قوانين البيت المسلم

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
قوانين البيت المسلم


بقلم : الشيخ سعيد حوى

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وأصحابه

ربنا تقبل منا، إنك أنت السميع العليم

بسم الله الرحمن الرحيم

إن تسلسل التركيز في الدعوة إلى الله ينبغي أن يكون على البيت المسلم بعد التركيز على الشخصية الإسلامية. وقد نالت الشخصية الإسلامية حظها من التركيز بينما كانت التأليف حول البيت المسلم أقل من ذلك، ومع قلته فقد أغفل الكثير مما يجب أن يصاغ به البيت المسلم. قالمروءات ومكارم الأخلاق ومحاسن الآداب لم ينلها حظ كثير من الإشارات كما أن الكتابة لم تستوعب كل ما يلزم أن يتفطن له المسلم في شؤون البيت، فكانت هذه الرسالة تذكيراً بشيء يجب التركيز عليه، وبأشياء ينبغي التفطن لها.

ولقد كان هذا الدين مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية بكل شعائره وشرائعه، وهذه الرحمة تظهر بشكل واضح فيما أدب الله به المسلم في شئون بيته، فالعلاقات الرحيمة داخل البيت ومع الجوار، والآداب التي يبنغي أن يطبقها المسلم في بيته وعلى بيته كل ذلك من مظاهر الرحمة في هذا الدين، وغياب الأدب الإسلامي في شئون البيت نوع من الشقاء، وإذا كان لمعرفة آداب الإسلام في شئون البيت هذه الأهمية بالنسبة لكل بيت، فقد كان من الضرورة أن نذكّر بهذا الموضوع. وقد كُتب في كثير من الجوانب التي تمس البيت المسلم الشيء الكثير، ولذلك أسبابه ودواعيه، ولكن التركيز المختصر على أهم ما ينبغي أن يلاحظه المسلم في شئون البيت كان قليلاً، ولعل في هذه الرسالة تذكيراً بلباب من الأمر. وإذا كان التركيز على الفرد مهماً فإن التركيز على البيت له تأثيره الكبير في بناء المدنية والحضارة، فمن خلال التركيز على البيت تظهر المدنية المتميزة التي يمتاز بها المسلم، وتظهر الحضارة الإسلامية.

فالنظافة والجمال والستر والعفاف والرحمة والعلاقات النظيفة والحنان المتدفق والأخلاق الحسنة التي تتميز بها الحضارة الإسلامية تنبع من البيت المسلم، ولذلك كان التركيز على إصلاح البيت المسلم تأكيداً على جوانب حضارية وعلى جوانب مدنية، ومن ثَمّ يظهر في ذلك ما نريده لهذا العالم من بناءٍ حضاري أو مدني، وقد اخترنا لهذه الرسالة أن نجعلها تحت عنوان قوانين البيت المسلم، للإشعار بأن كل شيء نتعرض له فيها له صرامة القانون ووضوحه، وأن مخالفته تقتضي العقوبة، لكن العقوبة هاهنا قد تكون شقاءً للإنسان في الدنيا وفي الآخرة أو في الدنيا أو في الآخرة. والقوانين التي ذكرناها في هذه الرسالة هي ما يلي:

القانون الأول: في النظافة والطهارة.

القانون الثاني: في التنظيم والترتيب وحسن الهندام والهيئة.

القانون الثالث: في خفض الصوت وكتمان الأسرار وعدم الإزعاج.

القانون الرابع: في تنظيم العلم والعبادة.

القانون الخامس: في الاقتصاد في الطعام والشراب واللباس والمعيشة.

القانون السادس: في العلاقات وآداب التعامل.

القانون السابع: في العناية بالصحة والرياضة.

القانون الثامن: في حماية البيت وأهله من الشذوذ والانحراف والحرام والمكروه والضرر.

القانون التاسع: في الإحسان إلى الجار وإكرام الضيف وصلة الأرحام.

القانون العاشر: في مراعاة الأدب في الدخول والخروج.

القانون الأول في النظافة والطهارة

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله طيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود فنظفوا أفنيتكم ولا تشبهوا باليهود"[1]. من أولى ميزات المسلم في نفسه وفي بيته وفي دائرة بيته نظافته، وقد يشترك غير المسلم مع المسلم بالنظافة ولكن المسلم يتميز بالطهارة، والطهارة حكم شرعي مرتبط بأسبابه قد يتلازم مع النظافة وقد لا يتلازم، فالكحول مثلاً منظف ولكنه غير مطهر إلا أن ارتباط الطهارة بالماء في الغالب يجعل هناك تلازماً إلى حدٍ كبير بين الطهارة والنظافة فالمسلم يعني بالطهارة والنظافة بآن واحد، وهذا ما يجعله متميزاً عن أصناف الناس، فهو يتحاشى الأوساخ والنجاسات، ويزيلها حسية ومعنوية. ولتحقيق النظافة والطهارة في النفس يلاحظ المسلم أن يكون على طهارة البدن دائماً ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، قال عليه الصلاة والسلام: "..... ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن"[2].

ومع المحافظة على طهارة البدن فإن المسلم يحرص على طهارة الثياب ومع الحرص على طهارة الثوب والبدن ونظافتهما فإن المسلم يحرص على الطهارة والنظافة في بيته، ومن ثَمَّ فإنه يلاحظ طهارة البيت وطهارة أدواته وطهارة أثاثه ما أمكن، ويتعين عليه تخصيص مكان الصلاة بمزيد عناية في الطهارة، ويراعى أن تكون سلال المهملات كافية حتى لا تبعثر الأوساخ في البيت، ويخص الحمام والمرحاض بمزيد عناية، ويلاحظ تراكم الغبار على كل شيء في البيت فينظف، ومع ملاحظته النظافة داخل بيته فهو يحرص على النظافة في ما يحيط بالبيت، فيلاحظ أن يبقى فناء البيت نظيفاً من الأوساخ والأقذار والغبار، وكل ما يؤذي النظر من مناظر.

