال الذاتي للإرادة أن أحدد نفسي بنفسي ، فالحرية هي التحديد الذاتي ، أن أحكم نفسي بنفسي . /الأخلاق والسياسة 8 / .

2- دولة مدنية – لا دينية ولا عسكرية

الدولة الإسلامية ليست دولة دينية بالمفهوم الثيوقراطي ، لأن ذلك المصطلح نشأ في أوربا في ظروف معينة وصراعات خاصة بالبيئة التي أثيرت فيها. فمن المعلوم أن الحكومة الغربية –في تطورها الأخير- منتزعة من الصراع بين الكنيسة كسلطة إلهية حكمت وتحكم باسم الرب ، وبين الجهة الأخرى المعادية لسلطان رجال الدين في مجالات الحياة المختلفة ، والتي حرصت علي أن تشق عصا الطاعة لهم ، جهة أصحاب السلطة من الأمراء وأصحاب النفوذ الفكري من الفلاسفة والأدباء والعلماء .
وعلي أساس من الفصل بين الكنيسة والحكومة حدد الغربيون معنى الدين ، فأرادوا به : التوجيه الروحي للأفراد ، كما حددوا معنى الدولة ، والحكومة ، فقصدوا بهما : تنظيم العلاقات بين الأفراد .
واستعانوا في هذا التحديد بموقف المسيح في قومه ، وبطابع رسالته إلي شعب إسرائيل ، وهي رسالة "المحبة بين ذوي القربى" وقد كانت هذه الرسالة تحمل الدعوة إلي إعادة الصفاء بين النفوس التي مزقت روح الحقد والاضطهاد .
وبهذا كان الدين في تصور الغربيين مشتقا من طابع الرسالة التي جاء بها المسيح عليه السلام ، ومن الحال التي انتهي إليها النزاع بين الكنيسة والحكومة الغربية ، وأصبحت الروحية أو الدعوة إلي صفاء النفوس مجال اختصاص الدين ، وكل ما خرج عن نطاق هذه الدعوة فليس من شئون الدين .
وبناء علي ذلك قرر الغربيون المسيحيون أنه يجب لتحديد أي دين سابق علي المسيحية ، أو لاحق لها أن تؤخذ في مفهومه خصيصة المسيحية ، وهي الوقوف عند حد الروحية ، وبهذا يخرج الإسلام عن طبيعة الدين لأنه ينظم العلاقات بين الأفراد ، ويدخل في مجال الإصلاح البشري .
الإسلام لا كهنوتية فيه ، ولا عصمة لأحد فيه . والسمع والطاعة فريضة إسلامية ولكن للحاكم الذي ارتضيه الشعب وأتي به صندوق الاقتراع ، عصمة للأمة من الفوضى ، ومن انهيار مؤسسات الدولة ، ومن تسلق فئات قليلة علي إرادة الجماهير العريضة ، فقط شرعت الطاعة لذلك ، لا لكبت الناس وعدم المبالاة بآرائهم .
وفي تاريخ الخلافة والدولة الإسلامية ، علت صوت المعارضة ولم تخفت ، ولم يُتعامل معها بالكبت أو السخرية أو التقليل من شأنها ، علي ما سنري .
وقد اعترض الناس علي عمر رضي الله عنه وهو أمير المؤمنين ، والقصص في ذلك أشهر من أن يذكر ، فلا حاجة للاستفاضة فيه .
بل ووصلت المعارضة في التاريخ الإسلامي إلي حد الثورة ضد النظام إذا لم يستجب لإرادة الناس ، وصنف في ذلك شيخنا المفكر الإسلامي محمد عمارة كتابين ماتعين : "الإسلام والثورة" ، و"مسلمون ثوار" .
والمعارضة في الإسلام تصل لدرجة الفريضة "ألا إن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" . والجائر قد يكون عادلا إلا أنه جار في ناحية من نواحي الحكم فيجب تقويمه . فلا مساغ لمن يتخوف من الشريعة ، لأنها حكم الكهنوت ولأنها ترسخ للدولة الدينية .. هذا غير موجود في التاريخ الإسلامي كله .

3- دولة مؤسسات

الدّولة الإسلامية دولة مؤسسات ، فلا يستيقظ الحاكم من النوم وقد احتلم حلما فيفرضه علي رعيته ، بل إن الحاكم في الدولة الإسلامية خاضعٌ للعديد من المؤسسات . مثل أهل الحل والعقد الذين ينوبون عن الأمة ، وهم ما يطلق عليهم "أعضاء البرلمان" في عصرنا . كذلك هناك مؤسسة القضاء التي يخضع الكل لأحكامها بما في ذلك الحاكم .
وعندما فرض الإسلام النظام الشورى ، كان ذلك المعني هو مرماه ، بمعنى أن لا يستقل الحاكم بقرار ، وأن يكون القرار قرارا نابع عن موافقة أغلب الرعية عن طريق نوابها .
كذلك أخبرنا النبي صلي الله عليه وسلم "أنتم أدري بشئون دنياكم" ، فكل هيكلة من شأنها أن تجعل القرار أدني إلي الصواب وأبعد عن الخطأ ، وكل هيكلة من شأنها أن تجعل المشاركين في صناعة القرار أكثر عددا وأمتن رأيا ، فهو أمر رغبه الإسلام .
ونظام الإدارة والتنمية ، هو إبداع بشري في الأساس يتطور سريعا كبقية العلوم والفلسفات ، فلا دخل للحل والحرمة فيه .

