كامب دايفيد 2

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


قناة استكهولم السرية كيف أفضت إلـى كامب ديفيد 2 ؟

السادات أثناء توقيع إتفاقية كامب ديفد

كشفت صحيفة إسرائيلية فحوى الاتصالات والمباحثات السرية التي جرت بين مسؤولين صهاينة وفلسطينيين في إطار ما سُمي "قناة استكهولم السرية" في السويد والتي أفضت وفقاً لما أوردته صحيفة "يديعوت أحرونوت" إلى قمة كامب ديفيد .

ولأهمية ما يحتويه التقرير الذي أعده مراسلا ومعلقا الصحيفة شمعون شيفر وناحوم برنيع ننشر ترجمة لأهم فقرات المقال أعدتها وكالة "قدس برس". التقرير يكشف عن تفاصيل وحيثيات تنشر للمرة الأولى عن المحادثات السرية التي انطلقت قبل حوالي شهرين في كتمان وتعتيم بعيداً عن الأضواء عبر "قناة استكهولم" التي ترأسها من الجانب الفلسطيني رئيس المجلس التشريعي أحمد قريع (أبو العلاء) ومن الجانب الصهيوني وزير الأمن الداخلي شلومو بن عامي، وذلك بتكليف وتفويض مباشرين من ياسر عرفات وإيهود باراك:

وافق المحامي جلعاد شير الرجل الذي يأتمنه باراك على اسرار المفاوضات على كشف الطريق الذي أفضى إلى قمة كامب ديفيد.

لقد عمل "شير" بصورة أساسية مقابل "أبو العلاء" وقد واصل الاثنان محادثاتهما السرية بمنتجع كامب ديفيد.

كرس "شير" جهداً كبيراً استغرق عدة شهور في محاولة لإقناع الفلسطينيين بقبول الأمر الواقع الذي أوجده وفرضه المستوطنون اليهود في الأراضي الفلسطينية بالضفة الغربية وقطاع غزة . وقال "شير" لمحادثيه الفلسطينيين "لو أن عرفات لم يرفض في عام 1978م مشروع الحكم الذاتي الذي اقترحه مناحيم بيجن لكانت لديكم اليوم دولة في كل أراضي الضفة والقطاع دون وجود مستوطنات يهودية .. لكن ما حصل لا يمكن التراجع عنه أو العودة إلى الوراء".

البدايات

ما أطلق عليه خطأ "قناة استكهولم" بدأ بقرار باراك تكليف الوزيرين شلومو بن عامي وأمنون ليفكين ـ شاحك بإقامة قناة حوار مع الفلسطينيين تعمل بموازاة قنوات اخرى .. الشريك الأساسي لـ"بن عامي وشاحك" كان أحمد قريع.

في منتصف شهر أبريل الماضي وخلال لقاء جمع بين باراك وعرفات قرر الاثنان الشروع في مفاوضات معجلة وحثيثة تتناول كافة مسائل التسوية الدائمة.. اتفق أن يعين كل منهما شخصين من كل طرف يكونان مخولين بالتفاوض.. باراك عيَّن شلومو بن عامي وجلعاد شير بينما عيَّن عرفات أبو العلاء وحسن عصفور.

في وقت لاحق وعندما بدأ المتحادثون بإجمال المسائل مدار البحث وتسرب جزء من "التنازلات" الإسرائيلية إلى وسائل الإعلام حاول باراك التنصل من الصلة بينه وبين بن عامي كما لو أن الأخير عمل دون تفويض من رئيس الحكومة.. لقد شعر بن عامي فعلياً بالإهانة.. إذ إن كل ما قام به تم بإذن وتفويض كما أن بروتوكولات المحادثات سجلت وقرأ باراك كل كلمة وأقرها.. عقدت في البداية سبعة أو ثمانية لقاءات بين الجانبين بينما كان رئيس طاقم السلام الأمريكي دينيس روس والسفير الأمريكي لدى تل أبيب مارتين إنديك يتلقيان تقارير عن فحوى المحادثات ونقاط التفاهم التي أحرزت .. بعدئذ ساد شعور لدى الطرفين أنه حان الوقت للتوجه إلى ندوة مشتركة بعيداً عن وسائل الإعلام وعن الانشغال في المسائل الروتينية.

رئيس وزراء السويد جوران فيرسون اقترح في الفترة نفسها على باراك أن تستضيف بلاده لقاءات سرية، ووجد الإسرائيليون والفلسطينيون على حد سواء ضالتهم في الدعوة السويدية ووافقوا على قبولها.

