لماذا اتهم العقاد حسن البنا باليهودية؟

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لماذا اتهم العقاد حسن البنا باليهودية؟


رؤية في ذكرى وفاة الإمام حسن البنا


ما زالت الإتهامات تنهال على جماعة الإخوان المسلمين ومؤسسها الأستاذ حسن البنا، حيث تسابق كثير من الكتاب والمفكرين في إثارة العديد من الشبهات حول كينونة الأستاذ البنا وجماعته وماهيتها التي على أساسها قامت ووصفها بالعنف والإرهاب وغيرها من التهم المتكررة في كل عصر.

وكان من هذه التهم هي أصول الشيخ حسن البنا وأنه من أصل يهودي مغربي، بل بالغ من اتهمه أيضا بكونه ماسونيا حيث اشتق اسمه من البنائين الأحرار وهم الماسونيين، ناهيك عن عمله وعمل والده في مهنة إصلاح الساعات وهي المهنة التي كانت حكرا على اليهود في مصر في ذلك الوقت – كما يزعمون.

ولقد استند الجميع وأقاموا الحجة على هذا الاتهام من خلال إحدى مقالات الأستاذ عباس العقاد نشرها في صحيفة الأساس في يناير 1949م تحت عنوان الفتنة الإسرائيلية – وصحيفة الأساس كانت الناطقة باسم الحزب السعدي حزب النقراشي باشا والذي انضم له عباس العقاد بعد تركه لحزب الوفد – حيث نشر المقال بعد حل جماعة الإخوان المسلمين والتي وصف فيها الشيخ حسن البنا بأنه من أصول يهودية مغربية جاء لتخريب الإسلام. (1)

ولقد بنت كثير من أقلام الكتاب اتهامها على ما ساقه الكاتب عباس العقاد، حتى أن مجلة الأزهر الشريف أعادت نشر مقال العقاد في عددها الصادر في شوال 1436هـ ، 2015م.

لكن لماذا كتب العقاد ذلك؟

أولا نود أن نسوق حال العقاد فترة حياته وتقلباته بين الأحزاب واستخدام قلمه في مهاجمة كل من يعارضه أو يعارض الحزب المنضوي تحت لوائه وهي حقائق سطرها كثير من الكتاب والمفكرين المعاصرين له بل والمتأخرين.

فقد وصفه الدكتور عبد الرحمن بدوي - أحد أبرز أساتذة الفلسفة العرب في القرن العشرين وأغزرهم إنتاجا – بقوله:

ولقد صارت كلتا الحركتين – الإخوان المسلمون ومصر الفتاة – هدفا لبطش النقراشي باشا وزير الداخلية في سنة 1939م، في الوقت الذي كان القسم السياسي في بوليس محافظة القاهرة (برئاسة الأميرالاي سليم زكي ومساعده إمام) يطارد أعضاء مصر الفتاة ويعتقلهم ويلفِّق لهم التّهم، أوعز النقراشي إلى كاتب السعديين في ذلك الوقت، عبّاس محمود العقّاد، بالهجوم بقلمه.

وقد كان العقّاد طوال حياته مأجوراً لحزب من الأحزاب: الوفد (حتى سنة 1935) وخصوم الوفد (من 1935 حتى 1938) والسعديين (من سنة 1938 حتى سنة 1950)، كما كان مأجوراً لبريطانيا (طوال مدة الحرب: 1939 إلى 1945 على الأقل): يستخدم سلاطة لسانه، وما يزعمه لنفسه من قوة عارضة في التطاول على خصوم مَنْ يُستغل للدفاع عنهم. (2)

ومما سبق يتضح لنا جليا كتابات العقاد ضد خصومه أو خصوم حزبه والغرض منها، وهو ما يجلي الحقيقة عن السبب من وراء مهاجمة العقاد لجماعة الإخوان المسلمين في هذا التوقيت والذي لا يملكون فيه حق الرد، لحل جماعتهم واعتقال قادتهم والزج بهم في آتون السجون.

كتب عباس العقاد متهما مؤسس جماعة الإخوان المسلمين بأن يهودي من أبوين يهوديين رحلوا من المغرب إلى مصر هربا من الحرب، حيث ساعدتهم الماسونية على التغلغل في المجتمع المصري بهدف تخريب الإسلام.

