قراءة في رسالة المؤتمر الخامس (4)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
قراءة في رسالة المؤتمر الخامس (4)


بقلم: وليد شلبي

مقدمة

يستعرض الإمام الشهيد في المحاور المتبقية من الرسالة العديد من القضايا المهمة والمحورية في فكر ومنهج الإخوان المسلمين؛ حيث تحدث عن غاية ووسيلة الإخوان، وموقفهم من القوة والثورة والحكم والدستور والقانون وعلاقة الإسلام بالقومية والعروبة، ورأيهم في الخلافة وموقفهم من الهيئات والأحزاب وموقفهم من الدول الأوروبية، ويختم بنصيحة جامعة للإخوان لتضيء لهم الطريق.

غاية الإخوان ووسيلتهم

يتحدث الإمام الشهيد، يرحمه الله، في هذا المحور الهام عن غاية ووسيلة الإخوان وأجملها في أن غاية الإخوان هي تكوين جيل جديد وسيلتهم تربية جيل القدوة يصلح للقيام بالمهام الجسيمة الملقاة على عاتقه "إن غاية الإخوان تنحصر في تكوين جيل جديد من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح يعمل على صبغ الأمة بالصبغة الإسلامية الكاملة في كل مظاهر حياتها: ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً﴾ (البقرة: من الآية 138) وأن وسيلتهم في ذلك تنحصر في تغيير العرف العام وتربية أنصار الدعوة على هذه التعاليم حتى يكونوا قدوةً لغيرهم في التمسك بها والحرص عليها والنزول على حكمها".

وفي هذا تركيز على مبدأ التربية كوسيلة معتمدة للتغيير عند الإخوان، ولعل اللافت هنا هو تركيز الإمام على مبدأ القدوة في حياة الدعاة، فهكذا ينبغي أن يكون الدعاة قدوة في أقوالهم وأفعالهم ليعطوا الصورة الصحيحة والمثالية للإسلام كواقع ملموس على أرض الواقع.

القوة والثورة

ثم يوضح الإمام موقف الإخوان من والقوة والثورة، وهو يوضح في البداية الفرق بين القوة كشعار للإسلام وبين تطبيقها عمليًّا، ويبين أن القوة من حيث المبدأ هي شعار الإسلام "أما القوة فشعار الإسلام في كل نظمه وتشريعاته؛ فالقرآن الكريم ينادي في وضوح وجلاء: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ (الأنفال: من الآية60 )، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف".

ويبين أنواع القوة ويركِّز على القوة النفسية كأكبر دافع وداعم للداعية "بل إن القوة شعار الإسلام حتى في الدعاء، وهو مظهر الخشوع والمسكنة، واسمع ما كان يدعو به النبي في خاصة نفسه ويعلِّمه أصحابه ويناجي به ربه: "اللّهُمّ إِنّي أَعوذُ بِكَ مِنَ الْهَمّ وَالْحَزَنِ، وَأَعوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأعوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ والْبُخْلِ وَأعوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدّيْنِ وَقَهْرِ الرّجَال"؛ فالإخوان المسلمون لا بد أن يكونوا أقوياء، ولا بد أن يعملوا في قوة".

ثم يضع ضوابط حاكمة على الأحداث ومدى إمكانية استخدام القوة فيها من عدمه، "ولكن الإخوان المسلمين أعمق فكرًا وأبعد نظرًا من أن تستهويهم سطحية الأعمال والفكر، فلا يغوصوا في أعماقها ولا يزنوا نتائجها وما يقصد منها وما يراد بها".

ويوضح بعد ذلك فهم الإخوان لدرجات القوة وتصنيفها، وأن الإسلام لم يوصِ باستخدام القوة في كل الظروف والأحوال؛ "فهم يعلمون أن أول درجة من درجات القوة قوة العقيدة والإيمان، ثم يلي ذلك قوة الوحدة والارتباط، ثم بعدهما قوة الساعد والسلاح، ولا يصح أن توصف جماعة بالقوة حتى تتوفر لها هذه المعاني جميعًا، وأنها إذا استخدمت قوة الساعد والسلاح وهي مفككة الأوصال مضطربة النظام أو ضعيفة العقيدة خامدة الإيمان فسيكون مصيرها الفناء والهلاك".