وليلحظ المسلم لتحقيق النظافة ما يلي:

أولاً: أن يُعوِّدَ المسلم نفسه وأهل بيته ألاّ يلقوا شيئاً من الأوراق أو المستعملات إلا في سلات المهملات وخاصة الأوراق التي يستعملها للطهارة فلا يلقيها داخل الحمام إلا في سلة المهملات. ومما يحسن أن يلاحظ بألاّ تلقى أوساخ المطبخ إلا في المكان المخصص لها وضمن صندوق خاص ذي غطاء بعيداً عن متناول أيدي الأطفال، وأن ينظف الصندوق ومكانه دائماً ويعقمان. ومن المناسب ألا تلقى أوساخ الأواني المستعملة في مصارف المياه مثلاً لئلا تؤدي إلى انسدادها، ويستحسن أن تتلقى بمصفاة توضع تحت صنابير المياه عند التنظيف، ثم تلقى بقايا الطعام وغيرها في مكان آخر مناسب لها.
ثانياً: أن تنظم المرأة أوقات غسيل الثياب وغسيل أدوات الطعام وكل ما يتَّسخ في البيت في مواعيد محددة.
ثالثاً: يلاحظ أهل البيت الأشياء التي يتجمع فيها الغبار فيخصوها بالنظافة.
رابعاً: أن تكون هناك مواعيد محددة لكنس البيت بما يتفق مع وضع أهل البيت.
خامساً: أن ينظم أهل البيت غسل أجسامهم حيث لا يمر أسبوع بدون اغتسال ومن السنة الاغتسال كل يوم جمعة، واستعمال السواك لتنظيف الأسنان وتقوية اللثة فإن لم يكن فاستعمال الفرشاة مع المعجون، وهذا يحافظ على الأسنان من التسوس والتلف ويساعد على بقاء رائحة الفم طيبة واستعمال السواك سنة يستحسن اتباعها والمحافظة عليها.
سادساً: أن ينظم أهل البيت أمر التخلص من النفايات بحيث لا تؤذيهم ولا تؤذي غيرهم. وأهم ما يلاحظ في النظافة: المطبخ والحمام والعقوبات التي تصيب البيت بسبب إهمال تهويته.
سابعاً: وقد يصاب أحد من أفراد البيت المسلم بالوسوسة بنظافة أو الطهارة فيغلو في ذلك، وقد يصاب بالتساهل فيفرط وكل منهما يحتاج إلى علاج، والعلاج في العلم، ولكن علاج الوسوسة يختلف عن علاج التساهل، فالموسوس يُعرّف على رخص المذاهب في الطهارة، والمتساهل يعرف على ما ورد في السنة في التشديد في الطهارة، والوسوسة تضييع للمال والجهد والوقت، فهي تدخل أصحابها في دائرة الإسراف لذلك كان علاجها ضرورياً وذلك من خلال التعرف برخص المذاهب، ومن رخص المذاهب أن هناك قولاً قوياً عند المالكية بأن الطهارة من النجاسة الحسية في الثوب والجسم والمكان سنة وليست فريضة، ومن الرخص في مذهب المالكية أن الماء ولو كان قليلاً إذا أصابته نجاسة فلم تغير لونه أو طعمه أو ريحه يبقى طاهراً. ومن رُخَصِ مذهب الحنفية أن حبل الغسيل ولو كان نجساً إذا كان جافاً ونشر عليه الغسيل فإن الغسيل لا يتنجس. ومن رُخَصٍ مذهب الحنفية أن سجاد (الموكيت) إذا كان ملصقاً بالأرض فله حكم الأرض، فجفاف النجاسة وزوال أثرها مطهر له. ومن رُخَصِ مذهب الحنفية أنه إذا أصيب ثوب أو مكان بنجاسة ولم يعرف مكانها، فأي مكان غلب على الظن أنه هو وغسل طهر به الشيء. ومن رخص مذهب الحنفية أن السجاد أو الحصير إذا كان نجساً وجفّ وداس عليه المتوضئ برجله المبلولة ولم يظهر أثر النجاسة على رجله، فإن ذلك لا ينجسها. ومن رخص مذهب الشافعية أن ورود الماء على النجاسة الحكمية كالبول الناشف يطهر النجاسة ويبقى الماء طاهراً، وفروع هذه المسألة كثيرة، فإذا أصيب حصير أو سجاد ببول مثلاً، ونشف فإنه يكفي أن يصب عليه الماء، فيطهر المكان ويبقى الماء طاهراً، فإذا ترك المكان للجفاف يطهر تلقائياً، ولو أن ثوباً أصيب بنجاسة حكمية فصب على المكان ماء فالمكان طهر والماء طاهر، فما تناثر منه على بقية الجسد أو الثوب فهو طاهر، ولو أن امرأة وضعت ثياب طفلها في الغسالة الخالية ثم صبت عليها ماءً، فالثياب تطهر والماء طاهر، فما أصابها منه طاهر لا يُنجِّس، وإذا فاض الماء في إناءٍ فيه ثياب نجسة بحيث صبّ من جوانب الإناء طهر الإناء وما فيه عند الحنفية. إن معرفة رخص المذاهب نوع علاج للوسوسة. ومن رخص المذاهب أن الكحول أو الخمرة أو ما ينتج عن الكحول من عطور وأدوية ليست نجسة نجاسة حسية، فالخمر نفسها عند هؤلاء نجسة نجاسة معنوية، لكن مثل هذه المسائل نعرف عليها من أصيب بالوسوسة ليشفى منها، أما المتساهل فندربه على المحافظة العملية على طهارته ونظافته.

[1] أخرجه الترمذي، حديث حسن.

[2] أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه، حديث صحيح.