طائرة سويدية تقل الوفدين

في أواسط شهر مايو الماضي حطت سراً طائرة سويدية في مطار بن جوريون لنقل الوفدين معاً. الوفد الإسرائيلي ضم وزير الأمن الداخلي شلومو بن عامي رئيساً ومعه غلعاد شير (وآخرون)..أما أبوالعلاء فقد أحضر معه إلى أحد جولات المحادثات ابنه (عمار) وهو رجل أعمال .. ومن مطار استكهولم نقلت الوفود إلى "هاربسوند" المنتجع الرسمي لرؤساء حكومة السويد.. تولى ثلاثة مسؤولين سويديين الجوانب الإدارية المتعلقة باستضافة المتباحثين.. شارك في المحادثات الرسمية أربعة أشخاص فقط وهم: بن عامي، شير، أبوالعلاء، وحسن عصفور ..

كانت المباحثات مثيرة وعميقة وحافلة بروح الفكاهة .. لم تجر هناك مفاوضات .. المفاوضات الحقيقية جرت بصورة أساسية خلال محادثات هادئة بين أبو العلاء وجلعاد شير .. أبو العلاء الذي كان عنصرا رئيسا في عملية السلام منذ بدايتها شعر أنه يتفوق على محادثيه الإسرائيليين من حيث إنه يمثّل استمرارية .. سجل كل طرف بروتوكولاً باتفاق الجانبين .. أعضاء الوفد الإسرائيلي أحضروا معهم (جهاز اتصال) متنقلاً وأرسلوا إلى باراك تقريرا مفصلا وتلقوا منه توجيهات وتحفظات وموافقات .. فكان الأمر كما لو أن باراك حاضراً بنفسه .. باراك أعطى ممثليه توجيهات بالتباحث حول كل الموضوعات ما عدا القدس .. لكن مسألة المدينة أثيرت في المحادثات غير الرسمية وطرحت بدائل مختلفة لحل الخلاف حول القدس .

وبحلول نهاية شهر مايو سربت مصادر فلسطينية حقيقة وجود القناة السويدية .. ومنذ ذلك الحين عقدت لقاءات أخرى في (فلسطين المحتلة) وفي واشنطن لكنه لم يحصل فيها أي تقدم حقيقي .. ومع ذلك فان قمة كامب ديفيد ارتكزت بشكل أساسي إلى ما أحرز حتى نهاية شهر مايو.

مناورة بيجن

عندما تصارع مناحيم بيجن مع انور السادات وبالأساس مع نفسه في قمة كامب ديفيد الاولى كان ايهود باراك في كاليفورنيا لغرض الدراسة. بعدما انتهت المحادثات بقي وزير الدفاع عيزر وايزمان (في حينه) في واشنطن وقد تحادث عبر الهاتف مع باراك لقد رغب وايزمان في معرفة ما يدور في تفكير الضابط الصاعد حول الاتفاق مع السادات .. لم يكن باراك راضيا إذ اشتكى من كون الاتفاق لم يتضمن تبادل مناطق مع المصريين .. فباراك مثل كثيرين ممن خدموا في سيناء تعامل مع الاتفاق بمشاعر متضاربة .. الرجل الوحيد الذي كان في كامب في عام 1978 ووصل الآن إلى هناك مجددا إلى قمة باراك ـ عرفات هو المستشار القانوني للحكومة الياكيم روبنشتاين وكان (آنذاك) مساعدا لوزير الخارجية في حينه موشيه ديان.

بيجن لم يحضر معه الى كامب ديفيد أي شخص من المنتسبين إلى سيرة حياته باستثناء زوجته في حين يبدو وضع باراك مختلفاً في الظاهر فهو محاط بداني ياتوم (من وحدة النخبة العسكرية) وأمنون شاحك من لواء المظليين وجلعاد شير من سلاح المدرعات .. كلهم ينشدون الأناشيد نفسها.. وعلى الرغم من ذلك فإن باراك وحيد ..