4- المرجعية وعقل الجماعة

الحاكم في الإسلام لا يقوم من النوم وقد احتلم في نومه فيطبق ما ارتآه في النوم يقظة ، بل إن الحاكم في الإسلام محكوم بمؤسسات ، وبالعقل الجمعي للأمة المتمثل في السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية .
كذلك يجب علي الحاكم في الإسلام أن يكون له مجلس شوري خاص به / مستشارون ، فيستشيره في كل أموره وأحواله قبل أن يتخذ أمرا ليعرض علي البرلمان . فالقرار إذن يمر بعدة مراحل :
تفكير الحاكم فيه وسبره ومعرفة أبعاده ولوازمه ثم يعرضه علي مستشاريه ، ثم بعد ذلك علي أهل الحل والعقد / البرلمان .
وإن حدث أي نزاع أو خلاف في أي مرحلة من تلك المراحل أو خرجت بعض الأصوات المنددة والتي تزعم أن القرار لا ترضي عنه الأمة ، فهناك قواعد حاكمة في ذلك الصدد ، وهو النزول للشارع فورا باستفتاء عام يحدد هل يرضي الجمهور أم لا يرضي .
فأنت تري أن القرار يمر بعدة مراحل ، وهذه المراحل هي ما نعنيه بكلمة المرجعية ، التي هي معلم من معالم الدولة الإسلامية . فأبو بكر رضي الله عنه كان لا يتخذ رأيا إلا بعد أن يجمع أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم ويأخذ آراءهم ، ثم يختار أيسرهم رأيا وألينهم موقفا ، كما في البخاري ، بعد موافقة أهل الحل والعقد بداهة .
وقضية الإجماع التي تكلم عنها الفقهاء ، واعتبروه مصدرا من مصادر التشريع ، إنما هو يهدف إلي ما نعنيه بالمرجعية ، فالإجماع من المختصين في فن من الفنون علي كذا ، يلزم منه أن لا يعارض من قبل غيرهم ممن دونهم أو ممن ليسوا من أهل الفن .

ونظن أن الأمر يحتاج إلي بيان :

المرجعية هي أمر مهم جدا لترشيد النهضة وحفظها والبعد بها عن مواطن الخلل ، والمرجعية تعني في العلوم الرجوع إلي أكابر أهل العلم –في كافة العلوم- من المتخصصين لمراجعة ما يتم إنتاجه في علمهم من قبل الباحثين والنابهين . ونضرب مثلا بصحيح الإمام البخاري عندما عرضه علي مشايخه وعلماء وقته فتلقوه بالقبول وتلقته الأمة من بعدهم بالقبول ، وهكذا وقع للإمام مسلم فقد عرض صحيحه علي شيخه أبي زرعة الرازي ، فصوب له بعض ما وقع فيه من هنات ثم أقره .
والمرجعية هذه لو تم إحياؤها في كافة المجالات والفنون لجنت الأمة من وراءها خيرا كثيرا .
وأريد أن أقول بأن هذه الفكرة متواجدة في الغرب وأوربا ، فهي أشبه بما يعرف هناك بالعمل المؤسسي أو think tanks ؛ وهي مجموعات العمل وخلايا التدبير التي تدير شئون البلاد والمؤسسات وكافة المرافق الكبرى هناك ، بوضع الخطط ورصد السلبيات وإيجاد الحلول وما أشبه . أو بما يعرف بنظرية "تفكير المجموعة" groupthink ، التي هدي إليها عالم النفس الاجتماعي الأمريكي إيرفنج "جانيس"Irving L. Janis ، في سبعينات القرن الماضي ، وهذه النظرية تعود بجذورها إلي أطروحات قديمة في علم الاجتماع تعتقد بوجود ما يسمي بعقل الجماعة حيث اعتقد بأن الجماعة لها عقل خاص بها منفصل تماما عن عقل كل عضو فيها ، كما أن لها طريقة في التفكير ونمطا من العواطف والانفعالات خاصة بها . ولكن تم الاعتراض علي فكرة "عقل الجماعة" منذ عقود علي أساس أن الجماعة لا يمكن أن تكون مختلفة بدرجة أساسية عن الأفراد الذين يشكلون عضويتها ، وأنها لا يمكن أن يكون لها حياة عقلية بمعزل عن الحيوات العقلية لأعضائها .
وتلك النظريات الغربية سبق إليها علماء الأمة الإسلامية ، مع بعض التمايزات التي لابد منها بسبب السياقات المختلفة ، والتي تجنبها المآخذ والاعتراضات التي وجهت في الغرب لتلك النظريات .
بل ربما كانت فكرة المرجعية التي صنعها علماء الإسلام أشد إحكاما وأمتن هيكلة من نظرية تفكير المجموعة ، لأن نظرية تفكير المجموعة ربما حصرها البعض علي صناعة القرار السياسي ونحوه ، فهي نظرية اجتماعية انثروبولوجية من الأساس ، علاوة علي أنها تعني تفكير المجموعة في زمن واحد في جيل واحد ، لكن فكرة المرجعية التي اهتدي إليها المسلمون وطبقوها وأرادوا أن يؤصلوها ، لا تعني تفكير مجموعة معينة في علم معين أو في صناعة قرار معين في زمن واحد وفي جيل واحد ، بل تمتد عبر أجيال ، وتنتشر خلال أقطار هي أقطار العالم الإسلامي كله ، لتقرر مسألة أو تزكي قرارا أو تبْني إجماعا. فتكون أشبه بالموروث الثقافي في ذهن أهل الحل والعقد من المسلمين ، وتصير بذلك ثقافة شائعة وثابتا من ثوابت الأمة .
لذلك قال علماء أصول الفقه بأن الإجماع مصدرٌ من مصادر التشريع لا يجوز خرقه إلا بإجماع مثله ، وكان ذلك المعني المؤسسي هو مرماهم .
وهذا أمر مهم جدا في نظري لترشيد النهضة والصحوة الإسلامية المعاصرة ففي ميدان الإفتاء مثلا ، تُعرض الفتوى علي هيئة شرعية مكونة من مجموعة كبيرة من العلماء المختصين ، في العلوم الشرعية وغيرها التي ربما تحتاج الفتوى إليها في العلوم الطبية والهندسية وغيرها ، ويدلي كل منهم برأيه ، فتكون الفتوى أشبه بالإجماع أو هي فتوى مؤسسية . وهذا أمر له مرد من فعل الصحابة والسلف ، فكان أبو بكر يجمع أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم ليسألهم عن ما استجد من أمر لم يكن علي عهد رسول الله ولم يجد فيه نصا لا من كتاب ولا من سنة ، فيختار أسهلهم رأيا وألينهم موقفا . وهذا مثال لنظرية تفكير المجموعة النمطية التي قال بها جانيس .
لكن كانت هناك خلفية أخري لنظرية المرجعية عند المسلمين ، وهو أن تلك المجموعات التي تقرر القرار النهائي لمجموعة تفكير المجموعة ، نرصد أقوالها وتقريراتها عبر العصور المختلفة والأجيال المتعاقبة ونخرج منها بالصورة الكلية لاتجاه الأمة وأيدلوجيتها في العصور المختلفة ومحل الاتفاق بين علماءها في كل عصر وكذلك موطن الاختلاف ، وهذا يتجلي في المدارس الفقهية المعتمدة وغيرها من كتب الحديث ونحو ذلك من مصنفات وفتاوى واتجاهات تلقتها الأمة بالقبول .
وهذه نظرية متشعبة ربما نفردها بالتصنيف ، لكن الذي أود الإشارة إليه هنا أن القرار السياسي كان كذلك عند المسلمين الأوائل ، وفي دولة الخلافة الراشدة .