هذه نظرات يلقيها الإخوان المسلمون على أسلوب استخدام القوة قبل أن يقدموا عليه، والثورة أعنف مظاهر القوة، فنظر الإخوان المسلمون إليها أدق وأعمق، وبخاصة في وطن كمصر جرَّب حظَّه من الثورات، فلم يجن من ورائها إلا ما تعلمون.

ويضع الإمام الشهيد بعد ذلك الأسس التي سيبني عليها الإخوان قرارهم باستخدام القوة في قوله "إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدي غيرها وحيث يثقون أنهم قد استكملوا عدة الإيمان والوحدة، وهم حين يستخدمون هذه القوة سيكونون شرفاء صرحاء وسيُنذرون أولاً وينتظرون بعد ذلك، ثم يقدمون في كرامة وعزة، ويحتملون كل نتائج موقفهم هذا بكل رضاء وارتياح".

ويوضح الإمام أن الإخوان لا يفكرون في الثورة كوسيلة للتغيير على الإطلاق حين قال: "وأما الثورة فلا يفكر الإخوان المسلمون فيها، ولا يعتمدون عليها، ولا يؤمنون بنفعها ونتائجها"؛ ذلك لأن من يعتمد على التربية كوسيلة للتغيير ويتحمل عقباتها وطول طريقها لا يمكن أن يعتمد على الثورة وتغيراتها المفاجأة على المجتمع كله.

الإخوان المسلمون والحكم

الإمام الشهيد حسن البنا فى أحد المؤتمرات


بيَّن الإمام أن الإخوان المسلمين يسيرون في جميع خطواتهم وآمالهم وأعمالهم على هدي الإسلام الحنيف كما فهموه، وكما أبانوا عن فهمهم هذا في أول هذه الكلمة، وهذا الإسلام الذي يؤمن به الإخوان المسلمون:

1-يجعل الحكومة ركنًا من أركانه.

2-ويعتمد على التنفيذ كما يعتمد على الإرشاد.

ووضح خطورة إبعاد المصلحين والدعاة عن مصادر التشريع وتركها لمن لا يفقهون الدين ولا مراميه "والمصلح الإسلامي إن رضي لنفسه أن يكون فقيهًا مرشدًا يقرر الأحكام ويرتِّل التعاليم ويسرد الفروع والأصول، وترك أهل التنفيذ يشرعون للأمة ما لم يأذن به الله ويحملونها بقوة التنفيذ على مخالفة أوامره؛ فإن النتيجة الطبيعية أن صوت هذا المصلح سيكون صرخةً في وادٍ ونفخةً في رماد كما يقولون.. قد يكون مفهومًا أن يقنع المصلحون الإسلاميون برتبة الوعظ والإرشاد إذا وجدوا من أهل التنفيذ إصغاءً لأوامر الله وتنفيذًا لأحكامه وإيصالاً لآياته ولأحاديث نبيه".

ويركز الإمام الشهيد في هذا المحور المهم على أن الإخوان المسلمين لا يطلبون الحكم لأنفسهم، وإنما هم أنصار وأعوان كل من يطبق منهج الإسلام:

  • فإن وجدوا من الأمة من يستعد لحمل العبء وأداء هذه الأمانة والحكم بمنهاج إسلامي قرآني فهم جنوده وأنصاره وأعوانه.
  • وإن لم يجدوا فالحكم من منهاجهم، وسيعملون لاستخلاصه من أيدي كل حكومة لا تنفذ أوامر الله.

وذكر بعد ذلك فترة انتقالية في حال عدم توفر تطبيق شرع الله، وركَّز فيها على عنصرين مهمين يتضح منهما منهج التدرج، وعدم التعجل وتربية الأمة على المبادئ الإسلامية العامة، وتحدث عن فترة تنتشر فيها مبادئ الإخوان وتسود، ويتعلم فيها الشعب كيف يؤثر المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.

"وكلمة لا بد أن نقولها في هذا الموقف: هي أن الإخوان المسلمين لم يروا في حكومة من الحكومات التي عاصروها، ولا الحكومة القائمة ولا الحكومة السابقة ولا غيرهما من الحكومات الحزبية، من ينهض بهذا العبء أو من يبدي الاستعداد الصحيح لمناصرة الفكرة الإسلامية، فلتعلم الأمة ذلك، ولتطالب حكامها بحقوقها الإسلامية، وليعمل الإخوان المسلمون".