في كامب ديفيد الاولى تنازل بيجن نهائيا عن المستوطنات الإسرائيلية في سيناء .. اتخذ القرار اللازم لكنه أضاف إليه مناورة إذ إن الكنيست (البرلمان) سيصوت على الاتفاق، فان البرلمان وليس بيجن يصبح المسؤول عن التنازل عن المستوطنات ما مكّنه لاحقاً من القول إنه لم يتنازل عن مستوطنات .. باراك يسلك العكس .. فقد اخذ كل ثقل وجسامة القرار على عاتقه وحده .. وهو مقتنع ان طريقة الانتخابات التي انتهت به رئيساً للوزراء منحته التفويض كل التفويض المتخطي للكنيست . الفارق بين بيجن وباراك يكمن ربما في حقيقة أن بيجن امتلك تأييدا من المعارضة في الكنيست على كل تنازل قام به بينما لا توجد لباراك أي أغلبية يرتكز اليها في الكنيست

لا بديـل عـن وقـف مسلسـل المفاوضـات الاستسـلامية

اصطدمت قمة كامب ديفيد التي عُقدت على مدار خمسة عشر يوماً بين رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك، وبحضور متقطع للرئيس الأمريكي بيل كلينتون، اصطدمت بقضية القدس بعد إصرار الجانب اليهودي على عدم التخلي عن السيادة على المدينة المحتلة، وبعد أن سحب مقترحات سابقة له بإعطاء الفلسطينيين إدارة مدنية لبعض أحياء القدس والأماكن المقدسة.

وعلى الرغم من أن القمة انفضت دون التوصل إلى قرار محدد أو الاتفاق على موعد اللقاء المقبل، إلا أنه من المهم الإشارة إلى أمرين:

1 ـ أن هناك قضايا أخرى جرى الاتفاق على تسويتها وهي تمس حقوقاً أصيلة للفلسطينيين في أرضهم مثل مسألة توطين اللاجئين الفلسطينيين خارج ديارهم التي أخرجوا منها عدواً وظلماً بغير حق.

2 ـ أن المفاوض الفلسطيني في كامب ديفيد قدم تنازلات كبيرة بالفعل ورضخ للضغوط الأمريكية الصهيونية، ولكن هذه التنازلات لم تكن عند المستوى المطلوب، فالمطلوب أمريكياً وصهيونياً أن يسلم عرفات بالاحتلال وبالسيادة الصهيونية، وبكيان هزيل يسمى دولة، لكنه لايمتلك مقومات الدولة، ولا يملك فيه عرفات صلاحيات الحكومة.

والآن، وقد توقفت المفاوضات، فإننا نتوجه بكلمة إلى ياسر عرفات رئيس السلطة الفلسطينية، وبأخرى إلى الإدارة الأمريكية، وثالثة إلى العرب والمسلمين، أما الكيان الصهيوني، فإننا نرفض أن نخاطبه، ولو بالكلمات عبر صفحات المجلة!.

نقول لياسر عرفات: إنك قد جربت أسلوب التفاوض مع الكيان الصهيوني، وعرفت مكرهم وخداعهم وتآمرهم، وأدركت أي مستوى من الانحطاط يريدون أن يدفعوك إليه، لتسلم لهم بكل شيء في أرض فلسطين.. وتنهي القضية التي جاهد رجال مخلصون من أجلها ثلاثة أرباع قرن.

وها هم بعد كل ما سلَّمت لهم به، لا يقبلون إلا أن يأخذوا من الشعب الفلسطيني كل شيء، ويتركوه شريداً طريداً في بلدان العالم مثلما كان حالهم قبل أن يحتلوا فلسطين.

وعليك الآن بعد أن سرت في طريق التسوية ست سنوات منذ اتفاق أوسلو أن تدرك أن هذا الطريق لن يقود إلى اتفاق مشرف يعيد الحقوق لأصحابها، ومن ثمَّ فإن الواجب يحتم عليك اليوم أن توقف مسار التسوية الاستسلامية وتبرئ ذمتك أمام الله ومن ثمّ أمام المسلمين وأمام التاريخ، وأن تستقوي بالله عز وجل ثم بالأمة الإسلامية التي ترى أن قضية فلسطين هي قضيتها الأولى.. قضية ألف مليون مسلم مستعدون للتضحية، والجهاد في سبيل استردادها، والمهم أن يجدوا العزم الصادق والقيادة الحكيمة، والإرادة الأكيدة، والإخلاص في القول والعمل.

أما الإدارة الأمريكية، فإننا نسألها: لماذا ذلك الموقف المنحاز على الدوام إلى جانب الكيان الصهيوني؟ ولماذا الخضوع له ولإرادته؟

وهل يعقل أن تخضع المؤسسات السياسية والعسكرية والكنسية بهذا الشكل لمطالب حفنة من اليهود؟ إننا نذكركم بما سبق أن قاله السياسي الأمريكي الشهير بنيامين فرانكلين قبل أكثر من مائتي عام: "هناك خطر كبير على الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا الخطر هو اليهود، في أي أرض يحلون يصبح المستوى الأخلاقي والمعنوي منحطاً والمعاملات التجارية بصورة غير شريفة". ثم يستطرد فيقول: "إذا لم يطرد اليهود من الولايات المتحدة الأمريكية بموجب نصوص الدستور، فإنهم سيفدون على بلادنا خلال المائة عام المقبلة بأعداد كبيرة تؤدي إلى أن يحكموا البلاد ويديروننا ويغيروا شكل حكومتنا".