الدولة الإسلامية وطاعة أولي الأمر

طاعة ولي الأمر / الحاكم الذي انتخبته الجماهير وأتت به صناديق الاقتراع ، واجبةٌ لا شك ، وليس ذلك في الفلسفة الإسلامية فقط ، بل في الفلسفات الغربية لا يجوز للأقلية أن تنقلب علي إرادة الأغلبية ، ولا يجوز لشرذمة أن ترفض رئيسا للدولة أتت به الأغلبية ، وإلا لاختلت القواعد الحاكمة في بدهيات علم الفلسفة السياسية . وللدولة أن تتعامل بحزم ضد من يرفض الخضوع للشرعية وللإرادة الشعبية ، كي لا يكون مدخل للأهواء ، ولترجيح شخص أو مجموعة علي أخرى من غير مرجح . فلابد إذن من احترام القواعد الحاكمة .
لكن الحاكم الذي ولّي نفسه ويستخف بالرعية ولا يبالي بإرادة الأمة كما عهدنا في كثير من الدول الاستبدادية فلا طاعة له ، لكن فقط ينبغي التعامل بالحكمة مع الطواغيت وحساب المصالح والمفاسد .
كنتُ واقفا في جمعة الإسلاميين 29 يوليو 2011م ، أمام خيمة لشباب السادس من أبريل في وسط ميدان التحرير ، فقال أحد الشباب معبرا عن غضبه : لن نسمح للإسلاميين أن يحكموا ، فقلت له مداعبا : لم ؟ قال : لأنهم لو حكمونا وأردنا أن نخرج عليهم كما خرجنا علي مبارك لذبحونا وعاملونا معاملة الخوارج !! قلت له : ولماذا تخرج عليهم ، ما دامت عجلة الديمقراطية ستدور الدورة الصحيحة. يجب أن يأخذوا فرصتهم مدة حكمهم فإن فشلوا فلتعمل علي إسقاطهم في الانتخابات المقبلة ، أما نظام مبارك فكان فاقدا لشرعيته من الأساس لأنه لم يأتي بالانتخابات ولا بإرادة الشعب فقياسك ليس في محله فهو قياس مع الفارق ، ولنفترض أن حكم الإسلاميين كان سيئا لدرجة أنك لا تتحمل أن تنتظر أربع سنوات فالنظرية الديمقراطية تعلمنا أن هناك شيء اسمه انتخابات مبكرة ، أما فكرة الثورة والخروج غير مطروحة أساسا في الأنظمة الديمقراطية ، وإلا لخرجت كل مجموعة لا شرعية لها علي إرادة الأمة وثوابتها ، ولاستبدلنا وقتئذ وصيا بوصي آخر .
أما اعتصامك ومظاهراتك ورفضك بكل الطرق المتعارفة والمشروعة حضاريا ، فلا يحق لأحد أن يكبت صوتك أو يكمم فيك .
الرئيس في الإسلام هو خادمٌ لرعيته ، فكان أبو بكر يصلي الفجر وينطلق في الصحراء ليتردد علي خيمة ويكرر هذا الصنيع فيراقبه عمر ، ودخل الخيمة من بعده فوجد امرأة عجوز لا تري وبجوارها صبية ، فسألها عمر : من هذا الذي يأتيك ؟ فقال : لا أعرفه ، يأتي كل يوم فيطعمني وأولادي ويذهب ز فيقول عمر : والله لقد أتعبت كل أمير من بعدك يا أبا بكر .
الرئيس في الإسلام ليس بمعصوم ولا فوق النقد . قابلت امرأة عمر رضي الله عنه فقالت له : لقد كنت من قبل عميرا ثم صرت عمرا ثم صرت أميرا للمؤمنين فاتق الله يا عمير فيما ولاك ! فبكي عمر حتى اخضلت لحيته فقال لها واحد من حاشيته : اصمتي لقد أبكيت أمير المؤمنين ، فقال عمر : اصمت ، لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها .
الرئيس وهو يخطب تقاطعه امرأة بكل شجاعة وهي آمنة علي نفسها وأهلها ، فيقول أصابت امرأة وأخطأ عمر .
الرئيس عندما يخطب ويقول : إذا رأيتم فيّ اعوجاجا فقوموني فقام رجل وقال : لو رأينا فيك اعوجاجا لقاومناك بسيوفنا ، فقال : الحمد لله ، في أمة محمد من يقوم عمر بسيفه .
الرئيس الذي كان يقول لو عثرت دابة في العراق لسئلت عنها يوم القيامة .
الرئيس الذي يتفقد رعيته ليلا فيجد صبية جوعي وتقوم أمهم بإشعال النار إيماء بأن الطعام سينضج بعد قليل ، فيرجع الرئيس إلي بيت المال ليحمل جوالا من الدقيق علي ظهره إلي تلك المرأة ، فيقول خادمه أحمله عنك يا أمير المؤمنين ؟! فيقول عمر : أتحمل عني وزري يوم القيامة ؟! ويذهب بالدقيق إلي المرأة ويطبخ لها ولأولادها الطعام بيده الشريفة .
هذه هي الشريعة التي نريد أن نطبقها .
ربما كان هذا الأنموذج للرئيس فريدا لأنه من أصحاب رسول الله ، لكنه تعدي لكل من حكم بالشريعة وبحضارة الإسلام .
يقول ابن كثير عن الملك الكامل أنه كان معروفا بكمال عقله ووفور معرفته وقد كان جيد الفهم يحب العلماء ويسألهم أسئلة مشكلة ، وله كلام جيد علي صحيح مسلم ، وكان ذكيا مهيبا ذا بأس شديد ، عادلا منصفا له حرمة وافرة ، وسطوة قوية ، كانت الطرقات في زمانه آمنة ، والرعايا متناصفة ، لا يتجاسر أحدٌ أن يظلم أحدا ، شنق جماعة من الأجناد أخذوا شعيرا لبعض الفلاحين بأرض آمد ، فتأدب الناس بذلك غاية الأدب .
كان الرؤساء –في ظل الشريعة- ينفقون علي العلم وطلبته ، وكان للخليفة المأمون مرصد فلكي عملاق يشرف عليه ، ويأتيه علماء الفلك من كل مكان . وكان يتابع حركة الترجمة بنفسه ويشجعها بالمال وبكل ترغيب يمكنه .
هذه هي مكانة الرئيس ومهامه في نطاق الشريعة الإسلامية . وهذا هو ما نعنيه بتطبيق الشريعة ، هذه هي الشريعة التي ننشدها والتي ندعوا إليها !!!
الشريعة التي مدلولها لا يفارق مفهوم الحضارة والمدنية والرقي والنهضة والتنمية ، هذه هي الشريعة .


