قضايا المرأة من منظور إسلامي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٠:٤٥، ٢٨ يونيو ٢٠١٢ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
قضايا المرأة من منظور إسلامي
رسالة من محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين

بقلم:الإستاذ محمد مهدي عاكف

مقدمة

رسائل.gif

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه، وبعد..

في هذا الوقت الذي ينعقد فيه مؤتمر نيويورك حول فعاليات حقوق المرأة (28/2- 11/3/2005م) كان من الضروري الحديث عن حقوق المرأة وحرياتها ومكانتها في الإسلام، وما يُحاك ضدها على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.. نعم هو حديث مكرور معاد، لكننا ما زلنا في حاجة إلى ترديده والتأكيد عليه بين وقت وآخر؛ نظرًا للهجمة الشرسة والضارية التي تتعرض لها المرأة والأسرة بشكل خاص والإسلام بشكل عام، فضلاً عن التشويه المتعمَّد في معظم الأحيان، والناشئ عن جهل ب الإسلام وحقائقه في أحيان أخرى لقضايا المرأة وموقف الإسلام منها.

المرأة في الإسلام

لقد كان عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- يقول: كنا لا نعدُّ النساء في الجاهلية شيئًا، فلما جاء الإسلام جعل النساء شقائق الرجال ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ (البقرة: 228)، ويشمل ذلك منظومة الحقوق والواجبات المادية والمعنوية معًا، فضلاً عن ضرورة ألا يُحرم المجتمع من الاستفادة القصوى من طاقات وملكات وإبداع شق رئيسي فيه وهو المرأة.

وقد أدركت المرأة المسلمة ذلك فعضَّت على دينها بالنواجذ، وبادرت إلى اعتقاده والدفاع عنه، دون اتكالٍ على جهود الرجال، أو إحساس بالنقص عنهم، وما خديجة وأم حبيبة وأم سلمة ونسيبة بنت كعب إلا نماذج على الطريق.

أما دورها الأسرى فعظيم التبعية سابق الشرف "فالمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها"، وقد قامت المرأة المسلمة بجميع أدوارها في ميادين الجهاد، والمسجد، والبيت، قيامًا حَفِظَ للمجتمع الإسلامي نظامه الأخلاقي المتميز، وضمِن له الاستمرار برعاية النشء، وتربية الأجيال، والدفاع عن قيم الأسرة.. لبنة المجتمع الأولى، ومستقر أعرافه وتقاليده، تلك الأسرة التي أُسست على المودة والرحمة والتواصل والبر، ترتوي فيها الغرائز فيكون ريُّها عبادة.. "وفي بُضع أحدكم صدقة" (رواه مسلم)، وتشعُّ فيها السكينة والستر ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إلَيْهَا﴾ (الروم:21) ﴿واللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا﴾ (النحل:80)، ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ﴾ (البقرة:178).

دعاة التغريب عندنا

ولما ضعُف ارتباط الأمة بدينها، وحادت عن شريعة ربها ساءت حال المرأة كما ساءت حال الرجل، في ذات الوقت الذي استقوى فيه الغرب، وأزدهى بحضارته، وانفتحت شهيتُه العنصرية لاحتلال بلادنا، ونهْب خيراتنا، فكان غزوه الثقافي لنا تمهيدًا لا بد منه للغزو العسكري، وقد حقق في ذلك أيَّما نجاح.!!

فلما فشل غزوه العسكري بقيت للأسف آثاره الثقافية آسرةً لكثير من نخبنا المثقفة، تُمثل لها مصدر الإلهام ومناط التأسي، لا يرون لأمتنا تقدمًا إلا من خلالها، ولا يدركون معنى للتحضر إلا معناها، وقد قال أحد روادهم يومًا ".. وكلما ازدادت معرفتي بأوروبا زاد حبي لها، وتعلقي بها، وزاد شعوري بأنها مني وأنا منها، هذا هو مذهبي الذي أعمل له طول حياتي سرًّا وجهرةً، فأنا كافر بالشرق، مؤمن بالغرب" (سلامة موسى- اليوم والغد)، ويقول آخر: "إن سبيل النهضة واضحة بيِّنة مستقيمة، ليس فيها عِوجٌ ولا التواءٌ، وهي أن نسير سيرةَ الأوروبيين ونسلك طريقهم؛ لنكون لهم أندادًا ولنكون لهم شركاء في الحضارة، خيرها وشرها، حلوها ومرّها، وما يُحَب منها وما يُكرَه، وما يُحمَد منها وما يُعاب" (طه حسين- مستقبل الثقافة في مصر).

