قطب العربي يكتب: تسعينية الإخوان.. العمل السياسي وعثرات التنفيذ

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
قطب العربي يكتب: تسعينية الإخوان.. العمل السياسي وعثرات التنفيذ


قطب العر.jpg

( 14 مارس 2018)


دخلت جماعة الإخوان المسلمين هذا الشهر (مارس) الذكرى التسعين لتأسيسها عام 1928، عقب 4 سنوات فقط من سقوط الخلافة العثمانية على يد مصطفى كمال أتاتورك وجماعة الاتحاد والترقي، وهو ما منح الجماعة منذ تأسيسها بعدا سياسيا حتى وإن غلب على نشاطها العمل الدعوي والاجتماعي.

بمراجعة أهداف الجماعة التي وضعتها لنفسها تحت ركن العمل، نجد أن الهدف الرابع بعد تكوين الفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم، هو إصلاح الحكومة ثم تحقيق الوحدة الإسلامية العالمية(الخلافة)، وهذان الهدفان الكبيران الأخيران نالا حظا وافرا من إهتمام الجماعة عبر تاريخها، وقد نجحت في بعض الخطوات وفي بعض الأماكن فيما تعثرت في خطوات وأماكن أخرى.

التعريف – التكوين - التنفيذ

وإذا كان الإخوان يعتمدون مبدأ التدرج في الخطوات نحو تحقيق أهدافهم وفقا للتسلسل الذي وضعه مؤسس الجماعة الإمام حسن البنا (التعريف- التكوين-التنفيذ) فإن هذه القاعدة لا يمكن أن تؤخذ على إطلاقها، ولا يمكن تعميمها على كل الدول والمجتمعات التي تتمتع الجماعة بحضور فيها، فقد تكون في مرحلة التعريف في قطر بينما تكون في مرحلة التكوين في قطر آخر، وفي مرحلة التنفيذ في قطر ثالث، وقد حدث ذلك بالفعل فبينما كانت الجماعة في مهدها وكانت مصر لا تزال في مرحلة التعريف أو حتى التكوين كانت فروع للجماعة قد شاركت في الحكم كما حدث في سوريا (فازوا ب 3 نواب عام 1947 أي في حياة الإمام البنا نفسه- وفازوا بعشرة نواب في العام 1949 وشاركوا بوزير في الحكومة وهو محمد المبارك وزير الأشغال العامة والمواصلات)، كما فاز الإخوان ب22 مقعدا في برلمان الأردن عام 1989 وشاركوا بعدد من الوزراء في الحكومة، وهو ما تكرر أيضا في اليمن بعد الوحدة مطلع التسعينيات، وشاركوا ببعض الوزراء في الجزائر بعد انتهاء العشرية السوداء، بينما كان الإخوان في مصر بعيدين عن السلطة التنفيذية حتى قيام ثورة يناير.

إذن لماذا تأخرت الجماعة الأم في القاهرة عن تحقيق أحد أهدافها الرئيسية وهو (إصلاح الحكومة أو الوصول بها لتكون غير مخالفة للشريعة في سياساتها وقراراتها)؟ يمكن تفسير ذلك بالقبضة الأمنية الفظة التي عوملت بها الجماعة في مصر على خلاف فروعها في الدول الأخرى، فقد واجهت الجماعة مبكرا ممانعة سواء من سلطة الاحتلال البريطاني أو الحكومات المصرية منذ مطلع الأربعينيات حيث رفض الإنجليز ترشح حسن البنا لعضوية البرلمان، وأبلغه مصطفى النحاس رئيس وزراء مصر ذلك بشكل صريح، ولكن الإمام البنا استثمر هذا الموقف لتحقيق غايات أخرى وافق عليها النحاس وهي السماح بفتح فروع للجماعة في المحافظات والمدن، وإلغاء بيوت الدعارة التي كانت مرخصة رسميا، كما تكرر عدم السماح للإخوان بالترشح في البرلمان في الانتخابات التالية، ووصل الأمر بقتل البنا نفسه، وظلت القبضة الأمنية شديدة ضد الإخوان في العهد الجمهوري منذ الخمسينيات وحتى قيام ثورة يناير2011، ولكن البعض يتهم الإخوان أنفسهم بعدم الجاهزية لتحقيق هذا الهدف، أو السير في الطريق الصحيح لتحقيقه، وعدم اغتنام بعض الفرص التي كانت تتيح للإخوان مشاركات جزئية في السلطة (بوزير أو اكثر) سواء في عهد عبد الناصر أو السادات.