الشريعة والمرأة

النبي صلي الله عليه وسلم يقول : "ما أهان المرأة إلا لئيم وما أكرمها إلا كريم" .

ويقول صلي الله عليه وسلم : "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي" .

ويقول صلي الله عليه وسلم : "رفقا بالقوارير"

ويقول صلي الله عليه وسلم : "حُبب إليّ من دنياكم الطيب والنساء" .

وقامت أم سليم الأنصارية خطيبة النساء في عهد النبي صلي الله عليه وسلم ، قامت أمام حشد كبير من الرجال والنساء وقالت : يا رسول الله هل علي المرأة من غسل إذا احتلمت ؟ قال : نعم ، إذا رأت الماء. قدمت هذا القول بلسانها ولم تخجل ، وأرادت أن تتعلم وتعلم نساء الأمة من خلفها .

المرأة كذلك شاركت الرجل في صناعة القرار السياسي والعسكري في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم ، واستشار النبي صلي الله عليه وسلم زوجته في الحديبية واشتكي من أصحابه بعدما أمرهم أمرا ولم يسارعوا بإنفاذه فأشارت إليه أن ابدأ بنفسك يا رسول الله كي تكون قدوة .

وشاركت في خوض المعارك الحربية ينقلن القتلى ويداوين الجرحى ويسقين العطشى .

وشاركت المرأة في الثورات ، فالسيدة عائشة رضي الله عنها خرجت بنفسها علي رأس جيش في موقعة الجمل لملاقاة علي كرم الله وجهه .

فالمرأة في الشريعة الإسلامية هي إنسانة لها الحق أن تملك وتتملك ، وتنفق وتتصرف ، وتفعل ما تريد ، ولا يجوز لأحد أن يكون وصيا عليها لأن الله منحها العقل والتكليف الذي ستحاسب به أمامه مثلها مثل الرجل .

ولها الحق في أن تتعلم إلي أن تبلغ أرقي الشهادات العلمية ، فالنبي صلي الله عليه وسلم خصص النساء بأيام للمدارسة والتعليم والتثقيف والتربية ، لأن المرأة في بيتها إن لم تكن علي دراية وخبرة بتنشئة الأجيال خرجت لنا خرفان صغار لا بذرة للنهضة .

والنبي صلي الله عليه وسلم لم يفصل بين الرجال والنساء في المسجد ودروس العلم ولم يضع ساترا بينهما مع أنه كان متاحا ، حيث كان يوضع الساتر ليفصل بين المسجد وبيوت النبي ، لكنه لم يضعه للفصل بين الرجال والنساء كما يفعل المتشددون . لأن الاختلاط المحرم هو ملاصقة البدن بالبدن ، لا مجرد الوجود في مكان واحد لفائدة دينية أو دنيوية .

وتاريخ الأمة مليء بالنساء العالمات الجليلات في كل الفنون ، فالعلامة السخاوى في كتابه "الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر" يذكر العشرات من مشايخ ابن حجر وأساتذته من النساء .

وابن النجار العلامة المؤرخ تتلمذ علي ألف عالم ، منهم أربعمائة امرأة ، كما ذكر العلامة ابن كثير في تاريخه .

هذا هو وضع المرأة عندما تطبق الشريعة الإسلامية .. المرأة الإنسان وليس المرأة الجسد ، المرأة المشاركة في صناعة النهضة ، وليست المرأة السلعة في وسائل الإعلام وبيوتات الدعارة !!

فتطبيق الشريعة –الذي نَنشده- هو إعطاء المرأة حقوقها التي وهبها إياها الإسلام .

الشريعة لم تأمر المرأة بالتستر بالسواد كالعفريت ، بل إن لبس السواد ليس من الإسلام في شيء ولم يكن من شيم نساء المؤمنين كما يقول الألباني في "جلباب المرأة" وأفرده بفصل دقيق هناك .