القانون الثاني في الترتيب وحسن الهندام والهيئة

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ".... وإنكم قادمون على إخوانكم فأصلحوا رحالكم وأحسنوا لباسكم حتى تكونوا شامة في أعين الناس، فإن الله لا يحب التفحش"[1]. لاحظ قوله عليه الصلاة والسلام: "إنكم قادمون على إخوانكم فأصلحوا رحالكم وأحسنوا لباسكم حتى تكونوا شامة في أعين الناس" فإصلاح الرحل يقابل في عصرنا إصلاح السيارة، وهي بيت الإنسان الخارجي، وإصلاح اللباس يدخل فيه ما يحسن منظر الإنسان للآخرين، هذا أدب المسلم مع رحمه وإخوانه وهو أدبه داخل بيته، فمن دخل بيتك لا ينبغي أن يقع بصره على شيء مستنكر ولا مستقبح، وهذا يقتضي ترتيباً وتجميلاً وحسن هندام، وينبغي أن يكون هذا أدب أهل البيت جميعاً، فالمرأة أمام زوجها وأمام أولادها ينبغي أن تكون قدوة وكذلك الرجل بالنسبة لأهل بيته، وكذلك سكان البيت ينبغي أن يُؤدبوا على ذلك، إلا لعارض أو لعمل، فالمسلم يلبس لكل حالة لَبوسها. لقد اعتدنا من بعض شيوخنا سواء جئناهم في ليل أو نهار أن يكونوا على أحسن هيئة، وأن يكون كل شيء عندهم مرتباً، فهم كالجندي في حسن ترتيبه وفي استعداده الدائم للقيام بالواجب، وقد اعتاد كثيرون من الناس الفوضى في حياتهم وعدم المبالاة في مظاهرهم، تجد الطاولة بغير نظام والمكتبة بغير نظام، واللباس مبعثراً أو ليس في محله المتعارف عليه، وتقع العين هاهنا على فوضى وهاهنا على منظر غير مريح، وتجد أحياناً امرأة تبقى في لباس نومها بعد الاستيقاظ، وتجد طفلاً في فوضاه وفي أوساخه وكل ذلك يتنافى مع الأدب. هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظف أسامة وهو طفل لأنه رآه على غير نظافة وهذه عائشة تنصح المرأة بأن تُحسن منظرها في عين زوجها، وهذا ابن عباس يأمر الرجل أن يتزين لزوجته كما تتزين المرأة لزوجها.

وبالجملة فإن أدب الرجل في بيته وخارج بيته: حسنُ الترتيب وحسن الهندام إلا لعارض... ومن أجل حسن الترتيب وحسن الهندام داخل البيت، فليلاحظ أهل البيت المسلم ما يلي:

أولاً: أن يكون كل شيء في البيت مرتباً، وأن يرتب كل شيء بعد نومٍ أو عمل، وأن يكون لكل شيء محله الخاص به، وإذا استعمل فإنه يُرجع إلى محله بعد الاستعمال.
ثانياً: أن يعتاد كل فرد في البيت ألا يبعثر أغراضه وأن يضع كل غرض من أغراضه الخاصة في المحل المعتاد.
ثالثاًً: أن تعطى كل غرفة حقها في الترتيب بما يناسب حالها سواء في ذلك غرفة الضيوف أو غرفة النوم أو المكتبة أو المطبخ.
رابعاً: أن يكون كل ما على الطاولات من كتب أو أوراق أو غيرها مرتباً.
خامساً: أن يسارع أهل البيت بعد الاستيقاظ من النوم إلى لباسهم المعتاد، وأن يُرتب أمر الأولاد بما يعوّدهم الترتيب وحسن الهندام وحسن الهيئة.

لاحظ أن فقهاء المسلمين لم يولوا الترتيب حقه فحسب بل أعطوا الترتيب مستحقه، فمثلاً: يجعلون كتب العربية تحت كتب العلوم الشرعية، وكتب العلوم الشرعية تحت المصحف، فلا يكتفون بالترتيب، بل يلحظون حق الأشياء في الترتيب. ومن المهم أن نتذكر أن ترتيب أمر النوم ضروري وخاصة بالنسبة للصغار مع ما يتفق مع الواجبات الدينية والدنيوية والقواعد الصحيحة، وينبغي أن يراعى في النوم التفريق بين الأولاد وخاصة التفريق بين الذكور والإناث.

[1] أخرجه أبو داود وهو حديث حسن.

القانون الثالث في خفض الصوت وكتمان الأسرار وعدم الإزعاج

إن أهل البيت الواحد جيران وزيادة، وخلطاء وزيادة، وأرحام وزيادة، ومن هاهنا يتأكد في حقهم ألا يؤذي بعضهم بعضاً، ومن أهم المزعجات والمؤذيات الضجيج في البيت، ورفع الصوت. فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ولا يجهر بعضكم على بعض في القرآن"[1]، فمن باب أولى ألا يشوش بعضنا على بعض فيما سوى ذلك. فالبيت المسلم لا يسمع أهلُه ما يؤذيهم أو يشوش عليهم أو يزعجهم، ولا يسمع منه جيرانه مثل ذلك، وتطبيقات ذلك كثيرة. فأحياناً يفتح أحدهم الراديو والتلفزيون بما يشوش على الآخرين في الدار وخارجها، وأحياناً يقرأ أحدهم بصوت عالٍ مما يشوش على أهل الدار وعلى الناس في الخارج. وأحياناً يفتح أحدهم المكبر أو المذياع بما يشوش على مجمع الناس، وأحياناً يتناقش أهل البيت مع بعضهم أو مع غيرهم بصوت عالٍ بما لا تفهم منه حكمة وبما يتنافى مع أدب الجلسات، وأحياناً يترك للصغار أن يبكوا والضيوف جلوس ولا يهتم أهل البيت بذلك، وأحياناً ترفع المرأة صوتها داخل البيت والضيوف جلوس والجيران يسمعون، وكل ذلك مستنكر مستغرب مخل بالأدب. لقد قال الأستاذ البنا في إحدى وصاياه: "لا ترفع صوتك فوق ما يحتاجه السامعون فإنه رعونة وإيذاء"، فرفع الصوت بالنقاش أو بالضحك والقهقهة أثر عن رعونة النفس ودليل على أنها لم تتهذب ولم يستطع صاحبها أن يضبطها بالضوابط الشرعية، كما أن رفع الصوت فيه إيذاء للغير لأنه يدل على عدم الحشمة وعلى عدم احترام السامعين وهو خروج عن أدب الكلمة وعن طريق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكلام.