ولعل في ختام هذا المقطع ما يؤكد ويرسِّخ مفهوم إيثار العمل على القول؛ فعندما طالب الإمام الأمة بالعلم طالب الإخوان بالعمل، وفي هذا تربية عملية للإخوان على العمل وتغليبه على القول.

الإخوان المسلمون والدستور

ويوضح الإمام في هذا المجال الفرق بين الدستور والقانون، وذهب إلى أن النظام الدستوري هو أقرب النظم القائمة للنظام الإسلامي، "وأحب قبل هذا أن نفرق دائمًا بين (الدستور) وهو نظام الحكم العام الذي ينظِّم حدود السلطات وواجبات الحاكمين ومدى صلتهم بالمحكومين، وبين (القانون) وهو الذي ينظم صلة الأفراد بعضهم ببعض ويحمي حقوقهم الأدبية والمادية ويحاسبهم على ما يأتون من أعمال.

الواقع أيها الإخوان: أن الباحث حين ينظر إلى مبادئ الحكم الدستوري التي تتلخص في:

1-المحافظة على الحرية الشخصية بكل أنواعها.

2-وعلى الشورى واستمداد السلطة من الأمة.

3-وعلى مسئولية الحكام أمام الشعب ومحاسبتهم على ما يعملون من أعمال.

4-وبيان حدود كل سلطة من السلطات.

هذه الأصول كلها يتجلى للباحث أنها تنطبق كل الانطباق على تعاليم الإسلام ونظمه وقواعده في شكل الحكم، ولهذا يعتقد الإخوان المسلمون أن نظام الحكم الدستوري هو أقرب نظم الحكم القائمة في العالم كله إلى الإسلام، وهم لا يعدلون به نظامًا آخر".

الإخوان والقومية والعروبة والإسلام

وتحدث الإمام عن معاني سائدة في ذلك الوقت حول: الوحدة القومية، والوحدة العربية، والوحدة الإسلامية. وأوضح "أننا لن نحيد عن القاعدة التي وضعناها أساسًا لفكرتنا.. وهي السير على هدي الإسلام وضوء تعاليمه السامية؛ فالإخوان المسلمون يحبون وطنهم، ويحرصون على وحدته القومية بهذا الاعتبار لا يجدون غضاضة على أي إنسان يخلص لبلده، وأن يفنَى في سبيل قومه، وأن يتمنى لوطنه كل مجد وكل عزة وفخار، هذا من وجهة القومية الخاصة".

العروبة

وحين تحدث عن العربية بيَّن "أن الإسلام الحنيف نشأ عربيًّا، ووصل إلى الأمم عن طريق العرب، وجاء كتابه بلسان عربي مبين، وتوحَّدت الأمم باسمه على هذا اللسان يوم كان المسلمون مسلمين".

وقد جاء في الأثر: إذا ذلَّ العرب ذلَّ الإسلام، وقد تحقق هذا المعنى حين زال سلطان العرب السياسي وانتقل من أيديهم إلى غيرهم من الأعاجم والديلم ومن إليهم؛ فالعرب هم عصبة الإسلام وحرَّاسه".

وأوضح أن الإخوان مع الوحدة العربية التي ستؤدي إلى إعادة أمجاد الإسلام وعزه ومجده وسلطانه "ومن هنا كانت وحدة العرب أمرًا لا بد منه لإعادة الإسلام وإقامة دولته وإعزاز سلطانه، ومن هنا وجب على كل مسلم أن يعمل لإحياء الوحدة العربية وتأييدها ومناصرتها، وهذا موقف مجموعة البحث من الوحدة العربية".

وانتقل الإمام يرحمه الله بعد ذلك للحديث حول الوحدة الإسلامية وأصلها شرعيًّا وواقعيًّا، مبينًا أهميتها للمسلمين وللأمة كلها، وأنه لا تعارض بين الوحدتين العربية والإسلامية "بقي علينا أن نحدد موقفنا من الوحدة الإسلامية، والحق أن الإسلام كما هو عقيدة وأنه قضى على الفوارق النسبية بين الناس؛ فالله تبارك وتعالى يقول: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ (الحجرات: من الآية 10)، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "المسلم أخو المسلم" "والمسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على سواهم".

فالإسلام والحالة هذه لا يعترف بالحدود الجغرافية ولا يعتبر الفروق الجنسية والدموية، ويعتبر المسلمين جميعًا أمةً واحدةً، ويعتبر الوطن الإسلامي وطنًا واحدًا مهما تباعدت أقطاره وتناءت حدوده.