النموذج الغربي للمرأة

لقد كانت الدعوة لحرية المرأة- وفق المفهوم الغربي- هي المدخل لكثير من المقاصد الثقافية الغربية في بلادنا، وقد أخذت هذه الدعوة دفعةً كبرى في العِقدين الأخيرين، وخاصةً مع تنامي مفهوم العولمة وآلياتها، وتفرُّد القوة الأمريكية بقيادة العالم، وتولي جماعة المحافظين الجدد- المنتمين إلى جذور دينية مسيحية صهيونية- زمامها.

وقد عمدت هذه القوة إلى فرض مفاهيمها الحضارية على بلادنا، والترويج الكثيف لها، واستخدام شتَّى السبل في تسريع تحقيق غاياتها، واستغلال منظمة الأمم المتحدة وهيئاتها كمطية لتحقيق تلك الغايات، فانعقدت مؤتمرات للمرأة تروِّج للنموذج الغربي والأمريكي لها، وتم تشريع قوانين واتفاقات تقنِّن النموذج الغربي للمرأة والأسرة، وتصبح الدول الأعضاء في المنظمة الدولية مطالَبةً بالتوقيع عليها والإذعان لها، ويتم تنفيذها من خلال لجان وجمعيات تراقب السير فيها، وقدم الغرب الدعم الماديَّ السخيَّ للمنظمات النسوية التي تتبنَّى تلك الدعوات في بلادنا، ومارسَ الضغوطَ السياسية والمادية لإحداث التغييرات التشريعية، وتعديل النظم التربوية والتعليمية، وتقديم الدعاية الإعلامية، وإفساح الطريق أمام رموز هذه الحركة وقياداتها.

تدمير للأسرة

ولم يعُد الأمر أمرَ قضايا المرأة وحقوقها فحسب، بل أصبح أمرَ إعادة صياغة لمفهوم الأسرة وِفقَ المفهوم الحضاري للغرب، الذي لا يرى ضرورةً للنظام الأُسَري (التقليدي) كما يسمونه، وينظرون إليه على أنه نظام اجتماعي تاريخي يمكن تجاوزه، ونشطت الدعوة لمفهوم الأسر المِثلية التي تقوم على رذيلة ارتباط الشواذ من الرجال والنساء، وإسباغ الحق القانوني عليها، والحرية الجنسية دون ضابط، وازدراء فكرة "الأمومة" التي نظرت إليها اتفاقية القضاء- على جميع أشكال التمييز ضد المرأة الصادرة سنة 1979- على أنها وظيفة اجتماعية يمكن أن يقوم بها أي إنسان، ذكرًا كان أو أنثى، وأن الأسرة كيان تعاقدي تتوارى فيه مبادئ التضامن والمسئولية الوالدية تجاه الأبناء.

لقد كانت نتائج تفشي تلك الأوضاع بالغرب وأمريكا وخيمةً، ففي فرنسا مثلاً تضع أكثر من نصف نسائها 53% أطفالاً دون زواج شرعي، وشاعت في عديد من دول أوربا أفكار العزوف عن الإنجاب بل الزواج أصلاً، وتحوَّلت العلاقة بين الرجل والمرأة إلى علاقة استمتاع جسدي دون تحمل مسئولياته؛ ولذا فقد سرَت حمَّى الدعوات إلى تقنين الحق في الإجهاض؛ للتخلص من ثمرات هذا العبث.