وهناك أدب عظيم ينبغي أن تنتبه إليه المرأة خاصة: وهو ضرورة التحكم في صوتها وفي كلامها، فمن المعروف أن بعض العلماء يعتبرون صوت المرأة عورة إذا تكلمت لغير ضرورة أو حاجة، أو تكلمت بلهجة خاضعة، قال الله تعالى: {فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض}. وقد دأب أهل الفضل والمروءات أن يُربّوا النساء على ألا يسمع الضيوف أصواتهن وألاّ يسمع الجيران أصواتهن، وقد دأبت فضليات النساء على مراعاة هذا المعنى، بل اعتاد بعض الفضليات أن يكتفين بنقر الباب إذا جاءهم طارق ويسمعن دون أن يتكلمن، وهذا أدب صعب ولذلك لم يأخذ طابع التعميم، ولكنه مستحسن عند أهل الكمال. ومما يحدث عادة بين الجيران أن يتشاجر الأطفال، فينتقل الشجار إلى النساء ثم إلى الرجال، وقد يكون ذلك بين الأقارب فتتقطع بذلك الأرحام وذلك كله من نقصان العقول ونقصان التربية، فلو كانت تربية الأطفال كاملة ما تشاجروا ولو كانت العقول كاملة ما انتقل الشجار إلى الكبار. وإيذاء الجوار كبيرة تدخل صاحبها النار، وفي الحديث عن أبي هريرة قال: قال رجل "يا رسول الله إن فلانة يذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها قال: هي في النار. قال: يا رسول الله فإن فلانة يذكر من قلة صيامها وصدقتها وصلاتها وإنها تصدق بالأتوار من الأقط ولا تؤذي جيرانها بلسانها قال: هي في الجنة"[2]. وإيذاء الجوار يتصور بالتشويش عليهم، ووضع الأذى في طريقهم أو عند بيوتهم، أو في عدم مراعاة أوضاعهم كإظهار الفرح حين يحزنون وعدم المبالاة حين يمرحون، إلى غير ذلك مما يتنافى مع راحة الجار.

وبناءً على ما مر فليلاحظ أهل البيت المسلمون ما يلي:

أولاً: إذا أرادت المرأة حاجةً من رجال البيت وهم مع ضيوفهم فلتقرع الباب بدلاً من النداء.
ثانياً: إذا قرع الباب وكان في البيت ذكور فهم الذين يتولون الرد وإلاّ فلتجب النساء بأقل قدر ممكن من الكلام وبصوت لا يظهر فيه أثر لضعف.
ثالثاً: إذا تحاور الكبار فيما بينهم أو الصغار فيما بينهم أوالكبار مع الصغار فليكن ذلك بخفض صوتٍ. وإن مما ينبغي أن يعتاده أهل البيت المسلم الكلام الهامس بحيث يقابلون باستغراب أي رفع للصوت سواء في ذلك المناقشات أوالحوار أو الطلب.
رابعاً: أن يتجنب أهل البيت كل ما يزعج من تشويش أو إيذاء أو رفع الصوت.
خامساً: ألا يستعمل أحد حاجيات البيت مع ضجيج ممكن اجتنابه.
سادساً: ألا يعامل الأطفال بعدم مبالاة إذا بكوا.
سابعاً: وإن مما ينبغي أن يعتاده أهل البيت المسلم كتمان الأسرار، فكل ما يجري في البيت لا ينبغي أن يتحدث عنه أهله ومن أهم ما ركز عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ألا يتحدث الزوجان عما يدور بينهما، فقد جاء في الحديث الذي أخرجه مسلم وأبو داود "شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه ثم ينشر سرّها". إن هذا الحديث الشريف معلم من معالم تربية البيت المسلم، لقد جرت عادة بعض النساء أن يتحدثن إذا اجتمعن بما لا ينبغي من أمور الحياة الزوجية الخاصة، وبما يدخل في دائرة اللغو أو السفه وهذا عيب كبير، كما جرت عادة بعض أهل البيت أن يفضحوا ما يجري في البيت مما يسيء إلى سمعته، وقد يتحدثون عن بعض أهليهم بما يسيء إلى سمعتهم، وهذا مما ينبغي أن يحتاط فيه أهل البيت المسلم، فكما أن خفض الصوت مطلوب، فكتمان الأسرار مطلوب.

[1] أخرجه: مالك وأبو داود، حديث صحيح.

[2] أخرجه الإمام أحمد 2/440.

القانون الرابع في تنظيم العلم والعبادة

ليس هناك أهم من قضيتين في حياة البيت المسلم هما: (تنظيم العلم وتنظيم العبادة). وأهم ما يدخل في باب العلم العلوم المفروضة والعلوم المطلوبة، وأهم ما يطالب به المسلم في باب العبادات إقامة الفرائض والواجبات والسنن والآداب، وينبغي أن يتعاون أهل البيت على إقامة هذين المطلوبين ليكون أهل ذلك البيت مذكورين عند الله في الملأ الأعلى ينطبق عليهم قول الله تعالى في الحديث القدسي: "ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه"[1]. قال تعالى لنساء النبي صلى الله عليه وسلم: {واذكرن ما يتلى عليكن من آيات الله والحكمة}. فهاهنا مفهوم ومضمون، أما المفهوم: فيدل على أن هناك تالياً يتلو عليهم القرآن والحكمة، فهناك إذن تعليم، وأما المضمون: فهو أمرهن بالتذكر، فهناك إذن تعلم. ومن هاهنا كان لابد من تنظيم العلم والتعليم الشرعيين بأن يكون لأهل البيت جلسات علمية تفقيهية. وقد يكون البيت المسلم مقراً لدروس نساءٍ ورجالٍ من غير أهل البيت، وقد يكون لأهل البيت حضور في مجالس للعلم في المسجد أو في بيوتٍ أخرى. المهم هو تنظيم العلم داخل البيت بحيث يشمل كل سكانه: الأطفال والرجال والنساء، وينبغي أن يكون هناك طموح عند أهل البيت بأن يحصل كل منهم ثقافة إسلامية، وثقافة معاصرة، وثقافة تخصّصية. ومما يدخل في تنظيم العلم أن يكون في كل بيت مكتبة، وأن يكون هناك اعتياد على المطالعة، وأن يكون هناك دفع نحو تلقي العلم. ومع تنظيم العلم فلابد من تنظيم العبادة وخاصة الصلوات وقراءة القرآن وشغل الأوقات بالأذكار والدعوات، واعتياد صيام الفرائض والنوافل، وأهم شيء يحتاج إلى مزيد تذكير وتركيز هو اعتياد إقامة الصلوات في أوقاتها، واعتياد إقامة الجماعة في البيت لمن فاته حضور الجماعة في المسجد. ومن المناسب أن يشعر أهل البيت جميعاً بمزيد الاهتمام بالمناسبات الأسبوعية، كأن يظهر اهتمام الجميع بيوم الجمع في الإكثار من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، وغسل الجمعة، والتبكير إلى الصلاة فيه، وأن يذكر بسنية صيام يومي الإثنين والخميس وصيام يوم عرفة وتاسوعاء وعاشوراء، ومن المستحسن التذكر بالمناسبات الإسلامية في بعض الشهور كفتح القدس في رجب وحادثة الإسراء والمعراج فيه، ومن المناسب الاحتفالات بالمناسبات الإسلامية والابتهاج بها كذكرى المولد النبوي، وينبغي أن تخص المناسبات السنوية بمزيد من عناية كصوم رمضان وقيامه وإقامة سننه ونوافله والاهتمام بأشهر الحج. والمناسب أن تربط العبادة بالعلم الخاص بكل مناسبة كأن تقرأ السيرة للشمائل في شهر المولد، وكان أحد زملائنا يبعث من يدرس السيرة والشمائل بعد كل صلاة في شهر المولد. ولعله من المناسب أن تزداد الدروس العلمية في المساجد أو في البيوت في بعض المناسبات.