الإسلام عامل المرأة كإنسان له مكانته واحترامه ، فأباح لها كشف الوجه والكفين وأباح لها كل ثياب واسع فضفاض لا يصف ولا يشف ، ولا يجوز لأحد أن يأمرها بلبس معين أو بطريقة حياتية معينة . فالنبي صلي الله عليه وسلم –مع عظم أمر الصلاة- لم يعاقب تاركها وإنما ترك أمره إلي الله .

وقد كتبت الدكتورة أسماء زيادة رسالة ماتعة بعنوان "دور المرأة السياسي في عهد النبي صلي الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين" وكتبت الدكتورة هبة رؤف "المرأة والعمل السياسي" .


الشريعة الإسلامية والخمور

يُحزنني أن العلمانيين يستعملون الأسلحة الوضيعة للنيل من الصحوة الإسلامية ، حتى زعموا أن الإخوان المسلمين ، سوف يمنعون الخمور إذا ما تولوا الحكم . وهم يتكلمون عن الخمور وكأنهم يتكلمون عن مسألة أمن قومي ، أو عن أزمة اقتصادية طاحنة تنتج عن منعها ..!! لم يتكلموا عن ملايين العاطلين وملايين الناس الذين يسكنون المقابر والعشش والعشوائيات ،..

ولو أرد حزبٌ أن يمنع إقامة الشعائر أو يغلق المساجد ما سمعنا صياحهم !!

إن الشريعة الإسلامية منظومة متكاملة ، وشاملة ، ولا ينبغي أن نحصرها في جانب دون آخر ، أو نركز الضوء علي شيء لتخويف الناس وترهيبهم .

ومع ذلك نقول : بعيدا عن الإسلام والشريعة وتطبيقها ، هل منع الخمور يتنافي مع الحريات العامة وحقوق الإنسان ؟!

فلاسفة الغرب ومنظروه يبينوا ذلك .

أراد بعض الفلاسفة في الغرب أن يفسر مفهوم الحرية علي أنها التحلل من كافة القيود ، ولا يجوز علي مذهب أولئك أن تمنع الدولة أي شيء يخص الفرد حتى ولو كان مضرا له ولمن حوله .

أراد بعضهم أن يلغي القانون تماما ، فللفرد أن ينتحر ، من غير أن تتدخل الدولة لمنعه ، وليس للسلطات أن تجبر سائقي السيارات علي شد حزام الأمان ، لأنها بذلك تمنعهم حريتهم .

وليس لأحد أن يجبر الطفل علي التعليم والتعلم ، ينبغي أن يترك حرا ، إذا أراد أن يتعلم فليتعلم وإذا أراد أن يتسول فليتسول ، لا حرج في ذلك . من أراد أن يمارس الشذوذ فليمارس فهذه حرية ومن أراد أن يغتصب امرأة أو يتملك ما ليس له فهذه حرية !! وللقنوات التلفزيونية أن تذيع أفلام الجنس ليل نهار وأفلام الرعب والجريمة من غير ضابط .

فهذا مثالٌ لعالم الغابات الذي يريدونه .

لكن للحقيقة فالليبرالية لا تعني هذا ، بل إن هذه الأقوال شاذة بالنسبة لمجمل النظرية لومن يؤمنون بها. الليبرالية عند منظريها الكبار لم تعني سوي حرية الرأي والتعبير وحقوق الأقليات بمعني معاملتهم كمعاملة الآخرين أمام القانون وليس كمواطنين من الدرجة الثانية . كذلك ليس بمنحهم امتيازات خاصة لأنهم أقليات !! القاعدة واضحة في ذلك الصدد "لهم ما لنا وعليهم ما علينا" .


الليبراليون ومفهوم الحرية

كان جون ستيوارت مل (1806-1873م) الفيلسوف البريطاني يري أن الدولة لا ينبغي أن تقنن حرية الأفراد ، حتى ولو أراد شخصٌ أن ينتحر فليس لأحد أن يمنعه . ليس للدولة أن تجبر المواطنين علي ربط حزام الأمان في السيارات الخاصة ، ليس للدولة أن تمنع الشذوذ الجنسي ،..

وهذه الفلسفة لم تلق القبول عند العلماء والفلاسفة ، فجاء كارل ريموند بوبر فيلسوف القرن (1902-1904م) ليرفض هذه الفلسفة واعتبرها فوضوية ، وليست حرية .

يقول بوبر : لنأخذ مثلا موضوع جدل كبير : هل للدولة الحق في إلزام مواطنيها علي شد أحزمتهم عندما يقودون سيارة ؟ طبعا لا –حسب مبدأ جون ستيوارت مل- حتى عندما يري الخبراء لأسباب تتعلق بالأمن والسلامة أنها ضرورية ، أي أنه خطير السير بدون حزام . لكن انتظروا ، في هذه الحالة أليست الدولة ملزمة بمنع حتى المسافر بصفته شخصا آخر أن يوجد في هذا الموقف الأخير ؟

أليس لديها الإلزام بمنع السائق أن يقود ما دام المسافر لم يقرر طبعا بكل حرية ربط حزامه ؟ مثال آخر مثار وموضوع جدل كبير ، هو مثال منع التدخين ، واضح أنه تبعا لمبدأ مل أنه لا يمكن أن يمنع عن شخص التدخين لأنه مضر به ، لكن بالنسبة للآخرين ؟ عندما يقول خبراء دولة أنه غير صحي ، وحتى خطير استنشاق دخان الآخرين ، أليست الدولة ملزمة بمنع التدخين في كل المواقف التي يكون طرف آخر حاضر ؟

مشكلة أخرى يتحدث عنها الكثيرون وهي مشكلة المخدرات ، فحسب مل واضح أن كل شخص يتمتع بجميع ملكاته الذهنية (سواء أكان عمره أربع عشرة سنة ، أم عشرون أو إحدى وعشرين سنة لا يهم) ، له حق لا يقبل الاستلاب ، في تحطيم نفسه بكل حرية بتعاطيه المخدرات ، وأن الدولة لا يمكنها أن تحرمه من هذا الحق . لكن الدولة أليست ملزمة بمنع أشخاص آخرين من خلق موقف أكثر خطورة ؟ أليست إذن ملزمة ، كما تقوم بذلك في الوقت الحاضر ، بمنع بيع المخدرات ، وتهديد المخالفين بالعقوبات الأكثر قساوة ؟ .