ويضيف فرانكلين محذراً : "وإذا لم يطرد اليهود من بلادنا فإن أطفالنا سوف يعملون في الحقول لإطعام اليهود أنفسهم في قصورهم وهم يفركون أيديهم فرحاً وسروراً"، وقد تحقق ما توقعه بنيامين فرانكلين، إذ يجبي اليهود حصة وافرة من حصيلة الضرائب التي يدفعها المواطنون الأمريكيون ويعيشون في رغد من العيش بسبب المعونات التي تضخها الحكومة الأمريكية في خزائن الكيان الصهيوني.

إن أكبر مصالح الولايات المتحدة التجارية والاقتصادية وغيرهما مع العالمين العربي والإسلامي.. ولو كانت الحكومات الأمريكية تعمل لصالح شعبها بالفعل لما اتخذت تلك المواقف المتحيزة للكيان الصهيوني ولعملت بنصيحة فرانكلين.

أما الحكومات العربية والإسلامية فعليها أن تستشعر خطورة التنازلات التي يُراد فرضها، وأن القضية أكبر من أن يتحملها رئيس السلطة الفلسطينية وحده، بل أكبر من أن يتحملها الشعب الفلسطيني كله، لأنها قضية عربية إسلامية تواجه تآمراً وضغطاً من أطراف دولية كثيرة، ومن ثمَّ وجبت مواجهتها بموقف عربي إسلامي صامد، وألا تخضع لتلك الضغوط الشائنـة التي إن استسلمت لها ستكون قد سجلت موقفاً خطيراً ضد مقدسات الأمة، وهذا ما ترفضه الشعوب الإسلامية عامـة.

وعلى الشعوب العربية والإسلامية أن تؤكد عزمها على تحرير المقدسات كافة، واسترداد الأراضي المحتلة كافة، وأن تسلك إلى تحقيق ذلك كل سبيل.

إن الحق العربي والإسلامي لابد أن يعود لأصحابه وإن طال المدى، وإن طريق ذلك جهاد طويل لامتلاك قوة الإرادة والتسلح بالإمكانات الحضارية والمادية، وإن فرط البعض لضعف أو تخاذل أو تآمـر فإن الأمة لن تفرط وستسترد حقها ولو بعد حين.

وإن أي تسوية تفرض بالقوة لن تكون سوى فترة مؤقتة لحين أن تعتدل موازين القوى المختلة، ويسترد المسلمون حقوقهم: وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين (140)

القدس.. القضية الأعقـد

بعد خمسة عشر يوماً من المفاوضات في معزل كامب ديفيد فشلت المفاوضات بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني في التوصل إلى اتفاق حول قضايا الوضع النهائي، ما رشح من الكامب ـ وهو في غالبه من مصادر إسرائيلية ـ أشار إلى المأزق الذي وقع فيه عرفات بخصوص مستقبل القـدس المحتلة.

من الواضح أن القدس كانت وحدها محور النقاش والتفاوض بين الجانبين حيث كانا يسعيان إلى صيغة مقبولة لهما على ضوء مقترحات إسرائيلية لقيت دعماً وضغطاً أمريكيين تسمح للفلسطينيين بحكم إداري على بعض الأحياء العربية في القدس الشرقية مع بقاء السيادة المطلقة عليها للكيان الصهيوني.

أجواء المفاوضات لم تكن صحية، بالنسبة للمفاوضين الفلسطينيين على الأقل، إلى الحد الذي يمكن القول معه إن عرفات قضى أيامه في الكامب معتقلاً ومعزولاً عن العالم الخارجي وعن كثير من مساعديه، وهي إجراءات مدروسة من الجانب الأمريكي لمحاولة انتزاع تنازلات خطيرة منه بعيداً عن تأثير مساعديه وعن رد فعل الشارع الفلسطيني، الذي تمور مخيماته وقراه غضباً بعد أن أدركت أن قضية اللاجئين باتت في حكم المنتهية وأن التوطين هو الحل المطروح والموافق عليه من جانب عرفات.