[1] متفق عليه.

القانون الخامس في الاقتصاد في الطعام والشراب واللباس والمعيشة

مامن سنةٍ ولا فريضة تترك إلا ويترتب على تركها عقوبة فطرية، ومامن محرم يرتكب إلا وتترتب عليه عقوبة فطرية، فترك سنة السواك عقوبته تلف الأسنان، وعقوبة عدم الاعتدال في الطعام والشراب تلف الأجسام، وهكذا في كل مخالفة لدين الفطرة توجد عقوبة فطرية. والمسلم مكلف بالنسبة للطعام والشراب:

أولاً: بعدم الإسراف: {كلوا واشربوا ولا تسرفوا}.
ثانياً: بألا يأكل أو يشرب ما يضره وبالأخص المحرم.
ثالثاً: بأن يأكل ويشرب باعتدال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطنه، حسب الآدمي لقيمات يقمن صلبه، فإن غلبته نفسه فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه"[1].
رابعاً: ألا تظهر فيه السمنة، وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم جيلاً في معرض الإنكار فقال: "ويظهر في السّمن"[2] فالمسلم مكلف في نفسه وفي أهل بيته أن يراعي هذه الأمور، وهذا يقتضي مراعاةً لما يدخل للبيت من طعام أو شرابٍ ويقتضي تنظيمها للأكل والشرب، ولنوعية الطعام والشراب، وتنظيماً لوجبات الطعام وكميتها. فالسمنة أثر عن أخذ الجسم طعاماً فيه حُريرات كثيرة.

ومن هاهنا فلابد أن يراعي في نوعية الطعام وكميته ألا تكون أكثر من حاجة الجسم، والعبرة للمحصلة النهائية لمقدار الحُرايرات. والاكتفاء بإقامة الصلب تقتضي أن يكون الطعام والشراب فيهما ماتمس حاجة الجسم إليه من أنواع البروتينات والفيتامينات وهذا يقتضي تخير نوع الطعام. ولابد أن يلاحظ في الطعام والشراب الأثمان المعقولة والمقدار المعتدل، وأن يكون طيب المنبت طيب المطعم فلا ضرر ديني ولا دنيوي. وهكذا فإن تنظيم الطعام والشراب يدخل في باب السياسات اليومية المهمة، ولابد من رعاية أهل البيت صغاراً وكباراً في هذا الموضوع المهم. ومما تجدر ملاحظته أن يبعد البيت وأهله عن الدخان فضلاً عن غيره من المأكولات أو المشروبات المحرمة، وأن تعالج قضية النهم، وأن يعوّد أهل البيت على مجاهدة النفس في الطعام والشراب بحيث لا يكون هناك إفراط ولا تفريط، ومع تنظيم الطعام والشراب في البيت لابد أن تنظم الرياضة، فهي المكملة لدور الطعام والشراب وهي التي يمكن أن تزيل الآثار الضارة للطعام والشراب. والرياضة طريق من طرق الوصول إلى القوة التي ندب إليها المسلم. ففي الحديث الصحيح: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف"[3]. وعلى هذا فينبغي أن تدخل الرياضة في البرنامج اليومي لأهل البيت، بحيث لا يمر يوم على أهل البيت إلا وللقادر فيه رياضته اليومية، وأبسط أنواع الرياضة رياضة المشي، وينبغي أن يُخص الأطفال بمزيد عناية في الرياضة، فقد جاء في الأثر "علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل ومروهم أن يثبوا على الخيل وثباً". فالرشاقة وأنواع الرياضات التي توصل إلى القوة، كل ذلك مطلوب ويجب أن يربى أهل البيت عليه. إنه كما ينظم أهل البيت أورادهم في الذكر وتلاوة القرآن ينبغي أن ينظموا أوقات الرياضة، وينبغي على رب الأسرة أن يوجه أولاده نحو اكتساب المهارات في أنواع من الرياضة خاصة الرياضات التي تجعل الجسم رشيقاً وقوياً، وأن يختار لأولاده النوادي الأمينة على أجسادهم وأخلاقهم.

