كريم عبد السلام يكتب قصيدة جديدة: 25 يناير
المندفعين نحو الثورة

- وكلما سقط أحدُكم،
أحيا مدينةً وأيقظ شعباً
- يا إخوتى الذين يطلبون الضوءَ فى آخر النفق
اهدموا النفق إلى الشمس
- وطاردوا العربات المصفحة
ومومياوات العصر البائد
- بأيديكم العزلاء.
يا إخوتى الذين يجذبون بلدنا بعيدا عن الغرق،
- بعيداً عن أسماك القرش
بلدنا مشلولٌ، يجر ساقه المعطوبة،
- ويده متدلية إلى جواره ذاهلاً فى الميادين
بلدنا يرتعش من العسس الطائف،
- والعسس المرابط،
والعسس الذى يتحسس سلاحه
- بلدنا يتكلم فلا يتكلم وينصت إلى لا أحد
بلدنا الذى تجرأتْ القوارضُ على أصابع قدميه
- وأكل الطيرُ من رأسه
بلدنا الذى ينساب مياهً فى الرمل
- ويتمزق أرضاً عطشى
بلدنا الذى سدّت الجلطاتُ شرايينه
- بلدنا الذى غادرته الشرايين
بلدنا الخائف
- بلدنا الذى يموت من خوفه كل يوم
بلدنا الذى يبجّل العسكرَ الساحقين
- وينفرُ من عشاقه عندما يُظهرون الغرام
بلدنا المجروح، وجراحُه إلى الغنغرينا تذهبُ
- بلدنا الشجرةُ، اقتلعتْ جذورَها ومضتْ إلى الصحراء
بلدنا النهرُ، غارَ فى الأعماق مع الصخور،
- وترك المجرى للترابِ والقمامة
بلدنا السماءُ، شنقتْ قمرَها على أعمدة الجوع
- وأطفأتْ بيديها النجوم
بلدنا الذى وافق الجزارين على بتر أطرافه
- وطردَ الأطباءَ من غرفته
بلدنا الذى يستيقظ فى الفجر على الوحوش تهاجم أبناءه،
- فينكرُ أبناءه والوحوش .
يا إخوتى المندفعين كالفراشات باتجاه الثورة
- بلدنا " لعازر" قام من موته عندما ناديتموه
بلدنا الأبرص، شفى عندما مسته أناملُكم
- صدورُكم التى اخترقتها الرصاصات تصنع أرضاً
أجسادُكم التى داستها المصفحاتُ ترفع سماءً
- ودماؤكم التى سالتْ ترسم حدودَنا الجديدة
ثورة محاصرة
- فى لغتنا
فى قبلاتنا لحبيباتنا
- يا ثورةً محاصرة بين اللسان والكلمة
بين العين ونظرتها
- بين القدم وخطوتها إلى الاكتشاف
آن لكِ أن تتجلي فى المسافة بين صدرونا والرصاص
- بين أنفاسنا والقنابل المسيّلة للدموع
يا ثورةً مخبأةً فى نفوسنا من قديمٍ
- بعيداً عن المخبرين والجلادين والقوادين والمأبونين والتجّار
آن لكِ أن تنطلقى رايةً
- فلا تقتلعها يدٌ
آن لك أن تظهرى علامةً
- فلا تنكرها عين ٌ
آن لكِ أن تتشكلى كلمة ً
- فلا يحجبها لسانٌ
يا لحظةَ التطهرِ التى طالما بحثنا عنها،
- ما أجمل اندفاعك فى أرواحنا الخامدة
فى عتمة اليأس
- ما أجمل أن ُتطمئنى الحائرين
ما أجمل أن ُترشدى العميانَ
- ما أجمل أن ُتسمعى الُصمَّ
طمئنينا
- أرشدينا
أسمعينا
- ما أجمل أن تضمى إليك الخائفين والجائعين والمعذبين