وطالب بوبر في موضع آخر بالرقابة الصارمة علي الإعلام ، لتحجيم أفلام العنف والجنس التي لا تفرق بين صبي صغير ، وشيخ كبير ، والتحكم في الثقافة التي يتلقاها النشء . فقال : نحن نربي أطفالنا علي العنف بالتلفزيون ووسائل الاتصال الأخرى المختلفة ، في هذه المناسبة قلت وما زلت أفكرها وأؤمن بها إننا في حاجة مع الأسف للرقابة .

فسُئل من محاوره : يأتي هذا التأكيد تدقيقا من ليبرالي مثلكم ، في الواقع إن تردي وسائل الإعلام يعاقب غالبا ، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية ، ولكن علي العكس من ذلك فإنه في ألمانيا مسموح به من قبل الليبراليين ، التنديد بأضرار أفلام الجنس والعنف أحد فرسان المعركة لمعارضي الليبرالية .

فقال بوبر : أنا آسف لأني قلت ذلك ، ولأني تحديدا ليبرالي ، ولأني لست مع الرقابة ، ولكن صحيح أيضا أنه لا يمكن أن تكون هناك حرية من دون أن تكون هنالك مسئولية ، فلو كان كل واحد يعيش بصفة مسئولة كاملة –كما كان يجب أن يعيش- ويفكر في نتائج أفعاله علي الأطفال لن نكون في حاجة إلي الرقابة ، إلا انه مع الأسف الأمور ليست كذلك والوضعية تزداد سوءا بعد سوء : الناس يرغبون أكثر فأكثر في العنف ويطلبون ذلك من التلفزيون ليعرض أكثر فأكثر ، إننا لا نقبل هذا التصعيد .

إذن لا نري بعد كل ما سبق من كلام بوبر ومل وإمام عبد الفتاح وغيرهم من فلاسفة السياسة أنه يجوز لمجموعة المشرعين أن تسن قانونا يجرم شيئا ارتأى الاختصاصيين أنه ينسحب بأضراره للمجتمع وللنشء . ومن المعروف أن كل حزب له برنامجه ، فإذا جاء حزبٌ عن طريق صندوق الاقتراع وكان من برنامجه مكافحة الخمور والمخدرات وأوكار الدعارة والفساد ، معني ذلك أن الأغلبية من الشعب يرتضون ذلك البرنامج وأتوا به ليطبقه ، وهذه طريقة ديمقراطية سليمة ، وإذا جاء حزبٌ وسنّ قانونا لا يرضي عنه الجمهور ، فليُسقطوه في أقرب انتخابات .

فنخلص مما سبق أنه لا مانع من منع الخمور في الأماكن العامة أو المجاهرة بها .

لكن الذي يحزننا أنهم يدافعون عن الخمور –وهي في مرتبة الحشيش والبانجو والمخدرات من حيث الأضرار وربما أشد- وكأنهم يدافعون عن مسألة أمن قومي للبلد ، أو يدافعون عن بلد أهله سكارى ، يرتعون في الفواحش ويترنحون في المعاصي . أو كأن الأمم يقوم اقتصادها علي بيع الخمور ، وتحقق الرخاء الاجتماعي والاقتصادي بالمخدرات ؟

كذلك الذين يدافعون عن الملاهي الليلية وسياحة العري وما أشبه ، إننا وجدنا أصواتا مناهضة لتلك الصنائع في بلاد الغرب . وهنا أمرٌ مهم ينبغي أن نلفت الأنظار إليه ، وهو التفرقة بين الديمقراطية والليبرالية ، فالديمقراطية نظام سياسي ، في حين أن الليبرالية مذهب سياسي ، فقد أكون ديمقراطيا لكنني لست ليبراليا .


المسلمون والحرية

يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله في "قذائف الحق" : إن الحرية هي الصديق الأول لديننا ، وعندما ينهض الحكم في بلادنا علي أساس الرضا الشعبي والتجاوب مع إرادة الجماهير ، فلن يكون إلحاد ولا انحراف ، سيكون الحكم إسلاميا حتما ، فتلك رغبة الكثرة الساحقة من أفراد الأمة .

أتظن أن الغازي مصطفي كمال مثلا لو عرض نفسه علي الشعب التركي كان يظفر ب 1 % من أصوات الناخبين ؟ إنه سوف يخرج من أي انتخابات حرة يجر أذيال الفشل .. إن الحكم الفردي المستبد هو وحده الذي يقهر الإسلام ويذل أمته ، وقد عرفت أمريكا وروسيا ذلك فقررتا إحداث انقلابات عسكرية في أرجاء العالم الإسلامي المترامي الأطراف ... "قذائف الحق 166 ، ط/ القلم دمشق" .

والحرية مطلقة في الشريعة الإسلامية ، إلا في القطعيات ، وفي ذلك الصدد يقول الشيخ الغزالي أيضا : قد أفهم أن الوحي الإلهي مصدر يقين جازم عند الأنبياء وأتباعهم ولكن الأمور المقطوع بها في الدين محدودة جدا ومعدودة ، وهي أمور ينتهي عندها الجدل لأن الله قال فيها كلته الواضحة .. أما أن بشرا ما أو جملة أناس علي رأي يعتنقونه ثم يحولون هذا الرأي الإنساني العادي إلي عقيدة فوق النقاش والاعتراض ، فهذا ما لا يمكن قبوله .