وقد جرت عادة بعض الناس أن يبدأوا يومهم بالصلاة وبالأوراد وتلاوة القرآن وبالمشي الطويل وتلك عادة حسنة أن يبدأ الإنسان يومه بما يفيد الروح والقلب والجسد. وكما يجب على المسلم أن يراعي عدم الإسراف في الطعام والشراب فإنه ينبغي أن يراعي ذلك في لباسه وفي كل معيشته، فتكديس اللباس والحاجيات غير الضرورية مَضيعةٌ للمال، مَفسدة للنفس، فاللباس بقدر الحاجة، والأثاث بقدر الحاجة، وكل حاجة تشترى للبيت ينبغي أن يفكر فيها ما إذا كانت ضرورية أو لا. فكل ما يستغنى عنه ينبغي ألا يدخل البيت فالاقتصاد نصف المعيشة، ولا شك أن الاقتصاد شيء والشح شيء آخر. فالمسلم منهي عن البخل والشح، ولاشك أن ضرورات عصر تختلف عن ضرورات عصر آخر وضرورات بيت تختلف عن ضرورات آخر. والعبرة ألا يشتري شيء إلا وهو ضروري للاستعمال. وكما يلاحظ ما يدخل إلى البيت، فإنه يلاحظ الاستعمال داخل البيت، فلا يستعمل شيء إلا بقدر وبالضرورة، فلا تضاء الأنوار إلا لحاجة، ولا يسرف في استعمال الماء، ولا يُلقى الطعام إلا لحيوان. وينبغي أن يعتاد أهل البيت جميعاً أن يحاسب بعضهم بعضاً على كل ما هو إسراف ولكن بأدب ولطف.

وكما يلاحظ أهل البيت ما يستعملونه في البيت وما يدخلونه إليه، فإنهم يحافظون على مبدأ الاقتصاد خارج البيت وخاصةً ما له علاقة بشراء السيارات واستعمالاتها. ومما نلفت إليه النظر خاصةً ألا يتورط الإنسان بالدخان أو المسكر أو القمار إلى غير ذلك مما لا ينبغي للمسلم أن يقاربه. ومن جوانب الاقتصاد المهمة تعامل الإنسان مع أغراض البيت عامةً والقابلة للكسر خاصةً، فالتعامل الحسن مع الثياب والستائر يطيل أمد استعمالها وفي ذلك اقتصاد، وتجنب إسراف، والتعامل اللطيف مع أدوات المطبخ يطيل حياتها، والتعامل اللطيف مع الأواني الزجاجية يجنب الإنسان إسرافاً، وقد جرت عادة الكثيرين أن يتساهلوا فيضعوا الأواني الزجاجية بين يدي الأطفال فيكسرونها وهم يضحكون ويضحك الأهل، وذلك سوء أدب من الولد ومن الأهل، صحيح أننا لا نعاقب الطفل إذا كسر معه شيء بشكل اضطراري ولكنا نعاقبه لنجنبه تكرار مثل ذلك.

[1] أخرجه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه وهو صحيح.

[2] أخرجه الإمام أحمد والبخاري.

[3] أخرجه الإمام أحمد ومسلم.

القانون السادس في العلاقات وآداب التعامل

إن الأسرة والبيئة والمدرسة هي محاضن التربية الأساسية في حياة الإنسان، وفي الأسرة يأخذ الإنسان الكثير الكبير، فهو في الغالب يأخذ دينه وأخلاقه وأدبه وأدب التعامل، ولذلك كان من الأهمية بمكان أن يلحظ البيت المسلم ترتيب العلاقات وأدب التعامل بحيث يكون الأدب يحكم البيت ويسري من البيت نحو الخارج. إن كثيرين من الناس يكونوا أسوأ الناس أخلاقاً داخل البيت ويحاولون أن يكونوا مثاليين خارجه، وقد وردت نصوص تصف جيلاً بأنه يطيع زوجته ويعصي أمه، ويبر صديقه ويعق أباه. إن ميزان الخيرية هو حسن المعاملة مع الأقرب فالأقرب، فخيركم خيركم لأهله، "أُمُك ثم أُمُك ثم أُمُك ثم أدناك فأدناك" أخرجه البخاري ومسلم. ومن هاهنا ينبغي أن يُعتنى داخل البيت المسلم بأدب العلاقات وحسن العشرة. فالأدب مع الأبوين واحترامهما وطاعتهما وبرهما وتخصيصهما بمزيد من العناية، وحسن العشرة بين الزوجين بأن يتعاملا بالحلم والحكمة وغض الصوت، وترك الجدال والخصومة، والطاعة للزوج، ورعاية الأبناء والبنات بالرحمة والشفقة، وحسن التأديب في أمر الدين والدنيا من الأهمية الكبيرة.

ومن المستحسن أن نسجل هذه الملاحظات:

أولاً: إنه لا يصح أن يسكت على سوء أدب أو سوء خلق أو سوء تصرف في البيت، ولكن لا بد من تخير الأسلوب المناسب للمعالجة، ولابد من تخير الوقت المناسب للنصيحة.
ثانياً: لابد أن يلاحظ عبث الأطفال مع بعضهم بعضاً، وعبثهم مع أولاد الجيران، ولابد أن يُعوّدوا على أن هناك حدوداً لا يصح أن تتجاوز وأن هناك حدوداً لا يصح أن تقرب.
ثالثاً: لابد من تعويد الأطفال على أن يحترم الصغير من هو أكبر منه، وعلى احترام الصغار للكبار في المعاملة وغض الطرف وغض الصوت وعدم الإيذاء إلى غير ذلك.
رابعاً: إن الطفل عنده نوع إدراك منذ ولادته وبالتالي فلا يصح أن يقول قولاً أو يتصرف تصرفاً أو يعتاد عادة إلا وقد حُسِّن له الحسن وقبّح له القبيح.
خامساً: ينبغي أن يعتاد كل أهل البيت أن يبادر كل منهم إلى الخدمة وألا ينتظر من غيره أن يخدمه، وليقلل كل من أهل البيت الطلب من الآخرين إلا لحاجة أو ضرورة.
سادساً: ينبغي أن يربى كل فرد في البيت على التواضع لغيره من سكان البيت وعلى التواضع للآخرين من ضيوف البيت، ويراعى ذلك في كل مكان في المجلس وغيره.
سابعاً: ينبغي أن يعتاد كل فرد من أفراد البيت على الكلمة الطيبة مع بعضهم بعضاً ومع الجيران ومع كل الناس.
ثامناً: ينبغي أن يعتاد كل فرد في البيت على القيام بحق الضيوف وحسن استقبالهم والاستبشار بهم وبحس الإقبال عليهم وبضيافتهم.
تاسعاً: لا ينبغي أن يعتاد الأطفال على الدخول على الضيوف، وإن حدث ذلك فلفترة قصيرة ودون أن يكون هناك إزعاج.
عاشراً: ينبغي أن يعتاد كل فرد في البيت على ألا يتصرف تصرفاً أو يقول قولاً يخل بالذوق العام أو المروءات جداً أو هزلاً.