ثم بيَّن وجهة نظر الإخوان في كل من الوحدتين بعد ذلك بما لا يدع مجالاً للشك أو التأويل: "وضح إذًا أن الإخوان المسلمين..

* يحترمون قوميتهم الخاصة؛ باعتبارها الأساس الأول للنهوض المنشود.

* ولا يرون بأسًا بأن يعمل كل إنسان لوطنه، وأن يقدم الوطن على سواه.

* ثم هم بعد ذلك يؤيدون الوحدة العربية باعتبارها الحلقة الثانية في النهوض.

* ثم هم يعملون للجامعة الإسلامية باعتبارها السياج الكامل للوطن الإسلامي العام.

ولى أن أقول بعد هذا: إن الإخوان يريدون الخير للعالم كله، فهم ينادون بالوحدة العالمية؛ لأن هذا هو مرمى الإسلام وهدفه ومعنى قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)﴾ (الأنبياء).

وأنا في غنى بعد هذا البيان أن أقول أنه لا تعارض بين هذه الوحدات بهذا الاعتبار، وبأن كل منهما يشد أزر الأخرى يحقق الغاية منها؛ فإذا أراد أقوام أن يتخذوا من المناداة بالقومية الخاصة سلاحًا يميت الشعور بما عداها، فالإخوان المسلمون ليسوا معهم ولعل هذا هو الفارق بيننا وبين كثير من الناس".

الإخوان المسلمون والخلافة

ثم عرج الإمام بعد ذلك على موقف الإخوان من الخلافة ووجهة نظرهم في هذه القضية المهمة وقال: "ولعل من تمام هذا البحث أن أعرض لموقف الإخوان المسلمين من الخلافة وما يتصل بها، وبيان ذلك أن الإخوان يعتقدون أن الخلافة:

* رمز الوحدة الإسلامية.

* ومظهر الارتباط بين أمم الإسلام.

* وإنها شعيرة إسلامية يجب على المسلمين التفكر في أمرها والاهتمام بشأنها.

والخليفة مناط كثير من الأحكام في دين الله، ولهذا قدم الصحابة رضوان الله عليهم النظر في شأنها على النظر في تجهيز النبي ودفنه، حتى فرغوا إلى تلك المهمة واطمأنوا إلى إنجازها، والإخوان المسلمون لهذا يجعلون فكرة الخلافة والعمل لإعادتها في رأس مناهجهم، وهم مع هذا يعتقدون أن ذلك يحتاج إلى كثير من التمهيدات التي لا بد منها، وأن الخطوة المباشرة لإعادة الخلافة لا بد أن تسبقها خطوات:

1-لا بد من تعاون تام ثقافي واجتماعي واقتصادي بين الشعوب الإسلامية كلها.

2-يلي ذلك تكوين الأحلاف والمعاهدات.

3-وعقد المجامع والمؤتمرات بين هذه البلاد.

4-ثم يلي ذلك تكوين عصبة الأمم الإسلامية.

5-حتى إذا تم ذلك للمسلمين نتج عنه الاجتماع على (الإمام) الذي هو واسطة العقد، ومجتمع الشمل، ومهوى الأفئدة، وظل الله في الأرض".

فإنه لما كانت هذه المهمة (إعادة الخلافة) من الضخامة والثمن الباهظ ما لا تستطيعه أيّ جماعة مهما كانت؛ كانت نظرة الإمام البنا إلى الأمة باعتبارها القوة الضاربة، ولذلك كان كل ما يؤدي إلى تفريق الأمة وتشتيت جهودها ينبغي تقييده، وينبغي إلغاؤه.

من أجل هذا دفع الإمام البنا بأهم خاصية من خصائص دعوة الإخوان، وهي البعد عن مواطن الخلاف؛ لأن مواطن الخلاف هي التي ستفرق الأمة؛ وذلك حتى تستطيع الأمة أن تقوم بالواجب الذي يناط بها، وهو أداء هذا التكليف باهظ الثمن، وهو إخراج المسلمين من أسر أهل الكفر والعدوان.

