لمى خاطر تكتب: ذاكرة الحرب الثانية.. أن تقاتل في حضور النصيرر

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لمى خاطر تكتب: ذاكرة الحرب الثانية.. أن تقاتل في حضور النصير


لمى خاطر.jpg

( 15 نوفمبر 2017)

في مثل هذه الأيام قبل خمسة أعوام كانت الحرب الثانية على غزة قد دقّت طبولها، بعد اغتيال طائرات الاحتلال القيادي في كتائب القسام أحمد الجعبري. استمرت الحرب ثمانية أيام فقط، وخلّفت نحو مئة وسبعين شهيدا، بمعنى أنها كانت سريعة وقليلة الضحايا مقارنة مع الحرب الأولى (عام 2009) والثالثة (عام 2014). وكان أداء المقاومة في غزة مدهشاً من ناحية معنوية، رغم أنه خلّف إصابات محدودة في أوساط الاحتلال، غير أن وصول صواريخ كتائب القسام للمرة الأولى إلى القدس وتل أبيب أضفى على أجواء الحرب قيمة معنوية عالية وكثيفة الدلالات في وعي الفلسطيني المثقل بذكريات الهزائم العربية.

لكن العلامة الفارقة التي حملتها حرب (حجارة السجيل) وساهمت في منحها تلك القيمة المعنوية الخاصة كانت العهد الزمني الذي اندلعت فيه، حيث كان الربيع العربي في ذروته، وكانت ثورتا تونس مصر تقطفان بواكير ثمارهما، قبل أن تنتكسا لاحقاً وتُغرق موجات الثورة المضادة مراكبهما. فقد أوفدت مصر حينها رئيس وزرائها هشام قنديل إلى غزة ضمن وفد رسمي عالي المستوى، وكذا فعلت تونس التي أوفدت وفدها الرسمي أيضا، إضافة إلى وفود شعبية عربية وقوافل إغاثية عديدة، دخلت إلى غزة خلال الحرب من معبر رفح، لتساندها معنوياً ولتؤكد أنه لا مجال للاستفراد بغزة، وأن التضامن الفعلي معها سيتصاعد إن استمرّ عدوان الاحتلال.

كان العالم كلّه كأنما قد حط رحاله في غزة، وكانت الأخيرة محطة للصمود والمقاومة، تُبرق لأشقائها العرب في ساحات الثورة رسائل إسناد وتمتين، تقول إن الطريق واحد والمصير واحد، وعدو كل الثورات واحد، لأن طلب الحرية في بلاد العرب يقلق ليل الاحتلال مثلما يشعل جنون الأنظمة المستبدة التي تخدمه بسياساتها، ويخدمها بحمايتها، أو بغضّ الطرف عن وجودها حوله.

في تلك الحرب شهدنا للمرة الأولى كيف يمكن أن يكون أثر السياسة النظيفة على قضية فلسطين، وتابعنا جهود الرئيسين المصري محمد مرسي والتونسي منصف المرزوقي لإنهاء العدوان، وانحيازهما لمظلومية فلسطين ولحق شعبها في المقاومة، فكان ذلك الصاروخ الذي ينطلق من غزة ليضرب تل أبيب يمضي محفوفاً بهالة نورانية ساطعة تظلل بلاد العرب كلها، وتحمل الهامات الشاخصة منها إليه على أداء تحية مختلفة له، يغذّيها اليقين بتوحّد الهم، وإدراك أبعاده، وفقه ما بشّر به واقع الثورات من ثمار، قُدّر لفلسطين أن تنال شيئاً منها، رغم أنها محدودة وعابرة، لكنها ستظلّ تَذكرها فيما بعد وتستمطر أيامها، عندما ستنقضّ مخالب الثورة المضادة لتنهش بقية النقاء في عالمنا العربي، وتعلن عهد الردّة عن زمن الثورة.

لم تدم معركة (حجارة السجيل) سوى أيام قليلة، لكنها قالت كثيرا حول معنى أن تقاتل ونصيرك حاضر وظهرك محصن من الغدر، وأن تكون هنالك يد شقيقة تمسح عن جبينك غبار المعارك، وتغذي شريانك بالنصرة والمدد والتضامن، وكيف ينفسح المدى عن آخره حين تلامس دروبه نداءات التكبير المنطلقة من حناجر مختلفة الأعراق والأوطان، لم تقيّدها حدود أو ألوان، ولم تلهها عصبيات وقوميات، ولم تنشغل بأعداء مصطنعين جدد.

ثم حين دار الزمن سريعاً وجاءت الحرب الثالثة بعد عام ونصف فقط، في عهد الثورة المضادة، كان سهلاً ملاحظة الفرق بين الحربين والزمنين والأجواء العامة والخاصة التي اكتنفت كلاً منهما، فرغم أن الحرب الأخيرة شهدت إضافات ثريّة للمقاومة، وسجّلت أنماطاً نوعية وغير مسبوقة من عملياتها، وأوقعت خسائر كبيرة في صفوف الاحتلال، كما ونجحت في

أسر بعض جنوده، إلا أن الفجيعة التي رافقتها كانت أعظم، وجراح غزة خلالَها وبعدَها كانت أوسع وأعمق، والشعور بخذلان وتخلّي المحيط العربي وتواطؤ أنظمته مع الاحتلال كان أبلغ مما كان عليه في أي وقت آخر.

وكان ممكناً وقتَها فقط إدراك سرّ احتفاء كيان الاحتلال بالانقلاب في مصر وبصعود نجم الثورة المضادة في بلاد العرب، وغياب شمس الحرية عن شوارعها، وحلول الهزيمة واليأس في أوصال ثوار ربيعها. كانت إسرائيل تقطف ثمار الردة عن الحرية في أوطاننا، وتنام ليلها الطويل على سواعد رعاة أمنها من قادة الأنظمة المجرمة، فيما تحصد قضية فلسطين خسارة كبرى بانحسار ربيع العرب وانقلاب قطار تحريرهم.

المصدر