وكان استدعاء الرئيس الفلسطيني لثلاثة من أعضاء اللجنة التنفيذية للاجتماع به في كامب ديفيد ومن ثم رفض الراعي الأمريكي السماح لهم بلقائه دليلاً على أن هذا الأخير يتعرض لضغوط كبيرة وقوية لحمله على القبول بالتسوية المطروحة حول القدس. وما يثير السخرية أن استدعاء عرفات لهؤلاء الثلاثة كان لغرض استمزاج رأي المعارضة داخل منظمة التحرير حول المقترحات المعروضة. وكأن أحزاباً نكرة كحزب الشعب (الشيوعي سابقاً) الذي يمثله سليمان النجاب، والجبهة الديمقراطية التي يمثلها تيسير خالد وجبهة النضال برئاسة سمير غوشة تمثل المعارضة الفلسطينية أو أن لها وزناً في الشارع الفلسطيني! وعلى الرغم من هذه الحقيقة عاد "المناضلون" الثلاثة من واشنطن دون لقاء عرفات.

حالة التوتر والقلق لم يكن عرفات يعيشها وحده في كامب ديفيد، فهي لازمت رئيس الوزراء الصهيوني باراك أيضاً. وعلى حد قول صحيفة "هاآرتس" العبرية أخبر باراك عرفات في أحد اللقاءات "إذا لم ننته من هذا الأمر الآن أو في الاجتماع المقبل، فلن أبقى رئيساً للوزراء". الصحيفة نفسها زعمت أن عرفات رد عليه "إذا تنازلت لك في موضوع القدس فسيقتلونني عند عودتي وعندها ستكون مضطراً للتفاوض مع أحمد ياسين"!

هذه الحالة النفسية التي عاشها عرفات وباراك عكستها ردود الأفعال المتباينة في الشارعين الفلسطيني والإسرائيلي على حد سواء. فباراك ذهب إلى كامب ديفيد مهيض الجناح بعد أن خسر ائتلافه نتيجة استقالة وزراء شاس والمهاجرين الروس والحزب القومي الديني وظل في حكومة أقلية لن يكتب لها الاستمرار أو البقاء على قيد الحياة ما لم يعد "بطلاً منتصراً في معركة القدس" عند الصهاينة وقبيل ساعات من سفر باراك إلى واشنطن نجا من التصويت على اقتراح بسحب الثقة عن حكومته وكانت المعارضة اليمينية تحتاج إلى سبعة أصوات إضافية لإسقاط حكومة باراك لكن أعضاء الكنيست العرب كانوا صمام الأمان له حين صوت بعضهم لصالحه والبعض الآخر آثر الامتناع عن التصويت. وقد عكست نتيجة التصويت حقيقة أن المجتمع اليهودي غير راض عن أي "تنازلات"، بعكس ما يروج له كثيرون من أن غالبية الصهاينة يريدون السلام ويؤيدون إقامة الدولة الفلسطينية. ويبدو أن الأمور تسير باتجاه تشكيل المعارضة اليمينية لحكومة "وحدة وطنية" من الليكود وشاس وعدد من الأحزاب اليمينية الأخرى كما طالب بذلك آريل شارون زعيم الليكود، أو نحو إجراء انتخابات برلمانية مبكرة للخروج من المأزق السياسي الذي تعيشه حكومة باراك حالياً.

أما في الجانب الفلسطيني، فلم يكن عرفات يريد العودة دون أن يحقق إنجازاً ما في موضوع القدس خصوصاً مع اقتراب موعد إعلان الدولة الفلسطينية. ونظراً لحساسية هذه القضية وأبعادها المختلفة على الصعد الفلسطينية والعربية والإسلامية، إضافة إلى الموقف الإسرائيلي المتطرف من مسألة مستقبل القدس المحتلة، فقد كانت القضية الأعقد في مفاوضات الكامب. وقد دفع هذا الأمر بعض المراقبين إلى الزعم بأن عرفات أبدى "صلابة" في موضوع القدس و"رخاوة" في قضية أربعة ملايين لاجئ فلسطيني! ويبدو أن دخول أطراف عربية على الخط وخصوصاً مصر زاد من حرارة الكامب. وسبق لمصر أن حذرت على لسان أسامة الباز ـ مستشار الرئيس المصري ـ الطرف الفلسطيني من أي تنازل في موضوع القدس نظراً لأنها قضية تعني أطرافاً عربية أخرى كما قال. وهو ما يفسر حركة الاتصالات التي جرت بين كلينتون وباراك من جهة والرئيس المصري من جهة أخرى والذي حاول بدوره استمزاج رأي قيادات عربية لاتخاذ موقف محدد من المقترحات المعروضة على الفلسطينيين.