لكن وفق دفتر مواليد مدينة المحمودية بمحافظة البحيرة عام 1906م ، فإن حسن البنا من مواليد المحمودية واسمه "حسن أحمد عبد الرحمن"، وأنه ولد يوم 17 أكتوبر وليس يوم 14، وأنه مسجَّل في قرية العطف بمديرية البحيرة آن ذاك عام 1906م في وثيقة رقم 86.

وتوضح الوثيقة أن رقم الإمام البنا 320، وأن تاريخ ميلاده هو السابع عشر من أكتوبر، وقد سجِّل في الوثيقة اسم والده أحمد عبد الرحمن البنا، وجنسية المولود المصرية، وديانته المسلمة، وجهة سكنه، ونمرة تطعيم [البنا] التي تحمل رقم 15. (3)

وأن والده من مواليد قرية شمشيرة التابعة لمركز فوة بمحافظة كفر الشيخ حاليا، كما أن أمه تدعي أم السعد إبراهيم صقر تاجر المواشي بنفس القرية.

ولقد عمد الكاتب اليساري رجاء النقاش 2008) إلى تفنيد ما ذكره عباس العقاد موضحا الأسباب التي دفعت العقاد لكتابة مثل هذه الاتهامات – والتي لم تخرج عما ذكره عبدالرحمن بدوي – حيث كتب مقالا في صحيفة الأهرام المصرية عام 2006م ذكر فيه: كان الكاتب الكبير عباس العقاد من أشد خصوم الإخوان‏.‏

وخصومته معهم هي في الأصل خصومه فكريه‏ ولكن أحداث ‏1948‏ زادت من هذه الخصومه‏ وجعلت منها خصومه حزبيه وسياسيه‏ ذلك لأن العقاد في تلك الفتره كان قريبا جدا من النقراشي باشا وكان صديقا حميما كما أن العقاد كان الكاتب الأول في جريدة الأساس وهي جريدة الحزب السعدي الذي كان النقراشي رئيسا له‏.

ويضيف:

علي أن العقاد - للاسف - عندما ينتقل من هذا المبدأ النظري العام الذي يقدمه ويشرحه ويدافع عنه علي أحسن وجه ألي الحديث عن الشيخ حسن البنا - مؤسس الإخوان المسلمين - فإن العقاد يقع في الخطأ الكبير الذي حذر منه كما رأينا في الجزء السابق من حديثه‏
وهذا الخطا هو إصدار حكم علي شخص من الأشخاص بغير بينه وشهادة وقضاء‏..‏ فقد أتهم العقاد الشيخ البنا اتهامات فادحه‏.‏ وهي اتهامات لم يكن عليها أي دليل‏، وقد كان علي العقاد أن يتجنب مثل هذه الاتهامات ويبتعد عنها وهو الذي يتشدد في القول بأن الحكم علي الناس بهذه الطريقه هو خطيئه مرفوضة من الدين‏،‏ ومرفوضة من كل شرع وقانون، والشيخ حسن البنا بالتحديد كان صاحب سمعه طيبه.
كان الشيخ البنا بصورة عامة شخصية مهمة وعليها خلاف واسع بين أنصاره وخصومه‏ - ولا يزال هذا الخلاف قائما إلي الان -‏ وقد كان العقاد خصما فكريا وسياسيا للشيخ البنا‏،‏ ولكن العقاد تجاوز في خصومته حدود الاختلاف الفكري المشروع وألقي علي الشيخ البنا تهمه غير مقبوله من أنصار البنا‏،‏ بل وغير مقبوله أيضا من الخصوم الشرفاء للإخوان المسلمين. (4)

ولم يكتف الكاتب رجاء النقاش على ذلك المقال بل ذكر أسباب أخرى في كتابه المعنون باسم (عباس العقاد بين اليمين واليسار) حيث ذكر:

أن جماعة الإخوان المسلمين تحولت إلى حقيقة ملموسة في المرحلة من 1936 إلى عام 1948م وقد حاول الحزب السعدي استغلال الإخوان ضد خصمه حزب الوفد، وكان من الطبيعي أن يكون عباس العقاد راضيا عن الإخوان موافقا على نشاطهم طالما أن الإخوان لا يعملون ضد الحزب السعدي.