القانون السابع في العناية بالصحة والرياضة

لقد خص الإسلام على القوة ولفت النظر إلى أهمية العافية، ومن هاهنا كان الاهتمام بالرياضة وبالصحة جزءاً من تربية المسلم وقانوناً من قوانين البيت. ففي الحديث "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ"[1] وفي الحديث "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍ خير"[2] ومن دعاء المسلم: "اللهم إني أعوذ بك من الهمّ والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل و..."[3] ومن دعائه: "اللهم عافني في سمعي، اللهم عافني في بصري، اللهم عافني في بدني، لا إله إلا أنت"[4] وفي الحديث: "إن لجسمك عليك حقاً"[5]. وعلى هذا فلابد من تدبير أمر الصحة، وذلك يلحظ بالدواء والغذاء والنظافة والهواء والتعرض للشمس، والوقاية من الأمراض لتوقي أسبابها. فلابد لربة البيت من أن تلاحظ رطوبته وعفونته ورائحته فتعرضه للتهوية والشمس وتتابع تنظيفه، ولابد من ملاحظة العلاج إذا مرض أحد من أهل البيت، ولابد من رياضته الخاصة، فلا يمر يوم إلا وقد مارس نوعاً من أنواع الرياضة كالمشي أو الجري ولو في المحل، أو الحركات الرياضية أو القفز على الحبل إلى غير ذلك. المهم أن يعتاد كل فرد في البيت أن يكون له حظ من الرياضة، فإن اجتمع له مع برنامجه الرياضي شيء من الأذكار والدعوات يكون قد جمع خيراً إلى خير.

[1] أخرجه البخاري.

[2] أخرجه الإمام أحمد ومسلم.

[3] متفق عليه.

[4] أخرجه الترمذي وهو حديث حسن.

[5] متفق عليه.

القانون الثامن في حماية البيت وأهله من الشذوذ والانحراف والحرام والمكروه والضرر

قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً}. وقال تعالى: {وأمر أهلك بالصلاة}، وقال تعالى: {وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة}. فلم يزل المسلم حريصاً أن يقيم المطلوبات في نفسه وأهله، وأن يجنب نفسه وأهله المنهيات. وقد مر معنا أن تنظيم العبادة والعلم قانون من قوانين البيت المسلم. وهاهنا نذكّر بما بنبغي أن يبعد عنه البيت المسلم من كل ما يتنافى مع المروءات فضلاً عن المندوبات والواجبات والفرائض أو يوقعه في المكروهات والمحرمات، فقد درج المسلمون على اعتبار أن داخل البيت عورة ينبغي أن تصان من نظر الآخرين، فليحتط أهل البيت المسلم من أن يرى الخارج ما بداخل بيوتهم، وليحتاطوا عند الدخول والخروج، وخاصة بالخروج بسبب الأعمال البيتية من نشر غسيل أو جمع غسيل، وليلاحظ أن هناك نوعاً من الثياب لا يصلح أن ينشر بحيث يراه الناس، فذلك خلاف المروءة، وليحتط أهل البيت، فلا يكون في غرفة الضيوف لباس نسوي، فذلك يتنافى مع الذوق العام، والفوضى والبعثرة تتنافى مع الذوق العام. والتصرف الشاذ أو القول الشاذ لا يليقان بأهل البيت المسلم سواء مع أنفسهم أو مع بعضهم أو مع غيرهم، ومما يُحمى عنه البيت المسلم كشف العورات حتى بالنسبة للصغار ليعتادوا على الستر.

ومما ينبغي أن يعتاد عليه البنات في سن مبكرة عدم الظهور أمام الرجال. ومما يُحمى عنه البيت المسلم صور الحيوان والتماثيل وكل ما حكم العلماء عليه بالكراهة أو التحريم ولو وجد خلاف في ذلك. ومما ينبغي أن يُحمى البيت المسلم منه ما يدخل في دائرة اللغو أو الكراهة أو التحريم من البرامج الإذاعية أو التلفزيونية أو أشرطة الفيديو أو المسجلات. ولا يغيب عن المسلم ما هو الحسن وما هو القبيح، فيفعل الحسن ويتجنب القبيح، ومما ينبغي أن يعتاد عليه أهل البيت المسلم كتمان أسرارهم وأمن تصرفاهم وأمن بيتهم وأمن أبنائهم. وفضح الأسرار يترتب عليه ضرر، من هاهنا ينبغي أن يعتاد كل من في البيت أن لا يتحدثوا عن شؤون البيت إلا حيث تترجح المصلحة، وكما يلحظ الضرر المادي في فضح الأسرار يلحظ الضرر الشرعي ويلحظ المروءات، فلا ينبغي أن يتحدث الزوج والزوجة بأسرارها أو بما يخلّ بالمروءة. وينبغي أن تغلق الأبواب ويحترس من اللصوص والجواسيس، وكل ما يخل بأمن البيت ويجعله معرضاً للشبهة، وينبغي أن يلحظ ما يمكن أن يسبب حريقاً أو يؤذي داخل البيت وخارجه، وينبغي أن يلحظ عدم النوم في مكان يحتمل منه السقوط، وألا يسمح للأولاد بأن يلعبوا في مكان يتوقع منه سقوطهم وأذاهم، ولا يصح أن يوضع بين يدي الأطفال ما يؤذيهم من دواء أو آلة حادة، أو وعاءٍ قابل للكسر. وهكذا ينبغي أن يُحمى البيت من كل مظهر مخالف للشريعة أو مخالف للأمن. ومن أهم ما ينبغي أن يعتاده البيت المسلم التفريق بين دائرتين من النساء: دائرة المحرمات حرمة مؤبدة، أو مؤقتة، فالدائرة الأخيرة لا تصح مصافحتها ولالمسها ولا الخلوة لأفرادها ولا التكشف أو التبرج أمامها، وقد غلب على بعض البيئات التساهل في ذلك، والحل أن يعرف الجميع الحكم الشرعي وينضبط به. وقد اعتاد بعض الناس أن يتزوجوا وأن يعيشوا مع بعضهم، وفي هذه الحالة فإن زوجة الأخ لا يصح أن تظهر بلا سترة كافية أمام أخ زوجها ولا يجوز مصافحته أو أن تخلو به. وكذلك لا ينبغي أن تظهر زوج الأخ على زوج أختها إلا بالحجاب الشرعي ولا ينبغي أن تصافحه ولا أن تخلو به.