فليس لأحد أن يصف أي حكم بالإسلامي ما دام ثمة فجوة بين النظرية والتطبيق، والمثال والواقع، حتى ولو رفع المتشدقون شعار الدين. لأن الحكومة التي ينبغي أن يُطلق عليها حكومة إسلامية هي التي تعتني بالدين ، وتأخذه بالكلية ، وتنظر إليه بشمولية ، فلا تجزئه وتؤمن ببعضه دون بعض ، وهي التي تنفق علي البحث العلمي وتربي أجيالا يعشقون العلم ويسهرون عليه ، وتبُغض الجهل إلي أبنائها ، كذلك تربي أجيالها علي العفة والطهارة واليسر والسماحة وتسخر إعلامها لهذه المهام ، وتنشر فلسفة العدل والحرية.. أجل الحرية بكل معانيها .. حرية الكلمة .. حرية الفعل.. حتى ولو كانت مخالفة لتعاليم الشرع فيجب طرحها ومناقشتها بدلا من كبتها فتؤثر في القلوب الضعيفة ..

الحكومة في الإسلام هي التي تكون قدوة لغيرها .. لشعبها، وللأمم الأخرى.. في العدل والمساواة بين الجماهير، وتداول السلطة وإعطاء الشعب حق الاختيار، وحرية التصرف، حتى لو اختار الشعب نفرا من غير الإسلاميين ليحكمه !!

لأننا نؤمن أن الإسلام لا يخسر معركة يدخلها أبدا ، بيد أن القائمين عليه ربما أساءوا فهمه وتطبيقه وبغضوه إلي الخلائق ، فلا ينبغي آنذاك أن تستمر المهزلة باسم الدين وتحت لواءه كما فُعل من قبل في عصور معينة زعم الحكام أنهم يطبقون شرع الله وبغضوا الشرع إلي الخلائق ، ولا زال يحدث في بلاد مستبدة منهوبة ثرواتها يزعم ملوكها وأمراؤها المجرمون أنهم يحكمون بالشريعة !!

وهؤلاء الذين لم يتفهموا أوامر الشرع ولم يستطيعوا أن يحببوا البشر في دين بارئهم لا يستحقون الحياة ، فضلا عن أن يعيشوا رغدا ويسوقوا الجماهير باسم الدين ، لأننا نرفض أن يتولي أمرنا قيصرا جديدا باسم الدين وتحت لوائه .


النهضة العلمية في الدولة الإسلامية

النهضة العلمية ، تُعد ركنا أساسيا من أركان الشريعة الإسلامية ، وأول آية نزلت في كتاب الله "اقرأ" وكأنها رسالة لأمة محمد أنها يجب أن تكون أمة علم وأن تكون رسالتها الأولي العلم والتعليم وتنوير البشر ، وهداية الخلائق بالعلوم التجريبية والنظرية والشرعية .

وعندما نقول بان النهضة العلمية من أسس وأركان الشريعة الإسلامية ، ربما يقول قائل : إن النهضة العلمية من أسس كل الحضارات ، فنقول : الفرق أن العلوم عندنا تقوم وترشد وتنمو وتزدهر باسم الله .

فالطبيب في طبه يتألق لا لمجد شخصي بل لمجد أمته ولخدمة إخوانه ورعيته !! يتعبد لله بممارسته الطب ، وهكذا كل عامل وصانع وتاجر ، أي تنال الأجر بممارسة العمل الدنيوي .

فهم المسلمون الأوائل ذلك المعني الدقيق . فشيدوا نهضة علمية لم يشهد العالم مثلها قديما أو حديثا، فيقول المستشرق الفرنسي الكبير جوستاف لوبون في كتابه "حضارة العرب" : والإنسان يقضي العجب من الهمة التي أقدم بها العرب علي البحث ، وإذا كانت هناك أمم قد تساوت هي والعرب في ذلك ، فإنك لا تجد أمة فاقت العرب علي ما يحتمل .

فالعرب كانوا إذا ما استولوا علي مدينة صرفوا هممهم إلي إنشاء مسجد وإقامة مدرسة فيها ، فإذا ما كانت تلك المدينة كبيرة أسسوا فيها مدارس كثيرة ، ومنها المدارس العشرون التي روي بنيامين التطيلي المتوفى سنة 1173م أنه شاهدها في الإسكندرية .

وهذا عدا اشتمال المدن الكبرى كبغداد والقاهرة وطليطلة وقرطبة .. علي جامعات محتوية علي مختبرات ومراصد ومكتبات غنية ، وعلي كل ما يساعد علي البحث العلمي .

فكان للعرب في إسبانيا وحدها سبعون مكتبة عامة ، وكان في مكتبة الخليفة الحكم الثاني بقرطبة 600 ألف كتاب –ست مائة ألف- ، منها أربعة وأربعون مجلدا من الفهارس كما روي مؤرخو العرب وقد قيل بصدد ذلك : إن شارل الحكيم لم يستطع بعد أربع مئة سنة أن يجمع في مكتبة فرنسا الملكية أكثر من تسع مئة مجلد ، يكاد ثلثها يكون خاصا بعلم اللاهوت ؛

ويقول الكاتب الأمريكي جون ستيل جوردون في كتابه "امبراطورية الثروة" : إذ مع منتصف القرن الخامس عشر الميلادي لم يكن هناك إلا نحو خمسين ألف كتاب في كل القارة الأوربية معظمها خاضعا لرقابة الكنيسة .

أي أن مكتبة واحدة من مكتبات المسلمين في الأندلس –وليس في بغداد أو القاهرة- ضمت 600 ألف كتاب في حين أن أوربا كلها في منتصف القرن الخامس عشر 1450م ، كان بها خمسون ألف كتاب .

كانت كتب المسلمين في الطب والفلك والهندسة والرياضيات وكانت كتب أوربا إلي القرن الخامس عشر في الكهنوت وتحت رقابة الكنيسة !!.

ذهب سلفستر الثاني إلي قرطبة الأندلسية وأخذ الرياضيات والفلسفة والفلك وغيرها من علوم ، وذهب إلي روما ، وأسس لنهضة هناك فعجبوا منه ومن علومه ، من أين استقاها ؟ ومن أين لك هذا ؟ وتولي كرسي البابوية لمكانته عندهم ولما عنده من علوم لم يعرفوها من قبل .