الإخوان المسلمون والهيئات الإسلامية

وذكر الإمام بعد ذلك أسس التعامل مع الهيئات الإسلامية المختلفة ووجهة نظر الإخوان فيها، وحدد ثلاثة أسس للتعامل معها: "والإخوان المسلمون يرون في الهيئات الإسلامية على اختلاف ميادينها تعمل لنصرة الإسلام، ويتمنون لها جميعًا النجاح ولم يفتهم أن يجعلوا من منهاجهم:

- التقرب منها.

- والعمل على جمعها.

- وتوحيدها حول الفكرة العامة.

الإخوان المسلمون والأحزاب

وذكر الإمام بعد ذلك موقف الجماعة من الأحزاب التي كانت قائمة آنذاك، ووصف الحالة السياسية بوضوح ووعي تام ورفع واقعها بكل دقة وحدد أسس التعامل الأمثل في:

1- تحديد الأهداف والبرامج بوضوح.

2- التعاون على المبادئ العامة.

3- رفض الحزبية المفرقة للجهود.

"والإخوان المسلمون يعتقدون أن الأحزاب السياسية المصرية جميعًا قد وجدت في ظروف خاصة، ولدواعٍ أكثرها شخصي لا مصلحي؛ فهم، قد اتفقوا في هذا الفراغ، كما اتفقوا في أمر آخر هو التهالك على الحكم، وتسخير كل دعاية حزبية وكل وسيلة شريفة وغير شريفة في سبيل الوصول إليه، وتجريح كل من يحول من الخصوم الحزبيين دون الحصول عليه.

كما يعتقد الإخوان أن هناك فارقًا بين حرية الرأي والتفكير والإبانة والإفصاح والشورى والنصيحة وهو يوجبه الإسلام وبين التعصب للرأي والخروج على الجماعة والعمل الدائب على توسيع هوة الانقسام في الأمة وهو ما تستلزمه الحزبية ويأباه الإسلام ويحرمه أشد التحريم والإسلام في كل تشريعاته إنما يدعو إلى الوحدة والتعاون".

موقف الإخوان من الدول الأوروبية

ويتحدث الإمام بعد ذلك عن محور الرسالة الحيوي، والذي تُشد إليه الرسالة كلها حول موقف الإخوان من الدول الأوروبية وموقفهم منها، وليس بخافٍ علينا أن معظم الدول العربية والإسلامية كانت أسيرةً الدول الأوروبية وواقعةً تحت احتلالها: "بعد هذا البيان عن موقف الإخوان المسلمين، الذي يمليه عليهم الإسلام، في أهم القضايا الداخلية، يحسُن أن أتحدث إلى حضراتكم عن موقفهم من الدول الأوروبية:

الإسلام كما قدمت يَعتبر المسلمين أمةً واحدةً؛ تجمعها العقيدة ويشارك بعضها بعضًا في الآمال والآلام، وأي عدوان يقع على واحدة منها أو على فرد من المسلمين فهو واقع عليهم جميعًا.

أضحكني وأبكاني حكم فقهي رأيته عَرَضًا في كتاب (الشرح الصغير على أقرب المسالك) قال مؤلفه: "مسألة امرأة مسلمة سُبِيَت بالمشرق وجب على أهل المغرب تخليصها وافتداؤها ولو أتى ذلك على جميع أموال المسلمين"، ورأيت مثله قبل ذلك في كتاب (البحر في مذهب الأحناف)، رأيت هذا فضحكت وبكيت وقلت لنفسي: أين عيون هؤلاء الكاتبين لتنظر المسلمين جميعًا في أسر غيرهم من أهل الكفر والعدوان؟!".

بهذا يحدد الأستاذ الإمام البنا هذه الروح التي تشد إليها الرسالة جميعًا ضخامة المشكلة؛ التي يجب أن نضطلع بالقيام بها، وهي وقوع المسلمين جميعًا في أسر أهل الكفر والعدوان، وهو أمر يناقض طبيعة الدين نفسه؛ لأنه كما يذكر الأستاذ الإمام البنا: والإسلام يأبى على أبنائه إلا أن يعيشوا سادةً في أوطانهم، أئمةً في ديارهم، فما يعيشه المسلمون الآن وضعٌ مخزٍ بالغ السوء والبؤس.

كتب الإمام البنا ذلك، وهذا واقع الأمة ليظهر ضخامة التبعة، والثمن الباهظ الذي سيدفع من أجلها حتى تستعيد رسالتها ومكانتها في الحياة مرةً أخرى ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ (البقرة: من الآية 143)، وهذا يعني دعوته للأمة أن تأخذ دورها في أشدِّ الظروف حرَجًا؛ لأن أي جماعة مهما كانت مواهبها، ومهما كانت نتائجها، ومهما كانت قواها، ومهما كان عدد أفرادها؛ لا تستطيع أن تقوم وحدها بهذه المهمة الضخمة.