القانون التاسع في الإحسان إلى الجار وإكرام الضيف وصلة الأرحام

البيت المسلم بيت مضياف كريم، إلا أنه كرم في محله، فهو ليس كرم على حساب الأهل، فإذا كان الكرم على حساب مؤونة الأهل فذلك لا يصح بدون رضاهم، وإذا كان الكرم على حساب جهد لا يطاق بالنسبة لهم، فذلك لا يصح إلا برضاهم. ومن آداب المسلم في الضيافة ألا يتكلف، فالكلفة هي مقدمة البخل، فإذا رافقت الكلفة الضيافة لم يتحمل ذلك جيب الأخ ولا أهله. فإكرام الضيف بلا كلفة مالية ولا مشقة على الأهل هو أدب المسلم، فالمسلم يهيء نفسه وبيته وأهله لاستقبال الضيف وإكرامه، وعلى الضيف أن يلحظ الحدود التي يستطيع أهل البيت أن يقوموا بها، فإذا كان هناك شيء يرهقهم أو يعنتهم أو يشق عليهم أو يثقل عليهم عرف الضيف كيف يتصرف بحكمة، وعندما يكون كل بيت مسلم جاهز للضيافة، فإن الضيف باستطاعته أن يتخير لنفسه البيت الذي ينزل فيه، ولا شك أن النوم عند العزاب والطعام عند المتزوجين هو الأنسب للضيف والمضيف. وكما أن البيت المسلم بيت مضياف فإنه بيت صلة للأرحام. فهو يزور الأرحام ويزوره الأرحام، ويقوم بحق الأرحام بالإكرام والهدية والرسالة وحسن الاستقبال وكثرة الاحترام. وأما جيران البيت المسلم فهم مرتاحون معه حريصون عليه محبون لأهله، لأن البيت المسلم كيف الأذى ويعرف الحقوق.

ومن أهم ما يلحظه أهل البيت المسلم مع جيرانهم أن يفطنوا للقيام بحقوق المناسبات من حزن أو فرح، ومن أهم ما يفطن له أهل البيت مع جيرانهم أن يحفظوا أولادهم، فلا يصطدموا مع أولاد الجيران، وإذا اصطدموا كانوا مع أولاد الجيران على أولادهم. ومن أهم ما يحرص عليه البيت المسلم عدم التشويش على جيرانهم، فإذا كانوا فوقهم في البناء مثلاً راعوا ذلك، وهم في كل الأحوال لا يُسمعون جيرانهم ما يؤذيهم سواء في ذلك خصوماتهم أو الأصوات التي تنبعث من دارهم، وإذا كان لأهل البيت المسلم شركة مع غيرهم أدوا الحقوق كاملة، فهم ينظفون المدخل المشترك مثلاً، ويحاسبون أنفسهم فلا يظلمون جيرانهم في تعامل.

القانون العاشر في مراعاة الأدب في الدخول والخروج

أول ما يلاحظه المسلم أو المسلمة في دخوله وخروجه تطبيق سنن الدخول والخروج في الدعاء وتقديم إحدى الرجلين والتسليم على الأهل. فالسنة أن يدخل الإنسان برجله اليمنى وأن يخرج برجله اليسرى، ومن السنة التسليم على الأهل في الدخول والخروج.

ومن السنة أن يدعو الإنسان إذا خرج من بيته بما يلي:

"بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم إني أعوذ بك من أن أضِل أو أُضل أو أزل أو أُزل أو أَظلم أو أُظلم أو أجهل أو يُجهل عليَّ"، رواه أبو داود والترمذي وقال الترمذي حديث حسن صحيح وصححه النووي.

ومن السنة أن يدعو الإنسان إذا أراد الدخول بما يلي:

"اللهم إني أسألك خير المولج وخير المخرج باسم الله ولجنا وباسم الله خرجنا وعلى الله ربنا توكلنا ثم ليسلم على أهله"، أخرجه أبو داود. وقبل أن يخرج الإنسان من بيته يحدد نيته ووجهته ويحاسب نفسه، ويتفقد هندامه، والمرأة تتفقد هندام زوجها، وعلى المرأة أن تلاحظ نفسها إذا أرادت الخروج، فلا تشم منها رائحة عطر، وتدقق في حجابها بحيث لا تتعرض لتكشف بسبب رياح أو بسبب غلط، وقد اعتادت بعض النساء أن يسمع الناس صوت حذائها وذلك يلفت النظر إليها، وليس هذا من الأدب الإسلامي. فالمرأة الجاهلية كانت تضرب برجلها الأرض ليسمع صوت خلخالها، فنهيت المرأة المسلمة عن ذلك. قال تعالى: {ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن}.

الخاتمة

هذه قوانين عشرة جمعناها إلى بعضها لنذكّر بها وما نظن أن شيئاً منها أو أنها بمجموعها تغيب عن المسلم، ولكنها الذكرى التي هي أدب المسلم تدفعنا لتذكير أنفسنا وتذكير أهلينا وإخواننا. ويلاحظ قارئ هذه الرسالة لغتها العفوية وإيجازها وإنما كانت كذلك لتنسجم مع طبيعتها فهي تذكرة وعملية وأثر عن قصتها: فلقد كنا نذكر أرحامنا وأبناءنا بها صغاراً وكباراً بعفوية ودون تكلف فجمعت كما هي لتكون أدعى إلى التأثير والقبول.

نسأل الله أن يتقبلها وأن ينفع بها.