وفلسطينياً أيضاً لا يحظى عرفات بتأييد الشارع الفلسطيني الذي يشكل اللاجئون أكثر من ثلثيه. وكان واضحاً فشل مؤيدي عرفات في حشد مظاهرة أو مسيرة لتأييده، مقابل المظاهرات الحاشدة التي نظمتها المعارضة وحماس على وجه التحديد في عدد من مناطق الضفة والقطاع. وتجري حالياً حملة قوية لجمع تواقيع أكثر من مليوني لاجئ ونازح فلسطيني في الأردن لتأكيد حقهم في العودة إلى ديارهم ورفض أي اتفاق يتنكر لهذا الحق التاريخي. ووصل الأمر إلى حد خروج بعض التهديدات من جانب ممثلي اللاجئين ومن ناشطين داخل حركة فتح نفسها بإنشاء قيادة بديلة عن منظمة التحرير الفلسطينية كما صرح بذلك حسام خضر عضو المجلس التشريعي الفلسطيني (معارض من فتح).

ما عرض على عرفات في شأن القدس لم يزد على كونه إدارة مدنية لبعض الأحياء العربية في القدس المحتلة أو كما وصفه بعض مسؤولي السلطة بأنه "سلطة لنقل الزبالة" في تلك الأحياء.

بعد انتهاء قمة كامب ديفيد كل الاحتمالات مفتوحة وقائمة إلا أن الطرف الفلسطيني سيبقى الخاسر مهما بلغ حجم "التنازلات" التي ستقدم له. فالمساومة التي تجري هي على حقوق الشعب الفلسطيني التي أثبتتها قرارات الأمم المتحدة المتعاقبة.. ولكن رضيت منظمة التحرير الفلسطينية أن تكون مادة قابلة للنقاش والمساومة عليها مع عدوها الصهيوني.

رابطة علماء فلسطين: تحرير فلسطين بالجهاد وحـده

أصدرت رابطة "علماء فلسطين" في فلسطين فتوى شرعية أكدت فيها أن تحرير فلسطين ـ ودرتها القدس والمسجد الأقصى ـ وإعادة ملايين اللاجئين لايتم ولايتحقق عن طريق المفاوضات، وإنما بالجهاد درب الصحابة رضوان الله عليهم، ودرب صلاح الدين، فالجهاد ماض إلى يوم القيامة، لايبطله جور جائر، ولا عدل عادل.

وقالت الفتوى إن أي اتفاقية يتم فيها التنازل عن فلسطين أو أي جزء منها خاصة القدس، أو عن حق اللاجئين في العودة باطل شرعاً، وغير ملزم لشعبنا وأمتنا، لأن فلسطين ليست ملكاً لأي فرد أو تنظيم أو دولة أو جيل، وإنما هي ملك للعرب والمسلمين كافة، وعليهم رفضه ونقضه.

وأضافت الفتوى أن اللاجئين والنازحين الفلسطينيين أخرجوا من فلسطين بغير حق ظلماً وعدواناً بسبب الإرهاب الصهيوني، والمذابح البشعة، والطرد القسري، والتهجير الإجباري الذي ارتكبته العصابات اليهودية، وعليه فإن عودتهم إلى مدنهم وقراهم وبيوتهم وممتلكاتهم حق شرعي، وتاريخي لايسقط بالتقادم مهما طال الزمن، والصهاينة يتحملون المسؤولية القانونية والأخلاقية عن ذلك، لذا فالحكم الشرعي في أي اتفاق بتعويض اللاجئين بدلاً عن حق عودتهم أو توطينهم خارج وطنهم هو أنه باطل شرعاً، ومن يرض بالتعويض بدلاً من حق العودة يعتبر بائعاً لوطنه، وهذا التعويض حرام شرعاً، كما أفتى بذلك علماء المسلمين في فلسطين وخارجها قديماً وحديثاً.

إخـوان مصر : أي تسوية لن تكون سوى هـدنة مؤقتـة

أكدت جماعة الإخوان المسلمين في مصر أن أي تسوية يفرضها القطب الأمريكي المهيمن الآن وفق ظروفه الخاصة لن تكون سوى هدنة مؤقتة، ولن تنهي صراعاً حضارياً استمر مائة عام، وأن موازين القوى المختلفة الآن لا يمكن ـ وفق سنن الله في الكون ـ أن تستمر إلى ما لا نهاية.

جاء ذلك في بيان أصدرته الجماعة بشأن مفاوضات كامب ديفيد الثانية، تلقت المجتمع نسخة منه، وقال البيان: إن أي نهاية عادلة لصراع ما لابد من أن تتضمن عودة الحقوق المغتصبة كافة إلى أهلها كاملة، ولا تكون بترجيح كفة الطرف المعتدي، وفي مقدمة هذه الحقوق القدس الشريف، والمسجد الأقصى المبارك، وعودة اللاجئين إلى ديارهم التي طُردوا منها، واسترداد الحقوق المغتصبة.