وأدى تفسخ الأسر الغربية والأمريكية إلى شيوع الجرائم على اختلاف أنواعها، حتى بلغ معدل الجريمة في الولايات المتحدة سنة 1998م درجةً مخيفةً؛ حيث تقع جريمة اغتصاب كل 6 دقائق، وجريمة سَطو مسلَّح كل 41 ثانية، وجريمة قتل كل 31 دقيقة، وبلغت تكلفة هذه الجرائم في أمريكا- عدا المخدرات- إلى أكثر من 700 بليون دولار سنويًّا، وهو ما يجاوز إجمالي الدخل السنوي القومي في نحو120 دولةً من دول عالمنا البائس.

العنف ضد المرأة

إن شيوع الجريمة على ذلك النحو المخيف قد ألحق أعظمَ الضرر بالمرأة نفسها في الغرب، وقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا في 17 ديسمبر 1999م بجعل يوم 25 نوفمبر يومًا عالميًّا لمحاربة العنف ضد المرأة، وسرعان ما تفتحت شهية المهاجمين للإسلام وأهله في الحديث عن الظلم الذي يلحق المرأة المسلمة؛ إذ يُجيز الإسلام للزوج أن يضرب امرأته ضربًا غير مبرح حال نشوزها وبعد فشل كل وسيلة أخرى لإصلاحها ﴿وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ (النساء:34).

ونحن نقرُّ بأن كثيرًا من الأزواج يسيئون استعمال ذلك، وهو سوءٌ ناتجٌ عن ضعف التزامهم ب الإسلام وفهمهم له وتربيتهم عليه، وبلوغ بعض النساء مبلغًا من الاجتراء يستفزُّ الأعصاب ويجلب الغضب، فضلاً عما يتعرض له الطرفان- الرجل والمرأة- من قهرٍ وترويعٍ وضغوطٍ في ظل أنظمةٍ حاكمةٍ طاغيةٍ، وفسادٍ اجتماعيٍّ مستحكَم، وفي خلُق الإسلام ورحمته وشريعته علاج ذلك.

لكننا نسوق بين أيدي المفتونين بالغرب والحرية الاجتماعية فيه بعضًا من تلك التقارير المتتابعة لمنظمة العفو الدولية عن أحوال المرأة وما تتعرض له من عنف في أوروبا وأمريكا؛ حيث تتعرض امرأة للضرب كل 15 ثانية في الولايات المتحدة، فضلاً عن جرائم الاغتصاب اليومية، إلى الحد الذي تحتل فيه أمريكا المرتبة الأولى بين دول العالم في ضرب النساء بنسبة30%، تليها بريطانيا بنسبة 22% حسب تقرير منظمة اليونسيف.

وفضلاً عن ذلك فثمة تقارير مخزية تتحدث عن شيوع تجارة الرقيق حول العالم، وخاصةً في أمريكا، منها تقرير محطة CNN الإخبارية الأمريكية في الأول من يناير 2002م الذي يذكر أن مليونين من الأطفال والنساء يتم بيعهن كعبيد سنويًّا، وأن مائة وعشرين ألف امرأة من أوروبا الشرقية والدول الفقيرة حولها يتم تهجيرهن إلى أوروبا الغربية لهذا الغرض الدنيء، وأن أكثر من 15 ألف امرأة يرسلن إلى الولايات المتحدة أغلبهن من المكسيك، يتم بيعهن ليستخدمن في بيوت الدعارة والحانات!!

لقد امتدت تلك التجارة الآثمة لتشمل براءة الأطفال حول عالمنا البائس، حتى أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الرابعة والخمسين بروتوكولاً ملحَقًا باتفاقية حقوق الطفل في 25 مايو 2000م يحضُّ دول العالم على اتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية الأطفال من البيع واستغلالهم في أعمال البغاء والدعاية للمواد الإباحية على شبكة الإنترنت!!