والمهانين والمكبلين والمكلومين
- يا ثورة يا عشقاً
خذى قيودنا
- خذى يأسنا وهوانَنا
خذى " لا أعرف" و " لا أقدر"
- خذي " أنا خائف"
خذي عجْزَنا كله وضعفَنا بكامله
- خذي موتنا وبقايانا ورمادنا
وأعطينا غداً وبلداً
- امنحينا حرية وأملاً وخبزاً
وعلمينا الحياة
- علمينا الحياة
أيها العالم
أيها العالم
- أحضرْ سجلاتك ودوِّنْ أسماءَ الشهداء
كيف سقطوا
- كيف تحرك القتلة
كيف خرجتِ الإشارة للسواعد الغاشمة والحديد لتعتدى
- كيف انطلقت النيران بخوفٍ ورعدة
كيف تحركت الرصاصاتُ فى مساراتها
- كيف احتملها الهواء
كيف اخترقتِ البدنَ الحى
- كيف انبجستْ عيونٌ وانطمستْ عيونٌ
كيف استقبل ترابُ الأرض ما انبجسَ وتدفّقَ
- كيف التمع الحديدُ والأسفلتُ بالأحمر
كيف تشكّلَ الجرحُ شفاهاً وأسئلةً
- كيف ناورَ البدنُ إرادةَ القنص
كيف ارتدتْ إرادةُ القنص وغرزتْ أنيابها
- وكيف ضاق الصدرُ وارتجفتِ اليدُ وأسدلتِ العينُ جفنيها
كيف راوغتِ الروحُ وتراجعتْ لأقصى البدن
- كيف صمتَ اللسانُ وتعطلتِ اللغة
وامّحتْ " كَفَى .. َكفَى"
- كيف نظرتِ السماءُ وأغضتْ
كيف تراجعتْ وتخلّتْ
- أيها العالم
دَوِّنْ أسماءَ الشهداء
- ربما تتعلم الأسماءَ من جديد
مناجاة
إلهي ..إلهي
- سلّمْ على أمي
وامسحْ دمعتها الصامتة
- اجعلْ يا إلهى طريقَها سهلاً إلى النسيان
وحزنَها ثلجةً تحت الشمس
- وأيامَها مليئةً بالتفاصيل
أبعدها يا إلهى عن صورة زفافي
- وعن ملاءة سريرى
وعن حقيبة سفرى
- وعن سترتي الزرقاء
وعن خاتمي الفضى
- لتكن غرفتى يا إلهى مكانَ الغريب الذى غادر دون وداعٍ
وكلماتى فى أقصى الذاكرة
- لا أريد تنهيدتَها تكسر الصمت
لا أريد أن تمسح على ابتسامتى بأنامل مرتعشة
- لا أريد شرودَها وهى تحدق فى عينىَّ الثابتتين
لا أريد شريطاً أسود مائلاً
- لا أريد كلماتٍ تسيل من شفتيها إلى لا شئ
لا أريد أن ُتطلق اسمى على كل شابٍ تراه
- لا أريد ملامحى موزعةً فى عينيها
لا أريد بحثَها الدائب فى الوجوه
- لا أريد أن أكون عَثْرتها على سلّم المنزل
لا أريد انتظارَها لصوتى
- لا أريد أن أصبحَ استسلامها
لا أريد " لماذا" لصيقةً بنظرتها إلى السماء
- لا أريد حسداً يتسلل منها إلى أخرى ُتعطّر ابنها للزفاف
لا أريد سهوَها قرب النار
- لا أريد فزَعها بالليل
لا أريد انكسارَها عند عبور الشارع
- لا أريد ألمَها بالنهار
ليكنْ وجهى يا إلهى بعيداً بعيداً
- وعيناى صامتتين
وضحكتى ترنُّ فى أذنٍ أخرى
- إلهى ..إلهى
سلّمْ على أمي
- وامسحْ دمعتها الصامتة
المصدر
- قصيدة: كريم عبد السلام يكتب قصيدة جديدة: 25 يناير موقع اليوم السابع