وأضاف البيان أن الحق العربي والإسلامي ـ وإن طال المدى ـ لابد من أن يعود لأصحابه عبر جهاد طويل لامتلاك قوة الإرادة ثم الإمكانات الحضارية والعسكرية كافة، الكفيلة باسترداد الحقوق، وإن فرّط البعض الآن ـ لضعف أو تخاذل ـ فإن الأمة لابد من أن تسترد عافيتها، كي تسترد حقها ولو بعد حين.

وشدد الإخوان المسلمون ـ في بيانهم ـ على أنه على الشعوب العربية أن تؤكد عزمها على تحرير المقدسات، واسترداد الأراضي كافة، وإعادة كل اللاجئين، كما على الحكومات العربية والإسلامية أن تستشعر خطورة التنازلات المفروضة كي لا تفقد شرعية وجودها، وأنه يجب على المفاوض الفلسطيني أن يقدر خطورة ما هو مُقدم عليه، وأن يستقوي بالأمة كلها بعد الله عز وجل، وليعلم أن قضية فلسطين قضية المسلمين جميعاً، وليست قضية الفلسطينيين وحدهم.

إخوان الأردن: الأمة ترفض أي تنازل

أعلنت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن أنها إذ تؤكد رفضها لكل الاتفاقيات المبرمة مع العدو الصهيوني، وفي مقدمتها اتفاقيات أوسلو، لتعلن رفضها لأي تنازل عن حق الأمة، والشعب الفلسطيني في فلسطين والمقدسات، وتؤكد أن فلسطين التاريخية كلها وقف إسلامي ليس لأي كان التنازل عن شبر منها، لا فرق في ذلك بين يافا ونابلس، أو عكا ورام الله، أو حيفا وجنين، أو غزة وبير السبع، كما أن القدس قبلة المسلمين الأولى، ومسرى رسول الله ص، وهي حق الأمة جميعها، ورمز عزتها، ولا يجوز التفريط بشيء منها سواء في الأرض أو التاريخ أو السيادة.

جاء ذلك في بيان أصدرته الجماعة، وتلقت المجتمع نسخة منه، وأهاب البيان بأبناء الأمة، وقواها الحية، التحرك لإحباط هذه المخططات والمشاريع التي ستصفي قضية فلسطين، وحقوق الأمة في الأرض والمقدسات، والحياة الحــرة الكريمة.

إخوان سورية : موقف إسلامي وعربي داعم

أكدت جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، أن المسجد الأقصى، وفلسطين، وقف إسلامي، وإرث عربي ووطني، مطالبة بموقف إسلامي وعربي، رسمي وشعبي داعم لموقف الإخوة الفلسطينيين، ليصمدوا في وجه جميع أشكال الضغوط المادية والمعنوية، ومحذرة من الانحراف في مزالق التفريط التي إن حدثت فسوف ترتد عواقبها على الأمة بأسرها.

جاء ذلك في بيان أصدرته الجماعة وتلقت المجتمع نسخة منه.

وأضاف البيان: "نؤكد مجدداً تمسكنا بحقوقنا الشرعية الإسلامية والقومية في الأقصى والقدس وفلسطين، وبحقوق شعبنا العربي الفلسطيني في العودة إلى وطنه عودة كريمة مشرفة غير مشروطة.

هل فشلت قمة كامب ديفيد .. حقـاً ؟

هل فشلت قمة كامب ديفيد حقاً؟ إن معيار الحكم بالنجاح أو الفشل يرتبط بالأهداف المتوخاة.. فهل كان الطرف الفلسطيني أو الصهيوني أو راعي المفاوضات الأمريكي يتوقع أي اتفاق نهائي حول كل المسائل العالقة بما فيها مسألة القدس؟ أعتقد أن ذلك فيه قدر كبير من المبالغة، بل إن باراك نفسه يرى أن المباحثات حول القدس قد تستغرق سنوات عديدة لأن الأمر ـ حسب تعبيره ـ يحتاج إلى فترة من الإنضاج المتبادل فكيف يتحقق إذن التوصل إلى حل في أول قمة؟

لقد تم تأجيل المفاوضات حول القدس للمرحلة النهائية حتى لا تنسف مفاوضات المراحل الانتقالية، فهل نستغرب أن تفشل الجولة الأولى من المباحثات حول القدس؟

لقد ذهب إيهود باراك رئيس الوزراء الصهيوني إلى كامب ديفيد ومعه لاءاته الخمس ومنها أن القدس ستبقى موحدة تحت السيادة الإسرائيلية.. ومن هنا فإن المفاوضات كانت أمام أمرين:

1 ـ إما أن يقبل ياسر عرفات بأن تظل السيادة الإسرائيلية على القدس، وهذا ما يصر عليه الصهاينة وتمكسوا به في كامب ديفيد.