ورغم أن الأخطاء الذي أخذها العقاد على الإخوان بعد ذلك كان واضحة ولم ينتقدها العقاد لا لشيء إلا أنهم لم يهاجموا الحزب السعدي، حتى كان عام 1948 حيث اكتشف السعديون أن الإخوان لا يعملون معهم ولن يعملوا لصالحهم وأصبحت لهم قوتهم الذاتية الكبيرة

فقرر الحزب والقصر ضرب الإخوان، فصدر قرار حل الإخوان في 8 ديسمبر 1948م وهنا بدأ العقاد يهاجم الإخوان أعنف الهجوم، مؤيدا قرار الحل ومبررا لهذا القرار، فكان أول ما كتب مقالا بعنوان "الحكومات وسماسرة الفوضى" في 13 ديسمبر 1948م هاجم فيه الإخوان ومؤيدا قرار حلهم.

وإن السبب في موقف العقاد واضح تمام الوضوح فموقف العقاد من الإخوان لم يكن موقفا فكريا بقدر ما هو موقف حزبي، فإذا اتفقت الإخوان مع الحزب الذي ينتمي إليه العقاد سكت عنها، ولم يعترض على نشاطها العملي أو الفكري، ولكن إذا تعارض نشاط الإخوان مع الحزب السياسي الذي ينتمي إليه العقاد وقف العقاد ضدها وهاجمها واعترض عليها أشد الاعتراض.

وبهذا يتأكد لنا أن العقاد كان صامتا على تجاوزات الإخوان وقت أن كانوا على وفاق مع حزبه السعدي ورئيسه النقراشي باشا، لكن بعدما حدث الصدام مع حزبه كال لهم الاتهامات، ومهما كان من نقد العقاد للإخوان من صواب، فإن هذا الموقف الحزبي من جانبه يضعف نقده ويثير حوله كثر من الشكوك والاعتراضات، وكما كانت مواقف العقاد في الحزب السعدي كانت مواقفه أيضا في حزب الوفد وقت أن كان عضوا فيه. (5)

ويضيف:

وهكذا يستخدم العقاد منطقه الذكي في التشهير بالإخوان وهذه الحجة التي يثبت بها انتماء الإخوان إلى الحركة الإسرائيلية رغم ما فيها من الطرافة والذكاء – كما أشرت - إلا أنها تخلو من الروح العلمية المنصفة فحتى لو صح أن البنا من أصل يهودي وهو أمر لم يقم عليه أي دليل معقول، فإن هذا لا يكفي للتدليل على أنه متآمر بحكم أصله
وإذا أردنا أن نثبت التآمر على شخص ما فيجب أن تكون لدينا أدلة أخرى غير أصله وجنسه، ولو أخذنا بهذا المنطق لقلنا إن العقاد لا يمكن إلا أن يكون معاديا للقومية العربية – مثلا - لمجرد أنه من أصل غير عربي إذ أنه من أصل كردي عن طريق والدته ومثل هذه الاستنتاجات إن دلت على ذكاء فإنها لا تكفي للوصول إلى الحقيقة. (6)

ويسوق الأستاذ محمدن بن الرباني بعض الحقائق التي تفند أيضا ما ذكره العقاد من قبل ونقل عنه المتقولون حيث قال:

القول بأن البنا مشتق من البنائين الأحرار فضلا عن تعسفه الاشتقاقي هو تجاهل للتاريخ فهذا الاسم معروف منذ قرون بعيدة، ويكفي في ذلك أن نطالع هذه الترجمة في كتاب السخاوي الضوء اللامع في أعلام القرن التاسع: "عبد الله بن أحمد بن قاسم بن مناد النفزاوي القروي بلداً نسبة للقيروان المغربي المالكي". ولد في حدود سنة خمس وثمانين وسبعمائة بالقيروان وقرأ بها القرآن لنافع على محمد بن أبي زيد صاحب قصر المنستير... وشغف بالتصوف وأهله فأخذ عن أبي زيد عبد الرحمن البنا وسالم المرو وغيرهما. (7)

ثم يضيف:

القول بأن الساعاتي حكر على اليهودية فيه من التعسف وتجاهل التاريخ مثل ما في جعل البنا مشتقة من البنائين الأحرار فقد عرف أعلام من الفقهاء والشعراء بابن الساعاتي منهم الشاعر المصري أبو الحسن علي بن رستم بن هردوز المعروف بابن الساعاتي، الملقب بهاء الدين، الشاعر المشهور؛ الذي ترجم له ابن خلكان المتوفى سنة أربع وستمائة بالقاهرة. (8)

ومما يؤكد هذا الكلام هو ما ورد في مذكرات جمال البنا – الأخ الأصغر للإمام حسن البنا – الذي ذكر أن لفظ البنا ربما كان أحد من تسلسل العائلة يعمل في مهنة البناء في الريف فأخذ اللقب من ذلك.

ويضيف عن سبب امتهان والده الشيخ أحمد مهنة تصليح الساعات وتلقبه بالساعاتي فيقول:

كان للوالد هواية تصليح الساعات، ففكر في أن يجعل من هوايته عمل وصناعة، وفي إحدى المرات تعطلت ساعته فسافر إلى مطوبس لتصليحها عند صانع كان يحضر مطوبس يوم السوق، وسرعان ما تطورت علاقته به وأصبحت علاقة صداقة، وبدأ يتعلم منه كيفية تصليح الساعات
ثم انتقل إلى رشيد لزيادة اتقان المهنة على يدي صانع محترف لكن مهارة الصانع لم ترضه، فذهب إلى الإسكندرية واتقن المهنة في محل كبير لتصليح الساعات، وفي النفس الوقت التحق بالدراسة في مسجد القائد إبراهيم، وبهذا أصبح يمكنه مواصلة دراسته واستكمال حرفته.
وبعد أن اتم دراسته واتقن حرفة تصليح الساعات عاد إلى قريته شمشيرة حيث خطب الجمعة وأصبح محل اهتمام الناس كما أنه فتح محل لتصليح الساعات لكن القرية لم تكن على القدر الكبير بالاهتمام بالساعات
وهي من الأسباب القوية التي دفعته للانتقال لبلد أخرى ومكان أخر كبير يستطيع أن يمارس عمله فيه ويكمل رحلته العلميه فانتقل إلى مدينة المحمودية على الضفة الأخرى للنيل، واشترى بيتا صغيرا له ولزوجته كما اشترى محلا على النيل لتصليح الساعات ثم أدخل في تجارته "الجراموفون" وكان يبيع اسطونات التواشيح والمدائح النبوية. (9)

يرى المنصف أن كلام العقاد في المسألة كلام سياسي عاطفي خال من المؤيدات العلمية، حيث لم يستند عباس العقاد في اتهامه للأستاذ حسن البنا إلى دليل واحد إلا الخصومة السياسية الواضحه والتي لم تقتصر على حسن البنا فحسب، بل كان ديدن العقاد مع كل خصومه أو خصوم الحزب الذي كان منضوي تحته سواء حزب الوفد تارة أو حزب السعديين تارة أخرى.

المراجع

  1. عباس محمود العقاد، صحيفة الأساس، مقال بعنوان الفتنة الإسرائيلية، 2/ 1/ 1949م
  2. عبدالرحمن بدوي: سيرة حياتي، الجزء الأول، الطبعة الأولى، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت لبنان، 2000م، صـ 133.
  3. وثيقة عبارة عن صفحة من دفتر أحوال المواليد لعام 1906م قرية العطف – محمودية - البحيرة.
  4. رجاء النقاش: صحيفة الأهرام المصرية، 12 فبراير 2006م
  5. رجاء النقاش: عباس العقاد بين اليمين واليسار، دار المريخ للنشر، الرياض، 1988م، صـ295- 299. بتصرف
  6. المرجع السابق: صـ304
  7. السخاوي: الضوء اللامع، جـ 2 ، صـ 424 نسخة الشاملة
  8. ابن خلكان: وفيات الأعيان جـ 3 ، صـ 395-396.
  9. السيد الحراني: مذكرات جمال البنا، الطبعة الأولى، دار أكتب للنشر والتوزيع، القاهرة، 2014م، صـ16 – 17.