والعالم الآن من حولنا هو عالم للتكتلات والكيانات الكبرى، وهذا من الأمور التي أثبتت صدق حدس الإمام البنا رضي الله عنه، عندما كان يدعو في هذا الوقت الباكر، تلك الدعوة الباكرة الفريدة في دعوته للأمة أن تأخذ دورها، وأن تضطلع بهذه المهمة؛ لأنها مهمة من الضخامة بحيث تتكلَّف من الثمن الباهظ ما لا تستطيع أي جماعة مهما كانت قواها ومواهب أفرادها أن تقوم به وحدها.

ولهذا أدرك الإمام البنا أننا وحدنا لن نكون القوة الضاربة مهما كان جهدنا أو قدرات أفرادنا ومواهبهم، ولذلك كان يقول: "ألا فلتعلم الأمة ذلك وليعمل الإخوان المسلمون" كأنه يتوجه بخطابه إلى الأمة باعتبارها القوة الضاربة.

وختم الإمام هذا المحور بقوله: "أريد أن أستخلص من هذا..

1- أن الوطن الإسلامي واحد لا يتجزأ، وأن العدوان على جزء من أجزائه عدوان عليه كله، هذه واحدة.

2- والثانية أن الإسلام فرض على المسلمين أن يكونوا أئمةً في ديارهم، سادةً في أوطانهم، ليس ذلك فحسب، بل إن عليهم أن يحملوا غيرهم على الدخول في دعوتهم والاهتداء بأنوار الإسلام التي اهتدوا بها من قبل.

ومن هنا يعتقد الإخوان المسلمون أن كل أمة اعتدت وتعتدي على أوطان الإسلام دولة ظالمة، لا بد أن تكف عن عدوانها، ولا بد من أن يعدَّ المسلمون أنفسهم، ويعملوا متساندين على التخلص من نيرها".

وضرب الإمام بعد ذلك بعض الأمثلة ببعض الدول الأوروبية التي تحتل بعض الدول الإسلامية وضرب مثلاً بإنجلترا واحتلالها لمصر ومساعدتها لاحتلال فلسطين ودورها المشبوه في هذا المجال، وذكر أن لسان القوة في هذا المجال هو أفصح وأجدى لسان: "إن إنجلترا لا تزال تضايق مصر رغم محالفتها إياها، ولا فائدة في أن نقول إن المعاهدة نافعة أو ضارة، أو ينبغي تعديلها، أو يجب إنفاذها؛ فهذا كلام لا طائل تحته، والمعاهدة غل في عنق مصر وقيد في يدها؛ ما في ذلك شك، وهل تستطيع أن تتخلَّص من هذا القيد إلا بالعمل وحسن الاستعداد؟ فلسان القوة هو أبلغ لسان؛ فلتعمل على ذلك ولتكتسب الوقت إن أرادت الحرية والاستقلال.

وإن إنجلترا لا تزال تسيء إلى فلسطين وتحاول أن تنقص من حقوق أهلها، وفلسطين وطن لكل مسلم؛ باعتبارها من أرض الإسلام، وباعتبارها مهدَ الأنبياء، وباعتبارها مقرَّ المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله؛ ففلسطين دين على إنجلترا للمسلمين لا تهدأ ثائرتهم حتى توفيهم فيه حقهم، وإنجلترا تعلم ذلك العلم، ذلك ما حداها إلى دعوة ممثلي البلاد الإسلامية إلى مؤتمر لندن، وإنا ننتهز هذه الفرصة فنذكرها بأن حقوق العرب لا يمكن أن تنقص، وبأن هذه الأعمال القاسية التي يدأب ممثلوها على ارتكابها في فلسطين ليست مما يساعد على حسن ظن المسلمين بها، وخير لها أن تكف هذه الحملات العدوانية عن الأبرياء الأحرار".