2 ـ وإما أن يرفض عرفات السيادة الإسرائيلية على القدس فيتهم بأنه المتسبب في فشل المفاوضات وهذا ما فعله الرئيس الأمريكي بالفعل حيث لام عرفات، أو على الأقل امتنع عن مدحه، وامتدح "الخطوات الشجاعة جداً التي اتخذها باراك" وحين سئل كلينتون عما إذا كان يطالب عرفات بالتخلي عن القدس أشار إلى "أن الفلسطينيين تقدموا إلى الأمام في مواقفهم (أي قدموا تنازلات) ولكن الإسرائيليين تقدموا أكثر".

وهكذا فإن المنطق الأمريكي الأعوج يثني على من احتل الأرض لأنه قبل أن يتنازل عن جزء منها ويلوم من احتلت أرضه لأنه يرفض أن يتنازل عنها!.

لقد رفض كلينتون أن يثني على تنازلات عرفات لأنها لم تصل إلى القاع حسبما يريد الأمريكيون والصهاينة، بينما أثنى على باراك "وسوف أخطئ إذا لم أثن على باراك".

لقد وضعت كامب ديفيد الطرف الفلسطيني المفاوض في موقف لايحسد عليه، فاللوم كله موجه لعرفات على الرغم من أنه لم يطلب المستحيل.. لقد طلب فقط سيادة فلسطينية على المنطقة الشرقية من القدس المحتلة فكيف إذا طالب بالقدس كلها؟!، وحسبما قالت مصادر أمريكية فإن كلينتون لن يقدم على الدعوة لقمة جديدة ما لم يعدل عرفات مواقفه من القدس، وفي أثناء ذلك تستمر عمليات تهويد القدس على قدم وساق، ولن يخسر الصهاينة شيئاً وخاصة أن ياسر عرفات تعهد في البيان الثلاثي الصادر عن القمة بخلق مناخ للمفاوضات يكون خالياً من الضغوط والترهيب والتهديدات بالعنف.

ونعود للسؤال: هل فشلت قمة كامب ديفيد حقاً؟ فيما كان الرئيس كلينتون ينهي القمة، أعلن أنه تم تحقيق تقدم على الأصعدة كافة، أي أن الاجتماعات نجحت في التوصل إلى اتفاقات في مسائل أخرى، وقالت مادلين أولبرايت ـ وزيرة الخارجية الأمريكية ـ : إن الطرفين أجريا مفاوضات حول مسائل كان من غير المسموح الاقتراب منها في السابق، كما أن الحديث كله عن مشكلات تتعلق بوضع القدس المحتلة، وهذا يعني أن بقية المشكلات كانت محل اتفاق بما في ذلك قضية اللاجئين، الذين قال فيهم كلينتون: إن الولايات المتحدة ستقدم المساعدة المالية لتوطينهم ودفع تعويضات لهم.

سؤال آخر: ألم يكن مناسباً أن يتقمص عرفات دور "المدافع الشرس" عن الحقوق الفلسطينية الذي يتسبب في إفشال القمة ويتعرض للوم الرئيس الأمريكي بسبب مواقفه "المتشددة"؟ ألا يعين هذا الدور عرفات على تمرير بقية أجزاء خطة التسوية، ويرفع أسهمه التي وصلت إلى الحضيض في الشارع الفلسطيني؟

ثم ألا يحفظ هذا الموقف الذي انتهت إليه كامب ديفيد حكومة باراك من الانهيار، خاصة بعد أن اتضح أن غالبية الإسرائيليين يعارضون أي حقوق فلسطينية في القدس وأنه إذا طرح أي اتفاق بشأنها في استفتاء شعبي، فإنه لن يحظى بالموافقة ـ وهي شرط لإنفاذ أي اتفاق، ولعل هذا الموقف الشعبي كان السبب وراء ما ذكر عن تراجع باراك عن بعض الأفكار التي طرحها في كامب ديفيد ثم عاد وتراجع عنها فكان ذلك سبباً لانهيار المحادثات.

إذن هل فشلت القمة أم نجحت؟.