في إسلامنا الحماية والعزة

ونحن إزاء هذه الأوضاع المزرية التي جلبتْها لنا وروَّجتْها لدينا الحضارة الغربية ونظمها السياسية والإعلامية والمنظمات الدولية الخاضعة لها لنؤكد لشعوبنا وأمتنا الإسلامية خطورةَ تلك السبل ﴿واللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ويُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا* يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وخُلِقَ الإنسَانُ ضَعِيفًا﴾ (النساء: 27-28).. فلنستمسك بشريعتنا وهدي رسولنا- صلى الله عليه وسلم- فإن تغييبها عنا هو أسُّ البلاء الذي عانت المرأة وعانى منه الرجل على السواء.

إن رؤيتنا لقضايا المرأة تنبع من ديننا الحنيف ﴿اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ورَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا﴾ (المائدة: 3)، ونحن نعلم ما تتعرض له من ضغوط وتجاوزات وإهدار لبعض حقوقها التي كفلها لها الإسلام، ولكننا لا ننظر إلى قضية المرأة بمعزل عن قضايا الأمة، ولا نرى أزمتها بعيدةً عن أزمة المسلمين ومحنتهم.. إن فكرة الصراع بين الرجل والمرأة غريبةٌ عن مجتمعنا وديننا، آتيةٌ من مجتمعات تقوم على مبدأ الصراع في كل شيء.. الصراع ضد الدين.. والصراع ضد الطبيعة.. والصراع ضد الآخر، وعلى الناظرين بانبهار إلى حضارة الغرب أن يُعجبوا بما قدمته من مكتسبات حقيقية للإنسان.. ليس من بينها نظرتها للإنسان نفسه ودوره ومآله..!!

بل إننا نقرر أن جزءًا كبيرًا من مشكلات المرأة في بلادنا هي من صنع الغرب العنصري المستكبر، وهو يراها رأي العين لكنه يغضُّ الطرف عنها، بل يريد من تعقيدها أن يحقق مآربه، الغرب هو الذي صنع مأساة فلسطين ، وزرع فينا ذلك الكيان الصهيوني، وأمده بالمال والسلاح حتى توحَّش واستقوى.. إن لدينا في سجون الصهاينة في فلسطين نحو ثمانية آلاف أسير، لهم زوجات وأمهات وبنون وبنات، بل منهن أكثر من مائة أسيرة، فما بال الغرب يصمت عنهم؟! ولقد قدمت المرأة الفلسطينية أكثر من مائتين وخمسين شهيدة، فضلاً عن مئات الجريحات في سنوات الانتفاضة الأخيرة.. أفليس لهن حقوق يجب الدفاع عنها، فلماذا يصمُت الإعلام الغربي عنهن وهو الذي لا يكفُّ عن الصراخ إن طال الأسر صحفية غربية في العراق أو غيره.

أما المرأة في العراق فنترك الحديث عنها لتقرير منظمة العفو الدولية في 22/2/2005م، الذي يقول إن النساء هناك لسن في وضع أفضل مما كن عليه في عهد صدام حسين، أي أن الحرية الأمريكية المزعومة للمرأة لم تلحق بنظرتهم المستقبلية للمسلمات العراقيات، وإن كثيرًا منهن في سجون الاحتلال يتعرضن للتعذيب الوحشي، وأحيانًا للاغتصاب، وهن يصرخن بضمير العالم، وحَميَّة المؤمنين وكرامة المسلمين!! ونحن لن نذكِّر من جديد بمئات البوسنيات اللاتي اغتُصبن وحملْن سفاحًا من الصرب الأوروبيين على مرأَى ومسمع من العالم، وبمشاهدة قوات الأمم المتحدة وحراسها!!

وعلى الرغم من ذلك فما زالت المرأة المسلمة صامدةً في كل ثغور الإسلام، وهي التي تُخرِّج لنا آلاف الأبطال والشهداء و المجاهدين ، وتتلقَّى في صبر واحتساب ويقين أخبارَ استشهادهم، وأنباء تضحياتهم.. ﴿واللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ولَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: 21).

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والحمد لله رب العالمين

القاهرة

في: الخميس 29 من المحرم 1426هـ= الموافق 10 من مارس 2005م