التدرج المرحلي

وربما كانت الفكرة الأساسية بالتدرج المرحلي التي وضعها الإمام حسن البنا بنفسه (التعريف- التكوين- التنفيذ) سببا لعدم اهتمامه بالعمل السياسي التنفيذي رغم أن الجماعة مرت بفترة ذهبية منذ منتصف الثلاثينيات وحتى حل الجماعة عام 1948)، فقد كان الإمام المؤسس مقتنعا بأن الجماعة لا تزال في طور التعريف، وأن إقحامها في العمل السياسي والتنفيذي التنافسي بطبعه قد يدخلها مبكرا في صراع هي ليست مستعدة له، كما أنها في غنى عنه، بينما لم يتوقف الإخوان في الأقطار الأخرى التي شاركت مبكرا في الحكم كثيرا عند هذه القاعدة.

عقب نجاح الضباط الأحرار في الإطاحة بالملك في 23 يوليو 1952عاشوا مع الإخوان شهر عسل قصير، كانوا قد أحاطوا الإخوان علما مسبقا بموعد تحركهم، وحصلوا على موافقة الإخوان بعد تعهدهم لهم بإقامة العدل والديمقراطية الحقيقية، ولكن تلك الثقة ما لبثت أن تبددت سريعا بنكوص عبد الناصر عن تعهداته التي تمت في لقاءات خاصة مع قيادات إخوانية مثل فريد عبد الخالق وصالح أبو رقيق ومنير الدلة وحلمي عبد المجيد في بيت هذا لأخير، وخلال فترة الصفاء تلك عرض عبد الناصر المشاركة في الحكم بثلاثة وزراء، لكنهم رفضوا بسبب نكوص ناصر عن اتفاقاته السابقة معهم، وهو ما أشعرهم بعدم الثقة فيه، وتكرر الأمر برفضهم الاندماج في هيئة التحرير التي أسسها في ديسمبر 1952 لأنهم أدركوا أن الغرض هو تذويب الجماعة في تلك الهيئة التي تمثل حزبا سياسيا لعبد الناصر ورفاقه، وهو ما يختلف عن طبيعة عمل جماعة الإخوان، وقد التف عبد الناصر على هذا الموقف الإخواني الرافض لتعيين الشيخ أحمد حسن الباقوري وزيرا للأوقاف، وقبل الرجل المهمة مستقيلا من جماعة الإخوان وهو الذي قام بعمل المرشد المؤقت عقب اغتيال الإمام البنا، فهل كان الإخوان محقين أم مخطئين في رفضهم للمشاركة في أول حكومة للضباط الأحرار؟؟!

في عهد السادات

ورغم أن السادات هو الذي أفرج عن سجناء الإخوان، وكان متسامحا مع عملهم الدعوي دون أن يقر لهم بإعادة الجماعة رسميا (وإن أبدى موافقة باهتة على تأسيس جمعية ولكن بدون إسم الإخوان) رغم كل ذلك إلا أنه لم يعرض عليهم أي مشاركة سياسية أو تنفيذية، والشيء الوحيد الذي سمح لهم بالمشاركة فيه هو اتحاد الجمعيات الإسلامية الذي أوعز بتأسيسه عقب اللقاء الفكري في الإسماعيلية عام 1977والذي شهد المواجهة الشهيرة بينه وبين الأستاذ عمر التلمساني المرشد العام وقتها.