ويقول جاك رسيلر أستاذ المعهد الإسلامي بباريس في كتابه "الحضارة العربية" ص158 : وكان الناس من جميع العالم المسيحي يذهبون لإجراء عمليات جراحية في قرطبة ، فتقدم الطب في هذه البلاد ؛

ويقول في موضع آخر من كتابه بأن أحد علماء المسلمين رفض دعوة من أحد الأمراء للإقامة لديه بسبب مكتبته التي تحتاج إلي أكثر من مائة جمل لتنقلها .

هذه النهضة العلمية هي لب الشريعة ، وعندما نقول بتطبيق الشريعة فإنما نقصد كل تلك الأبعاد ، العلمية والاجتماعية والثقافية ، وكل أسس وعوامل الحضارة .


إقامة الحدود في الدولة الإسلامية

- حين نطالب بإقامة مجتمع مسلم يستلهم الشريعة الإسلامية ، ويعمل علي صبغ البيئة بها وبأحكامها ، لا نسعى فقط لإقامة الحدود كما قد يتصور البعض ، بل نطالب إقامة المجتمع المسلم الذي يتربي أولاده علي صيانة الدماء والأموال والأعراض ..

المجتمع المسلم الذي يعرف كل فرض فيه أن كل واحد من إخوانه المسلمين حرام عليه في ماله ودمه وعرضه ، فلا يعتدي علي عرض أخيه ، ولا يسلب ماله ولا يريق دمه .

مجتمع يفشي السلام ويطعم الطعام ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ، لا يسمح بذيلة أن تنتشر ولا بخطيئة أن تعم ، يصحح أخطاءه أولا بأول ، ويضرب علي أيدي العابثين الماجنين وينصر المظلوم ويرد الظالم عن ظلمه ، كل واحد فيه عون للآخر علي أمر دينه ودنياه لا يسلمه ولا يخذله ، ولا يحقره .

- مثل هذا المجتمع الذي تحقق واقعا ووُجد فعلا ، يندر أن يخطئ أحدٌ من أبناءه خطأ فاحشا شديدا بارتكاب موبقة من الموبقات ، فإذا وجد ذلك علي ندرته فإن الحدود تأتي لتصحيح الأخطاء وتصويب المسار لكي يحتفظ المجتمع بخصائصه الإيمانية الرائقة ، بشروط وضوابط وأسوار .

- الحدود لم تشرع إلا في أواخر الفترة المدنية من حياة النبي صلي الله عليه وسلم ، أي بعد أن استقر المجتمع ، وتعمقت مفاهيم التربية العظيمة في وجدانه ، وأصبحت جزءا من سلوكه ، وبعد أن أشربت قلوبهم حب الإيمان والتخلق بآدابه ، واستقام أمر المجتمع وأفرز أجيالا واثبة متألقة .

- إذا كنا نطلب من الأفراد أن يكونوا أهل عفو وطهارة واستقامة في كل الجوانب ، فإننا نطلب من المجتمع أن يعينهم علي تلك الطهارة والعفة ، حتى يتحقق الانسجام والتكامل بين أفراد المجتمع كله .

يقول الدكتور محمود جامع في كتابه "وعرفت الشعرواي" : وسأله آخر عن قطع يد السارق في الشريعة الإسلامية ومعني ذلك أن معظم أفراد الشعب مسئولين ورعايا ينطبق عليهم حكم قطع يدهم .. لأنهم من السارقين .. فضحك الشيخ الشعراوي وقال : الشريعة وحدة واحدة لا تتجزأ .. فقبل قطع يد السارق يجب إخراج الزكاة بالكامل علي جميع أموال المسلمين في مصر .. قبل قطع يد السارق توزع علي المحتاجين حسب الشريعة الإسلامية وكما أمرنا الله ورسوله ، حتى لا يبقي محتاج واحد ولا جائع ولا محروم .

فإذا كان جميع الرعايا في يسر .. ووزعت الزكاة بالكامل علي جميع المحتاجين ، فإذا جاء أحدهم بعد ذلك وسرق ، فيجب أن يطبق عليه الحد ... " وعرفت الشعراوي 142 ط1/دار التوزيع والنشر" .


المصادر

1- انظر : تأثير أحداث 11 سبتمبر في المفهوم الأمريكي للأمن القومي ، د/ معتز سلامة ، ص86 ، رسالة دكتوراه –مكتبة كلية اقتصاد وعلوم سياسية- .

2- في ظلال القرآن ،الشهيد سيد قطب ، تفسير سورة النور ، ط6/ الشروق .

3- قذائف الحق ، محمد الغزالي 166 ، ط/ القلم دمشق .

4- التفكير فريضة إسلامية ، عباس العقاد ، نهضة مصر .

5- خلاصة القرن ، كارل بوبر ، الهيئة العامة للكتاب .

6- وعرفت الشعرواي ، محمود جامع ، ط/ دار التوزيع والنشر الإسلامية 2005م .

7- الأخلاق والسياسة ، إمام عبد الفتاح إمام ، الهيئة العامة للكتاب .

8- الطاغية ، إمام عبد الفتاح إمام ، عالم المعرفة .

9- مجلة الدوحة ، عدد أكتوبر 2011م . ط/وزارة الثقافة القطرية .

10- مجلة حضارة ، العدد الثاني عشر ، تشرين الأول 2011م ، ط/ مركز الأمة للدراسات والتطوير.

11- إصلاح الساسة ، عبد المنعم السعيد ، الهيئة العامة للكتاب .

12- حضارة العرب ، جوستوف لوبون ، ط/ بيروت .

13- الحضارة العربية ، جاك رسيلر ، ترجمة غنيم عبدون ، مراجعة أحمد فؤاد الأهواني ، الدار المصرية للتأليف والترجمة د.ت .