وذكر الإمام هنا إحدى الوسائل الشعبية والاجتماعية التي بذلها الإخوان لنصرة القضية الفلسطينية منذ عشرات السنين، وهي وسيلة القرش، "وبهذه المناسبة أذكر الإخوان بأنه قد تألفت لجنة عامة بدار الشبان المسلمين من الجمعيات الإسلامية جميعًا، للتعاون على إصدار قرش موحَّد يوزَّع من أول السنة الهجرية إغاثةً لفلسطين المجاهدة، وسيحلّ هذا الطابع محل كل الطوابع المختلفة لكل الهيئات؛ فالوصية للإخوان أن يبذلوا جهدهم في تشجيع هذه اللجنة بتوزيع طوابعها حين صدورها، وبتصفية ما قد يكون موجودًا لديهم من حساب الطوابع القديمة وإعادتها إلى المكتب لإعدامها".

ولنا حساب بعد ذلك مع إنجلترا في الأقاليم الإسلامية التي تحتلها بغير حق، والتي يفرض الإسلام على أهلها وعلينا معهم أن نعمل لإنقاذها وخلاصها.

الخاتمة

واختتم الإمام الشهيد الرسالة بمجموعة من النصائح التربوية الهامة التي تصحح المسار وتوضح الرؤية وتبين للإخوان الطريق بوضوح تام، مبينًا بعض مشكلات المجتمع وطرق العلاج والوقاية منها وبها نختم إطلالتنا على هذه الرسالة الجامعة للإمام الشهيد.

أيها الإخوان المسلمون:

تقدمت إليكم في هذا البيان بخلاصةٍ وافيةٍ موجزةٍ عن فكرتكم في مظهرها الخاص، واليوم كنت أحب أن أستعرض معكم بعض المشاكل الاجتماعية والاقتصادية القائمة في المجتمع المصري، وإن شئتم فقولوا الإسلامي فإن الداء يكون واحدًا في الجميع:

  • ضعف الأخلاق وفقدان المثل العليا.
  • وإيثار المصلحة الخاصة على المصلحة العامة.
  • والجبن عن مواجهة الحقائق، والهروب من تبعات العلاج.
  • والفرقة قاتلها الله.

هذا هو الداء..

والدواء كلمة واحدة أيضًا هي ضد هذه الأخلاق؛ هي علاج النفوس أيها الإخوان وتقويم أخلاق الشعب ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)﴾ (الشمس).

أيها الإخوان المسلمون..

لقد قام هذا الدين بجهاد أسلافكم على دعائم قوية..

* من الإيمان بالله.

  • والزهادة في متعة الحياة الفانية وإيثار دار الخلود.
  • والتضحية بالدم والروح والمال في سبيل مناصرة الحق.

* وحب الموت في سبيل الله.

  • والسير في ذلك كله على هدي القرآن الكريم.

فعلي هذه الدعائم القوية أسسوا نهضتكم وأصلحوا نفوسكم وركزوا دعوتكم وقودوا الأمة إلي الخير، ﴿وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾ (محمد: من الآية 35).

أيها الإخوان المسلمون..

لا تيأسوا، فليس اليأس من أخلاق المسلمين، وحقائق اليوم أحلام الأمس، وأحلام اليوم حقائق الغد.

ولا زال في الوقت متسع، ولا زالت عناصر السلامة قويةً عظيمةً في نفوس شعوبكم المؤمنة رغم طغيان مظاهر الفساد.

والضعيف لا يظل ضعيفًا طول حياته، والقوي لا تدوم قوته أبد الآبدين: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ (5)﴾ (القصص).

أيها الإخوان المسلمون..

- إن الزمان سيتمخض عن كثير من الحوادث الجسام.

- وإن الفرص ستسنح للأعمال العظيمة.

- وإن العالم ينظر دعوتكم دعوة الهداية والفوز والسلام لتخلصه مما هو فيه من آلام.

- وإن الدور عليكم في قيادة الأمم وسيادة الشعوب.

وتلك الأيام نداولها بين الناس، وترجون من الله ما لا يرجون؛ فاستعدوا واعملوا اليوم؛ فقد تعجزون عن العمل غدًا.

أيها الإخوان المسلمون..

لقد خاطبتُ المتحمِّسين منكم أن يتريثوا وينتظروا دورة الزمان، وإني لأخاطب المتقاعسين أن ينهضوا ويعملوا فليس مع الجهاد راحة:﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)﴾ (العنكبوت) وإلي الأمام دائمًا.. والله أكبر ولله الحمد.


رئيس قسم الدعوة بـ(إخوان أون لاين).

المصدر