كان السادات يفكر دوما في كيفية الإستفادة منهم لمواجهة التيارين الشيوعي والناصري واللذين كانا يمثلان التحدي الأكبر له خلال سنوات حكمه الأولى، وربما يمكننا القول الآن إن الجماعة كان يمكنها استثمار احتياج السادات لها للحصول على مكاسب سياسية، لكن الوافد الجديد على الجماعة في تلك الفترة وهم شباب الجماعات الإسلامية التي نشأت في الجامعة بعيدا عن الإخوان ،وانضم غالبية قادتها للإخوان لاحقا، كانوا أكثر راديكالية في معارضتهم للرئيس السادات خصوصا بعد زيارته للقدس عام 1979، وهو ما أسهم في عودة التوتر في العلاقة، وكان للإخوان نصيب وافر في اعتقالات سبتمبر 1981.

منذ منتصف الثمانينيات بدأ الإخوان الدخول في شراكات سياسية مع قوى مدنية أخرى، كانت المرة الأولى مع حزب الوفد في انتخابات 1984، وفاز لهم 9 نواب، وكانت المرة الثانية مع حزبي العمل والأحرار في 1987 في إطار التحالف الإسلامي وفاز لهم 36 نائبا، وكانت ترتيبات ذلك التحالف تستهدف مشاركة أحزاب أخرى لكن حزب الوفد رفض استكمال المسيرة بسبب إصراره على نصف المقاعد منفردا، وهكذا عرف الإخوان طريقهم للتحالفات السياسية مع القوى الأخرى، وكانت النقابات المهنية هي القاطرة للحوارات السياسية التي تستضيف رموز القوى السياسية في حوارات مشتركة، وأعمال مشتركة، وظل الوضع كذلك حتى منتصف التسعينيات حيث تعرضت النقابات لهجمة حكومية بفرض الحراسة على بعضها، وشهدت الفترة منذ منتصف التسعينيات وحتى منتصف العشرية الجديدة حالة من الجمود السياسي قطعها تأسيس حركة كفاية التي شارك الإخوان بممثلين رسميين فيها، وكذا مظاهرات القضاة وما تلا ذلك من حراك سياسي، وحوار وطني برئاسة الراحل عزيز صدقي رئيس وزراء مصر الأسبق والذي استضافته النقابات المهنية بمشاركة قوية للإخوان، وصولا إلى تأسيس الجمعية الوطنية للتغيير برئاسة محمد البرادعي ومساهمة الإخوان بالنصيب الأكبر من التوقيعات على مطالب الإصلاح السبعة، وترافق مع ذلك تدشين الإخوان لسلسلة حوارات من أجل مصر التي عقدت 4 جولات منها قبل ثورة يناير وتم استكمالها بعد الثورة، لتنتج فكرة التحالف الوطني الديمقراطي في انتخابات برلمان الثورة والذي بدأ بـ42 حزبا لكنه انتهى إلى عشرة أحزاب فقط معظمها أحزاب صغيرة، ومجددا خرج الوفد من هذا التحالف بسبب إصراره على الحصول على نصف عدد المرشحين منفردا، لكن هناك اتهامات تطال الإخوان أيضا بعدم استيعاب بعض الأحزاب وبعض الشخصيات الجديرة بالتمثيل البرلماني نظرا لدورها السابق في معارضة مبارك وفي دعم الثورة، كما أن بعض هذه الشخصيات حصلت على وعود بالترشحلتفاجأ في النهاية باستبعادها في الوقت الضائع.

الأوقات الانتقالية

ولعل الدرس المستفاد هنا هو أنه في الأوقات الإنتقالية واللحظات الإستثنائية لا ينبغي التعامل بقواعد المنافسة التقليدية التي تعتمد على الأوزان العددية، ولكن ينبغي النظر لاعتبارات أخرى تعلي قيمة الحفاظ على نجاح التجربة الديمقراطية الوليدة، وهو ما يقتضي الحرص على تمثيل واسع للخارطة السياسية، بل ومساعدة من يستحق ولكنه لا يستطيع الفوز بقدراته الذاتية، وربما كانت هذه القاعدة بعيدة في تلك اللحظات بسبب غلبة أجواء الإستقطاب السياسي الحاد.

المصدر